ما حكم العدول عن الوعد بالبيع؟ فإني أمتلك منزلًا وقد عرضته للبيع، فجاءني أحد الأشخاص وأبدى رغبته في شراء هذا المنزل، وقد وعدته بالبيع، ومن ثمَّ اتفقنا على كل الأمور التي تخص هذا البيع؛ من حيث السعر المراد، والوقت الذي سوف تتم فيه عملية البيع ونقل الملكية، وقد كُتب ذلك في ورقة بيننا نحن، نظرًا لكون المشتري سوف يبيع قطعة أرض يملكها حتى يتسنى له دفع ثمن المنزل الذي اتفقنا عليه في العقد، إلّا أنه -وقبل أن يظهر هذا الشخص- قد سألني أحد أقاربي شراء هذا المنزل، فهل يجوز أن أبيعه لقريبي أو ألتزم بالوعد مع الأول؟
ما جرى بينك أيها السائل الكريم وبين الطرف الأول الراغب في شراء المنزل من وعدٍ بالبيع واتفاقٍ على جميع المسائل التي تخص هذا العقد، والتي لا يُحْتاج إلى الرجوع إليها مرة أخرى عند إبرام العقد، ومن ثمَّ قام ببيع قطعة أرض يملكها حتى يتسنى له دفع ثمن المنزل الذي اتفقتما عليه -يكون ملزمًا في حقك، ويجب عليك الوفاء به شرعًا، ولا يجوز لك مخالفته، رفعًا للضرر عنه، إلا إذا تراضيتما على عدم إتمام البيع واتفقتما على ذلك، فلا حرج عليك حينئذ من البيع لقريبك متى رغبت في ذلك.
المحتويات
عقد البيع من عقود المعاوضات التي أباحها الشرع الشريف متى وقع مستوفيًا أركانه وشروطه، وخاليًا من موانعه، كالغرر والضرر والغش والتدليس؛ رفقًا بالعباد، وتحقيقًا لمصالحهم، وقضاءً لحاجاتهم في الحصول على معاشهم، وهو كما في "تحفة المحتاج" للعلَّامة ابن حجر الهيتمي (4/ 215، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [عقد يتضمن مقابلة مال بمال بشرطه..، لاستفادة ملك عين أو منفعة مؤبدة] اهـ.
من الأمور التي يلجأ إليها كثير من الناس في معاملاتهم، وتكون سابقة على عقد البيع بحيث تكون بمنزلة العقود التمهيدية لإتمامه هو: "الوعد بالبيع"، أو "الوعد بالتعاقد" وهو: اتفاق بين كلا الطرفين -الواعد والموعود له-، أو أحدهما بإبرام عقد معين في المستقبل، وهو عقد البيع النهائي. يُنظر: "القانون المدني المصري" مادة رقم: (101).
والوفاء بالوعد والالتزام به أمرٌ مطلوبٌ شرعًا، إذ هو من مكارم الأخلاق ومحاسنها، فينبغي على من وعد إنسانًا شيئًا ليس بمنهيٍّ عنه أن يفي بوعده وعهده معه إن لم يتعذر ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1]، وقوله تعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: 34]، قال الإمام الشافعي في "تفسيره" (2/ 692، ط. دار التدمرية): [ظاهره عام على كل عقد... إذا كانت في العقد لله طاعة، ولم يكن فيما أمر بالوفاء منها معصية] اهـ.
وهو من صفات المؤمنين الذين امتدحهم الله تعالى بوفائهم بالعهود والتزامهم بالعقود، قال تعالى: ﴿وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا﴾ [البقرة: 177]، قال الإمام القرطبي في "تفسيره" (3/ 62، ط. مؤسسة الرسالة): [أي: فيما بينهم وبين الله تعالى، وفيما بينهم وبين الناس] اهـ.
