حكم ضمان الوديعة التي أوصى بها المتوفى قبل موته ولم يجدها الورثة

تاريخ الفتوى: 02 ديسمبر 2024 م
رقم الفتوى: 8499
من فتاوى: فضيلة أ. د/ نظير محمد عياد - مفتي الجمهورية
التصنيف: الوصية
حكم ضمان الوديعة التي أوصى بها المتوفى قبل موته ولم يجدها الورثة

ما حكم ضمان الوديعة التي أوصى بها المتوفى قبل موته ولم توجد في موضعها؟ فهناك رجلٌ أخبر أولادَه قبل وفاته أنَّ ابن عمه قبل أن يسافر خارج البلاد ترك وديعةً عنده ليستردَّها منه عَقِب عودته، وأنَّه قد قَبِل تلك الوديعة من غير أجرٍ ابتغاءً للأجر والمثوبة من الله تعالى، وأخبَرَهم بموضِع حفظها، فلما مات لم يجدوها في الموضِع الذي سمَّاه لهم ولا في غيره، فهل تُضمَن تلك الوديعة من تركته؟

إذا أخبر الرجلُ المذكور أولادَه قبل وفاته بالوديعة التي تركها ابنُ عمه عنده ليحفظها له إلى حين عودته من سفره، وذكر لهم موضِع حفظها، ثم مات ولم يجدوها في المكان الذي أخبرهم به ولا في غيره، فلا ضمان عليه في تركته، فإن وجدوها بعد ذلك وجب عليهم ردُّها إلى صاحبها.

المحتويات

 

بيان الإجماع على جواز الوديعة

لَمَّا كانت حاجةُ الناس ماسَّةً إلى إيداع الأمانات لدى الغير؛ لأنَّه يتعذَّر على بعضهم حفظ أموالهم بأنفسهم، شُرِعَت الوديعة رعايةً لحالهم وحفظًا لأموالهم من الضياع، والأصل فيها قولُ الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ [النساء: 58].

قال الإمام القُرْطُبِي في "الجامع لأحكام القرآن" (5/ 257، ط. دار الكتب المصرية): [الآية شاملة بنَظْمِها لكلِّ أمانة، وهي أعداد كثيرة كما ذكرنا، وأُمَّهاتها في الأحكام: الوديعةُ، واللُّقَطَة، والرهن، والعارية] اهـ.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ» أخرجه الإمامان: أبو داود والترمذي في "السنن".

قال العلامة مُظهِر الدين الزَّيْدَانِي في "المفاتيح في شرح المصابيح" (3/ 476، ط. دار النوادر): [يعني: مَن أودع عندك وديعةً سَلِّم تلك الوديعة إليه من غير نقصٍ وتصَرُّف، ولا تَخُن فيه وإن خانك صاحبه] اهـ.

وقد أجمع علماء الأمة الإسلامية الميمونة على مَرِّ العصور وكَرِّ الدهور على جواز الوديعة من غير نكير.

قال الإمام مُوَفَّق الدين ابن قُدَامَة في "المغني" (6/ 436، ط. مكتبة القاهرة): [أجمع علماء كلِّ عصر على جواز الإيداع والاستيداع، والعبرة تقتضيها، فإنَّ بالناس إليها حاجة، ويتعذَّر على جميعهم حفظ أموالهم بأنفسهم، ويحتاجون إلى من يحفظ لهم] اهـ.

حكم ضمان الوديعة التي أوصى بها المتوفى قبل موته ولم توجد في موضعها

الوديعةُ أمانةٌ في يد المودَع، فيجب عليه أن يحفظها على الوجه الذي يحفظ به مالَه، بأن يجعلها في حِرزٍ آمِن لا تطاله أيدي السُّراق ولا تلحق بها الآفات، وألَّا يجعلها عُرضةً للتَّلَف أو الضَّيَاع؛ لأنَّه التزم الحفظَ فلم يجُز له التفريط فيه.

قال الإمام علاء الدين السَّمَرْقَنْدِي في "تحفة الفقهاء" (3/ 171، ط. دار الكتب العلمية): [عقد الوديعة استحفاظٌ من المودِع وائتمانٌ له، فتكون الوديعةُ أمانةً في يد المودَع؛ لوجود الائتمان من المودِع، يلزمه حفظها إذا قَبِلَ الوديعة؛ لأنه التزم الحفظ، فيجب عليه أن يحفظ على الوجه الذي يحفظ مالَه بحِرزه وبيده وبيد من كان مالُه في يده] اهـ.

