الأربعاء 17 ديسمبر 2025م – 26 جُمادى الآخرة 1447 هـ

أثر طين الشوارع الناتج من الأمطار على صحة الوضوء

تاريخ الفتوى: 29 يوليو 2025 م
رقم الفتوى: 8725
من فتاوى: فضيلة أ. د/ نظير محمد عياد - مفتي الجمهورية
التصنيف: الطهارة
أثر طين الشوارع الناتج من الأمطار على صحة الوضوء

ما أثر طين الشوارع الناتج من الأمطار على صحة الوضوء؟ فقد ذهبت إلى الصلاة في المسجد وكان الجو ممطرًا، والطريق موحلًا؛ فأصاب قدمي وحذائي وثيابي شيء من الوحل، فهل يؤثر ذلك على صحة الوضوء؟

الأصل طهارة طين الشارع، فإذا أصاب الوحلُ الْمُكَلَّفَ في بدنه أو ثيابه أو حذائه فهو طاهر، ما لم تكن عَيْنُ النجاسة ظاهرة فيه، فيجب حينئذ إزالتها، أمَّا إذا لم ير عينها فمعفو عنها ولا يلزم المكلف شيء بخصوصها، وفي كل الأحوال لا تكون إصابته بالطين ناقضًا للوضوء أو موجبًا له بحالٍ من الأحوال.

المحتويات

 

حكم طهارة البدن والثوب لمن يريد الصلاة

مِنَ المُقَرَّرِ شرعًا أنَّ الطهارة مقصد شرعي، وشرط معتبر في صحة العديد من العبادات، كالصلاة والطواف ومَسِّ المصحف، وقد حَثَّتِ النُّصوصُ الشرعية على ملازمة المسلم للطهارة في مختلف الأحوال؛ لما لها من أَثَرٍ بالغٍ في تزكية النفس وتهذيبها، وتحقيقِ كمال العبودية لله تعالى، إذ هي سِمةٌ من سمات المؤمنين؛ قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾ [المائدة: 6]، وعن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رسول الله صَلَّى الله عليه وآله وسَلَّم قال: «لَا يَقْبَلُ اللهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» أخرجه الإمام البخاري.

فطهارة البدن والثوب شرط من شروط صحة الصلاة، فيلزم أن يكون بدن المصلي وثوبه طاهرين من النجاسة إلا ما عفى الشرع عنه.

أثر طين الشوارع الناتج من الأمطار على صحة الوضوء

إذا أصاب المسلمَ شيء من طين الشارع بعد سقوط المطر، فالأصل في الطين الناتج عن امتزاج تراب الأرض مع مياه الأمطار الطهارة؛ لِأَنَّه اختلاط مَاءٍ طَاهِرٍ بِتُرَابٍ طَاهِرٍ؛ لقوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ [الفرقان: 48].

قال الإمام البَغَوِي في "معالم التنزيل" (3/ 448، ط. دار إحياء التراث العربي): [﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾، والطهور هو: الطاهر في نفسه الْمُطَهِّرُ لغيره، فهو اسم لما يُتَطَهَّرُ به] اهـ.

وروى سيدنا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قال: «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي... وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ فَلْيُصَلِّ» متفق عليه.

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (1/ 438، ط. دار المعرفة): [اسْتُدِلَّ به على أنَّ الطَّهُورَ هو الْمُطَهِّرُ لغيره؛ لِأَنَّ الطَّهُورَ لو كان المراد به الطاهر لم تثبت الخصوصية، والحديث إنما سِيقَ لإثباتها] اهـ.

فإذا هَمَّ الْمُكَلَّفُ بأداء الصلاة وقد أصاب ثيابه أو بدنه هذا الْوَحْلُ؛ فصلاته صحيحة ووضوؤه باقٍ؛ لأن الأصل طهارة طين الشوارع ولا نخرج عن هذا الأصل إلا بيقين.

أمَّا إذا كان الطين مختلطًا بنجاسةٍ ظاهرةٍ عَيْنُهَا: وَجَبَ على الْمُكَلَّفِ إزالة عين النجاسة التي عَلِقَتْ بثيابه أو بدنه، وغَسْلُ محلها ما أمكن ذلك، ولا تُؤَثِّرُ إصابة النجاسة في وضوء الْمُكَلَّفِ؛ إذ ليست النجاسة من نواقض الوضوء، فلا ينتقض بها.

