سائلة تقول: تزوَّجَت صديقتي منذ فترة ولم ترزق بأولاد، فكفلت هي وزوجها طفلًا، سنه الآن خمس سنوات، ثم حدث طلاق بينهما، وسؤالي لمن تكون حضانة الطفل المكفول؟ هل يكون معها؟ أم مع مطلقها؟ أرجو الإفادة وجزاكم الله خيرًا.
الولاية على الطفل المكفول بعد طلاق الكافلين ثابتة لولي الأمر المتمثل في اللجنة العليا للأسر البديلة بوزارة التضامن الاجتماعي أو من تفوِّضه، فإذا رأت بقاء المكفول مع أحد الكافلَين (الرجل أو المرأة) بعد طلاقهما فلا حرج في ذلك شرعًا، مع مراعاة الضوابط الشرعيَّة للخلوة بين الكافل والمكفول إذا شارف البلوغ إن كانا من جنسين مختلفين، حيث تجوز شرعًا الخلوة بينهما إذا كان قد تمَّ إرضاع الطفل المكفول من قِبَل الكافلة أو أمها في مُدَّتِهِ الشرعية، وهي سَنَتَانِ قَمَرِيَّتَانِ مِن تاريخ الوِلَادة، قليلًا كان مقدار الرضاع أو كثيرًا، أو كان المكفول أو الكافل في حالة لا تتأتى معها الرغبة في الآخر كالمرض مثلًا، أو وُجد معهما ثالثٌ ثقةٌ يحتشمهما حال عدم وجود رضاع بينهما، وإن لم يحصل رضاع محرِّم وكان الكافل والمكفول في حالة لم تنقطع معها الرغبة في الآخر، ولم يوجد ثالثٌ ثقةٌ يحتشمهما: حرمت الخلوة حينئذ.
المحتويات
رغَّبَ الشَّرعُ الشريفُ في كفالة الأيتام ومَنْ في حكمهم كـ"الأطفال كريمي النسب"، ورتَّب على ذلك الأجر العظيم، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا» وَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى، متفقٌ عليه واللفظ للبخاري في "صحيحه"، وأخرج ابن المبارك في "الزهد"، وأبو داود الطيالسي والإمام أحمد وأبو يعلى في "مسانيدهم"، والطبراني في "المعجم الكبير" من حديث مالك -أو ابن مالك- رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ ضَمَّ يَتِيمًا بَيْنَ أَبَوَيْنِ مُسْلِمَيْنِ إِلَى طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْهُ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ الْبَتَّةَ»، وإسناده حسنٌ كما قال الحافظان: المنذريُّ في "الترغيب والترهيب" (3/ 235، ط. دار الكتب العلمية)، والهيثميُّ في "مجمع الزوائد" (8/ 161، ط. مكتبة القدسي).
الكفالة تُعَدُّ رعايةً خاصة، تقتضي من الكافل نوعَ تصرُّفٍ وولاية، فتعطيه بعض حقوق الولي، وذلك في النفس دون المال، كما جاء في "الإسلام وتنظيم المجتمع" للعلامة أبي زهرة (ص: 131، ط. دار الفكر العربي).
ومن جملة هذه الرعاية: حضانة الطفل المكفول، وقد استقرَّ العلماء على أنَّ الحضانة تدخلُ في معنى الكفالة القائمة على معنى الرعاية والتَّعهُّدِ دُخولًا أوَّليًّا، بما يُحَقِّقُ مَصْلَحةَ المكفول في نفسهِ وأمرهِ وجميع شأنه؛ دينًا ودنيا، وهي مما انعقد إجماع العلماء على وجوبها أنها من فروض الكفايات، قال الإمام ابن رشد الجد في "المقدمات الممهدات" (1/ 564، ط. دار الغرب الإسلامي): [وأمَّا الإجماع: فلا خلافَ بين أحدٍ من الأمَّة في إيجاب كفالة الأطفال الصغار؛ لأنَّ الإنسانَ خُلِقَ ضعيفًا مُفْتَقِرًا إلى مَنْ يكفله ويربِّيهِ حتى ينفعَ نفسَهُ ويستغني بذاته، فهو من فروض الكفاية، لا يحل أن يترك الصغير دون كفالة ولا تربية حتى يهلك ويضيع، وإذا قام به قائمٌ سقطَ عن الناس] اهـ.