وهذا ما نص عليه القانون المدني المصري رقم 131 لسنة 1948م، في مادته رقم 720، حيث جاء فيها: [إذا كانت الوديعة بغير أجر وجب على المودَع عنده أن يبذل من العناية في حفظ الشيء ما يبذله في حفظ ماله] اهـ.

ولَمَّا كان المودَع مأمورًا بحفظ الوديعة وعدم تعريضها للتَّلَف والضياع، فإنَّه يجب عليه متى خشي الموتَ أن يوصي بها إلى مَن بعده مِن أهله وورثته أن يؤدوها إلى صاحبها؛ إذ قد تطالها أيدي الورثة والغرماء ويدخلونها في التركة ويخضعونها لأحكامها جهلًا منهم بأنها مِلكٌ لغير المورِّث وهي خلافُ ذلك، فيكون بِسُكُوتِهِ مُضَيِّعًا لها. ينظر: "درر الحكام" للمُلَّا خُسْرُو الحنفي (2/ 427، ط. در إحياء الكتب العربية)، و"التمهيد" للإمام ابن عبد البَر المالكي (14/ 292، ط. أوقاف المغرب) و"روضة الطالبين" للإمام النَّوَوِي الشافعي (6/ 329، ط. المكتب الإسلامي)، و"المغني" للإمام ابن قُدَامَة الحنبلي (6/ 137، ط. مكتبة القاهرة).

ودليل وجوب الإيصاء والحالة هذه: عمومُ قول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ [النساء: 58].

وإيصاء المودَع بالوديعة إلى مَن بعده هو سبيل ردِّها إلى مودِعها أداءً للأمانة متى تعذَّر دفعُها إليه لسفرٍ أو غيره، وكان المودَع يخشى على نفسه الموت، فكان الإيصاءُ حينئذٍ واجبًا؛ لِمَا تقرَّر في قواعد الشرع الشريف مِن أنَّ "للوسائل أحكام المقاصد"، كما في "قواعد الأحكام" لسلطان العلماء عِزِّ الدِّين بن عبد السلام (1/ 46، ط. دار المعارف).

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ، يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ» أخرجه الشيخان.

قال الإمام أبو الفتح تقي الدين ابن دَقِيقِ العِيد في "عمدة الأحكام" (2/ 161، ط. مطبعة السنة المحمدية): [الوصية على وجهين: أحدهما: الوصية بالحقوق الواجبة على الإنسان، وذلك واجبٌ.. والوجه الثاني: الوصية بالتطوعات في القربات، وذلك مستحب، وكأنَّ الحديث إنَّما يُحمَل على النَّوع الأوَّل] اهـ.

وقال الإمام الشَّوْكَانِي في "نيل الأوطار" (6/ 42، ط. دار الحديث): [الحديث يختصُّ بمن عليه حقٌّ شرعيٌّ يخشى أن يضيع على صاحبه إن لم يوصِ به، كالوديعة والدَّيْن ونحوهما] اهـ.

ومحلُّ وجوب الإيصاء بالوديعة متى خشي الموتَ إذا لم يكن بها بيِّنَة باقية، فلو كانت للوديعة بيِّنةٌ لم يجب الإيصاء بها، كما في "تحفة المحتاج" لشيخ الإسلام ابن حَجَرٍ الهَيْتَمي (7/ 109-110، ط. المكتبة التجارية الكبرى، مع "حاشية الإمام الشَّرَوَانِي").

فإن أوصى المُودَعُ بالوديعة إلى مَن بَعده، وأخبَرَهم بموضِع حِفظِها، ثمَّ مات ولم توجَد، فلا ضمان عليه في تركته، وتُحمَل على التَّلَف أو الضياع قبل موته؛ لأنَّ الوديعة متى كانت بغير أجرٍ -كما هي مسألتنا- فهي عقدٌ لا ضمان فيهِ إلا بالتَّفريطِ والتَّعدِّي؛ لأنَّها "مَعرُوفٌ وَإِحسَانٌ، فَلو ضُمِنَت مِن غَيرِ عُدوَانٍ زَهَدَ النَّاسُ فِي قَبُولِهَا فَيُؤدِّي إِلَى قَطعِ المَعرُوفِ"، كما قال الإمام الشِّيرَازِي في "المهذَّب" (2/ 181، ط. دار الكتب العلمية).

