حكم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف وكيفيته

تاريخ الفتوى: 14 أغسطس 2025 م
رقم الفتوى: 8731
من فتاوى: فضيلة أ. د/ نظير محمد عياد - مفتي الجمهورية
التصنيف: الاحتفالات
حكم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف وكيفيته

ما كيفية الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف؟ فنحن نحتفل بذكرى المولد النبوي الشريف مولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، بقراءة ما تيسر من القرآن الكريم، ثم بدرس سيرة سيدنا محمد صلى الله علية وسلم العطرة، ثم مدح ونشيد وابتهال بسيد الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ثم نقف لوقت يسير ونصلي على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ونُشعِل البخور ذا الرائحة الجميلة، ثم الدعاء وقراءة الفاتحة، ثم نُحضر الطعام لجميع الموجودين، فما حكم هذا الاحتفال شرعًا؟

ما تقومون به من الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بصنوف الطاعات والعبادات في اليوم الذي وافق ميلاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أمرٌ مندوبٌ شرعًا، ويحصُل به الأجر والثواب.

المحتويات

 

تأصيل الاحتفال بالمولد النبوي الشريف

جرت عادة المسلمين في شهر ربيع الأول من كل عام بالاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف، وذلك باجتماع الناس على الذكر والمدائح والطعام والقيام ونحو ذلك مما يُعدُّ فرحًا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيمًا له، وسرورًا بيوم مجيئه الكريم، وإعلانًا لمحبَّته صلى الله عليه وآله وسلم، والاحتفال في جملته شكرٌ لله تعالى على إكرامه لنا بالرحمة المهداة صلى الله عليه وآله وسلم، وكل هذا من الأمور المقطوع بمشروعيَّتها واستحبابها شرعًا.

وقد سَنَّ لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصل شكر الله تعالى على ميلاده الشريف، فقد صحَّ أنه كان يصوم يوم الاثنين ويقول: «ذلكَ يَومٌ وُلِدتُ فيه» رواه مسلم من حديث أبي قتادة رضي الله عنه، فهو شكر منه عليه الصلاة والسلام على مِنَّة الله تعالى عليه وعلى الأمة به، فالتأسي به صلى الله عليه وآله وسلم بشكر الله تعالى على مَنِّه وكَرَمه بنعمة وجود النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأي مظهر من مظاهر الشكر، ومنها الإطعام والمديح والاجتماع للذكر والصيام والقيام وغير ذلك، لا يخرج عن أصل هذه السُّنَّة.

وهذا الاحتفال منه صلى الله عليه وآله وسلم ومن الأمة من بعده إنما هو تطبيق عمليٌّ لما جاء به القرآن الكريم، في قول الله تعالى: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾ [إبراهيم: 5]، ومِن أيام الله تعالى: أيامُ نصره لأنبيائه وأوليائه، وأيام مواليدهم، وأعظمُها قدرًا مولدُ سيدهم صلى الله عليه وسلم.

وقد شرَّف الله تعالى أيام مولد الأنبياء عليهم جميعًا الصلاة والسلام، وجعلها أيامَ خيرٍ وسلامٍ، فقال سبحانه عن سيدنا يحيى: ﴿وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ﴾ [مريم: 15]، وعن سيدنا عيسى ﴿وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾ [مريم: 33]، وجاء في "صحيح مسلم" في فضل يوم الجمعة وبيان مكانته وذكر مزاياه من أنه اليوم الذي خُلق فيه سيدنا آدم عليه السلام، ومن ثمَّ فهو يوم مبارك، وعلى ذلك يكون تخصيصُ يومٍ لذكرى ميلاد أي نبي من أنبياء الله تعالى من باب تشريف ذلك الزمان، وفي يوم الميلاد نعمةُ الإيجاد، وهي سبب كل نعمة بعدها، فكيف باليوم الذي ولد فيه خير الأنبياء والمرسلين!! فيومُ مولده صلى الله عليه وآله وسلم سببُ كلِّ نعمة في الدنيا والآخرة.

والنبي صلى الله عليه وآله وسلم أعظم فضل الله على البشرية، فالفرح به وبمولده فرحٌ بفضل الله تعالى، يقول الله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: 58]، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الرحمةُ العظمى إلى الخلق كلهم، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "رحمتُه: مُحَمَّد صلى الله عليه وآله وسلم، قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]" أخرجه سعيد بن منصور في "السنن" وأبو الشيخ في "تفسيره".

وإذا كان الفرح بمولده الشريف صلى الله عليه وآله وسلم قد عاد نفعه على غير المسلمين، فحصول النفع بالفرح في حقِّ المسلمين أولى وآكد، ففي "صحيح البخاري" من طريق عُرْوَة بنِ الزُّبَيْر مجزُومًا به: قال عُرْوَةُ: "وثُوَيْبَةُ مَوْلاَةٌ لِأَبِي لَهَبٍ: كَانَ أَبُو لَهَبٍ أَعْتَقَهَا، فَأَرْضَعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ أُرِيَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ بِشَرِّ حِيبَةٍ، قَالَ لَهُ: مَاذَا لَقِيتَ؟ قَالَ أَبُو لَهَبٍ: لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ غَيْرَ أَنِّي سُقِيتُ فِي هَذِهِ بِعَتَاقَتِي ثُوَيْبَةَ"، وأخرجه عبد الرزَّاق بسنده في "المصنف".

