الإمام البخاري رضي الله عنه، هو أبو عبد الله محمد بن أبي الحسن إسماعيل بن إبراهيم البخاري، علم من أعلام الأمة الإسلامية، وكتابه "الجامع الصحيح" من أعظم الكتب وأشهرها وأهمها في صيانة حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
كان البخاري رحمه الله تعالى ذا ذاكرة حافظة وعلم عريض وذكاء متَّقد، وقد ولد رضي الله عنه بمدينة بُخَارَى، حوالي سنة 194هـ.
وقد بدأ الإمام البخاري في طلب العلم والحديث النبوي وهو في سنٍّ صغير، قال أبو جعفر محمد بن أبي حاتم الورَّاق النحوي: "قلت لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري كيف كان بدء أمرك في طلب الحديث؟ قال: أُلهمت حفظ الحديث وأنا في الكُتَّاب.
قلت: وكم أتى عليك إذ ذاك؟ قال: عشر سنين أو أقل، ثم خرجت من الكتاب بعد العشر فجعلت اختلف إلى الداخلي وغيره، وقال يومًا: فيما كان يقرأ للناس سفيان عن أبي الزبير عن إبراهيم؛ فقلت له: يا أبا فلان، إن أبا الزبير لم يرو عن إبراهيم، فانتهَرَني، فقلت له: ارجع إلى الأصل إن كان عندك، فدخل ونظر فيه ثم خرج فقال لي: كيف هو يا غلام؟ قلت: هو الزبير بن عدي بن إبراهيم، فأخذ القلم مني وأحكم كتابه فقال: صدقت، فقال له بعض أصحابه: ابن كم كنت إذ رددت عليه؟ فقال: ابن إحدى عشرة، فلما طعنت في ست عشرة سنة حفظت كتب ابن المبارك ووكيع، وعرفت كلام هؤلاء ثم خرجت مع أمي وأخي أحمد إلى مكة، فلما حَجَجْتُ رجع أخي بها، وتخلَّفت في طلب الحديث، فلما طعنت في ثمان عشرة جعلت أصنف فضائل الصحابة والتابعين وأقاويلهم، وذلك أيام عبيد الله بن موسى، وصنفت "كتاب التاريخ" إذ ذاك عند قبر الرسول صلى الله عليه وسلم في الليالي المقمرة.
ولقد ألف كتابه "الجامع الصحيح" المعروف بــ"صحيح البخاري" بعد جلسة اجتمع فيها مع إسحاق بن راهويه رضي الله عنه، وقد ذكر هذه القصة الإمام البخاري بنفسه حيث قال: "كنا عند إسحاق بن راهويه فقال لو جمعتم كتابًا مختصرًا لصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: فوقع ذلك في قلبي، فأخذتُ في جمع الجامع الصحيح"، وعن محمد بن سليمان بن فارس قال: "سمعت البخاري يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكأنني واقف بين يديه وبيدي مروحة أذُبُّ بها عنه، فسألت بعض المعبِّرين فقال لي: أنت تذب عنه الكذب؛ فهو الذي حملني على إخراج الجامع الصحيح".
وللإمام البخاري قصة شهيرة تثبت مدى قوة حفظه وذكائه الشديد، حيث تحدَّاه عدد من أهل بغداد، وقلَّبوا عددًا من متون الأحاديث وأسانيدها، وسألوه فيها، وقد كان عددها مائةَ حديث، جعلوا متن هذا الإسناد لإسنادٍ آخر، وإسناد هذا المتن لمتنٍ آخر، ودفعوا إلى عشرةِ أشخاصٍ، إلى كل رجلٍ عشرة أحاديث، وأمروهم إذا حضروا المجلس أن يلقوا ذلك على البخاري، وأخذوا الموعد للمجلس، فحضر المجلس جماعة أصحاب الحديث من الغرباء من أهل خراسان وغيرها ومن البغداديين، فلما اطمأنَّ المجلسُ بأهله انتدب إليه رجل من العشرة فسأله عن حديث من تلك الأحاديث؛ فقال البخاري: لا أعرفه، فسأله عن آخر، فقال: لا أعرفه، فما زال يُلقي عليه واحدًا بعد واحد حتى فرغ من عشرته، والبخاري يقول: لا أعرفه.
فكان الفهماء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون: الرجل فهم، ومن كان منهم غير ذلك يقضي على البخاري بالعجز والتقصير وقلة الفهم.
ثم انتُدب رجل آخر من العشرة فسأله عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة، فقال البخاري: لا أعرفه، فسأله عن آخر فقال: لا أعرفه، فسأله عن آخر فقال: لا أعرفه، فلم يزل يُلقي عليه واحدًا بعد آخر حتى فرغ من عشرته، والبخاري يقول: لا أعرفه.
ثم انتُدب إليه الثالث والرابع إلى تمام العشرة حتى فرغوا كلهم من الأحاديث المقلوبة، والبخاري لا يزيدهم على: لا أعرفه.
فلما علم البخاري أنهم قد فرغوا التفت إلى الأول منهم، فقال: أما حديثك الأول فهو كذا، وحديثك الثاني فهو كذا، والثالث والرابع على الولاء حتى أتى على تمام العشرة، فردَّ كل متن إلى إسناده، وكل إسناد إلى متنه، وفعل بالآخرين مثل ذلك، ورد متون الأحاديث كلها إلى أسانيدها، وأسانيدها إلى متونها، فأقرَّ له الناس بالحفظ وأذعنوا له بالفضل.
وقد تُوفِّي رضي الله عنه ليلة عيد الفطر، سنة 256هـ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
- "فتح الباري: للإمام ابن حجر (1/ 6).
- "تاريخ بغداد" للخطيب البغدادي (2/ 7).
- "البخاري" للدكتور أحمد عمر هاشم، ضمن "موسوعة أعلام الفكر الإسلامي" (ط. المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية).
امتحان أهل بغداد للإمام البخاري
اقرأ أيضا
مواقيت الصلاة
الفـجــر
الشروق
الظهر
العصر
المغرب
العشاء