ودليلُ ذلك: ما روي عن عمرو بن شُعَيْب، عن أبيه، عن جده رضي الله عنهما، أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ أُودِعَ وَدِيعَةً فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ» أخرجه الأئمة: ابن ماجه والدَّارَقُطْنِي والبَيْهَقِي في "السنن".

نصوص الفقهاء الواردة في ذلك

هذا ما اتفقت عليه كلمة جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.

قال العلامة علاء الدين ابن عَابِدِين الحنفي [ت: 1306هـ] في "قرة عين الأخيار" (8/ 481، ط. دار الفكر) نقلًا عن أبيه الإمام ابن عَابِدِين [ت: 1252هـ]: [المودَع إن أوصى بالوديعة في مرض موته، ثمَّ مات ولم توجد، فلا ضمان في تركته] اهـ.

وقال الإمام الدُّسُوقِي المالكي في "حاشيته على الشرح الكبير" (3/ 426، ط. دار الفكر) في سياق حديثه عن ضمان الوديعة بموت المودَع: [لو أوصى بها لم يضمنها، فإن كانت باقيةً أخذها ربُّها، وإن تلفت فلا ضمان، ويدخل في إيصائه بها ما لو قال: "هي بموضِع كذا" ولم توجد، فلا يضمنها كما قال أَشْهَب، وتُحمَل على الضياع؛ لأنه بقوله: "هي بموضِع كذا" كأنه ذكر أنه لم يتسلَّفها، وهو مُصدَّقٌ؛ لأمانته] اهـ.

وقال حجة الإسلام الغَزَالِي الشافعي في "الوسيط" (4/ 502، ط. دار السلام): [إن أوصى إلى عَدْلٍ فلم توجد الوديعةُ في تركته، فلا ضمان، ويُحمَل على أنها ضاعت قبل موته] اهـ.

وقال الإمام شمس الدين الزَّرْكَشِي الحنبلي في "شرح مختصر الإمام الخِرَقِي" (4/ 583، ط. مكتبة العبيكان): [قال في "التلخيص": إذا أوصى وأجمَلَ ولم يُعرِّف ضَمِنَ، نص عليه، وإن ذكر جنسَها بأن قال: "عندي وديعةٌ عمامة، أو سراويل، أو نحو ذلك"، ولم يوجد ذلك في تركته، فلا ضمان؛ لاحتمال التلف قبل الموت] اهـ.

فإن وُجِدَت تلك الوديعة بعد ذلك بعَيْنها في الموضع المُسمَّى أو في غيره من المواضع وجب ردُّها إلى صاحبها -ولو طال الزمان-، وحَرُم حبسُها أو الانتفاعُ بها من غير إذن المُودِع؛ لتعلُّقِ حقِّ المودِع بها.

قال الإمام ابن المُنْذِر في "الأوسط" (11/ 316، ط. دار الفلاح): [أجمَع أهلُ العلم على أنَّ الرجل إذا مات وعنده وديعة تُعْرَف بعينها لرجلٍ أنَّ صاحبها أحقُّ بها، وأنَّ تسليمها إليه يجب] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فلو أخبر الرجلُ المذكور أولادَه قبل وفاته بالوديعة التي تركها ابنُ عمه عنده ليحفظها له إلى حين عودته من سفره، وذكر لهم موضِع حفظها، ثم مات ولم يجدوها في المكان الذي أخبرهم به ولا في غيره، فلا ضمان عليه في تركته، فإن وجدوها بعد ذلك وجب عليهم ردُّها إلى صاحبها.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم اشتراط صاحب المال على المضارب أن يعمل في سلعة بعينها؟ فقد اتفقت مع صديق لي يعمل في مجال الاستيراد على أن أدفع له مبلغًا من المال، واشترطت عليه أن يتَّجِرَ بمالي والربح بيننا مناصفة، وذلك في نوعٍ معينٍ من التليفونات؛ لعلمي أنَّ الربح في هذا المجال وفير؟


ما حكم تأخير حج الفريضة بعد الاستطاعة لرعاية الأم المريضة؟ فهناك شخصٌ أكرَمَه اللهُ تعالى بالقدرة المالية والبدنية على أداء فريضة الحج، لكن أمه مريضة ولا يقدر على تركها، حيث يقوم على خدمتها ورعايتها، وليس لها غيره يرعاها ويقوم على شؤونها في هذا الوقت، فهل يجوز له تأخير الحج إلى العام القادم أو إلى تمام شفائها ثم يَحُجُّ؟


