حكم قراءة القرآن مصحوبا بموسيقى الروك آند رول ، البوب ، الفانك ، التكنو

تاريخ الفتوى: 03 أكتوبر 2024 م
رقم الفتوى: 8465
من فتاوى: فضيلة أ. د/ نظير محمد عياد - مفتي الجمهورية
التصنيف: الذكر
حكم قراءة القرآن مصحوبا بموسيقى الروك آند رول ، البوب ، الفانك ، التكنو

ما حكم الشرع في القيام بعمل مقاطع لآيات من القرآن الكريم مصحوبة بموسيقى الروك آند رول، البوب، الفانك، التكنو؟ وذلك بدعوى جذب الأجيال الجديدة المنغمسة في حب هذا اللون من الموسيقى لسماع القرآن، وتحسين قدرة الشباب على تذكر آيات القرآن الكريم، وتحفيز مشاعر الخشوع والروحانية، والتنويع في أساليب التلاوة. أفيدونا أفادكم الله.

القيام بعمل مقاطع لآيات من القرآن الكريم مصحوبة بأي نوع من أنواع الموسيقى أو الاستماع إليها أو الترويج لها أو الإسهام في نشرها من أشد الكبائر المقطوع بحرمتها شرعًا.

وقد تواتر فقهاء الإسلام عبر القرون على الإنكار الشديد على هذا الصنيع الذي يخلط فيه قراءة القرآن بالآلات الموسيقية؛ لكون ذلك مشعِرًا بالاستخفاف بالقرآن العظيم الذي هو أرفع من أن تشتمل القراءة على شيء من الإيقاعات أو الآلات.

المحتويات

 

القرآن الكريم هدايةٌ ونورٌ ورحمةٌ للناس

أنزل الله تعالى القرآن الكريم هدايةً ونورًا ورحمة للناس؛ لينالوا به أكمل السعادات في الأولى والآخرة، وأمرهم بتدبر آياته، والانتفاع بها، وإقامة حدودها، وأراد لهم أن يكون حظهم منها شغاف القلوب، لا مقارع الأسماع.

وقد أنزله الله تعالى معجزًا في أوجه مختلفة من الإعجاز: في نظمه وكتابته، ومن أبرز أوجه إعجازه اللفظية: إعجاز جرسه و"موسيقاه"، وكل هذا مقرون به، نُقِل إلينا جيلًا بعد جيل.

قال الإمام أبو العباس القرطبي في "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (2/ 422، ط. دار ابن كثير): [كيفية قراءة القرآن قد بلغتنا متواترة عن كافة المشايخ جيلا فجيلا إلى العصر الكريم، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم] اهـ، والمحافظة على هذه الكيفية من غير تحريف من جملة أمانة الحفاظ على القرآن، والإخلال بها ضرب من خيانة الأمانة.

حكم قراءة القرآن مصحوبا بالآلات الموسيقية ونصوص الفقهاء الواردة في ذلك

لا شك أن إدخال ألوان الآلات وأنواع الموسيقى المختلفة هو لون من ألوان الإخلال بالكيفية والهيئة المتواترة لنقل كتاب الله، يخرج الاستماع إلى آيات القرآن الكريم من مقصوده -وهو الاهتداء- إلى مقاصد أُخَر من اللهو أو الجنون الذي لا تقره الشريعة.

وقد تواتر فقهاء الإسلام عبر القرون على الإنكار الشديد على هذا الصنيع الذي يخلط فيه قراءة القرآن بالآلات الموسيقية؛ لكون ذلك مشعِرًا بالاستخفاف بالقرآن العظيم الذي هو أرفع من أن تعضد موسيقاه الذاتية بشيء من الإيقاعات أو الآلات، ولما في ذلك من تعريضه لابتذال الغناء واللهو، قال الإمام الغزالي في "إحياء علوم الدين" (2/ 300، ط. دار المعرفة): [الألحان الموزونة تعضَّدُ وتؤكَّد بإيقاعات وأصوات أُخَر موزونة خارج الحلق كالضرب بالقضيب والدف وغيره؛ لأن الوجد الضعيف لا يستثار إلا بسبب قوي. وإنما يقوى بمجموع هذه الأسباب ولكل واحد منها حظ في التأثير.

وواجب أن يصان القرآن عن مثل هذه القرائن؛ لأَنَّ صورتها عند عامة الخلق صورة اللهو واللعب، والقرآن جِدُّ كله عند كافة الخلق، فلا يجوز أن يمزج بالحق المحض ما هو لهوٌ عند العامة وصورته صورة اللهو عند الخاصة، وإن كانوا لا ينظرون إليها من حيث إنَّها لهو بل ينبغي أَنْ يوقر القرآنُ.. ولا يقدر على الوفاء بحق حرمة القرآن في كل حال إلا المراقبون لأحوالهم.. ولذلك لا يجوز الضرب بالدف مع قراءة القرآن ليلة العرس] اهـ.