ما حدث بين مالك المنزل المراد بيعه من وعد للطرف الآخر على أن يبيع له هذا المنزل، واتفاقهم على كل الأمور التي تخص هذا البيع، من تحديدٍ لأركانه وشروطه، من حيث معلومية الثمن والمثمن (المنزل المراد بيعه)، وتحديد الوقت الذي يتم فيه إجراء عملية البيع النهائي، ومن ثم نقل الملكية -فإن هذا الوعد من البائع يكون ملزمًا الوفاء به، ولا يجوز له مخالفته والرجوع عنه، إذ من شروط كون الوعد ملزمًا: وجود إيجاب من الواعد واقتران هذا الإيجاب بقبول من الموعود له، ويتأكد ذلك بتوثيقه، وأن يُعيّن العاقدان جميع المسائل الجوهرية للعقد المراد إبرامه بينهما، من حيث أركان ذلك العقد وشروطه الأساسية التي لا يُحتاج إلى الاتفاق عليها مرة أخرى عند إبرام العقد النهائي للبيع الذي يكون فيه نقل للملكية من الواعد للموعود له، كتعيين مقدار الالتزام وأجله.
وقد توافرت تلك الشروط في هذا الوعد، فوجب الالتزام والوفاء به شرعًا، وعدم جواز مخالفته والرجوع عنه.
وقد تواردت نصوص الفقهاء على وجوب الوفاء بالوعد والعهد الذي يقع عليه الاتفاق، أو يظهر فيه معنى الالتزام بقرينة، أو التعليق، إذ التعليق فيه معنى الالتزام، فإذا دخل الموعود له بسبب هذا الوعد في كلفة، وجب على الواعد الوفاء به، وعدم الرجوع عنه، إلا إذا تعذر ذلك.
قال الشيخ أبو العباس شهاب الدين الحموي الحنفي في "غمز عيون البصائر" (3/ 237، ط. دار الكتب العلمية): [قوله: (ولا يلزم الوعد إلا إذا كان معلقًا) قال بعض الفضلاء: لأنه إذا كان معلقًا يظهر منه معنى الالتزام كما في قوله: إن شفيت أحج، فشفي، يلزمه، ولو قال: أحج، لم يلزمه بمجرده... لما عُلِم أنَّ المواعيد باكتساب صورة التعليق تكون لازمة] اهـ.
وقال الإمام القَرَافِي المالكي في "الفروق" (4/ 25، ط. عالم الكتب): [وجه الجمع بين الأدلة المتقدمة التي يقتضي بعضها الوفاء به، وبعضها عدم الوفاء به: أنه إن أدخله في سبب يلزم بوعده لزم -كما قال مالك وابن القاسم وسُحْنُونٌ-، أو وَعَدَه مقرونًا بذكر السبب -كما قاله أصبغ-؛ لتأكد العزم على الدفع حينئذٍ، ويحمل عدم اللزوم على خلاف ذلك] اهـ.
وقال العلَّامة ابن حجر الهيتمي الشافعي في "الفتاوى الكبرى" (2/ 274، ط. المكتبة الإسلامية): [الوعد لا يلزم الوفاء به، نعم إن صحبه قرينة التزام صح، كما بحثه في "المطلب" وأيده السبكي بكلام الماوردي وغيره] اهـ.
وقال العلَّامة شمس الدين بن مفلح الحنبلي في "الفروع" (11/ 92، ط. مؤسسة الرسالة) في معرض الحديث عن الوفاء بالوعد: [ذكر شيخنا - تقِيُّ الدين- وجهًا: يلزم، الوفاء بالوعد-واختاره] اهـ.
بل قد حكى الإمام ابن العربي المالكي في "أحكام القرآن" (4/ 242، ط. دار الكتب العلمية) الإجماع على وجوب الوفاء بالوعد إذا تعلق بسبب من الأسباب حيث قال: [فإن كان المقول منه وعدًا فلا يخلو أن يكون منوطًا بسبب، كقوله: إن تزوجت أعنتك بدينار، أو ابتعت حاجة كذا أعطيتك كذا، فهذا لازم إجماعًا من الفقهاء] اهـ.