وجاء في "الروض الأنف" للسهيلي (5/ 191-192، ط. دار إحياء التراث العربي) أنَّ بعض أهل أبي لهب رآه في المنام في شرِّ حالٍ، فقال: ما لقيت بعدكم راحة إلا أن العذاب يخفف عنى كلَّ يومِ اثنين، وذلك أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد يوم الاثنين، وكانت ثُويبة قد بشرته بمولده، فقالت له: أشعرت أن آمنة ولدت غلامًا لأخيك عبد الله؟ فقال لها: اذهبي، فأنت حرة، فنفعه ذلك، وهو في النار. اهـ مختصرًا.

نقل الإمام الصالحي في "سبل الهدى والرشاد" (1/ 367، ط. دار الكتب العلمية) عن شيخ القراء الحافظ أبي الخير ابن الجزري قولَه: [فإذا كان أبو لهب الكافر الذي نزل القرآن بذمّه جوزي في النار لفرحه ليلة مولد محمد صلى الله عليه وسلّم فما حال المسلم الموحّد من أمة محمد صلّى الله عليه وسلم ببشره بمولده وبذل ما تصل إليه قدرته في محبته؟ لعمري إنما يكون جزاؤه من الله الكريم أن يدخله بفضله جنة النعيم] اهـ.

وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: مر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأناس من اليهود قد صاموا يوم عاشوراء، فقال: «مَا هَذَا مِنَ الصَّوْمِ؟» قالوا: هذا اليوم الذي نجى الله موسى وبني إسرائيل من الغرق، وغرق فيه فرعون، وهذا يوم استوت فيه السفينة على الجودي، فصام نوح وموسى شكرًا لله، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى، وَأَحَقُّ بِصَوْمِ هَذَا الْيَوْمِ»، فأمر أصحابه بالصوم" أخرجه الإمام أحمد في "المسند"، وأبو الشيخ، وابن مردويه.

وإذا كان الاحتفال بيوم نجاة سيدنا نوح عليه السلام ويوم نصر سيدنا موسى عليه السلام مشروعًا فإن مشروعية الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم متحققة من باب أَوْلى.

حكم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بشتى أنواع الطاعات

قد ذكر العلماء أن الثابت عند عامة المسلمين عبر القرون هو جواز الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بأنواع الطاعات الواردة في السؤال وغيرها.

قال الحافظ السخاوي في "الأجوبة المرضية" (1/ 1116، ط. دار الراية): [ما زال أهل الإسلام من سائر الأقطار والمدن العظام يحتفلون في شهر مولده صلى الله عليه وآله وسلم وشرَّف وكرَّم يعملون الولائم البديعة، المشتملة على الأمور البهجة الرفيعة، ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات، ويظهرون السرور ويزيدون في المبرّات، بل يعتنون بقراءة مولده الكريم، وتظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم، بحيث كان مما جُرب] اهـ.

وبنحو هذا قال غيره من العلماء، ومنهم: الحافظ القسطلاني في "المواهب اللدنية" (1/ 89، ط. التوفيقية)، والعلامة الديار بكري في "تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس صلى الله عليه وسلم" (1/ 223، ط. دار صادر)، وغيرهما.

وتخصيص هذا الاحتفال بأنواع الطاعات نحو قراءة القرآن وسماع شيء من سيرة النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم والمديح والإنشاد والابتهال كلها أمور مستحبة شرعًا دلت عليها عمومات النصوص الشرعية.

ومن هذه النصوص: قول الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ۝ وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الأحزاب: 41-42].

وثبت عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قالت: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ". أَخرجه مسلم.

وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، وَلَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا، وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ» رواه أبو داود في "السنن".

فهذه الأدلة بعمومها تدل على استحباب ذكر الله تعالى والصلاة على سيدنا رسول صلى الله عليه وآله وسلم على كل حال، وما جاء على العموم ولا يوجد ما يخصصه لا يجوز تخصيصه.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فما تقومون به من الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بصنوف الطاعات والعبادات في اليوم الذي وافق ميلاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أمرٌ مندوبٌ شرعًا، ويحصُل به الأجر والثواب.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

هل الأفضل في تكبيرات العيدين أن يفعلها الشخص منفردًا أو في جماعة؟ وهل الأحسن أن تكون سرًّا أو جهرًا؟


سائل يقول: دار نقاش بيني وبين أحد أصدقائي حول تحديد أول الليل وآخره واحتدم الخلاف بيننا؛ فنرجو منكم  بيان تحديد وقت الليل بدايةً ونهايةً ودليل ذلك.


ما حكم ما يأتي:

1- هل يجوز للحائض أن تذهب إلى صلاة العيد؟

2- هل يجوز للحائض أن تقرأ أذكار الصباح والمساء وأن تمسك بالمسبحة؟

3- هل يجوز للحائض أن تسجد لله وتحمده على نعمه الكثيرة؟

4- هل يجوز للحائض القراءة في المصحف ولمسه أو لمسه بشيء مثل المناديل أو القفاز؟


ما حكم قول "تقبل الله" في العيدين؟


رجلٌ يصلي مع الجماعة في المسجد مأمومًا، ويسأل: ما حكم قراءته آيةً فيها سجدةٌ، وذلك في صلاته السرية خلف الإمام؟ وهل يلزمه بذلك سجود التلاوة؟


ما حكم تشغيل شرائط القرآن أثناء الانشغال بمهام العمل في الأوقات الرسمية؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 25 أغسطس 2025 م
الفجر
4 :56
الشروق
6 :28
الظهر
12 : 57
العصر
4:32
المغرب
7 : 26
العشاء
8 :47