ما ضابط التناجي المنهي عنه شرعًا؟ وهل الكلام الخاص مع شخصٍ ما في حضور ثالث يُعدُّ من التناجي الممنوع؟
المحتويات
مِن المقرَّر أن المحافظة على ترك ما يؤذي الإنسان ويُحزِنه مطلوبة شرعًا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ» أخرجه الإمام أحمد في "المسند"، والنسائي في "السنن".
فهذا الحديث أصلٌ عامٌّ في تقرير وجوب ابتعاد الإنسان عن الأمور التي قد تؤذي غيره، ويندرج تحتها " التناجي أو النجوى"، وذلك بالكلام الخفيُّ الذي يناجِي به المرء صاحبه كأنه يرفعُه عن غيرِه، كما في "تاج العروس" لمرتضى الزبِيدي (40/ 29-31، ط. دار الهداية)، ويظهر تأذي الغير خاصة إذا كان الحاضرون ثلاثة من قصر الكلام الخاص على اثنين منهم بأحد معنيين: "أحدهما: أنه ربَّما يتوهم أن نجواهما إنما هو لتبييت رأي فيه أو دسيس غائلة له، والمعنى الآخر: أن ذلك من أجل الاختصاص بالكرامة وهو محزِنٌ صاحبه" كما قاله أبو سليمان الخطابي في "معالم السنن" (4/ 117، ط. المطبعة العلمية).
ولذا فقد جاء النهي عن هذا الفعل، فيما رواه ابن مسعود رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إذا كنتم ثلاثة، فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما، فإن ذلك يُحزِنه» متفقٌ عليه، ووجه الدلالة مِنه: أن هذا النَّهي ظاهِرٌ في التحريم، بدليل ترتُّب التعليل -وهو الإحزان- عليه بالفاء، كما في "دليل الفالحين" لابن علَّان الصدِّيقي (8/ 438، ط. دار المعرفة).
والأصل في التناجي: الكراهة والقُبح، كالمكر والخديعة، إذا لم يُقصد به أمرٌ حسن في الشرع، وقد بيَّن الله عزَّ وجلَّ أن النجوى لا تحسنُ إلا في وجوه مستثناة، فقال تعالى: ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾ [النساء: 114].
وقال سبحانه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ [المجادلة: 9].
قال ابنُ عطية الأندلسي في "تفسيره" (5/ 277، ط. دار الكتب العلمية): [وصَّى الله تعالى المؤمنين في هذه الآية بأن لا يكون لهم تناجٍ في مكروه، وذلك عام في جميع الناس إلى يوم القيامة، وخصَّ الإثم بالذكر لعمومه، والعدوان لعظمته في نفسه، إذ هي ظلاماتُ العباد، وكذلك معصية الرسول ذكرها؛ طعنًا على المنافقين؛ إذ كان تناجيهم في ذلك] اهـ.
يتحصل من هذه المعاني أن ضابط التناجي المنهي عنه شرعًا -وهو المسؤول عنه- يتحقق بجملةٍ من الأمور:
أولًا: أن يترك المتناجِيان واحِدًا منهم، ولو كانوا جماعة، فلو أبقوا أكثرَ مِن واحدٍ فلا مانِع اتفاقًا، فيجوز تناجي اثنين دون اثنين أو جماعة؛ لأن الثالث قد شاركه الباقون فيما يُستر عنه مِن الحديث، فيزول عنه سوء الظن، والحُكم يدور مع عِلَّته وجودًا وعدمًا، كما أفاده الإمام ابنُ بطال في "شرح صحيح البخاري" (9/ 64، ط. مكتبة الرشد).
فقد جاء في "موطأ الإمام مالك" عن عبد الله بن دينار، قال: كنتُ أنا وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما عند دار خالد بن عقبة التي بالسوق، فجاء رجلٌ يريد أن يناجيه، وليس مع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أحدٌ غيري، وغير الرجل الذي يريد أن يناجيه، فدعا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما رجلًا آخر حتى كنا أربعة، فقال لي وللرجل الذي دعاه: استأخِرَا شيئًا، فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «لا يَتَنَاجى اثنان دون واحدٍ».
ثانيًا: أن تقلَّ الجماعة الحاضرة في مكان المحادثة، فإذا كان التناجي بحضرة جماعة كثيرة لم يُمنع؛ لأن ذلك أنفى للتهمة والرِّيبة؛ وذلك لما ورد في حديث جابرٍ رضي الله عنه أنه لما رأى برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جوعًا شديدًا في غزوة الخندق ذهب إلى زوجته، ثم قال: فجِئتُه فسارَرْتُه، فقلت: يا رسول الله، إنَّا قد ذبحنا بُهَيْمَةً لنا، وطحنَّا صاعًا من شعير كان عندنا، فتعال أنت في نفر معك. متفقٌ عليه.
ثالثًا: أن يكون التناجي بينهما بغير إذنٍ من بقيَّة الحاضرين سواء كان واحدًا منفردًا أو أكثر، فإن أذِن المنفرد أو الباقي في التناجي دونه أو دونهم: زال المانِع؛ لكون الحقِّ له، فإن أسقطه سقط، ولا يكون بذلك من التناجي المنهي عنه، كما في "الفواكه الدواني" للنفراوي (2/ 328، ط. دار الفكر).
والأصلُ فيه: ما أخرجه أحمد في "المسند" عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إذا تَنَاجى اثنان فلا تجلِسْ إليهما حتى تستأذِنَهما».