وأيضًا فإن في رجوع الواعد في وعده ضررًا بالطرف الآخر؛ حيث إن الطرف الآخر قد أدخل نفسه في التزام آخر، وهو كونه سوف يبيع قطعة أرض يملكها، حتى يتسنى له دفع ثمن هذا المنزل، وقد نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن إلحاق الضرر بالغير إلَّا لموجب؛ فقد روى الإمام ابن ماجه في "سننه"، وأحمد في "مسنده"، والحاكم في "المستدرك"، والإمام مالك في "الموطأ" أنَّه صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا ضَررَ ولا ضِرارَ»، والذي صار أصلًا للقاعدة الشرعية الكبرى "الضرر يزال"، وقاعدة: "الضرورات تبيح المحظورات".
قال الإمام المناوي في "فيض القدير" (6/ 431، ط. المكتبة التجارية الكبرى) تعليقًا على هذا الحديث: [وفيه: تحريم سائر أنواع الضرر إلا بدليل؛ لأن النكرة في سياق النفي تعم، وفيه حذف أصله لا لحوق أو إلحاق، أو لا فعل ضرر أو ضرار بأحد في ديننا، أي: لا يجوز شرعًا إلا لموجبٍ خاص]، ولم يوجد موجب خاص هنا للحوق الضرر بالطرف الآخر -الموعود له- فوجب التزام الواعد ووفاؤه بما اتفق عليه مع الموعود له.
وهذا ما أخذ به القانون المدني المصري، حيث نص في المادة (101) منه على أن: [(1) الاتفاق الذي يَعِد بموجبه كلا المتعاقدين أو أحدهما بإبرام عقد معين في المستقبل لا ينعقد إلا إذا عُيِّنَت جميعُ المسائل الجوهرية للعقد المراد إبرامه، والمدة التي يجب إبرامه فيها. (2) وإذا اشترط القانون لتمام العقد استيفاء شكل معين، فهذا الشكل تجب مراعاته أيضًا في الاتفاق الذي يتضمن الوعد بإبرام هذا العقد] اهـ.
ونص في المادة (102) منه على أنه: [إذا وَعَدَ شخصٌ بإبرام عقد ثم نكل وقاضاه المتعاقد الآخر طالبًا تنفيذ الوعد، وكانت الشروط اللازمة لتمام العقد -وبخاصة ما يتعلق منها بالشكل- متوافرة، قام الحكم متى حاز قوة الشيء المقضي به مقام العقد] اهـ.
بناءً على ما سبق وفي واقعة السؤال: فإن ما جرى بينك وبين الطرف الأول الراغب في شراء المنزل من وعدٍ بالبيع واتفاقٍ على جميع المسائل التي تخص هذا العقد، والتي لا يُحْتاج إلى الرجوع إليها مرة أخرى عند إبرام العقد، ومن ثمَّ قام ببيع قطعة أرض يملكها حتى يتسنى له دفع ثمن المنزل الذي اتفقتما عليه -يكون ملزمًا في حقك، ويجب عليك الوفاء به شرعًا، ولا يجوز لك مخالفته، رفعًا للضرر عنه، إلا إذا تراضيتما على عدم إتمام البيع واتفقتما على ذلك، فلا حرج عليك حينئذ من البيع لقريبك متى رغبت في ذلك.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
سائل يقول: أعمل في مجال شراء الفواكه، وأقوم بعمل عقد لشراء محصول الموز، وذلك وفق إحدى الصيغتين الآتيتين: الصيغة الأولى: يتفق فيها الطرفان البائع والمشتري على بيع محصول الموز عندما يحين وقت نضجه وحصاده بعد فترة زمنية لا تقل عن أربعة شهور بالشروط الآتية المتفق عليها: يدفع المشتري حين توقيع العقد مبلغًا قدره 30000 جنيهًا لكلِّ فدان كتأمين.
يحق للمشتري دون غيره الاستحواذ على المحصول وشراؤه، والذي يتصف بالسلامة والخلو من العيوب المتعارف عليها؛ مثل: الطفرات أو المتأثرة بالصقيع أو الجراد وما شابه.
يمنح المشتري خصم قدره: جنيه واحد عن كل كيلو من الثمار عند حصاده وبعد وزنه وذلك من سعر الموز المتداول والمتعارف عليه يوم تقطيع السبايط.
