حكم تعليق التمائم - الفتاوى - دار الإفتاء المصرية - دار الإفتاء

حكم تعليق التمائم

هل يجوز تعليق التمائم؟

التمائم جمع تـميمة، ومادة (تمَّ) في اللغة دليل الكمال؛ تمَّ الشيء يَتِم: تكمَّلت أجزاؤه، وهي: عُوذة تُعلَّق على الإنسان، فكأنَّهم يريدون أنَّ التمائم هي تَمام الدَّواءِ والشِّفاءِ المطلوب. ينظر: "معجم مقاييس اللغة" لابن فارس (1/ 339، ط. دار الفكر)، و"المصباح المنير" للفيومي (77، مادة: ت م م، ط. المكتبة العلمية).

وفي الاصطلاح تطلق التميمة على معنيين:
الأول: خَرَزات كانت العرب تُعلقها على أولادهم يَتَّقُون بـها العين في زعْمهم فأبْطلها الإسلام. ينظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" (1/ 197، ط. المكتبة العلمية).

والثاني: ورقة يكتب عليها شيء من القرآن، وتعلق على الرأس مثلًا للتبرك. ينظر: "حاشية الجمل على شرح المنهج" (1/ 76، ط. دار الفكر).

ومن أصول عقيدة المسلمين: أنه لا أثر ذاتيًّا لـمخلوق من المخلوقات، فمن اعتقد التأثير الذاتي في غير الله، فقد وقع في شرك؛ قال شيخ الإسلام ابن حجر الهيتمي: هذا جهل وضلال وهو من أكبر الكبائر، فإنه إن لم يكن شركًا فهو يؤدي إليه؛ إذ لا ينفع ويضر ويـمنع ويدفع إلا الله تعالى. ينظر: "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (1/ 274، ط. دار الفكر).

أما إذا لم يعتقد أن التمائم مؤثرة بنفسها، فهناك حالتان: إما أن تكون من القرآن أو من غير القرآن، والتي من غير القرآن إما أن تكون من الأذكار والأوراد والكلام الطيب وهذا جائز، وإما أن تكون بخلاف ذلك من الطلاسم والكلام غير المفهوم في لغة العرب أو بلغة أخرى، وهذا غير جائز.

فالتمائم التي من القرآن أو ما يندرج تحته في الحكم من الأذكار والأوراد والكلام الطيب؛ ذهب جمهور الفقهاء- من الحنفية والمالكية والشافعية وفي رواية عن الإمام أحمد- إلى جواز تعليقها، واستدلوا بقوله تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا﴾ [الإسراء: 82].

قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (10/ 316، ط. دار الكتب المصرية): [اختلف العلماء في كونه شفاء على قولين: أحدهما: أنه شفاء للقلوب بزوال الجهل عنها وإزالة الريب، ولكشف غطاء القلب من مرض الجهل لفهم المعجزات والأمور الدالة على الله تعالى. الثاني: شفاء من الأمراض الظاهرة بالرُّقى والتعوذ ونحوه]. اهـ.

والتمائم من التعوذ المكتوب -كما مرَّ- فلا بأس بـها، وتعليق المسلم له أو لبعضه بنية البركة لا بأس به؛ قال تعالى: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأنعام: 155].

واستدلوا أيضًا بما أخرجه الترمذي -واللفظ له- وأحمد والحاكم عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عيسى أخيه قال: دخلت على عبد الله بن عكيم أبي معبد الجهني أعوده وبه حمرة فقلنا: ألا تعلق شيئًا؟ قال: الموت أقرب من ذلك، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ».

فمن علَّق القرآن ينبغي أن يتولاه الله ولا يَكِله إلى غيره؛ لأنه تعالى هو المرغوب إليه والمتوكل عليه في الاستشفاء بالقرآن. ينظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (10/ 320).

وبما أخرجه أبو داود والترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا فَزِعَ أَحَدُكُمْ فِي النَّوْمِ فَلْيَقُلْ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ وَشَرِّ عِبَادِهِ وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونِ؛ فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ». قال: وكان عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يعلمها مَنْ بَلَغَ من ولده، ومَنْ لم يَبْلُغْ منهم كتبها في صك ثم علَّقَهَا في عُنُقِه.

فاستدلوا بفعل سيدنا عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.

