البقاء من صفات الجلال والعظمة التي يجب على المسلم أن يعتقد اتصاف الله تعالى بها، ومعنى البقاء في حق الله تعالى أنه لا آخر لوجودِه ولا نهاية ولا اختتام، فلا يتصور في جانب المولى عز وجل انتهاء أو فناء أو انقطاع عن الوجود، بل هو سبحانه باقٍ بقاءً لا يلحقه عدم.
والبقاء صفة لا يشترك فيها مع الله تعالى أحد، فكل شيء من المخلوقات مهما طال وجوده وامتد زمانه يقبل العدم والانتهاء.. فالفناء جائز في حق المخلوقات كلها.
إن كل شيء حولنا ينطق بلسان حاله أنه كان عدمًا ثم انتقل إلى الوجود، وأنه في حال عدمه وحال وجوده لا سلطان له على نفسه، بل هو مقهور مجبور لا يدَ له في بدء ولا انتهاء.. وما كان أساسه العدم فلا يستحيل أن يكون مآله ومصيره إلى العدم.
وأما الله تعالى فلا يليق في حقه نهاية أو فناء أو عدم، بل لا يتصور ذلك أبدًا:
أما أولًا: فلأن هذه صفة المخلوقات، والله منزه عن أن يشابه المخلوقات، فالعبد عبد والرب رب، وهناك فارق بين المخلوق والخالق.
وقد قدمنا أنه من الخطأ أن يقاس الله تعالى بمقاييس الخلق، لأنه الإله الأعظم والرب العلي الذي خلق كل شيء بإرادته وقدرته.. فمُسَبِّبَ العالم خارج عن حقيقة العالم، مخالف له، لا تسري عليه القوانين التي تحكم العالم، فإذا سلم العقل أنه رب العالمين فليسلم ضرورة أنه لا بداية لوجوده ولا نهاية، فلا يسبقه عدم، ولا يلحقه عدم.
وأما ثانيًا: فلأن الفناء عدم، ولو جاز أن يكون الله عدمًا فيما هو آتٍ، لجاز أن يكون عدمًا فيما مضى، ولكان محتاجًا في البدء إلى من يخرجه من العدم إلى الوجود، وفي الانتهاء إلى من يجعله عدمًا بعد وجوده، وكل هذا باطل لا يليق بمقام الألوهية؛ لأنه يجعل الإله محتاجًا مفتقرًا إلى غيره، وهذا محال.
إن الذين يقيسون الله تعالى بمقياس الخلق ويقولون إنه لا يوجد شيء إلا وكان عدمًا ولا يوجد شيء إلا سينتهي ويكون عدمًا، لو فرضوا أن الله تعالى كان عدمًا أو سيكون عدمًا فإنهم بذلك يثبتون وجود شيء غير الله يؤثر في وجود الله تعالى، وهذا الشيء المؤثر -بناءً على قولهم – لابد أنه كان عدما فيحتاج إلى مؤثر ثالث، وهذا المؤثر الثالث كان عدمًا فيحتاج إلى مؤثر رابع، وهكذا يتسلسل الأمر تسلسلًا لا يقره العقل ولا الوجدان.. وينفي مقام الألوهية الثابت عقلًا وشرعًا ووجدانًا.. يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ مَنْ خَلَقَ كَذَا وَكَذَا؟ حَتَّى يَقُولَ لَهُ مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ وَلْيَنْتَهِ» رواه مسلم.
وقد مر بنا من صفات الله عز وجل صفة القِدَم، ومعناها أن وجوده تعالى لم يسبق بعدم، والعقلاء متفقون على أن المتصف بالقدم متصف بالبقاء، فلا يقبل العدم أزلًا ولا أبدًا؛ لأن العدم احتياج وافتقار لا يليقان بالعزيز القهار سبحانه وتعالى.
وهناك مخلوقات كالجنة والنار أذن الله لها بالبقاء وأخبرنا بذلك في كتابه الكريم، وهما كغيرهما من المخلوقات يجوز عليهما من جهة العقل الفناء والعدم، إلا أن الشرع أخبرنا بخلودهما؛ فنؤمن أنهما لا يفنيان ولا يفنى أهلهما بإذن الله تعالى..
المراجع:
• "حاشية الصاوي على شرح الإمام الدردير على الخريدة".
• "تحفة المريد" لشيخ الإسلام الباجوري.
• "كفاية العوام في علم الكلام" للشيخ الفضالي، مع "تحقيق المقام" للشيخ الباجوري.
• "شرح الناظم على الجوهرة" للعلامة اللقاني.
صفة البقاء
اقرأ أيضا
مواقيت الصلاة
الفـجــر
الشروق
الظهر
العصر
المغرب
العشاء