ما حكم وقوف النائم والمغمى عليه بعرفة؟ فقد سمعتُ أنَّه يشترط في صحة الوقوف بعرفة في الحج أن يكون الحاج مستيقظًا، فهل هذا صحيحٌ بحيث لا يصح وقوف النائم والمغمى عليه بعرفة في حال حصول النوم والإغماء بعد الإحرام؟
الوقوف بعرفة ركن الحج الأعظم، ويحصل بحضور الحاج بأيِّ جزءٍ مِن أجزاء عرفة في وقته المشروع، سواءٌ كان مفيقًا أو نائمًا أو مغمى عليه، ولا يلزمه شيء من فدية أو نحوها.
المحتويات
تقرَّر في الشرع الشريف أنَّ الوقوف بعرفة ركنُ الحجِّ الأعظم، ومَن فاته الوقوفُ بعَرَفة في وقته الذي حدَّده الشرع فقد فاته الحجُّ، ولا يُجزئ عنه شيءٌ، وقد نقل هذا الإجماعَ الإمام ابن المُنْذِر في "الإجماع" (ص: 57، ط. دار المسلم)، والإمام ابن عبد البَرِّ في "التمهيد" (10/ 20، ط. أوقاف المغرب).
ولا خلاف بين الفقهاء في أن طلوع الفجر الصادق يوم النَّحْر -أي: يوم العاشر من ذي الحجة- هو آخِر وقت الوقوف بعرفة، بل إنهم قد أجمعوا على ذلك، كما في "المغني" للإمام ابن قُدَامَة (3/ 372، ط. مكتبة القاهرة)، إلا أنهم اختلفوا في أول وقته على أقوال ثلاثة:
القول الأول: أنه يبدأ من زوال شمس يوم عرفة -أي: وقت الظهر-، وهو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من الحنفية، والإمامان اللخميُّ وابنُ العربي، ومَالَ إليه الإمام ابن عبد البر من المالكية، وكذلك الشافعية، والإمام أحمد في روايةٍ اختارها الشيخُ ابن تيمية، ونَقَلَها عنه الإمام ابنُ قاضي الجَبَل، واختارها أيضًا الإمامان أبو حفص وابنُ بطة العُكْبَرِيَّان، وعليه حُمِلَ كلام الإمام الخِرَقِي. ينظر: "بدائع الصنائع" للإمام الكَاسَانِي الحنفي (2/ 125-126، ط. دار الكتب العلمية)، و"حاشية الإمام الدُّسُوقِي المالكي على الشرح الكبير" (2/ 37، ط. دار الفكر)، و"روضة الطالبين" للإمام النَّوَوِي الشافعي (3/ 97، ط. المكتب الإسلامي)، و"المغني" للإمام ابن قُدَامَة الحنبلي (3/ 372).
القول الثاني: أنه يبدأ من غروب شمس يوم عرفة، وهو ما نص عليه الإمام مالك، كما في "شرح مختصر خليل" للإمام الزُّرْقَانِي (2/ 474، ط. دار الكتب العلمية).
القول الثالث: أنه يبدأ من طلوع فجر يوم عرفة، وهو يوم التاسع من شهر ذي الحجة، وهذا ما نَصَّ عليه الحنابلة في معتمد المذهب، كما في "الإنصاف" للإمام علاء الدين المَرْدَاوِي الحنبلي (4/ 29).
يحصل الوقوف بعرفة بحضور الحاج بأيِّ جزءٍ مِن أجزاء عرفة، ويجزئه ذلك عن الفرض بإجماع الفقهاء، كما في "المجموع" للإمام النووي (8/ 105، ط. دار الفكر).
والدليل على ذلك ما ورد من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ» أخرجه مسلم.
والأصل أنَّ شهود عرفة ينعقد به الحج، فعن عُرْوَة بْنِ مُضَرِّسٍ الطَّائِيِّ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ، وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ، وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، فَقَدْ أَتَمَّ حَجَّهُ، وَقَضَى تَفَثَهُ» أخرجه الترمذي في "السنن"، وقال: "حديث حسن صحيح".