وجاء في "مصنف ابن أبي شيبة" (5/ 43-44، ط. مكتبة الرشد): أن سعيد بن المسيب سئل عن التعويذ فقال: "لا بأس إذا كان في أديم"، وعن عطاء قال: "لا بأس أن يعلق القرآن"، وكان مجاهد يكتب للناس التعويذ فيعلقه عليهم، وعن الضحاك أنه لم يكن يرى بأسًا أن يعلق الرجل الشيء من كتاب الله إذا وضعه عند الغسل وعند الغائط، ورخَّص أبو جعفر محمد بن علي في التعويذ بأن يُعلق على الصبيان، وكان ابن سيرين لا يرى بأسًا بالشيء من القرآن.

ومما نقل عن العلماء بالجواز: ما جاء في "الدر المختار" (6/ 363-364 بتصرف، ط. دار الفكر): [التميمة المكروهة ما كان بغير القرآن، وقيل: هي الخرزة التي تعلقها الجاهلية، وفي "المجتبى": وعلى الجواز عمل الناس اليوم، وبه وردت الآثار]. اهـ.

وفي "كفاية الطالب الرباني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني بحاشية العدوي" (2/ 492، ط. دار الفكر): [(ولا بأس بالمُعاذة) وهي التمائم -والتمائم الحروز- التي (تعلق) في العنق (وفيها القرآن) وسواء في ذلك المريض، والصحيح، والجنب، والحائض، والنفساء، والبهائم بعد جعلها فيما يكنها]. اهـ، ففُهم من ذلك أن ما كان من القرآن جائز إذا جُعل في شيء يحفظه.

وقال الإمام مالك: لا بأس بتعليق الكتب التي فيها أسماء الله عز وجل على أعناق المرضى على وجه التبرك. ينظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (10/ 319).

وفي كتب السادة الشافعية: نجد أن الإمام النووي قد ذكر في "المجموع" (9/ 66، ط. دار الفكر) حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من علَّق تميمة فلا أتم الله له، ومن علَّق ودعة فلا ودع الله له»، ثم نقل عن البيهقي قوله: إن النهي راجع إلى معنى ما قال أبو عبيد- أي: ما كان بغير العربية بما لا يدري ما هو- ثم قال -أي البيهقي-: وقد يحتمل أن يكون ذلك وما أشبهه من النهي والكراهة فيمن يعلقها وهو يرى تـمام العافية وزوال العلة بـها على ما كانت عليه الجاهلية، أما من يعلقها متبركًا بذكر الله تعالى فيها وهو يعلم أن لا كاشف له إلا الله ولا دافع عنه سواه، فلا بأس بـها إن شاء الله تعالى. ولم يُعلق الإمام النووي على شيء مما ذكر، فدلَّ على عدم اعتراضه.

فَفُهِم من ذلك أن تعليق التمائم التي فيها القرآن أو ذكر الله أمر جائز ما دام أنه جعل في شيء يحفظه، وأما الأحاديث الواردة في النهي عن التعليق فهي محمولة على تعليق تـمائم الجاهلية التي يظن بـها أنـها تجلب الخير وتدفع الشر، فإن ذلك حرام، والحرام لا شفاء فيه، وكذا تمائم العرَّافين والكُهان التي يكتب فيها غير القرآن.

قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري شرح صحيح البخاري" (6/ 142، ط. دار المعرفة)- بعد أن ذكر أحاديث النهي عن تعليق التمائم-: [هذا كله في تعليق التمائم وغيرها مما ليس فيه قرآن ونحوه، فأما ما فيه ذكر الله فلا نـهي فيه؛ فإنه إنـما يجعل للتبرك به والتعوذ بأسـمائه وذكره]. اهـ.

وقال القاضي أبو يعلى ابن الفراء من الحنابلة: [يجوز حمل الأخبار- أي الـمانعة- على اختلاف حالين، فنهى إذا كان يعتقد أنـها النافعة له والدافعة عنه، وهذا لا يجوز؛ لأن النافع هو الله. والموضع الذي أجازه إذا اعتقد أن الله هو النافع والدافع. ولعل هذا خرج على عادة الجاهلية، كما تعتقد أن الدهر يغيرهم فكانوا يسبونه]. اهـ. ينظر: "كشاف القناع عن متن الإقناع" للبهوتي (2/ 77، ط. دار الكتب العلمية).

