مدى صحة صوم من نام أغلب النهار في رمضان

تاريخ الفتوى: 23 مارس 2025 م
رقم الفتوى: 8586
من فتاوى: فضيلة أ. د/ نظير محمد عياد - مفتي الجمهورية
التصنيف: الصوم
مدى صحة صوم من نام أغلب النهار في رمضان

هل يَفسد صوم من نام أغلب النهار في رمضان؟ لأن رجلًا اقتضت طبيعة عمله في أحد أيام شهر رمضان المبارك أن يعمل من بعد صلاة العشاء إلى وقت الفجر، فنوى الصوم، ولشدة تعبه نام من بعد صلاة الفجر إلى قُرب أذان المغرب، فصلى الظهر والعصر قبل غروب الشمس، ثم أفطر حين غربت الشمس، ويسأل: هل يؤثر نومُه هذا في صحة صيامه شرعًا؟

إن اقتضت طبيعة عمل الصائم أن يعمل ليلًا وينام أغلب النهار، فلا تأثير لذلك في صحة صومه شرعًا ما دام قد نوى الصيام من الليل، ولا حرج عليه، مع مراعاة المحافظة على الصلوات المفروضة في أوقاتها ما أمكن.

المحتويات

 

بيان فضل شهر رمضان وحث الشرع على اغتنامه

من المقرر شرعًا أن صوم رمضان ركنٌ مِن أركان الإسلام، وفريضةٌ فَرَضَها اللهُ سبحانه وتعالى على كلِّ مسلمٍ مكلَّفٍ صحيحٍ مُقيمٍ مستطيعٍ خَالٍ من الموانع، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183].

ولِعِظَمِ فضل الصيام، وكونه مِن أَجَلِّ العبادات، اختَصَّ اللهُ سبحانه وتعالى نَفْسَه بتقدير ثواب الصائم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: الصَّوْمُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي» متفق عليه.

إضافة إلى ما بيَّنه لنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم مما في هذا الشهر الكريم من الفضل الكبير، والثواب الجزيل، والأجر العظيم، والعتق من النيران، فحث على اغتنامه؛ لينال المسلمُ الفوزَ والسعادة في الدنيا والأخرى، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ» متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ» أخرجه الإمام مسلم.

وعن سعيد بن المسيب، عن سلمان رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في آخر يوم من شعبان فقال: «أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ أَظَلَّكُمْ شَهْرٌ عَظِيمٌ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، شَهْرٌ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، جَعَلَ اللهُ صِيَامَهُ فَرِيضَةً، وَقِيَامَ لَيْلِهِ تَطَوُّعًا، مَنْ تَقَرَّبَ فِيهِ بِخَصْلَةٍ مِنَ الْخَيْرِ، كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَمَنْ أَدَّى فِيهِ فَرِيضَةً كَانَ كَمَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَهُوَ شَهْرُ الصَّبْرِ، وَالصَّبْرُ ثَوَابُهُ الْجَنَّةُ، وَشَهْرُ الْمُوَاسَاةِ، وَشَهْرٌ يَزْدَادُ فِيهِ رِزْقُ الْمُؤْمِنِ، مَنْ فَطَّرَ فِيهِ صَائِمًا كَانَ مَغْفِرَةً لِذُنُوبِهِ وَعِتْقَ رَقَبَتِهِ مِنَ النَّارِ، وَكَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَقِصَ مِنْ أَجْرِهِ شَيْءٌ» أخرجه الأئمة: الحارث ابن أبي أسامة في "مسنده"، وابن خزيمة -واللفظ له-، والبيهقي في "فضائل الأوقات".

هل يفسد صوم من نام أغلب النهار في رمضان؟

لأجل هذه الفضائل -التي سبق ذكرها- وغيرها كان على المسلم أن يغتنم كلَّ لحظة تَمُرُّ عليه في هذا الشهر، ليلًا أو نهارًا، ويحافظ على ما فيه من عبادات، سواء كانت فرائض أو نوافل، بل ويُشَمِّر عن ساعِد الجِد والاجتهاد، ولا يقضي سائر وقته في النوم أو الراحة، ما دام يقدر على اغتنام هذا الوقت وهو صائم، فإن اقتضت طبيعةُ عمله أن يعمل ليلًا، وينام أغلب النهار -كما هي الحال بالسؤال-، فلا يؤثر ذلك في صحة صيامه شرعًا؛ لأن النوم أثناء الصيام ليس من مبطلات الصيام، ومَن صام ملتزمًا بأحكام الصيام فصومه صحيح، ما دام قد نوى الصيام من الليل، وعليه تواردت نصوص الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، بل نقل بعضُهم الإجماعَ على أنه لو نوى الصوم ثم نام كلَّ اليوم وَفَاقَ لحظةً صح صومُه.

قال الإمام أبو بكر الجَصَّاص الحنفي في "شرح مختصر الإمام الطَّحَاوِي" (2/ 410، ط. دار البشائر الإسلامية): [(ومَن نوى الصوم في الليل من شهر رمضان، فأغمي عليه قبل الفجر، وأصبح كذلك، أجزأه صوم ذلك اليوم) لأن النية قد صحَّت له من الليل، وليس شرطُ صحة الصوم أن تكون النية مقارِنَةً لِأَوَّلِهِ؛ لأنه لو نوى، ثم نام وانتبه بعدما أصبح، صح له الصوم] اهـ.