بل عدُّوا ذلك الأمر من عظائم الكبائر، قال العلامة ابن نجيم الحنفي في "البحر الرائق" (5/ 131، ط. دار الكتاب الإسلامي) -وهو يَعُدُّ ما قد يخرج المرء من الدين بالكلية-: [وبقراءة القرآن على ضرب الدف أو القضيب] اهـ.

وقال الإمام الإسنوي في "المهمات في شرح الروضة والرافعي" (8/ 293، ط. مركز التراث الثقافي المغربي): [وفي كتب أصحاب أبي حنيفة اعتناء تام بتفصيل الأقوال والأفعال المقتضية للكفر، وأكثرها مما يقتضي إطلاق أصحابنا الموافقة عليه، فمنها: إذا قال: لو أعطاني الله تعالى الجنة ما دخلتها كفر، وكذا إذا قرأ القرآن على ضرب الدّف أو القضيب] اهـ.

هل خلط قراءة القرآن بالآلات من التغني المحمود الوارد في الحديث؟

خلط قراءة القرآن بالآلات ليس من التغني المحمود الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ» رواه البخاري، قال الإمام علي القاري في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (4/ 1498، ط. دار الفكر): [أي لم يحسِّن صوته به أو لم يجهر أو لم يستغن به عن غيره أو لم يترنم أو لم يتحزن] اهـ.

والتغني المحمود المسنون: خدمة المعنى القرآني، بتجليته بما يناسبه من تصوير نغمي صوتي، يتوافق مع مواهب الإنسان الصوتية، وهو المعبر عنه بفن المقامات الصوتية، وهو بخلاف إحداث التلاوة على آلات الموسيقى وألحانها، فإنها خروج عن هذا النسق الشريف، ومؤداه إلى الزيادة والنقص في القرآن الكريم؛ لأن القارئ بهذه الكيفية والهيئة غالبًا سيمد في غير موضع المد، ويقصر في غير موضع القصر؛ مراعاة للحن.

قال الإمام الغزالي في "إحياء علوم الدين" (2/ 300): [التصرف -يعني في المدود- جائز في الشعر ولا يجوز في القرآن إلا التلاوة كما أنزل، فقصره ومده والوقف والوصل والقطع فيه على خلاف ما تقضيه التلاوة حرام أو مكروه، وإذا رتل القرآن كما أنزل سقط عنه الأثر الذي سببه وزن الألحان وهو سبب مستقل بالتأثير وإن لم يكن مفهومًا كما في الأوتار والمزمار والشاهين وسائر الأصوات التي لا تفهم] اهـ.

من المحاذير الشرعية التي تشتمل عليها قراءة القرآن مصحوبا بالآلات الموسيقية

الآلات الموسيقية تأخذ المستمع من الاستماع إلى القرآن الكريم إلى الاستماع إلى شيء آخر وهو الآلة وهو ما يعرف بـ"التشويش على القراءة".

ويتحصل من ذلك أنه يترتب على مصاحبة الموسيقى للقرآن عدة محظورات:

منها: أنَّ الموسيقى -ومع التسليم أن حسنها حسن وقبيحها قبيح- تعَدُّ من اللهو؛ حيث روي عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أنَّها زفَّت امرأة من الأنصار، فقال النبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يا عائشة ما كان معكم لَهْو؟ فإنَّ الأنصار يعجبهم اللهو»، رواه البخاري، وقد نفى الله الهزل عن القرآن ونزهه عنه بقوله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ ۝ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ﴾ [الطارق: 13-14]، واللهو مرادف الهزل، فيجب تنزيه القرآن عنه.

ومنها: أن إدخال الآلات الموسيقية عند قراءة القرآن ملحق باللغو؛ لكونه يصرف عن تدبر معاني القرآن، وإن كان بعض اللغو مباحًا، لكن تعمده مع القرآن غير جائز كما قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾ [فصلت: 26]، ولم يكن فعلهم إلا تشويشًا وتخليطًا، بحيث يصرف الناس عن فهم معاني القرآن والتدبر فيه. ينظر: "تفسير الزمخشري" (4/ 197، دار الكتاب العربي- بيروت)، و"البحر المحيط" لأبي حيان (9/ 301، دار الفكر- بيروت)، و"الكشف والبيان عن تفسير القرآن" للثعالبي (8/ 292، دار إحياء التراث العربي، بيروت).

التحذير من تتبع مقاطع قراءة القرآن الكريم المصحوبة بالموسيقى و الترويج لها

تتبع مقاطع قراءة القرآن الكريم المصحوبة بالموسيقى أو الترويج لها -فيه اطلاع على المنكر وتهوينٌ لشأنِ القرآن في القلوب، والأصل إماتة المنكر بالإعراض عنه، والبعد عن الانشغال باللغو الممنوع، وقد طلب الحق من عموم عباده المؤمنين الإعراض عن اللغو في نحو قوله: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾ [المؤمنون: 3]، روى ابن أبي حاتم في "تفسيره" (8 / 2736، ط. مكتبة نزار مصطفى) عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: [لَا يُسَاعِدُونَ أَهْلَ الْبَاطِلِ عَلَى بَاطِلِهِمْ] وكقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ [الفرقان: 72]، وقوله: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾ [القصص: 55]، كما أنَّ في متابعة تلك المقاطع المسيئة إعانةً على إذاعة الباطل والمنكر ومساعدةً له في الانتشار بكثرة عدد مشاهداته.