وعليه: فإن تعليق التمائم المكتوب فيها آيات من القرآن الكريم وأدعية وأذكار جائزٌ شرعًا طالما أن المسلم يعتقد أن الله هو النافع الضار، وأنـها لا تعدو أن تكون من جملة الأسباب، وبشرط أن تصان عن الإهانة، ومما ينبغي التنبيه عليه أن اتخاذ التمائم الشرعية طلبًا للشفاء لا يلغي وجود الطب الجسماني، وإنـما ينبغي الاستفادة منهما دون إفراط في أحدهما أو تفريط في الآخر.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

التفاصيل ....

التمائم جمع تـميمة، ومادة (تمَّ) في اللغة دليل الكمال؛ تمَّ الشيء يَتِم: تكمَّلت أجزاؤه، وهي: عُوذة تُعلَّق على الإنسان، فكأنَّهم يريدون أنَّ التمائم هي تَمام الدَّواءِ والشِّفاءِ المطلوب. ينظر: "معجم مقاييس اللغة" لابن فارس (1/ 339، ط. دار الفكر)، و"المصباح المنير" للفيومي (77، مادة: ت م م، ط. المكتبة العلمية).

وفي الاصطلاح تطلق التميمة على معنيين:
الأول: خَرَزات كانت العرب تُعلقها على أولادهم يَتَّقُون بـها العين في زعْمهم فأبْطلها الإسلام. ينظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" (1/ 197، ط. المكتبة العلمية).

والثاني: ورقة يكتب عليها شيء من القرآن، وتعلق على الرأس مثلًا للتبرك. ينظر: "حاشية الجمل على شرح المنهج" (1/ 76، ط. دار الفكر).

ومن أصول عقيدة المسلمين: أنه لا أثر ذاتيًّا لـمخلوق من المخلوقات، فمن اعتقد التأثير الذاتي في غير الله، فقد وقع في شرك؛ قال شيخ الإسلام ابن حجر الهيتمي: هذا جهل وضلال وهو من أكبر الكبائر، فإنه إن لم يكن شركًا فهو يؤدي إليه؛ إذ لا ينفع ويضر ويـمنع ويدفع إلا الله تعالى. ينظر: "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (1/ 274، ط. دار الفكر).

أما إذا لم يعتقد أن التمائم مؤثرة بنفسها، فهناك حالتان: إما أن تكون من القرآن أو من غير القرآن، والتي من غير القرآن إما أن تكون من الأذكار والأوراد والكلام الطيب وهذا جائز، وإما أن تكون بخلاف ذلك من الطلاسم والكلام غير المفهوم في لغة العرب أو بلغة أخرى، وهذا غير جائز.

فالتمائم التي من القرآن أو ما يندرج تحته في الحكم من الأذكار والأوراد والكلام الطيب؛ ذهب جمهور الفقهاء- من الحنفية والمالكية والشافعية وفي رواية عن الإمام أحمد- إلى جواز تعليقها، واستدلوا بقوله تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا﴾ [الإسراء: 82].

قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (10/ 316، ط. دار الكتب المصرية): [اختلف العلماء في كونه شفاء على قولين: أحدهما: أنه شفاء للقلوب بزوال الجهل عنها وإزالة الريب، ولكشف غطاء القلب من مرض الجهل لفهم المعجزات والأمور الدالة على الله تعالى. الثاني: شفاء من الأمراض الظاهرة بالرُّقى والتعوذ ونحوه]. اهـ.

والتمائم من التعوذ المكتوب -كما مرَّ- فلا بأس بـها، وتعليق المسلم له أو لبعضه بنية البركة لا بأس به؛ قال تعالى: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأنعام: 155].

واستدلوا أيضًا بما أخرجه الترمذي -واللفظ له- وأحمد والحاكم عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عيسى أخيه قال: دخلت على عبد الله بن عكيم أبي معبد الجهني أعوده وبه حمرة فقلنا: ألا تعلق شيئًا؟ قال: الموت أقرب من ذلك، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ».

فمن علَّق القرآن ينبغي أن يتولاه الله ولا يَكِله إلى غيره؛ لأنه تعالى هو المرغوب إليه والمتوكل عليه في الاستشفاء بالقرآن. ينظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (10/ 320).

