الرئيسية >هذا ديننا >أمهات المؤمنين

أمهات المؤمنين

أمهات المؤمنين

 يُطلق على زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمهات المؤمنين، تكريمًا لشأنهنَّ وإعلاءً لقدرهنَّ، وقد شرفهنَّ الله تعالى بذلك فقال: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾ [الأحزاب: 6].
وقد بلغ عدد زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم اللاتي دخل بهنَّ إحدى عشرة؛ وهنَّ: السيدة خديجة بنت خويلد، والسيدة سودة بنت زمعة، والسيدة عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنه، والسيدة حفصة بنت عمر رضي الله عنه، والسيدة زينب بنت خزيمة، والسيدة أم سلمة، والسيدة زينب بنت جحش، والسيدة جويرية بنت الحارث، والسيدة رملة بنت أبي سفيان، والسيدة صفية بنت حيي بن أخطب، والسيدة ميمونة بنت الحارث رضي الله عنهنَّ جميعًا.
أما السيدة مارية بنت شمعون القبطية رضي الله عنها فقد اختلف في أمرها هل كانت زوجة له أم ملك يمين؟
وكلُّ أولاده صلى الله عليه وآله وسلم من السيدة خديجة بنت خويلد ضي الله عنها، سوى سيدنا إبراهيم رضي الله عنه فهو من مارية القبطية رضي الله عنها، فولدت السيدة خديجة القاسم رضي الله عنه وكان يُكنَّى به صلى الله عليه وآله وسلم، وعبد الله وهو الطاهر والطيب رضي الله عنه، وزينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة رضي الله عنهنَّ.
وقد عاشت زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غرفهنَّ الصغيرة بجوار المسجد النبوي، يستمعنَ لأحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويشتركنَّ في بيان تعاليمِ الإسلامِ وأحكامِهِ، خاصةً في شئون المرأة، ثم لهنَّ حياتهنَّ الخاصة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحافلة بالعبادة والعلم، المليئة بالدروس والعبر، الدافقة بالخير والعطاء.
وقد توفيت زوجتان منهنَّ في حياته صلى الله عليه وآله وسلم وهما السيدة خديجة بنت خويلد، والسيدة زينب بنت خزيمة، وتُوفِّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن تسعٍ منهنَّ، ودُفِنَّ جميعًا في البقيع بالمدينة المنورة، ما عدا السيدة خديجة رضي الله عنها فدفنت في الحُجُونِ بمكة، والسيدة ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها دفنت في سَرف قريبًا من مكة.
واختص الله نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم بخصائص كثيرة على غيره من البشر؛ إظهارًا لقدره ومكانته، وإعلاءً لمرتبته وشأنه، ومن ضمن الخصائص التي اختص الله بها سيدنا محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم كثرة زوجاته، فقد أباح الله عز وجل له الزواج بأكثر من أربع.
قال الشافعي: دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المبينة عن الله أنه لا يجوز لأحدٍ غير رسول الله أن يجمع بين أكثر من أربع من النسوة.
قال ابن كثير: وهذا الذي قاله الشافعي مجمعٌ عليه بين العلماء.
فهذا الحكم من خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم التي انفرد به دون غيره من الأمة، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم معصوم من الجور الذي قد يقع فيه غيره، إضافة لما في زواجه بأكثر من أربع من تحقيق لأهداف وحكم هامة.
وكثرة زواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن الهدف منه التمتع وإشباع الشهوة، وإنما كان الهدف أسمى من ذلك وأعلى؛ ففي زواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أمهات المؤمنين رضي الله عنهنَّ كثير من الحكم التشريعية والإنسانية والتعليمية، إضافة إلى ما يتعلق بمصلحة الدعوة وتبليغ الرسالة، فقد حرص في بعضها صلى الله عليه وآله وسلم على توثيق الرابطة بين الإسلام وبعض القبائل، كما حدث عندما تزوج بالسيدة جويرية بنت الحارث سيد بني المصطلق، الذي كان من آثاره إسلام جميع قبيلتها، وكزواجه من السيدة أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان، والسيدة صفية بنت حيي بن أخطب.
وكان الهدف في بعضها الآخر تكريم أرامل الشهداء الذين ماتوا في الحبشة، أو استشهدوا من أجل الدعوة في سبيل الله، وتُركوا أرامل لا يقدرون على تحمل أثقال الحياة وأعبائها الجمة، مثل السيدة أم سلمة، والسيدة زينب بنت خزيمة، والسيدة سودة بنت زمعة.
وكان في بعضها الآخر زواجًا تشريعيًّا كزواجه صلى الله عليه وآله وسلم من السيدة زينب بنت جحش، وذلك لهدم نظام التبني الذي كان موجودًا عند العرب، ومنها توثيق أواصر الترابط بينه وبين صاحبيه الجليلين أبى بكر وعمر، وتكريمهما بشرف المصاهرة به، وذلك ظاهر في زواجه صلى الله عليه وآله وسلم بالسيدة عائشة بنت أبي بكر والسيدة حفصة بنت عمر رضي الله عنهم.
وثمة أمر آخر هام وهو أن الإسلام -الذي هو خاتم الأديان- بحاجة إلى من يبلغ أحكامه الشرعية الخاصة بالنساء وهي كثيرة، وزوجة واحدة لا تستطيع القيام بهذا العبء وحدها، فالأمر أكبر من ذلك بكثير، وقد ذكر رواة السنة أن نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم رَوَيْنَ أكثر من ثلاثة آلاف حديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومن ثَم فقد ساهمت أمهات المؤمنين -خاصة السيدتان عائشة وأم سلمة- مساهمة فعالة في نقل السنة النبوية، وهي المصدر الثاني للتشريع بعد كتاب الله إلى الأمة الإسلامية.
وقد ذكر الإمام ابن حجر في "فتح الباري" حِكَمًا كثيرةً للعلماء من استكثاره صلى الله عليه وآله وسلم من الزوجات:
- أحدها: أن يَكثر من يشاهد أحواله الباطنة فينتفي عنه ما يظن به المشركون من أنه ساحر أو غير ذلك.
- ثانيها: لتتشرف به قبائل العرب بمصاهرته فيهم.
- ثالثها: الزيادة في تألفهم لذلك.
- رابعها: لتكثر عشيرته من جهة نسائه فتزداد أعوانه على من يحاربه.
- خامسها: نقل الأحكام الشرعية التي لا يطلع عليها الرجال؛ لأن أكثر ما يقع مع الزوجة مما شأنه أن يختفي مثله.
- سادسها: الاطلاع على محاسن أخلاقه الباطنة، فقد تزوج أم حبيبة وأبوها يعاديه، وصفية بعد قتل أبيها وعمها وزوجها، فلو لم يكن أكمل الخَلْق في خُلقه لنفرنَ منه، بل الذي وقع أنه كان أحب إليهنَّ من جميع أهلهنَّ.
- سابعها: تحصينهنَّ والقيام بحقوقهنَّ.
ومن ثم فإنَّ لكل من زواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأمهات المؤمنين حكمة وسببًا، يزيدان في إيمان المسلم بعظمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ورفعة شأنه وكمال أخلاقه.

اقرأ أيضا
;