ما حكم كشف الكتف الأيمن في أثناء الإحرام؟ وهل هو فرض أو سُنَّة؟ وماذا لو تركه المُحرم؟ وهل يُشرع فعله للنساء المُحْرِمات؟
كشف الكتف الأيمن أثناء الإحرام يُسمى في اصطلاح الفقهاء "الاضطباع" وهو من سُنن الطواف التي يختص بها الرجال؛ وذلك في كلِّ طوافٍ بَعدَه سعيٌ، فإن تركه الحاج في بعض الأشواط أتى به في باقيها، وإن تركه في جميع الطواف أتى به في السعي، وإن فات محله، فلا يجب عليه شيء بتركه، وعلى كل حالٍ فالأمر في ذلك واسع، فمن أراد أن يضطبع فعل، ومن ترك الاضطباع لا شيء عليه.
المحتويات:
كَشْف الكَتِف الأيمن أثناء الإحرام يُسمى في اصطلاح الفقهاء "الاضطباع" وهو أن يجعل المُحرم وسط ردائه تحت منكبه الأيمن عند إبطه ويطرح طرفيه على منكبه الأيسر، ويكون منكبه الأيمن مكشوفًا، كما أفاده الإمام محيي الدين النووي في "المجموع" (8/ 13، ط. دار الفكر).
الاضطباع في الطوفات السبع ثابتٌ بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فعن ابن عباس رضي الله عنهما: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ اعْتَمَرُوا مِنَ الْجِعْرَانَةِ، فَرَمَلُوا بِالْبَيْتِ، وَجَعَلُوا أَرْدِيَتَهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ قَدْ قَذَفُوهَا عَلَى عَوَاتِقِهِمُ الْيُسْرَى» أخرجه الإمامان: أبو داود واللفظ له، وأحمد.
ومن ثَمَّ فقد نصَّ جمهور الفقهاء من الحنفية، والشافعية، والحنابلة على أَنَّ الاضطباع من سُنن الطواف التي يختص بها الرجال؛ وذلك في كلِّ طوافٍ بَعدَه سعيٌ.
قال الإمام علاء الدين الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (2/ 147، ط. دار الكتب العلمية): [كلُّ طوافٍ بَعده سعيٌ، فمِن سُنَنِهِ: الِاضْطِباع] اهـ.
وقال الإمام محيي الدين النووي الشافعي في "المجموع" (8/ 14): [واعلم أَنَّ الطواف يشتمل على شروط وواجبات لا يصح بدونها، وعلى سُنَن يصح بدونها... وأَمَّا السنن فثمانية أيضًا، أحدها: أن يكون ماشيًا، الثاني: الاضطباع] اهـ.
وقال العلامة أبو السَّعَادات البُهُوتي في "كشاف القناع" (2/ 564، ط. عالم الكتب): [(وسننه) أي: الطواف (عشر: استلام الركن) يعني: به الحجر الأسود... (واستلام الركن اليماني والاضطباع والرمل والمشي في مواضعه)] اهـ.
وقال العلامة شمس الدين ابن قدامة المعروف بـ"ابن أبي عمر" في "الشرح الكبير" (3/ 393، ط. دار الكتاب العربي) أثناء كلامه عن طواف العمرة وطواف القدوم وهو الذي بعده السعي: [وليس في غير هذا الطواف رمل ولا اضطباع؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إنما رملوا واضطبعوا في ذلك... مَن تركه في الثلاثة الأُوَل لا يقضيه في الأربعة، وكذلك مَن ترك الجهر في صلاة الفجر لا يقضيه في صلاة الظهر، ولا يقتضي القياس أن يقضي هيئة عبادة في عبادة أخرى] اهـ.