تراضى الطرفان عن هذه الشروط وعلى المخالف شرط جزائي قدره 50000 جنيهًا.
وهذه الصيغة من العقود هي الشائعة والمتداولة حاليًّا بين تجار الموز.
الصيغة الثانية: يتفق فيها الطرفان (أ) البائع والطرف (ب) المشتري على بيع محصول الموز من الطرف (أ) إلى الطرف (ب) والذي يبدأ حصاده بعد مرور أربع شهور، وذلك على الشروط الواردة والمتفق عليها، وهي:
يدفع المشتري (ب) للبائع (أ) مبلغًا قدره 30000 جنيهًا عن كلِّ فدان موز؛ بصيغة مقدم مالي، وتأمين نقدي لغرض الشراء.
يلتزم المشتري (ب) بعدة مهام هي: تقطيع وجمع سبايط الموز وتحمل مصاريف ذلك، وحمل سبايط الموز من الأرض للسيارة وتحمل مصاريف ذلك. وتولي مهمة تسويق وبيع المحصول لنفسه أو للغير. ويحق للبائع (أ) مشاركة المشتري (ب) في مهمة تسويق المحصول وبيعه وتحديد سعر البيع وصفة المشتري؛ لغرض تحقيق أحسن الأسعار، وجودة الأداء والتنفيذ. ويحق للمشتري (ب) ما هو قدره 1 جنيه عن كل كيلو موز يتم وزنه بعد حصاده لجميع المحصول، وذلك مقابل ما تم من عون ومهام من الطرف المشتري للطرف البائع. وعلى المخالف لأي من شروط العقد شرط جزائي قدره 50000 جنيهًا.
فما حكم هذا العقد؟ وهل يوجد هناك فرق مؤثر في الحكم بين الصيغتين؟
ما حكم إطلاق لفظ: "السيدة" على أم النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟
كلَّف أخٌ أخاه بشراء قطعة أرضٍ لصالحه وسافر، وتعرض الأخ المُكَلَّف لعملية نصبٍ اشترى على إثرها قطعة أرض معيبة بمرور تيار الضغط العالي عليها، مما يفقدها قيمتها، مما أثار مشاكل كثيرة بين الأخ وأخيه. قام الأخ الذي اشترى بتعويض أخيه بقطعة أرضٍ أخرى ومبلغ ستة آلاف جنيه مقابل القطعة المعيبة، وكان الاتفاق النهائي أن يدفع الأخ الأصغر مبلغ ستة آلاف جنيه كفارق سعرٍ على فتراتٍ زمنيةٍ وحسب حاجة الأخ الأكبر، حتى تبقى مبلغ 450 أربعمائة وخمسون جنيهًا، وقد ثارت مشاكل كثيرة بين الأخوين، ونتيجة للشجار بينهما حدث ما يلي:
1- أراد الأخ الأصغر أن يرجع عن الاتفاق النهائي المبرم بينهما والشاهد عليه شهود.
2- أقسم الأخ الذي من المفروض عليه أن يدفع 450 جنيهًا الباقية يمينًا بالطلاق؛ حيث إنه قال: "علي الطلاق من مراتي ما تخدهم، ولا ليك عندي حاجة".
ويطلب السائل بيان الحكم الشرعي في الآتي:
1- هل يجوز للأخ الأصغر أن يرجع عن الاتفاق النهائي المبرم بينهما والشاهد عليه شهود؟
2- هل يعتبر يمين الطلاق الذي حلفه يمينًا يقع به طلاق أم لا؟
ما حكم بيع الدقيق المدعم من المخابز في السوق السوداء؟
هل يجوز أن أبيع للأقارب والأصدقاء والفقراء بسعر منخفض عمَّا أبيع به لغيرهم، أم يجب عليّ المساواة في السعرِ بين الجميع؟
هناك من يدعي أن الانتساب حاليًّا إلى الهاشميين محل نظر، وأنه بسبب بُعد النسب واختلاطه في القرون الماضية؛ فقد يدعي بعض الناس هذا الشرف بغير حق فيصدقهم الناس، فهل هذا الفهم صحيح؟