وتتنزل أحكام الحضانة على الطفل المكفول بما تقتضيه حاجته من الرعاية والعناية، وما يتَّفقُ مع ما حدَّده الشرع من ضوابط للخلوة بين الكافل والمكفول إذا كان الطفل قد شارف البلوغ، ويتَّسق مع ما وضعه ولي الأمر من إجراءات تنظم شؤون هذه العلاقة وتضبطها.
على أنَّ الولاية على المكفول (كريم النسب) تكون للإمام وهو ولي الأمر، وليس للكافلين عليه إلَّا ولاية الحفظ فقط، كما في "الفتاوى التتارخانية" (7/ 405، ط. مكتبة زكريا).
فإذا حدث انفصال (طلاقٌ أو نحوه) بين الكافلَين، فإمَّا أن يتراضيا على حضانة الطفل المكفول وبقائه مع أحدهما، وإمَّا أن يتنازعا.
- فإن تراضيا على حضانة أحدهما وبقائه معه، فلا حرج في ذلك، وكان المكفول مع من تراضى الكافلان على بقائه معه؛ لأنَّ الحق لهما، فكان لكل منهما تركه للآخر.
قال الإمام الرحيباني في "مطالب أولي النهى" (4/ 253، ط. المكتب الإسلامي): [(ومن أسقطَ حقَّهُ) من مختلفين في لقيط: (سقط)؛ لأن الحق لهما، فكان لكل منهما تركه للآخر، كالشفيعين] اهـ.
وحضانة الطفل المكفول وبقاؤه مع أيٍّ من الزوجين حال انفصالهما -يتمشَّى مع عموم ما شرعته اللجنة العليا للأسر البديلة، حيث نصت على أنه: [يجوز للأرامل والمطلقات.. كفالةُ الأطفال، إذا ارتأت اللجنة المنصوص عليها في المادة (93) من هذه اللائحة صلاحيتهن لذلك] اهـ، ونصت في المادة (89) على أنه: [يجوز استمرار الرعاية مؤقتًا مع الأب البديل الكافل في حالة وفاة الأم البديلة الكافلة أو الطلاق، وذلك بعد موافقة اللجنة العليا للأسر البديلة] اهـ، على أن تكون حماية الطفل ومصالحه الفضلى الأولوية في جميع القرارات والإجراءات المتعلقة بالطفولة أيًّا كانت الجهة التي تصدرها أو تباشرها، كما هو منصوص اللائحة التنفيذية لقانون الطفل رقم 12 لسنة 1996م.
أمَّا إذا حدثَ طلاقٌ وقد تنازع الكافلان في "حضانة المكفول": فلولي الأمر أن يقدِّمَ مَن يراه منهما موافقًا لمصلحة الطفل وأنفع له، وقد ناقش الفقهاء ذلك في أحكام التنازع على الطفل المُلتقط (كريم النسب).
قال الإمام ابن أبي زيد القيرواني المالكي في "النوادر والزيادات" (10/ 483، ط. دار الغرب الإسلامي): [قال ابن القاسم في ملتقط اللقيط ينتزعه منه رجل فخاصمه فيه، فلينظر الإمام، فإن كان ملتقطه قويًّا على مؤنته وكفايته ردَّه إليه، وإن كان الذي انتزعه أقوى على أمر الصبي وهو مأمونٌ: نظر فيه بما يرى، قال أشهب: إن كانا سواء أو متقاربين: فالأول أحقُّ به، فإن خيف أن يضيع عند الأول: فالثاني أحق به] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "منهاج الطالبين وعمدة المفتين" (ص: 176، ط. دار الفكر): [ولو ازدَحَم اثنان على أخذِه جَعَلَه الحاكمُ عند مَن يراه منهما أو من غيرهما] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة في "المغني" (6/ 122، ط. مكتبة القاهرة): [وإن لم يكن في يد واحد منهما، فقال القاضي وأبو الخطاب: يسلمه الحاكم إلى مَن يرى منهما أو مِن غيرهما؛ لأنه حق لهما] اهـ.