وذلك في حق المُفيق المُدرِك، أمَّا غير المفيق كالنائم والمغمى عليه فعلى تفصيلٍ بين الفقهاء في إجزاء وقوفه مِن عدمه، فيرى الحنفية والحنابلة في قول أَنَّ ركن الوقوف للحاج يتحقق بكَيْنُونَتهِ بعرفة في وقته المشروع، على أي صفةٍ، ولَم يُفرِّقوا بين كونه حال وقوفه بعرفه مُفِيقًا أو مُغمًى عليه أو نائمًا، فعلى كلِ حالٍ وقف صح وقوفه وأجزأه؛ لأنه أتى بالقَدْر المفروض، في مكان وزمان الوقوف.
قال الإمام علاء الدين الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (2/ 127): [أما القَدْر المفروض مِن الوقوف: فهو كَيْنُونَتُهُ بعرفة في ساعةٍ مِن هذا الوقت... سواءٌ كان عالمًا بها أو جاهلًا، نائمًا أو يقظان، مُفِيقًا أو مُغمًى عليه، وَقَف بها أو مَرَّ، وهو يمشي أو على الدَّابة أو محمولًا؛ لأنه أتى بالقَدْر المفروض، وهو حصولُه كائنًا بها] اهـ.
وقال الإمام علاء الدين الـمَردَاوي الحنبلي في "الإنصاف" (4/ 29-30): [وكذا لا يصح وقوف السكران، والمغمى عليه، وقيل: يصح] اهـ.
ويرى المالكية -في المشهور من المذهب- أَنَّ الحاج إذا أحرم قبل الوقوف بعرفة ثم نام أو أغمي عليه بعد الزوال في يوم عرفة واستمر الإغماء أو النوم للغروب أو للفجر أجزأه الوقوف على هذه الحالة، وكذلك من نام أو أغمي عليه قبل الزوال ووَقَفَ به أصحابه في محل الوقوف أجزأه أيضًا؛ وذلك لأن الإغماء لا يبطل الإحرام، وقد دخل في نية الإحرام.
قال الإمام أبو عبد الله الحَطَّاب المالكي في "مواهب الجليل" (3/ 95، ط. دار الفكر): [من أغمي عليه قبل الزوال، وكان أحرم قبل ذلك بالحج فوقف به أصحابه فإنه يجزيه عند ابن القاسم، قال سند: لأن الإغماء لا يبطل الإحرام، وقد دخل في نية الإحرام، ونَبَّه بقوله: قبل الزوال على أن الإغماء لو كان بعد الزوال أجزأه من باب الأولى، وهو كذلك، ولا بد أن يقف به أصحابه جزءًا من الليل، ولو دفعوا به قبل الغروب لم يجزه عند مالك، قال في "الطراز": وهو ظاهر، وهذا قول مالك، وهو مذهب "المدونة"، وهو المشهور] اهـ.
بينما ذهب الشافعية في الأصح، والحنابلة في الصحيح مِن المذهب إلى التفرقة بين النوم والإغماء، فمَن وقف بعرفة وهو نائم صحَّ وقوفه وأجزأه، وإن استمر نومه حتى خرج وقت الوقوف، أما المغمى عليه فلا يجزئ وقوفه إن استغرق الإغماء جميع وقت الوقوف فإن أفاق لحظة أجزأه وإلَّا فلا؛ وذلك لأن المغمى عليه ليس من أهل العبادات، والنائم من أهل العبادات.
قال العلامة الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (2/ 262، ط. دار الكتب العلمية): [(يشترط كونه) محرما (أهلا للعبادة) إذا أحرم بنفسه (لا مغمى عليه) جميع وقت الوقوف فلا يجزئ وقوفه لعدم أهليته للعبادة، ولهذا لا يجزئ الصوم إذا أغمي عليه جميع النهار، فإن أفاق لحظة كفى كما في الصوم... (ولا بأس بالنوم) ولو مستغرقا جميع الوقت كما في الصوم] اهـ.
وقال الإمام محيي الدين النووي في "المجموع" (8/ 94): [فإن حصل بعرفة في وقت الوقوف قائمًا أو قاعدًا أو مجتازًا فقد أدرك الحج... وإن وقف وهو مغمى عليه لم يدرك الحج، وإن وقف وهو نائم فقد أدرك الحج؛ لأن المغمى عليه ليس من أهل العبادات، والنائم من أهل العبادات] اهـ.
وقال أيضًا في "روضة الطالبين" (3/ 95): [الأصح عند الجمهور: لا يصح وقوف مغمى عليه] اهـ.