وبما أخرجه أبو داود والترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا فَزِعَ أَحَدُكُمْ فِي النَّوْمِ فَلْيَقُلْ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ وَشَرِّ عِبَادِهِ وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونِ؛ فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ». قال: وكان عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يعلمها مَنْ بَلَغَ من ولده، ومَنْ لم يَبْلُغْ منهم كتبها في صك ثم علَّقَهَا في عُنُقِه.

فاستدلوا بفعل سيدنا عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.

وجاء في "مصنف ابن أبي شيبة" (5/ 43-44، ط. مكتبة الرشد): أن سعيد بن المسيب سئل عن التعويذ فقال: "لا بأس إذا كان في أديم"، وعن عطاء قال: "لا بأس أن يعلق القرآن"، وكان مجاهد يكتب للناس التعويذ فيعلقه عليهم، وعن الضحاك أنه لم يكن يرى بأسًا أن يعلق الرجل الشيء من كتاب الله إذا وضعه عند الغسل وعند الغائط، ورخَّص أبو جعفر محمد بن علي في التعويذ بأن يُعلق على الصبيان، وكان ابن سيرين لا يرى بأسًا بالشيء من القرآن.

ومما نقل عن العلماء بالجواز: ما جاء في "الدر المختار" (6/ 363-364 بتصرف، ط. دار الفكر): [التميمة المكروهة ما كان بغير القرآن، وقيل: هي الخرزة التي تعلقها الجاهلية، وفي "المجتبى": وعلى الجواز عمل الناس اليوم، وبه وردت الآثار]. اهـ.

وفي "كفاية الطالب الرباني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني بحاشية العدوي" (2/ 492، ط. دار الفكر): [(ولا بأس بالمُعاذة) وهي التمائم -والتمائم الحروز- التي (تعلق) في العنق (وفيها القرآن) وسواء في ذلك المريض، والصحيح، والجنب، والحائض، والنفساء، والبهائم بعد جعلها فيما يكنها]. اهـ، ففُهم من ذلك أن ما كان من القرآن جائز إذا جُعل في شيء يحفظه.

وقال الإمام مالك: لا بأس بتعليق الكتب التي فيها أسماء الله عز وجل على أعناق المرضى على وجه التبرك. ينظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (10/ 319).

وفي كتب السادة الشافعية: نجد أن الإمام النووي قد ذكر في "المجموع" (9/ 66، ط. دار الفكر) حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من علَّق تميمة فلا أتم الله له، ومن علَّق ودعة فلا ودع الله له»، ثم نقل عن البيهقي قوله: إن النهي راجع إلى معنى ما قال أبو عبيد- أي: ما كان بغير العربية بما لا يدري ما هو- ثم قال -أي البيهقي-: وقد يحتمل أن يكون ذلك وما أشبهه من النهي والكراهة فيمن يعلقها وهو يرى تـمام العافية وزوال العلة بـها على ما كانت عليه الجاهلية، أما من يعلقها متبركًا بذكر الله تعالى فيها وهو يعلم أن لا كاشف له إلا الله ولا دافع عنه سواه، فلا بأس بـها إن شاء الله تعالى. ولم يُعلق الإمام النووي على شيء مما ذكر، فدلَّ على عدم اعتراضه.

فَفُهِم من ذلك أن تعليق التمائم التي فيها القرآن أو ذكر الله أمر جائز ما دام أنه جعل في شيء يحفظه، وأما الأحاديث الواردة في النهي عن التعليق فهي محمولة على تعليق تـمائم الجاهلية التي يظن بـها أنـها تجلب الخير وتدفع الشر، فإن ذلك حرام، والحرام لا شفاء فيه، وكذا تمائم العرَّافين والكُهان التي يكتب فيها غير القرآن.

قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري شرح صحيح البخاري" (6/ 142، ط. دار المعرفة)- بعد أن ذكر أحاديث النهي عن تعليق التمائم-: [هذا كله في تعليق التمائم وغيرها مما ليس فيه قرآن ونحوه، فأما ما فيه ذكر الله فلا نـهي فيه؛ فإنه إنـما يجعل للتبرك به والتعوذ بأسـمائه وذكره]. اهـ.