هذا، ومع اعتبار المشرع لأقوال الفقهاء، إلَّا أنه راعى الجوانب الإنسانية والقيم المجتمعية التي غيرتها الأعراف في توصيف المكفول، فقد صدر قرار مجلس الوزراء برقم 1143 لسنة 2020م بتعديل بعض أحكام اللائحة التنفيذية بقانون الطفل الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم 2075 لسنة 2010م في المادة الأولى منه ما نصه: [يستبدل بكلمة اللقطاء الواردة بالبند (1) من المادة (86) من اللائحة التنفيذية بقانون الطفل المشار إليها عبارة "الأطفال المعثور عليهم"، ويستبدل بعبارتي "الأسر البديلة " و"مجهولي النسب"، عبارتا "الأسر البديلة الكافلة" و"كريمي النسب"، حيثما وردتا في اللائحة التنفيذية المشار إليها] اهـ. ينظر الجريدة الرسمية العدد (23) مكرر الصادر في (9) يونيه سنة 2020م.
إذا استقرَّ الأمرُ على بقاء المكفول مع أحد الزوجين بعد الانفصال وفق ما يتفق عليه الكافلان أو يقرره وليُّ الأمرِ: فلا مانع شرعًا من تمكين الطرف الآخر من رؤية المكفول إذا طلب ذلك، وهو من باب الإحسان إلى الطفل المكفول وإلى كافله، وهو داخل في عموم قول الله تعالى: ﴿وَأَحۡسِنُوٓاْ﴾ [البقرة: 195]، وعموم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه"، وداخل أيضًا في حفظ النفس الذي هو مقصدٌ من المقاصد الشرعية الكبرى التي اتَّفقت الأمة -بل سائر الملل- على ضرورة حفظها.
وفي تمكين الطرف الآخر (الكافل) من رؤية المكفول إذا طلب ذلك تطييبٌ لخاطره ومكافأة له على ما أسداه من معروفٍ وبرٍّ تجاه الكافل، خاصَّة وأنه مشتركٌ مع الطرف الأول في التوقان النفسي لكفالة الطفل، فمنعه من رؤيته قد يوقع ضررًا نفسيًّا عليه.
ومعلومٌ أيضًا أنَّ في بقاء المكفول مع أسرته أو أحد أفرادها وفق ما يقرره ولي الأمر وتمكينه من الرؤية عند الانفصال -حفظًا لنفس المكفول عن كل ضرر معنوي قد يلحق بالطفل المكفول، كما أنه باب من بناء النفس الذي هو في معنى الإحياء، وقد قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: 32]، إذ قد يتعرض الطفل المكفول للاضطراب بسبب فقدانه الرعاية والاهتمام المقدم من أحد الطرفين وفقدان رؤيته وعاطفته، وقد ينقم على المجتمع، فيكون في هذا ضرر به وبكافليه، فقد ينشأ مضطربًا نفسيًّا لا يهتدي لطريق، وقد نعى القرآن الكريم على من بنى بنيانًا فأحسنه ثم نقضه، فقال تعالى في كتابه الكريم: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا﴾ [النحل: 92]، والطفل المكفول كريم النسب كالبنيان الذي احتاط الشرع لإتمامه، فهو لا ذنب له فيما اقترفه أبواه، وقد قال تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الأنعام: 164]، ونص الشرع الشريف على رفع الضرر وإزالته، فالقاعدة الفقهية تقرر أن "الضَّرَر يُزَالُ"، كما في "الأشباه والنظائر" للإمام زين الدين ابن نجيم (ص: 27، ط. دار الكتب العلمية).