ومعنى أنَّ الاضطباع في كل طواف بعده سعي، أي: سواءٌ كان في حج أو عمرة، فإن اضطَبَع في طواف القدوم، وسعى بعده سعي الحج: لا يضطبع في طواف الركن ولا في طواف الوداع؛ لأن السعي بعده حينئذٍ غير مطلوب، كما في "الحاوي الكبير" للإمام أبي الحسن الماوردي (4/ 140، ط. دار الكتب العلمية).
وكون الاضطباع سُنَّة، يفيد أنه إذا تَرَكه وفات محله فلا إعادة عليه ولا فدية؛ لأنَّ هذه هيئات، والهيئات لا تُجْبَر، وزاد الشافعية: أنَّه إن تَرَك الاضطباع في بعض الطواف وتذكَّره في أثنائه أتى به فيما بقي منه، وإن تركه في الطواف كله أتى به في السعي، وإن تركه في الطواف والسعي فلا شيء عليه.
قال العلامة الشُّرُنْبُلالي الحنفي في "حاشيته على درر الحكام" (1/ 223، ط. دار إحياء الكتب العربية): [ولو تركَ الاضْطِبَاعَ وَالرَّمَلَ لا شيء عليه بالإجماع] اهـ.
وقال الإمام أبو الحسن الماوردي الشافعي في "الحاوي الكبير" (4/ 140-142): [فلو ترك الاضطباع في بعض الطواف، اضطبع فيما بقي منه، ولو تَرَكه في جميع الطواف اضطبع في السعي، ولو تركه في الطواف والسعي، فلا فدية عليه ولا إعادة... لأنَّ كل هذه هيئات، والهيئات لا تُجْبَر] اهـ.
وقال الإمام مُوفَّق الدين ابن قدامة الحنبلي في "الكافي" (1/ 511، ط. دار الكتب العلمية): [ولو فاته الرمل والاضطباع في هذا الطواف لم يقضه فيما بعده، كمَن فاته الجَهر في الصبح لم يقضه في الظهر] اهـ.
الاضطباع يكون في حق الرجال -كما قَرَّرنا سابقًا- فليس على النساء اضطباع؛ لأنَّ الاضطباع فيه انكشاف للكتف، والنساء مأمورات بالسَّتْر فلا يُشرع في حقهن.
قال العلامة أبو البركات النَّسَفي الحنفي في "كنز الدقائق" (2/ 381، ط. دار الكتاب الإسلامي) في كلامه عن الأمور التي تخالف فيها النساء الرجال في مناسك الحج: [والمرأة كالرَّجُل، غير أنها تكشف وجهها لا رأسها] اهـ.
قال العلامة ابن نُجيم شارحًا له في "البحر الرائق" (2/ 382): [وإنما لا رَمَل ولا سَعْي لها لما أنَّه يُخِل بالسَّتْر، أو لأنَّ أصل المشروعية لإظهار الجَلَد وهو للرجال، وأشار إلى أنَّها لا تضطَبع] اهـ. ومعنى كلام ابن نجيم أنَّ نَصَّ صاحب "الكنز" على عدم كشف الرأس للمرأة فيه دلالة بالإشارة على منعها بالاضطباع بالأَوْلى.
وقال الإمام شهاب الدين الرملي الشافعي في "نهاية المحتاج" (3/ 287، ط. دار الفكر): [(ولا تَرْمُل المرأة)، ولو ليلًا في خلوة (ولا تضطبع) أي لا يُطْلب منها ذلك؛ لأنَّ بالرَّمَل تتبين أعطافها، وبالاضطباع ينكشف ما هو عورة منها، ومقتضى كلام "المحرر" تحريم ذلك، حيث قال: "وليس للنساء رَمَل ولا اضطباع"] اهـ.
وقال العلامة مُوفَّق الدين ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (3/ 355، ط. مكتبة القاهرة): [وطواف النساء وسعيهن مشي كله... وليس عليهن اضطباع؛ وذلك لأنَّ الأصل فيهما إظهار الجَلَد، ولا يقصد ذلك في حق النساء، ولأنَّ النساء يقصد فيهن السَّتْر، وفي الرَّمَل والاضطباع تَعرُّض للتكشف] اهـ.