رابعًا: ألَّا يكون الثالثُ هو الداخِل على المتناجَيين في حال حديثهما وكلامهما سِرًّا، فلو تكلم اثنان في السِّر ابتداء، ثم أتى ثالثٌ ليستمع إليهما، فلا يجوز ما لم يُؤذن له، كما لو لم يكن حاضِرًا معهما أصلًا، كما في "فتح الباري" للحافظ ابن حجر العسقلاني (11/ 84، ط. دار المعرفة).
ويدلُّ على هذا: ما أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" عن سعيد المقبري، قال: مررت على ابن عمر، ومعه رجل يتحدث، فقمتُ إليهما، فلَطَمَ في صدري فقال: إذا وجدت اثنين يتحدَّثان فلا تقم معهما، ولا تجلس معهما، حتى تستأذنهما، فقلت: أصلحك الله يا أبا عبد الرحمن، إنما رجوتُ أن أسمع منكما خيرًا.
خامسًا: أن يخشى المتناجيان أن يظن ثالثُهما أنهما يتحدثان في أمرٍ يكرهه، أو كان لا يعرِفُهما ولا يثق بهما، فيكون التناجي في هذه الحالة حرامًا، فإن أمِنَا من ظنِّه ذلك كُرِه تناجيهما؛ لأنه يغمُّ المنفرد مِن حيث الجملة، كما في "البيان والتحصيل" للإمام ابن رشد الجد (18/ 227، ط. دار الغرب الإسلامي).
بناء على ذلك: فلا مانع شرعًا مِن الكلام الخاصِّ مع شخصٍ في حضور ثالث، ولا يُعدُّ هذا من التناجي الممنوع إذا رُوعِيت الضوابط السَّابِقة، بأن يكون هذا الثالث على معرفةٍ وثقة بالمتناجِيَين، وأن يأذن لهما في هذا الحديث الخاص بينهما دونه، وألا يكون هو الداخلَ عليهما حال حديثهما سِرًّا.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم قضاء الحاجة بجوار المقابر؟ فقد سئل في رجل أجرى بناء حوش بجبانة المسلمين بأرض الإمام الليث رضي الله عنه، وجعل في بناء الحوش مرحاضًا عموميًّا بجوار المقابر، حتى إن حيطان هذا المجرور سالت منها المياه النجسة، وبها بعض من الغائط على المقابر التي بجوارها؛ حيث جئت بميت لي لدفنه، وبفتح القبر الذي بجوار المجرور فوجدته مملوءًا بالمياه ويتبعها شيء من الغائط، وشاهد ذلك كثيرٌ من المُعزّين -أي: المؤاجرين في الجنازة-، وقد أحضر بعضهم من الأتربة لتجفيف القبر ونزول الجثة، ولم يزل هذا المحل يصبُّ من جميع جوانبه إلى القبور المجاورة له، فهل يجوز فتح هذا المجرور بأرض وقف المسلمين وبها موتى المسلمين ويكون ذلك شرعًا؟ أفيدوا الجواب، ولكم الأجر والثواب.
ما حكم تكفين الجزء المأخوذ من الميت لدفنه؟ فإنَّ ابني كان طالبًا في كلية الطب، وأحضرنا له بعض العظام البشرية للتعليم عليها، وقد أنهى دراسته الجامعية، فماذا أفعل في هذه العظام؟ هل أعطيها لغيره من الطلبة ليتعلم عليها، أو يجب عليَّ دفنُها صيانةً لحرمة هذا الميت؟
ما حكم تحريض المخطوبة على ترك خطيبها؟
ما حكم الشرع في اختلاء المسجون بزوجته؟
ما حكم الشرع في سماع الأغاني والموسيقى؟
ما حكم إعفاء حافظ القرآن من الخدمة العسكرية في القانون القديم، إذ أنه قد سئل بخطاب رئيس مجلس قرعة جرجا بما صورته: أن نفرًا من ضمن شبان قرعة سنة 1925م والمتطلب الإعفاء؛ لكونه من حفاظ آي القرآن الكريم، وفعلًا امتحن ووجد حافظًا له عن ظهر قلب، إنما أجاب بأنه كان سهرانًا عند أحد الناس في شهر رمضان بأجر قدره خمسة جنيهات مصرية خلافًا لكسوته.
المجلس يا صاحب الفضيلة يعدّ هذا الفقيه لا يستحق الإعفاء؛ بسبب جعله القرآن وسيلة للارتزاق، وما جعل حفظ القرآن واسطة لحافظه ليُكسبه رزقه.
هذا ما يخالج ضميرنا صراحة، والذي أرجوه من فضيلة مولانا المفتي أن يتنازل بإبداء رأي فضيلته ويبين لنا حكمة حفظ القرآن الشرعية هل جعلت مهنة لكسب العيش، أم جعلت شرفًا فقط لحامل القرآن وميزة له؟ وإن كانت جعلت ميزة له فمن أي مورد يرتزق النفر بفرض أنه ليس له عائل يعوله وليس له وسيلة للارتزاق؟ كما وأننا يا صاحب الفضيلة لو عملنا بسقوط حق النفر من الإعفاء لما نوهنا عنه بعاليه لأخذ عدد الفقهاء يقلّ شيئًا فشيئًا.
من أجل هذا أود إفتاءً صريحًا عن جوهر الحكمة التشريعية الذي قصد به الشارع إعفاء حفاظ القرآن؛ أيكون النفر منقطعًا انقطاعًا كليًّا لتلاوة القرآن بدون أجر وبدون حرفة سواه؟