قال الإمام الشُّرُنْبُلَالِي الحنفي في "مراقي الفلاح" (ص: 66، ط. المكتبة العصرية): [وردغة الطين والوَحْل الذي فيه نجاسة عفو، إلا إذا علم عين النجاسة للضرورة] اهـ.

وقال الإمام الحَطَّاب المالكي في "مواهب الجليل" (1/ 150-151، ط. دار الفكر): [ص: (وكطين مَطَرٍ، وإن اختلطت الْعَذِرَةُ بالمصيب)، ش: قال في "الْمُدَوَّنَةِ": ولا بأس بطين المطر المستنقع في السكك والطرق يصيب الثوب، أو الخف أو النعل، أو الجسد، وإن كان فيه الْعَذِرَةُ وسائر النجاسات وما زالت الطرق وهذا فيها وكانت الصحابة يخوضون في طين المطر ويصلون ولا يغسلونه... وأشار بقوله: (ولا إن أصاب عينها) إلى أنَّه لا يُعْفَى عَمَّنْ أصابته عين النجاسة] اهـ.

وقال الإمام ابن حجر الهَيْتَمِي في "تحفة المحتاج" (2/ 129-130، ط. المكتبة التجارية) [(وَطِينُ الشَّارِعِ) يعني محل المرور ولو غير شارع كما هو ظاهر، (المتيقن نجاسته)، ولو بِمُغَلَّظٍ ما لم تبق عينه مُتَمَيِّزَةً، وإن عَمَّتِ الطريق على الأوجه... (يُعْفَى عنه)، أي: في الثوب والبدن وإن انتشر بِعَرَقٍ أو نحوه مما يحتاج إليه نظير ما يأتي، دون المكان كما هو ظاهر؛ إذ لا يعم الابتلاء به فيه، (عما يتعذر الاحتراز عنه غالبًا) بأن لا يُنسب صاحبه لسقطة أو قلة تحفظ وإن كثر... أي: أن زيادة المشقة توجب عد ذلك قليلًا، وإن كثر عرفًا] اهـ.

وقال الإمام البُهُوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (1/ 193، ط. عالم الكتب): [(وطين الشارع وترابه طاهر) وإن ظُنَّتْ نجاسته؛ لأنَّ الأصل الطهارة (ما لم تُعْلَم نجاسته) فَيُعْفَى عن يسيره] اهـ.

أمَّا إذا اختلط الطين بنجاسة خَفِيَّةٍ لا تُرَى عَيْنُهَا، سَوَاءٌ تَيَقَّنَ الْمُكَلَّفُ منها أو غَلَبَ على ظَنِّه وجودها، فهو مَعْفُوٌّ عنها مطلقًا للضرورة عند الحنفية (وهو المختار للفتوى)، واشترط المالكية ألَّا تكون النجاسة غالبة، بينما اشترط الشافعية أن يعسر الاحتراز منها في الثوب أو البدن لا المكان، واشترط الحنابلة أن يكون الطين المصيب يسيرًا.

قال الإمام ابن عابدين الحنفي في "ردِّ المحتار على الدر المختار" (1/ 324، ط. دار الفكر): [(قوله: وطين شَارِعٍ) مبتدأ، خبره قوله: عفو، والشارع الطريق ط. وفي "الفيض": طين الشوارع عفو، وإن ملأ الثوب للضرورة ولو مختلطًا بِالْعَذِرَاتِ وتجوز الصلاة معه. اهـ] اهـ.