كما أن حرمانه من رؤية أحد الكافلين نوعٌ من الضرر بعد أن ذاق حنان الأم الكافلة ورعاية الأب الكافل، و"الشريعة راغبة جد الرغبة في أن تجد لكل طفل أبًا أو أمًّا تحنو عليه، وتقوم برعايته، وتحفظه ليسلم من العاديات، وليصبح يدًا عاملة في الأمة بدلًا من أن يصبح بإهماله وتشريده مِن الأيدي الهدامة ومِن السوس الذي ينخر في عظام الهيكل الاجتماعي، والويل ثم الويل الشديد لأمة تركت اللقطاء تنتاشهم الأيدي الآثمة ليكونوا لها عونًا على الجريمة، ولْتُنشئهم هي النشأة التي تمكن لها من استغلالهم كيفما تريد، إنهم حينئذ سيكونون معاول هدم لا تقف أمام ضرباتهم القاسية قوة، ولا يرُد كيدهم سلطان"، كما قال العلامة محمد محيي الدين عبد الحميد في "الأحوال الشخصية" (ص: 386، ط. مكتبة صبيح).
وعلى ذلك ومن خلال ما سبق: فالحضانة والكفالة لهما نفس المعنى والغاية من الحفظ والتربية والقيام بالشأن كما دلت على ذلك اللغةُ وأيَّده اختيار الفقهاء، وأن الأصل في الكفالة النساءُ؛ لوفور شفقتهن، فقد أعطاهن القانونُ الحقَّ في الكفالة بأنفسهن دون زواج، فكيف لا يأخذن حق الحضانة للمكفول في حال الزواج.
وأن رضاع المكفول يقوي رابطة العلاقة بينه وبين أسرته البديلة، فيصير ابنًا من الرضاع لكافليه، وأن ولاية الطفل كريم النسب للحاكم في الأصل وبحكم ولايته، يسلمه لمن يراه أقدر على صيانته ورعاية مصالحه، وأنه إذا رفضت الأم الكافلة الاحتفاظ بالطفل المكفول ذهبت كفالته للأب الكافل استثناء لحين توفيق أوضاعه، وأنه إذا تنازعا عليه جرت أحكامه على التنازع عند التقاط اللقيط، وأن حق الرؤية يثبت للطرف غير الكافل مراعاة للمقاصد الشرعية المرعية التي جاءت بحفظ النفس وصيانتها عن كل ضرر مادي أو معنوي، وقد تواترت نصوص الذكر الحكيم في ذلك.
إذا تقرر بقاء الطفل المكفول مع أيٍّ من الزوجين حال انفصالهما، فإنه تجب مراعاة الضوابط الشرعيَّة للخلوة بين الكافل والمكفول، وهي على النحو الآتي:
- إن كان الكافل (الحاضن) والمكفول (المُراد حضانته) من جنسٍ واحدٍ، بأن كانا ذَكرين أو أنثيين: فلا إشكال حينئذ في الخلوة بينهما، إذ لا حرمة في خلوة الرجل بالرجل، والمرأة بالمرأة.
- وإن كانَا من جنسين مختلفين، بأن كان أحدهما ذكرًا والآخر أنثى: فإمَّا أن يكون الكافلُ قد بلغَ من السِّن مبلغًا -رجلًا كان أو امرأة- لا تتأتى معه الرغبة في الآخر ككبر السن أو المرض المانع منها: فتجوز الخلوة بينهما حينئذٍ عند أمن الفتنة، على ما ذهب إليه جماعة من الفقهاء، بناءً على جواز النظر ومشروعية المسِّ بينهما من غير حائل، واستنادًا لما فعله بعض الصحابة الكرام، كما في "الاختيار" للعلامة ابن مودود الموصلي الحنفي (4/ 156-157، ط. الحلبي)، و"كفاية الطالب الرباني" للعلامة أبي الحسن المنوفي المالكي (2/ 458 -مع "حاشية العدوي"-، ط. دار الفكر)، و"روضة الطالبين" (7/ 24، ط. المكتب الإسلامي)، و"الفروع" للعلامة ابن مفلح الحنبلي (9/ 266، ط. مؤسسة الرسالة).