بينما يرى فقهاء المالكية: أنَّ المحرم بحج أو عمرة لا يُسَنُّ له الاضطباع ولم يفرقوا بين الرجال والنساء في ذلك، فالمُحرم لا يُشرع له حسر الثوب عن منكبيه؛ باعتبار أن الطواف في نفس مرتبة الصلاة من حيث الستر، فيُكره فيه تعرية المنكبين كما يُكره تعريتهما في الصلاة.
قال الإمام ابن عرفة المالكي في "المختصر الفقهي" (2/ 167، ط. مؤسسة خلف أحمد): [الرَّمَل يُطلب في ثلاثة أشواط... ولا يحسر عن منكبيه، ولا يُحرِّكهما] اهـ.
وقال العلامة خليل المالكي في "التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب" (2/ 562، ط. مركز نجيبويه): [ولأجل أنَّ الطواف كالصلاة في الستر، كَرِهَ مالكٌ للطائف أن يُعَرِّي عن منكبيه] اهـ.
على ذلك فما دام الأمر فيه خلاف، فالمحرم في سعة من أمره، فإن أراد أن يكشف كتفه الأيمن فَعَل وأثيب، وإن لم يفعل لا شيء عليه ونُسُكه -حجًّا أو عمرة- صحيحٌ، فمن المقرر أنه: "لا ينكر المختلف فيه، وإنما ينكر المجمع عليه". يُنْظر: "الأشباه والنظائر" للإمام السيوطي (ص: 237، ط. دار الكتب العلمية).
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن كشف الكتف الأيمن أثناء الإحرام يُسمى في اصطلاح الفقهاء "الاضطباع" وهو أن يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن، وطرفيه على عاتقه الأيسر، مع كشف كتفه الأيمن في كلِّ الطواف، والاضطباع من سُنن الطواف التي يختص بها الرجال؛ وذلك في كلِّ طوافٍ بَعدَه سعيٌ، فإن تركه الحاج في بعض الأشواط أتى به في باقيها، وإن تركه في جميع الطواف أتى به في السعي، وإن فات محله، فلا يجب عليه شيء بتركه، وعلى كل حالٍ فالأمر في ذلك واسع، فمن أراد أن يضطبع فعل، ومن ترك الاضطباع لا شيء عليه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
سائلٌ يسألُ عن مدى مشروعية قيام إحدى جمعيات الخدمات الاجتماعية بتقديم الدعم للعاملين من أجل أداء الحجِّ والعمرة؟
ما حكم الدفع من مزدلفة قبل منتصف الليل؟ فنحن شركة تعمل في مجال السياحة الدينية، ونود الاستفسار عما يلي: هل يجوز الدفع من مزدلفة قبل منتصف الليل؟
هل يجب أن تُجمع الحصيات لرمي الجمار من مزدلفة؟
هل أداء الحج أفضل أو التبرع للمجاهدين بنفقة الحج؟
ما الحكم فيما لو أحرمتُ من المدينة متمتعًا، ثم جاءني المرض فخلعتُ ملابس الإحرام قبل أداء العمرة؟
ما حكم التبرع بنفقات الحج والعمرة للوالد؟ فزوجتي تعمل ولها دخل مستقلٌّ ووالدها رجل طاعن في السن وغير قادر ماديًّا على أداء مناسك الحج والعمرة، وولداه الذكور غير قادرين على مساعدته في ذلك، وتريد زوجتي وأنا أتفق معها على تخصيص المال الكافي من ذمتها المالية لأبيها حتى يتمكن من أداء مناسك الحج والعمرة، وأنا وزوجتي أدَّينا فريضة الحج والحمد لله، هل يجوز شرعًا أن يحج أو يعتمر والد زوجتي على نفقتها؟