وقال الشيخ عِلِيش المالكي في "منح الجليل" (2/ 130، ط. دار الفكر): [ولا قضاء على نائم ولو كلَّ الشهر إن بيَّت النيةَ أوَّل ليلة] اهـ.

وقال الإمام النَّوَوِي الشافعي في "المجموع" (6/ 346، ط. دار الفكر): [إذا نام جميع النهار وكان قد نوى من الليل صح صومه على المذهب، وبه قال الجمهور... وأجمعوا على أنه لو استيقظ لحظةً من النهار ونام باقِيهِ صح صومه] اهـ.

وقال الإمام ابن قُدَامَة الحنبلي في "المغني" (3/ 116، ط. مكتبة القاهرة) في بيان ما لا يفسد الصوم: [النوم، فلا يؤثر في الصوم، سواء وُجد في جميع النهار أو بعضه] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن الأصل أن يحرص المسلم على اغتنام شهر رمضان الكريم، وما فيه من النفحات والبركات، والفضل الكبير، والثواب الجزيل، والأجر العظيم، والعتق من النيران، بالمحافظة على ما فيه من العبادات واغتنامها، سواء كانت فرائض أو نوافل، بل ويُشَمِّر عن ساعِد الجِد والاجتهاد، فإن اقتضت طبيعة عمله أن يعمل ليلًا وينام أغلب النهار، فلا تأثير لذلك في صحة صومه شرعًا ما دام قد نوى الصيام من الليل، ولا حرج عليه، مع مراعاة المحافظة على الصلوات المفروضة في أوقاتها ما أمكن، ومن ثَمَّ فإن صوم الرجل المذكور الذي اقتضت طبيعةُ عمله في أحد أيام شهر رمضان المبارك أن يعمل من بعد صلاة العشاء إلى وقت الفجر، فنوى الصوم، ثم نام من شدة التعب من بعد صلاة الفجر إلى قُرب أذان المغرب، فصلى الظهر والعصر قبل غروب الشمس، ثم أفطر حين غربت الشمس -هو صوم صحيح شرعًا، ولا إثم عليه في ذلك ولا حرج.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم الفطر للمسافر إذا كان سفره يبدأ من بعد الظهر وينتهي قبل المغرب؟ فقد عزم رجل على السفر في أحد أيام شهر رمضان، وسفره يبدأ مِن بعد الظهر، وينتهي قبل المغرب، فهل يجوز له الفطر في سفره هذا؟


سائل يقول: أعتاد صيام يوم عاشوراء، وعاشوراء هذا العام سيوافق يوم جمعة؛ فهل يجوز إفراد يوم الجمعة بالصيام في هذه الحالة؟


ما حكم اشتراط النية في صيام التطوع؟ وما هو وقتها؟ فقد كان لدي عمل مهم، وانتهيت منه بعد آذان العصر، ولانشغالي في هذا العمل لم أتناول شيئًا، فأردت أن أصوم هذا اليوم تطوعًا؛ فهل تشترط النية لذلك؟ وهل تصح إذا نويت الصيام بعد العصر؟


ما حكم إفطار الطلاب في أيام الامتحانات عند عدم استطاعة الصيام؟ فإنه يهل علينا شهر رمضان المبارك مع موسم امتحانات، ومع ارتفاع درجة الحرارة فإن بعض الطلاب يؤثر عليهم الامتناع عن الطعام تأثيرًا سلبيًّا على المذاكرة والتركيز، مما قد يؤدي إلى الرسوب أو تراجع درجاتهم ونتائجهم بشكل كبير، فهل يجوز للطلاب الإفطار في هذه الظروف؛ خاصة بالنسبة لأولئك الذين يؤثر الصوم ودرجة الحرارة المرتفعة عليهم تأثيرًا سلبيًّا يضعفهم عن مواصلة أدائهم بالكفاءة المطلوبة، وذلك بغرض التقوِّي على المذاكرة في أيام الامتحانات، واستجلاب القدرة على التركيز؟


ما حكم من مات وعليه صيام بسبب المرض ولم يتمكن من القضاء؟ فهناك شخصٍ أفطر في رمضان بسبب المرض، ثم شفاه الله تعالى، لكنه مات بعد ذلك مباشرة قبل أن يتمكن من قضاء الصوم الذي عليه؟


ما حكم اعتكاف المرأة في بيتها؟ فأنا لم أتزوج بعد، وأرغب في أن أنال ثواب الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان هذا العام قبل أن تشغلني مشاغل الحياة بعد زواجي، ويخبرني بعض مَن حولي بأن اعتكاف المرأة إنما يكون في بيتها لا في المسجد، أرجو الإفادة بالرأي الشرعي في ذلك.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 17 مايو 2025 م
الفجر
4 :20
الشروق
6 :0
الظهر
12 : 51
العصر
4:28
المغرب
7 : 43
العشاء
9 :11