وإمَّا أن يكون الكافلُ (الحاضن) غير مُسنٍّ أو ممن لم تنقطع رغبتهم في الآخر، وفيها صورتان:
الأولى: أن يكون قد حصل للمكفول رضاعٌ محرِّم من قِبَل الكافلة أو أمها أو بنتها، في مُدَّتِهِ الشرعية، وهي سَنَتَانِ قَمَرِيَّتَانِ مِن تاريخ الوِلَادة على المُفتى به، لا فرق بين قليل الرضاع وكثيره، كما هو قول جمهور الفقهاء: أبي حنيفة ومالك وأحمد في إحدى رواياته، وهو ما عليه الفتوى في مسائل التحريم بالرضاع في الكفالة، فمن المقرر شرعًا أن الرضاع ينزل منزلة النَّسَبِ في جملةٍ من الأحكام والآثار، كإثبات حُرمة النكاح والنظر، والخلوة في السفر والحضر، فتصير المرضِعة أُمًّا من الرضاع لِمَن أرضعَته قليلًا كان الرضاع أو كثيرًا على المختار للفتوى: يحرم بها على أصولها وفروعها، قال تعالى: ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ ﴾ [النساء: 23].
وعن أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن عمها من الرضاعة -يسمى أفلح- استأذن عليها فَحَجَبَتْهُ، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال لها: «لَا تَحْتَجِبِي مِنْهُ؛ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ» متفقٌ عليه، واللفظ لمسلم.
والحرمة كما تثبتُ للمرضِع: تثبتُ أيضًا لزوجها عند جماهير العلماء، فيصير أبًا لمن رضع من زوجته؛ وذلك لأن اللبن منهما معًا، فكأنه حصل من بطنها وظهره من حين وطئه لها، كما قال الإمام أبو عمر بن عبد البر المالكي في "الاستذكار" (6/ 241، ط. دار الكتب العلمية)، والإمام أبو البركات الدردير المالكي في "الشرح الكبير" (2/ 504، ط. دار الفكر).
وحيثُ ثبتَ الرَّضاع المحرِّم اعتبر المكفول من محارم هذه الأسرة، وانتفت معاني الخلوة بينهم، قال العلامة الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (5/ 141، ط. دار الكتب العلمية): [والمتعلق بالرضاع: حرمةُ النكاح، وجواز النظر، والخلوة، وعدم نقض الطهارة] اهـ.
الثانية: أن لا يكون قد حصلَ رضاعٌ مُحرِّم للمكفول، فهذه الصورة تتوقف على مدى وجود ثالثٍ ثقةٍ معهما يحتشمهما من عدمه، فإن وجد تنتفي الخلوة المُحرمة، وذلك لقيام المانع منها، وإن لم يوجد ثبتت الخلوة المحرَّمة، كما قال الإمام السرخسي الحنفي في "المبسوط" (5/ 150، ط. دار المعرفة)، والعلامة الشمس الرملي الشافعي في "نهاية المحتاج" (7/ 162).
بناء على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنَّ الولاية على الطفل المكفول بعد طلاق الكافلين ثابتة لولي الأمر المتمثل في اللجنة العليا للأسر البديلة بوزارة التضامن الاجتماعي أو من تفوِّضه، فإذا رأت بقاء المكفول مع أحد الكافلَين (الرجل أو المرأة) بعد طلاقهما فلا حرج في ذلك شرعًا، مع مراعاة الضوابط الشرعيَّة للخلوة بين الكافل والمكفول إذا شارف البلوغ إن كانا من جنسين مختلفين، حيث تجوز شرعًا الخلوة بينهما إذا كان قد تمَّ إرضاع الطفل المكفول من قِبَل الكافلة أو أمها في مُدَّتِهِ الشرعية، وهي سَنَتَانِ قَمَرِيَّتَانِ مِن تاريخ الوِلَادة، قليلًا كان مقدار الرضاع أو كثيرًا، أو كان المكفول أو الكافل في حالة لا تتأتى معها الرغبة في الآخر كالمرض مثلًا، أو وُجد معهما ثالثٌ ثقةٌ يحتشمهما حال عدم وجود رضاع بينهما، وإن لم يحصل رضاع محرِّم وكان الكافل والمكفول في حالة لم تنقطع معها الرغبة في الآخر، ولم يوجد ثالثٌ ثقةٌ يحتشمهما: حرمت الخلوة حينئذ.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم استخدام التوكيل في نقل ملكية عقارات الوالد الذي يسيء التصرف دون علمه؟ فقد قام والدي بعمل توكيل عام لي، وقد كبر في السن جدًّا، وعنده أموال وممتلكات، وأصبح لا يحسن التصرف في تلك الأملاك، فهل يجوز استخدام هذا التوكيل في نقل ما يملكه لي وجعله باسمي دون علمه؟
بِاسم رئيس وأعضاء المجلس الإسلامي للإفتاء في الداخل الفلسطيني نرفع أسمى معاني الشكر والتقدير لهيئة وإدارة وعلماء مجمعكم الكريم ونسأل الله تعالى لكم الثبات والسداد والرشاد.