وقال الشيخ الدردير المالكي في "الشرح الكبير" (1/ 74، ط. دار الفكر): [(و) عُفِيَ عن (كطين مطر) أَدْخَلَت الْكَافُ ماءَ المطر وماءَ الرش، وَيُقَدَّرُ دخولُ الكاف على مطر أيضا فيدخل طين الرش ومستنقع الطرق يصيب الرجل أو الخف أو نحو ذلك، (وإن اختلطت العذرة) أو غيرها من النجاسات يقينًا أو ظنًّا (بالمصيب) والواو للحال لا للمبالغة؛ إذ لا محل للعفو عند عَدَمِ الاختلاط أو الشك؛ لِأَنَّ الأصل الطهارة، ثم إذا ارتفع المطر وجف الطين في الطرق وجب الغسل (لا إن غلبت) النجاسة على كالطين، أي: كثرت، أي: كانت أكثر تحقيقًا أو ظنًّا من المصيب كنزول المطر على محل شأنه أن يطرح فيه النجاسة، فلا يُعْفَى عمَّا أصابه على الراجح] اهـ.

وقال الإمام شهاب الدين الرملي الشافعي في "نهاية المحتاج" (2/ 27-28، ط. دار الفكر): [(وطين الشارع)، أي: محل المرور، وإن لم يكن شارعًا، (الْمُتَيَقَّنُ نجاسته) ولو بإخبار عَدْلٍ رِوَايَةً فيما يظهر، فالمراد باليقين ما يفيد ثبوت النجاسة (يُعْفَى منه عما يتعذر)، أي: يتعسر (الاحتراز عنه غالبًا)، وإن اختلط بمغلظ كما رجحه الزَّرْكَشِي وغيره] اهـ.

وقال الإمام البُهُوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (1/ 192): [(و) يُعْفَى (عن يسير طين شارع تَحَقَّقَتْ نجاسته)، لمشقة التَّحَرُّزِ منه] اهـ.

الخلاصة

بِنَاءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فالأصل طهارة طين الشارع، فإذا أصاب الوحل الْمُكَلَّف في بدنه أو ثيابه أو حذائه فهو طاهر، ما لم تكن عَيْنُ النجاسة ظاهرة فيه، فيجب حينئذ إزالتها، أمَّا إذا لم ير عينها فمعفو عنها ولا يلزم المكلف شيء بخصوصها، وفي كل الأحوال لا تكون إصابته بالطين ناقضًا للوضوء أو موجبًا له بحالٍ من الأحوال.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم تعويد الصبي الصغير على الطاعة وحمله عليها؟


ما حكم صوم المرأة التي نزل عليها دم قبل الولادة بيوم وهي صائمة؟ فهناك امرأةٌ حاملٌ، ونَزَل عليها دَمٌ قَبْل الولادة بيومٍ مصحوبًا بشيءٍ مِن الآلام التي تَسبِقُ الولادة، وكان ذلك في نهار رمضان وهي صائمة، فهل تُكمِل صومها أو تفطر بسبب نزول هذا الدم؟


ما حكم استعمال ماء زمزم في غير الشرب؟ فبعض الناس يستعمل ماء زمزم في غير الشرب كالوضوء والاغتسال، وما حكم استعماله في إزالة النجاسة؟


ما حكم طواف الإفاضة للحائض؟ فهناك امرأةٌ ذهبت لأداء فريضة الحج، وداهمها الحيض قبل طواف الإفاضة، واقترَب موعد السفر مِن مكة المكرمة، بحيث لا تتمكن مِن الانتظار حتى تَطْهُر، فطافَت وعادت إلى بلدها، وتسأل: هل حجُّها صحيح شرعًا؟ وهل عليها شيء؟


ما حكم الوضوء لقراءة القرآن؛ فأمي سيدة كبيرة في السن، ومريضة بمرض القولون، مما يسبب لها إخراج ريح دائمًا، فهي لا تستطيع أن تقرأ القرآن وهي على وضوء. فهل من الممكن لها قراءة القرآن بغير وضوء؟


ما حكم الشك في خروج البول بعد الطهارة؟ فأنا أعاني عند خروجي من الحمام -بعد التبول- من الشك بنزول نقطة من البول على ملابسي، ولا أدري هل نزلت فعلًا أو لم يحدث شيء، وذلك يسبب لي بعض القلق عند الوضوء للصلاة، فبماذا تنصحني أن أفعل لكي أتخلص من هذا الشك؟ ويطلب السائل بيان الحكم الشرعي في ذلك.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 17 ديسمبر 2025 م
الفجر
5 :12
الشروق
6 :45
الظهر
11 : 51
العصر
2:39
المغرب
4 : 58
العشاء
6 :21