وقال القاضي أبو يعلى ابن الفراء من الحنابلة: [يجوز حمل الأخبار- أي الـمانعة- على اختلاف حالين، فنهى إذا كان يعتقد أنـها النافعة له والدافعة عنه، وهذا لا يجوز؛ لأن النافع هو الله. والموضع الذي أجازه إذا اعتقد أن الله هو النافع والدافع. ولعل هذا خرج على عادة الجاهلية، كما تعتقد أن الدهر يغيرهم فكانوا يسبونه]. اهـ. ينظر: "كشاف القناع عن متن الإقناع" للبهوتي (2/ 77، ط. دار الكتب العلمية).

وعليه: فإن تعليق التمائم المكتوب فيها آيات من القرآن الكريم وأدعية وأذكار جائزٌ شرعًا طالما أن المسلم يعتقد أن الله هو النافع الضار، وأنـها لا تعدو أن تكون من جملة الأسباب، وبشرط أن تصان عن الإهانة، ومما ينبغي التنبيه عليه أن اتخاذ التمائم الشرعية طلبًا للشفاء لا يلغي وجود الطب الجسماني، وإنـما ينبغي الاستفادة منهما دون إفراط في أحدهما أو تفريط في الآخر.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا

حكم تعليق التمائم

هل يجوز تعليق التمائم؟

التمائم جمع تـميمة، ومادة (تمَّ) في اللغة دليل الكمال؛ تمَّ الشيء يَتِم: تكمَّلت أجزاؤه، وهي: عُوذة تُعلَّق على الإنسان، فكأنَّهم يريدون أنَّ التمائم هي تَمام الدَّواءِ والشِّفاءِ المطلوب. ينظر: "معجم مقاييس اللغة" لابن فارس (1/ 339، ط. دار الفكر)، و"المصباح المنير" للفيومي (77، مادة: ت م م، ط. المكتبة العلمية).

وفي الاصطلاح تطلق التميمة على معنيين:
الأول: خَرَزات كانت العرب تُعلقها على أولادهم يَتَّقُون بـها العين في زعْمهم فأبْطلها الإسلام. ينظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" (1/ 197، ط. المكتبة العلمية).

والثاني: ورقة يكتب عليها شيء من القرآن، وتعلق على الرأس مثلًا للتبرك. ينظر: "حاشية الجمل على شرح المنهج" (1/ 76، ط. دار الفكر).

ومن أصول عقيدة المسلمين: أنه لا أثر ذاتيًّا لـمخلوق من المخلوقات، فمن اعتقد التأثير الذاتي في غير الله، فقد وقع في شرك؛ قال شيخ الإسلام ابن حجر الهيتمي: هذا جهل وضلال وهو من أكبر الكبائر، فإنه إن لم يكن شركًا فهو يؤدي إليه؛ إذ لا ينفع ويضر ويـمنع ويدفع إلا الله تعالى. ينظر: "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (1/ 274، ط. دار الفكر).

أما إذا لم يعتقد أن التمائم مؤثرة بنفسها، فهناك حالتان: إما أن تكون من القرآن أو من غير القرآن، والتي من غير القرآن إما أن تكون من الأذكار والأوراد والكلام الطيب وهذا جائز، وإما أن تكون بخلاف ذلك من الطلاسم والكلام غير المفهوم في لغة العرب أو بلغة أخرى، وهذا غير جائز.

فالتمائم التي من القرآن أو ما يندرج تحته في الحكم من الأذكار والأوراد والكلام الطيب؛ ذهب جمهور الفقهاء- من الحنفية والمالكية والشافعية وفي رواية عن الإمام أحمد- إلى جواز تعليقها، واستدلوا بقوله تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا﴾ [الإسراء: 82].

قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (10/ 316، ط. دار الكتب المصرية): [اختلف العلماء في كونه شفاء على قولين: أحدهما: أنه شفاء للقلوب بزوال الجهل عنها وإزالة الريب، ولكشف غطاء القلب من مرض الجهل لفهم المعجزات والأمور الدالة على الله تعالى. الثاني: شفاء من الأمراض الظاهرة بالرُّقى والتعوذ ونحوه]. اهـ.

والتمائم من التعوذ المكتوب -كما مرَّ- فلا بأس بـها، وتعليق المسلم له أو لبعضه بنية البركة لا بأس به؛ قال تعالى: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأنعام: 155].