وقال الإمام علاء الدين الـمَردَاوي الحنبلي في "الإنصاف" (4/ 29-30): [فمن حصل بعرفة في شيء من هذا الوقت وهو عاقل: تم حجه ومن فاته ذلك: فاته الحج) أنه لا يصح الوقوف من المجنون وهو صحيح ولا أعلم فيه خلافا، وكذا لا يصح وقوف السكران، والمغمى عليه، على الصحيح من المذهب، نص عليه، وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في "المغني" و"الشرح"... ويدخل في كلام المصنف أعني في قوله: (وهو عاقل) النائم والجاهل بها، وهو الصحيح من المذهب... والأظهر صحته مع النوم دون الإغماء والجهل] اهـ.
وقال العلامة ابن النَّجَّار الحنبلي في "منتهى الإرادات" (2/ 157، ط. مؤسسة الرسالة): [فمَن حَصَلَ -لا مع سُكْرٍ، أو جنونٍ، أو إغماءٍ فيه- بعرفة ولو لحظةً، وهو أهلٌ للحجِّ، ولو مارًّا، أو نائمًا، أو جاهلًا أنها عرفة، صحَّ حجُّه] اهـ.
المختار للفتوى هو ما ذهب إليه الحنفية والمالكية في المشهور، والحنابلة في قول- أنه يصح وقوف النائم والمغمى عليه ويجزئه، طالما وقف محرمًا في الوقت المشروع للوقوف؛ وذلك تيسيرًا ورفعًا للحرج، وقد نصَّ الفقهاء والأصوليون على أنَّ المكلَّف له أن يقلد مَن أجاز مِن المجتهدين، وتقرر ذلك عندهم في القاعدة الفقهية: "مَن ابْتُلِيَ بشيءٍ مِن المختَلَف فيه فلْيُقَلِّد مَن أجاز"، كما في "الفصول في الأصول" للإمام أبي بكرٍ الجَصَّاص (4/ 284، ط. أوقاف الكويت)، و"شرح تنقيح الفصول" للإمام شهاب الدين القَرَافِي (ص: 432-433، ط. الطباعة الفنية المتحدة)، و"حاشية العلامة الشَّرْوَانِي على تحفة المحتاج" (1/ 119، ط. المكتبة التجارية).
بناءً على ذلك: فإن الوقوف بعرفة ركن الحج الأعظم، ويحصل بحضور الحاج بأيِّ جزءٍ مِن أجزاء عرفة في وقته المشروع، سواءٌ كان مفيقًا أو نائمًا أو مغمى عليه، ولا يلزمه شيء من فدية أو نحوها.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما هو وقت طواف الإفاضة في الحج؟ حيث كنتُ في الحج العام الماضي، وبعد الوقوف بعرفة وبالتحديد في يوم النحر مرضتُ فلم أستطع أن أؤدي طواف الإفاضة في هذا اليوم، وقمتُ بأدائه في اليوم الثاني من أيام التشريق، والسؤال: ما هو آخر وقت يصح فيه طواف الإفاضة؟ وإذا أخَّرتُ عن هذا الوقت فهل علَيَّ دم؟
هل ما يُقَال من أنّ المتابعة بين العمرة والحج تنفي الفقر والذنوب صحيح؟
هل يجوز للمرأة حلق جميع شعرها في التحلل من الحج أو العمرة؟
ما حكم مَن وقف بعرفة قبل الزوال فقط؟ وهل يجوز للحجاج أن ينفروا من عرفة قبل المغرب؟ وما حكم مَن وقف بها جزءًا من ليلة النحر فقط؟ وهل يجوز شرعًا أن تكون نفرة الحجيج من عرفات على مراحل لتتم النفرة في سهولة ويسر لهذه الأعداد الغفيرة المتزايدة؟ وهل هذا يعتبر تغييرًا لمناسك الحج؟
ما حكم الطواف حول الكعبة المشرَّفة مِن (الطابق) الدَّور الثاني أو الثالث للمسجد الحرام؟
ما حكم من اعتمر عن نفسه وحج عن غيره؟ فهناك رجلٌ اعتمر في أَشْهُر الحج ولم يخرج مِن الحرم، ثم أَحْرَم بالحج نيابةً عن ميت، هل هذا تَمَتُّع؟ وهل يجب عليه هدْيُ تَمَتُّع؟ ومَن الذي يجب عليه الهدي في هذه الصورة؟