ما حكم الوصية بحج الفريضة؟ حيث وجبَ على والدي فريضة الحج، وعزم على أدائه، إلا أنه لم يقدر على ذلك لمرض أصابه قبل السفر، وأخبرني أنه إذا شفاه الله فإنه سوف يَحُجُّ عن نفسه العام القادم، وأوصى بأنه إذا وافته المنية أن نحج عنه من ماله، وظَلَّ في مرضه حتى مات، فما الحكم في ذلك شرعًا؟
ما دام والدك قد أوصى بحج الفريضة عنه مِن مالِهِ، ولا مُنازِع مِن الورثة في ثبوت هذه الوصية، فإنَّ تكاليف الحج عنه تُستوفى مِن تركته في حدود ثُلُثِها وجوبًا، ولا تنفذ فيما يزيد على الثلث إلا بموافقة الورثة، وذلك في حق مَن كان منهم مِن أهل التبرع عالِمًا بما يُجيزُه.
المحتويات
عرَّف فقهاءُ الحنفية الوصية بأنها: "تمليكٌ مضافٌ إلى ما بعد الموت"؛ كما قال علاء الدين الكاساني في "بدائع الصنائع" (7/ 330، ط. دار الكتب العلمية)، وعرَّفها المالكيةُ بأنها: "عقدٌ يوجِب حقًّا في ثُلُثِ عاقِدِه، يَلزَمُ بموته أو نيابةً عنه بَعدَه"؛ كما قال الإمام ابن عرفة في "المختصر" (10/ 418، ط. مؤسسة خلف الحبتور)، وعرَّفها الشافعيةُ بأنها: "تبرُّعٌ بحقٍّ مضافٍ ولو تقديرًا لِمَا بعد الموت"؛ كما قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب" (3/ 29، ط. دار الكتاب الإسلامي)، وعرَّفها الحنابلةُ بأنها: "أمرٌ بالتصرُّف بعد الموت، والوصية بالمال: هي التبرُّع به بعد الموت، هذا هو الحدُّ الصحيح"؛ كما قال الإمام المَرْدَاوِيُّ في "الإنصاف" (7/ 183، ط. دار إحياء التراث).
فـ"الوصية عند الفقهاء أَعَمُّ مِن الوصية عند الفُرَّاض؛ لأن الوصية عند الفُرَّاض قاصرةٌ على الإيصاء بما فيه حقٌّ، وأما عند الفقهاء فتَنَوَّعُ إلى وصية نيابة عن الموصي كالإيصاء على الأطفال، وعلى قبض الديون، وتَفرِقَة التركة، والنوع الثاني: أن يوصي بثلث ماله للفقراء أو بعتق عبده أو قضاء دينه، وتعريف ابن عرفة مشتمل على النوعين"؛ كما قال شهاب الدين النَّفراوي في "الفواكه الدواني" (2/ 132، ط. دار الفكر). والفُرَّاض: هُم علماء الفَرَائض والمَوَاريث.
ومن ثَمَّ فيستفاد من هذه التعريفات أن الوصية تأتي بمعنى التبرع بالمال والتصرف فيه، وتأتي بمعنى الإيصاء بشيء أو على شيء، فعلى الأول: تكون تصرفًا في التركة مضافًا إلى ما بعد الموت، وعلى الثاني: تكون إقامةَ الموصي غيرَه مَقامَ نفْسِه في أمرٍ مِن الأمور بعد وفاته، كأن يوصي إلى إنسانٍ بتزويج بناته، أو تحديدِ مكانِ دفنِهِ، أو مَن يصلي عليه ويُغَسِّلُه، ونحو ذلك.
الوصية مشروعةٌ بعموم الكتاب والسُّنَّة وإجماع الأمة.
فمِن الكتاب: قول الله تعالى: ﴿مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَآ أَوۡ دَيۡنٍ﴾ [النساء: 11]، وقوله سبحانه: ﴿مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَآ أَوۡ دَيۡنٍ غَيۡرَ مُضَآرٍّ﴾ [النساء: 12].
ومن السُّنَّة: ما جاء عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء يَعودُه وهو بمكة، فقال سعدٌ رضي الله عنه: يا رسول الله، أُوصِي بمالي كلِّه؟ قال: «لَا»، قلتُ: فالشطر؟ قال: «لَا»، قلتُ: الثلث؟ قال: «فَالثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» الحديث. متفقٌ عليه.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ، إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ» متفقٌ عليه.
ولا يزال الناسُ "مِن لَدُن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى يومنا هذا يُوصُون مِن غير إنكارٍ مِن أَحد، فيكون إجماعًا من الأمة على ذلك"؛ كما قال علاء الدين الكاساني في "بدائع الصنائع" (7/ 330)، و"أجمع العلماء في جميع الأمصار والأعصار على جواز الوصية"؛ كما قال الإمام ابن قُدَامة في "المغني" (6/ 137، ط. مكتبة القاهرة).
تنفذ وصيةُ الميت بالمال -إذا ثبَتَت بما تَثبُت به الحقوق قضاءً- في حدود ثلث التركة وجوبًا، سواءٌ قيَّد الموصي وصيَّتَه بالثلث أو لم يُقيِّد، ويجوز تنفيذها في أكثر مِن الثلث بموافقة الورثة إذا كانوا من أهل التبرع عالِمِين بما يُجيزونه، وذلك بإجماع الفقهاء.
قال بدر الدين العيني في "عمدة القاري" (8/ 91، ط. دار إحياء التراث): [وأجمع فقهاءُ الأمصار أن الوصية بأكثر من الثلث إذا أجازها الورثة جازت، وإن لم تُجِزها الورثةُ لم يجز منها إلا الثلث] اهـ.