وإننا -وإذ نبارك هذه الجهود الطيبة المباركة- نتوجه إليكم بطرح هذه المسألة التي عمَّت بها البلوى وشاعت في حياتنا الاجتماعية على مختلف الأقطار والأمصار؛ وهي مسألة طلاق الغضبان والطلاق البدعي؛ حيث إنه وكما هو معلوم لديكم ونظرًا لانتشار ظاهرة التلاعب بألفاظ الطلاق على ألسنة الأزواج بصورة لم يسبق لها مثيل من قبل، ومعظم هؤلاء الذين يتلفظون بالطلاق لا يقفون عند حدوده وآثاره، ثمَّ يبحث بعد ذلك يلتمس الفتوى ويطرق أبواب المفتين، ولعل الذي يتوسل أمام باب المفتي عادةً هي الزوجة التي وقع عليها الطلاق.
ويقف المفتي حائرًا بين أمرين أحلاهما مر:
إمَّا أن يفتي بوقوع طلاق الغضبان ما دام أن الزوج يدرك ويعي ما يقول، وإما أن يقلد قول بعض أهل العلم ممن لا يوقعون طلاق الغضبان في حالة الغضب الشديد ولو كان يدرك ما يقول، أو أن يقلد قول من يقول بعدم وقوع الطلاق البدعي؛ وذلك من باب لمِّ شمل الأسرة، ونظرًا لانتشار هذه الظاهرة المقيتة. وتستدعي الحاجة والضرورة تقليد هؤلاء الأئمة في الانتهاء لا في الابتداء؛ أي عندما تتوقف الحياة الزوجية على تقليدهم وذلك في الطلقة الثالثة، وإلا لترتب على القول بوقوع الطلاق -عملًا بقول المذاهب الأربعة- أن تعيش آلاف البيوت بلا مبالغة في الحرام في بلادنا.
الأمر الذي دفع المجلس الإسلامي للإفتاء أن يبحث عن رخصة فقهية ولو مرجوحة للحفاظ على الأسرة، وإلا لتمزقت الأسر بسبب تهور الأزواج والعبث غير المسؤول.
ولمَّا كانت هذه المسألة من الحساسية بمكان، ولا يتصور أن تُبحث على نطاق مجلسنا الضيق، كما أنه لا يمكن بسبب ظروف بلادنا السياسية إجراء تعديل على قانون الأحوال الشخصية الذي ينص تقليدًا للمذهب الحنفي على وقوع الطلاق البدعي والطلاق في حالة الغضب، بل إن القضاة عندما يتوصل الطرفان إلى اتفاق على استمرارية الحياة الزوجية وإغلاق ملف الطلاق يوجهونه علينا كمجلس إفتاء لاستصدار فتوى بإمكانية الاستمرار. وإننا في المجلس الإسلامي للإفتاء نقف حائرين ومضطربين أمام هذه المسائل لأن المنهجية عندنا عدم الخروج عن المذاهب الأربعة إلا بموجب قرار صادر عن مجمع فقهي، ولذا قررنا أن نتوجه لمجمعكم الكريم بتعميم هذه المسألة على أعضاء المجمع كي نخرج برأيٍ جماعيٍّ تطمئن النفس باتباعه وتطبيقه بخصوص هذه المسألة، ونؤكِّد سلفًا أن المجلس لن يعمم هذه الفتوى، بل ولن يفتي بها ابتداءً، وإنِّما ستكون من قبيل الإفتاء الخاص المعيَّن، وذلك في حالة توقف الحياة الزوجية على قول من يقول بعدم وقوع الطلاق البدعي والغضب الشديد في الطلقة الثالثة وليس في المرتين الأوليين.