الرد على بعض المزاعم والادعاءات حول هذا الأمر

إذ تقرر ما تقدم من كون القرآن الكريم كتاب هداية، وأنَّه توقيفي في حروفه وطرق أدائه فإنه لا يُلْتَفَت إلى ما ورد في السؤال من أهداف وقصود من عمل مقاطع لآيات من القرآن الكريم مصحوبة بموسيقى؛ إذ إنها لا تعدو كونها أهدافًا وقصودًا ملغاة في الميزان الشرعي لا تسوِّغ -بحال من الأحوال- جوازه شرعًا، كالدعوى بأنَّ ذلك يجذب الأجيال الجديدة المنغمسة في حب هذا اللون لسماع القرآن؛ لأن ذلك لا يكون إلا بالكيفية التي نقلت إلينا من التغني المحمود المسنون.

وكادِّعاء تحسين قدرة الشباب على تذكر آيات القرآن الكريم؛ فالقرآن -بما هو عليه- ميسر للذكر والحفظ، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ [القمر: 17]، ويشهد لذلك هذا الكمُّ الهائل من الحفظة من العالمين بلغة العرب وغيرهم ممن لا ينطق من العربية سوى آيات القرآن الكريم.

كما أنه لا يلتفت إلى ادِّعاء أن ذلك يحفز مشاعر الخشوع والروحانية؛ فالخشوع إنما ينبع من الفهم والتدبر، والقرآن فيه قوة روحية تعلو على أي مؤثر خارجي، ولا إلى أن ذلك من التنويع في أساليب التلاوة للتجديد الذي يفتح آفاقًا جديدة للإبداع الديني؛ فتلاوة القرآن مبناها على التوقيف والاتباع، والتجديد إنما يكون بما يحافظ على الموروث الثابت دون ما يكر عليه بالبطلان بتجاوز الضوابط الشرعية.

الخلاصة

بناء على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن القيام بعمل مقاطع لآيات من القرآن الكريم مصحوبة بأي نوع من أنواع الموسيقى أو الاستماع إليها أو الترويج لها أو الإسهام في نشرها من أشد الكبائر المقطوع بحرمتها شرعًا.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

لماذا ينزل بلاء عام ويدخل فيه الصالحون؟


كيف أهذب نفسي وأحفظها من الفتنة في هذا العصر؟


ما حكم مسح الآيات القرآنية المكتوبة على السبورة المستعملة للتدريس بالكليات الجامعية؟


ما حكم من يقول: إذا كانت كل العقائد تؤمن بأن العالم مدين في وجوده إلى علة أولى أو مبدأ أول هو الله في الإسلام، فإن الخطاب الديني -لا العقيدة- هو الذي يقوم بإحلال الله في الواقع العيني المباشر، ويرد إليه كل ما يقع فيه، وفي هذا الإحلال يتم تلقائيًّا نفي الإنسان، كما يتم إلغاء القوانين الطبيعية والاجتماعية، ومصادرة أية معرفة لا سند لها من الخطاب الديني أو من سلطة العلماء؟ هل يؤدي مثل هذا القول إلى الرمي بالكفر؟


هل يجوز الاستفادة من غير المسلم في مجال عمله والثناء عليه، وتقليده والرغبة في أن أصير مثله في أعماله؟ حيث دار حديث بيني وبين أحد الأصدقاء فقال: إن هذا مخالف لمبدأ الولاء والبراء. فما مدى صحة ذلك؟


أيهما أفضل عند الله تعالى الغِنى أم الفقر؟ حيث دارَ حوارٌ بيني وبين أحد أصدقائي حول المفاضلة الأخروية بين الغنى والفقر، فكان ممَّا احتجَّ به قول النبي عليه السلام: «يدخل الفقراء الجنَّة قبل الأغنياء بخمسمائة عام نصف يوم»، معقِّبًا بأنَّ هذا النصَّ النبوي خير دليلٍ في مدح الفقر وأهله، فوقع في نفسي حينئذٍ أنَّ هذا الحديث قد يحمل بعض الناس على التكاسل وترك العمل والركون إلى الفقر لتحصيل ذاك الثواب، مع أنِّي أعلم تمام العلم أنَّ الشريعة الغراء تدعو دائمًا إلى العمل وتحثُّ على الإنتاج وتحذِّر من التكاسل؛ فما قولكم في ذلك؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 15 يونيو 2025 م
الفجر
4 :7
الشروق
5 :53
الظهر
12 : 55
العصر
4:31
المغرب
7 : 58
العشاء
9 :31