واستدلوا أيضًا بما أخرجه الترمذي -واللفظ له- وأحمد والحاكم عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عيسى أخيه قال: دخلت على عبد الله بن عكيم أبي معبد الجهني أعوده وبه حمرة فقلنا: ألا تعلق شيئًا؟ قال: الموت أقرب من ذلك، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ».

فمن علَّق القرآن ينبغي أن يتولاه الله ولا يَكِله إلى غيره؛ لأنه تعالى هو المرغوب إليه والمتوكل عليه في الاستشفاء بالقرآن. ينظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (10/ 320).

وبما أخرجه أبو داود والترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا فَزِعَ أَحَدُكُمْ فِي النَّوْمِ فَلْيَقُلْ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ وَشَرِّ عِبَادِهِ وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونِ؛ فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ». قال: وكان عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يعلمها مَنْ بَلَغَ من ولده، ومَنْ لم يَبْلُغْ منهم كتبها في صك ثم علَّقَهَا في عُنُقِه.

فاستدلوا بفعل سيدنا عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.

وجاء في "مصنف ابن أبي شيبة" (5/ 43-44، ط. مكتبة الرشد): أن سعيد بن المسيب سئل عن التعويذ فقال: "لا بأس إذا كان في أديم"، وعن عطاء قال: "لا بأس أن يعلق القرآن"، وكان مجاهد يكتب للناس التعويذ فيعلقه عليهم، وعن الضحاك أنه لم يكن يرى بأسًا أن يعلق الرجل الشيء من كتاب الله إذا وضعه عند الغسل وعند الغائط، ورخَّص أبو جعفر محمد بن علي في التعويذ بأن يُعلق على الصبيان، وكان ابن سيرين لا يرى بأسًا بالشيء من القرآن.

ومما نقل عن العلماء بالجواز: ما جاء في "الدر المختار" (6/ 363-364 بتصرف، ط. دار الفكر): [التميمة المكروهة ما كان بغير القرآن، وقيل: هي الخرزة التي تعلقها الجاهلية، وفي "المجتبى": وعلى الجواز عمل الناس اليوم، وبه وردت الآثار]. اهـ.

وفي "كفاية الطالب الرباني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني بحاشية العدوي" (2/ 492، ط. دار الفكر): [(ولا بأس بالمُعاذة) وهي التمائم -والتمائم الحروز- التي (تعلق) في العنق (وفيها القرآن) وسواء في ذلك المريض، والصحيح، والجنب، والحائض، والنفساء، والبهائم بعد جعلها فيما يكنها]. اهـ، ففُهم من ذلك أن ما كان من القرآن جائز إذا جُعل في شيء يحفظه.

وقال الإمام مالك: لا بأس بتعليق الكتب التي فيها أسماء الله عز وجل على أعناق المرضى على وجه التبرك. ينظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (10/ 319).

وفي كتب السادة الشافعية: نجد أن الإمام النووي قد ذكر في "المجموع" (9/ 66، ط. دار الفكر) حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من علَّق تميمة فلا أتم الله له، ومن علَّق ودعة فلا ودع الله له»، ثم نقل عن البيهقي قوله: إن النهي راجع إلى معنى ما قال أبو عبيد- أي: ما كان بغير العربية بما لا يدري ما هو- ثم قال -أي البيهقي-: وقد يحتمل أن يكون ذلك وما أشبهه من النهي والكراهة فيمن يعلقها وهو يرى تـمام العافية وزوال العلة بـها على ما كانت عليه الجاهلية، أما من يعلقها متبركًا بذكر الله تعالى فيها وهو يعلم أن لا كاشف له إلا الله ولا دافع عنه سواه، فلا بأس بـها إن شاء الله تعالى. ولم يُعلق الإمام النووي على شيء مما ذكر، فدلَّ على عدم اعتراضه.

فَفُهِم من ذلك أن تعليق التمائم التي فيها القرآن أو ذكر الله أمر جائز ما دام أنه جعل في شيء يحفظه، وأما الأحاديث الواردة في النهي عن التعليق فهي محمولة على تعليق تـمائم الجاهلية التي يظن بـها أنـها تجلب الخير وتدفع الشر، فإن ذلك حرام، والحرام لا شفاء فيه، وكذا تمائم العرَّافين والكُهان التي يكتب فيها غير القرآن.

قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري شرح صحيح البخاري" (6/ 142، ط. دار المعرفة)- بعد أن ذكر أحاديث النهي عن تعليق التمائم-: [هذا كله في تعليق التمائم وغيرها مما ليس فيه قرآن ونحوه، فأما ما فيه ذكر الله فلا نـهي فيه؛ فإنه إنـما يجعل للتبرك به والتعوذ بأسـمائه وذكره]. اهـ.

وقال القاضي أبو يعلى ابن الفراء من الحنابلة: [يجوز حمل الأخبار- أي الـمانعة- على اختلاف حالين، فنهى إذا كان يعتقد أنـها النافعة له والدافعة عنه، وهذا لا يجوز؛ لأن النافع هو الله. والموضع الذي أجازه إذا اعتقد أن الله هو النافع والدافع. ولعل هذا خرج على عادة الجاهلية، كما تعتقد أن الدهر يغيرهم فكانوا يسبونه]. اهـ. ينظر: "كشاف القناع عن متن الإقناع" للبهوتي (2/ 77، ط. دار الكتب العلمية).

وعليه: فإن تعليق التمائم المكتوب فيها آيات من القرآن الكريم وأدعية وأذكار جائزٌ شرعًا طالما أن المسلم يعتقد أن الله هو النافع الضار، وأنـها لا تعدو أن تكون من جملة الأسباب، وبشرط أن تصان عن الإهانة، ومما ينبغي التنبيه عليه أن اتخاذ التمائم الشرعية طلبًا للشفاء لا يلغي وجود الطب الجسماني، وإنـما ينبغي الاستفادة منهما دون إفراط في أحدهما أو تفريط في الآخر.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

التفاصيل ....

التمائم جمع تـميمة، ومادة (تمَّ) في اللغة دليل الكمال؛ تمَّ الشيء يَتِم: تكمَّلت أجزاؤه، وهي: عُوذة تُعلَّق على الإنسان، فكأنَّهم يريدون أنَّ التمائم هي تَمام الدَّواءِ والشِّفاءِ المطلوب. ينظر: "معجم مقاييس اللغة" لابن فارس (1/ 339، ط. دار الفكر)، و"المصباح المنير" للفيومي (77، مادة: ت م م، ط. المكتبة العلمية).

وفي الاصطلاح تطلق التميمة على معنيين:
الأول: خَرَزات كانت العرب تُعلقها على أولادهم يَتَّقُون بـها العين في زعْمهم فأبْطلها الإسلام. ينظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" (1/ 197، ط. المكتبة العلمية).

والثاني: ورقة يكتب عليها شيء من القرآن، وتعلق على الرأس مثلًا للتبرك. ينظر: "حاشية الجمل على شرح المنهج" (1/ 76، ط. دار الفكر).

ومن أصول عقيدة المسلمين: أنه لا أثر ذاتيًّا لـمخلوق من المخلوقات، فمن اعتقد التأثير الذاتي في غير الله، فقد وقع في شرك؛ قال شيخ الإسلام ابن حجر الهيتمي: هذا جهل وضلال وهو من أكبر الكبائر، فإنه إن لم يكن شركًا فهو يؤدي إليه؛ إذ لا ينفع ويضر ويـمنع ويدفع إلا الله تعالى. ينظر: "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (1/ 274، ط. دار الفكر).

أما إذا لم يعتقد أن التمائم مؤثرة بنفسها، فهناك حالتان: إما أن تكون من القرآن أو من غير القرآن، والتي من غير القرآن إما أن تكون من الأذكار والأوراد والكلام الطيب وهذا جائز، وإما أن تكون بخلاف ذلك من الطلاسم والكلام غير المفهوم في لغة العرب أو بلغة أخرى، وهذا غير جائز.

فالتمائم التي من القرآن أو ما يندرج تحته في الحكم من الأذكار والأوراد والكلام الطيب؛ ذهب جمهور الفقهاء- من الحنفية والمالكية والشافعية وفي رواية عن الإمام أحمد- إلى جواز تعليقها، واستدلوا بقوله تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا﴾ [الإسراء: 82].

قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (10/ 316، ط. دار الكتب المصرية): [اختلف العلماء في كونه شفاء على قولين: أحدهما: أنه شفاء للقلوب بزوال الجهل عنها وإزالة الريب، ولكشف غطاء القلب من مرض الجهل لفهم المعجزات والأمور الدالة على الله تعالى. الثاني: شفاء من الأمراض الظاهرة بالرُّقى والتعوذ ونحوه]. اهـ.