وعلى ذلك نصت الفقرة الأولى مِن المادة (37) من قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946م؛ إذ جاء فيها: [تَصِحُّ الوصية بالثلث للوارث وغيره، وتنفذ مِن غير إجازة الورثة، وتصح بما زاد على الثلث، ولا تنفذ في الزيادة إلا إذا أجازها الورثة بعد وفاة الموصي وكانوا من أهل التبرع عالِمِين بما يُجيزونه] اهـ.
ومن ثَمَّ، فإن أوصى إنسانٌ بِحَجِّ الفريضة عنه، فالمختار للفتوى: أنَّ وصيَّته تنفذ بتكاليف هذا الحج في حدود ثلث التركة وجوبًا، وهذا مذهب الحنفية، والمالكية.
قال شمس الأئمة السَّرَخْسِيُّ الحنفي في "المبسوط" (27/ 146، ط. دار المعرفة): [وعن إبراهيم في الرجل يموت ولم يحج؟ قال: إن أوصى أن يُحَجَّ عنه فمِن الثلث، وإن لم يُوصِ فلا شيء، وبهذا نأخذ] اهـ.
وقال القاضي عبد الوهاب المالكي في "التلقين" (1/ 79، ط. دار الكتب العلمية): [ومَن مات قبل أن يَحج، لم يَلزم الحجُّ عنه في رأس مالِهِ ولا في ثلثه، إلا أن يُوصِيَ به، فيكون في ثُلثه] اهـ.
وهو أيضًا مذهب جماعة من السلف كحماد بن أبي سليمان الكوفي، وداود بن أبي هند، وحميد الطويل، وأبي عمرو البَتِّيِّ، وابن سِيرين، والنَّخَعِي، والشَّعْبِي، والثَّوْرِي؛ كما في "الإشراف" للإمام ابن المنذِر (4/ 418، ط. مكتبة مكة الثقافية).
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فما دام والدك قد أوصى بحج الفريضة عنه مِن مالِهِ، ولا مُنازِع مِن الورثة في ثبوت هذه الوصية، فإنَّ تكاليف الحج عنه تُستوفى مِن تركته في حدود ثُلُثِها وجوبًا، ولا تنفذ فيما يزيد على الثلث إلا بموافقة الورثة، وذلك في حق مَن كان منهم مِن أهل التبرع عالِمًا بما يُجيزُه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
سائلة تقول: أرغب في الذهاب للعمرة لكنني حامل؛ فهل يجوز لي الاعتمار أو أنَّ الحمل يمنعني من ذلك؟
ما حكم الإنفاق على الفقراء بدلا من الحج والعمرة في أيام الوباء؟ فمع انتشار وباء كورونا قامت السلطات السعودية بتأجيل العمرة، كما قامت بقصر الحج على حجاج الداخل من السعودية فقط؛ تحرزًا من انتشار عدوى الوباء، وأمام حزن الكثيرين ممن كانوا يحرصون على أداء العمرة بشكل مستمر في شهر رمضان أو غيره من مواسم الطاعات، وكذلك الحج تطوعًا في موسمه، خرجت دار الإفتاء المصرية بمبادرة عنوانها "كأنك اعتمرت": أكثر من ثواب العمرة، تدعو فيها من يريد الذهاب للعمرة إلى إنفاق الأموال المعدة لها، على الفقراء والمساكين والغارمين وأصحاب العمالة اليومية (الأرزقية) وكل من تضرروا بظروف الوباء؛ تفريجًا لكروبهم، وقضاءً لحوائجهم، وإصلاحًا لأحوالهم.
فهل يكون ذلك مساويًا لثواب العمرة والحج تطوعًا فضلًا عن أن يكون زائدًا عليها؟
ما حكم من نوى التمتع ثم تعذر عليه أداء العمرة قبل الحج؟ فقد سافرت امرأة إلى الحج، فأحرمت من بلدها، ونوَتِ التمتع، وبعد النزول في مكة المكرمة، وقبل أداء العمرة تم تغيير برنامج الرحلة، بحيث يذهبون إلى زيارة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة أولًا، ويعودون في نهاية اليوم السابع من ذي الحجة، على أن يخرجوا إلى عرفة صبيحة اليوم الثامن، وتخشى أن لا تتمكن من أداء العمرة قبل الحج، وتسأل هل يجوز لها أن تُحوِّل إحرامها من تمتع إلى قِران؟ وهل عليها دم؟
ما مشروعية تعليم مناسك العمرة عن طريق عمل مجسم للكعبة والطواف حولها؟
ما حكم لبس قناع الوجه الطبي (Face Shield) للمرأة المحرمة؛ توقيًا من الإصابة بالأوبئة والأمراض، خصوصًا إذا ثبت خطرها وإمكان انتقالها عن طريق العدوى؟ علمًا بأن هذا القناع شفافٌ، ويُثَبَّت بحاملٍ أعلى الجبهة وعلى جانبي الرأس، ولا يكون ملاصقًا للوجه.
ما حكم تقديم طواف الإفاضة على الرمي في حج التمتع؟ فهناك بعثة حجَّاج تعزم أن يكون خط سيرها المقترح في الحج: من القاهرة، إلى مطار جدة، ثم إلى مكة، ثم إلى عرفات، ثم إلى المزدلفة، ثم إلى مكة، ثم إلى منًى، ثم إلى مكة؛ بحيث يتم التوجُّه من المزدلفة إلى مكة مباشرة وأداء طواف الإفاضة وسعي الحج ثم التحلل الأكبر، ثم التوجه بعد ذلك إلى منًى ورمي جمرة العقبة الكبرى، فهل هذا جائزٌ في حجِّ التَّمتُّع، أم أنه يتعيَّن التوجُّه من مزدلفة إلى منًى لِرَمي جمرة العقبة الكبرى قبل التحلُّل الأكبر؟