السائل يقول: إنه في شهر يونيه سنة 1986م تعاقد مع مؤسسة عربية لبيع ماكينات الخياطة والتطريز على شراء ماكينتين للتطريز، على أن يطلب صاحب المؤسسة من الشركة إرسال هذه الماكينات في خلال مدة من 3 إلى 6 شهور، وتم الاتفاق بينه وبين البائع على تسليم الماكينات في ظرف ثلاثة أشهر مقابل مبلغ 74800 جنيه بالشروط التالية:
أ- يدفع من هذا المبلغ 20000 جنيه عند تحرير العقد، وقد دفع هذا المبلغ فعلًا.
ب- يدفع عند التسليم 10000 جنيه.
ج- باقي المبلغ 40800 جنيه تسدد على أقساط شهرية تبدأ بعد التسليم.
د- تحدد بالعقد شرط جزائي قدره 5000 جنيه يدفعها من يخل بشرط هذا العقد.
وسافر إلى عمان بعد أن وكل ابنه في استلام الماكينات، وادعى البائع بأن الماكينات في طريقها إلى الإسكندرية، وطلب المبلغ المتفق عليه عند التسليم، وفعلًا استلم مبلغ 10000 جنيه، وأصبح طرفه مبلغ 30000 جنيه، وعند عودته في يونيه سنة 1987م طالبه بالماكينات، ولكنه ادعى أن الشحنة وصلت بدون الماكينات المطلوبة، ووعد باستعجالها، وقرب السفر حدد موعدًا آخر يوافق وجوده بالسلطنة.
ومر عامٌ آخر وهو يعد ويخلف الوعد، وفي عام 1988م ادعى البائع بأن الماكينات سوف تصله، وحدد موعدًا يوافق يوم سفره بعد انتهاء الإجازة، وادعى بأنه مضطر أن يقدم من يدفع له الثمن نقدًا، ولكنه تقديرًا له يطلب منه مبلغ 10000 جنيه أخرى على أن يسلمه الماكينات في شهر سبتمبر سنة 1988م، وفعلًا دفع له هذا المبلغ، ثم قام زملاء السائل في شهر أكتوبر سنة 1988م بتجديد عقد الاتفاق السابق، وزادوا فيه قيمة الشرط الجزائي إلى 35% من قيمة المبلغ المدفوع أي ما يوازي 14 ألف جنيه، وحددوا موعدًا آخر هو 15 أغسطس سنة 1989م، في هذا الموعد كشف هذا البائع عن غدره، وأعلن أنه عاجز عن تنفيذ هذا العقد، وعن استعداده لدفع قيمة الشرط الجزائي، وفعلًا حرر السائل شيكات بمبلغ 50000 جنيه على خمسة أشهر، وبقي عنده 4 آلاف جنيه تحت المحاسبة.
ويسأل: هل يستحق هذا المبلغ 14 ألف جنيه قيمة الشرط الجزائي؟ وهل يكون حلالًا، أم لا؟ وكيفية التصرف فيه إذا كان غير حلال، وهل على المبلغ المدفوع زكاة باعتباره كان ثمنًا لآلات للعمل؟ وما مقدارها؟


ما حكم إطلاق لفظ العيد على المولد النبوي الشريف؛ حيث يحتفل المسلمون بالمولد النبوي في كل عام، ويقيمون له الولائم ويصنعون الحلوى ويتزاورون كما يفعلون في الأعياد، ويسميه البعض "عيد المولد النبوي"، فهل المولد النبوي من الأعياد حتى يكون كذلك؟


هل يجوز لكافل الطفل اليتيم أو مجهول النسب أن يوصِيَ لهذا الطفل المكفول بجزء من ماله؟ وإن كان يجوز فما القدر المسموح به شرعًا في هذه الحالة؟


ما مدى شرعية احتساب عوض تأخير بنسبة عائد المرابحة وليس بمقدار الضرر الفعلي، واحتساب عوض تأخير على عوض التأخير الأصلي وإضافته لأصل المرابحة، وكذلك احتساب عمولات غير منضبطة ولا تدخل في تكلفة المرابحة وإضافة هذه العمولات إلى أصل المرابحة واحتساب عوض تأخير عليها مع عدم وجود اتفاق وتراضٍ بشأن هذه العمولات ولا مطالبة بسدادها.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 31 أكتوبر 2025 م
الفجر
4 :40
الشروق
6 :8
الظهر
11 : 39
العصر
2:45
المغرب
5 : 9
العشاء
6 :27