وختامًا نسأل الله تعالى لكم التوفيق في الدارين. والله وليُّ المؤمنين.
ما هو الضابط في اعتبار الثياب صالحة للإحداد وهل هي من الزينة أو لا؟ وهل تنحصر ثياب الإحداد في اللون الأسود في الثياب؟
ما هي دية القتل الخطأ إثر حادث سيارة لذكرين، وأحدهما طفل يبلغ ثلاثة عشر عامًا؟
ما حكم من يقول: أريد تأويلًا علميًّا للقرآن الكريم؟
سئل بإفادة من قاضي إحدى المديريات، مضمونها: أنه بإحالة صورة المرافعة طيه على حضرة مفتي المديرية للإفادة عن الحكم الشرعي فيها، وردت إفادته بأنه حصل عنده اشتباه في ذلك؛ ولذا يرغب القاضي المذكور الاطلاع عليها، والإفادة بما تقتضيه الأصول الشرعية، ومضمون صورة المرافعة المقيدة بمحكمة المديرية مرافعات: صدور الدعوى الشرعية بعد التعريف الشرعي من رجل على امرأة ورجل آخر كلاهما من أهالي ومتوطني قرية أخرى؛ بأنه من نحو عشر سنين -مضت قبل الآن- تزوج المدعي بالمرأة هذه بعقد نكاح صحيح شرعي، ودخل بها وعاشرها معاشرة الأزواج بعد إيفائها جميع صداقها، وأنها في عصمته وعقد نكاحه إلى الآن، وأنها في 15 رمضان سنة 1313هـ خرجت من طاعته بغير وجه شرعي، وتزوجت وهي على عصمته وعقد نكاحه برجل آخر، وأنه طلب منها توجهها لمحل طاعته فعارضته في ذلك، وعارضه الزوج الثاني. وأنه يطلب الآن منها أن تتوجه معه إلى محل طاعته، وتسلم نفسها إليه.
ويطلب المدعي من هذا الزوج الآخر المذكور رفع يده عنها، وعدم معارضته له في معاشرتها. ويسأل سؤال كل منهما وجوابه عن ذلك.
وبسؤالهما عن ذلك أجابت المرأة المذكورة طائعة بأنها كانت متزوجة بهذا المدعي -الزوج الأول- بعقد نكاح صحيح شرعي، وعاشرها معاشرة الأزواج، وأوفاها جميع معجل صداقها، ومكثت معه مدة عشر سنين، وأنه في شهر ربيع الأول سنة 1313هـ طلقها طلاقًا ثلاثًا، وبعد انقضاء عدتها منه بالحيض تزوجت في 15 رمضان من السنة المذكورة بهذا الرجل الآخر -الزوج الثاني- بعقد نكاح صحيح شرعي، وبعد العقد المذكور دخل بها وعاشرها معاشرة الأزواج إلى الآن.
وأجاب هذا الرجل الآخر طائعًا بأنه تزوج بها في نصف رمضان سنة 1313هـ بعد طلاقها من المدعي، وانقضاء عدتها منه بعقد نكاح شرعي، وبعد العقد عليها دخل بها وعاشرها معاشرة الأزواج إلى الآن.
ثم أحضرت المرأة المذكورة شاهدين على الطلاق المذكور: شهد أحدهما على المدعي بأنه طلق المرأة بالثلاث من نحو تسعة شهور، وشهد الثاني شهادة غير مقبولة.
وبطلب شاهد سواه منها عرفت بأنه لم يكن حاضرًا وقت الطلاق سواهما، وأنها عاجزة عن إحضار غيرهما عجزًا كليًّا.