والتمائم من التعوذ المكتوب -كما مرَّ- فلا بأس بـها، وتعليق المسلم له أو لبعضه بنية البركة لا بأس به؛ قال تعالى: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأنعام: 155].

واستدلوا أيضًا بما أخرجه الترمذي -واللفظ له- وأحمد والحاكم عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عيسى أخيه قال: دخلت على عبد الله بن عكيم أبي معبد الجهني أعوده وبه حمرة فقلنا: ألا تعلق شيئًا؟ قال: الموت أقرب من ذلك، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ».

فمن علَّق القرآن ينبغي أن يتولاه الله ولا يَكِله إلى غيره؛ لأنه تعالى هو المرغوب إليه والمتوكل عليه في الاستشفاء بالقرآن. ينظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (10/ 320).

وبما أخرجه أبو داود والترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا فَزِعَ أَحَدُكُمْ فِي النَّوْمِ فَلْيَقُلْ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ وَشَرِّ عِبَادِهِ وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونِ؛ فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ». قال: وكان عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يعلمها مَنْ بَلَغَ من ولده، ومَنْ لم يَبْلُغْ منهم كتبها في صك ثم علَّقَهَا في عُنُقِه.

فاستدلوا بفعل سيدنا عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.

وجاء في "مصنف ابن أبي شيبة" (5/ 43-44، ط. مكتبة الرشد): أن سعيد بن المسيب سئل عن التعويذ فقال: "لا بأس إذا كان في أديم"، وعن عطاء قال: "لا بأس أن يعلق القرآن"، وكان مجاهد يكتب للناس التعويذ فيعلقه عليهم، وعن الضحاك أنه لم يكن يرى بأسًا أن يعلق الرجل الشيء من كتاب الله إذا وضعه عند الغسل وعند الغائط، ورخَّص أبو جعفر محمد بن علي في التعويذ بأن يُعلق على الصبيان، وكان ابن سيرين لا يرى بأسًا بالشيء من القرآن.

ومما نقل عن العلماء بالجواز: ما جاء في "الدر المختار" (6/ 363-364 بتصرف، ط. دار الفكر): [التميمة المكروهة ما كان بغير القرآن، وقيل: هي الخرزة التي تعلقها الجاهلية، وفي "المجتبى": وعلى الجواز عمل الناس اليوم، وبه وردت الآثار]. اهـ.

وفي "كفاية الطالب الرباني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني بحاشية العدوي" (2/ 492، ط. دار الفكر): [(ولا بأس بالمُعاذة) وهي التمائم -والتمائم الحروز- التي (تعلق) في العنق (وفيها القرآن) وسواء في ذلك المريض، والصحيح، والجنب، والحائض، والنفساء، والبهائم بعد جعلها فيما يكنها]. اهـ، ففُهم من ذلك أن ما كان من القرآن جائز إذا جُعل في شيء يحفظه.

وقال الإمام مالك: لا بأس بتعليق الكتب التي فيها أسماء الله عز وجل على أعناق المرضى على وجه التبرك. ينظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (10/ 319).

وفي كتب السادة الشافعية: نجد أن الإمام النووي قد ذكر في "المجموع" (9/ 66، ط. دار الفكر) حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من علَّق تميمة فلا أتم الله له، ومن علَّق ودعة فلا ودع الله له»، ثم نقل عن البيهقي قوله: إن النهي راجع إلى معنى ما قال أبو عبيد- أي: ما كان بغير العربية بما لا يدري ما هو- ثم قال -أي البيهقي-: وقد يحتمل أن يكون ذلك وما أشبهه من النهي والكراهة فيمن يعلقها وهو يرى تـمام العافية وزوال العلة بـها على ما كانت عليه الجاهلية، أما من يعلقها متبركًا بذكر الله تعالى فيها وهو يعلم أن لا كاشف له إلا الله ولا دافع عنه سواه، فلا بأس بـها إن شاء الله تعالى. ولم يُعلق الإمام النووي على شيء مما ذكر، فدلَّ على عدم اعتراضه.

فَفُهِم من ذلك أن تعليق التمائم التي فيها القرآن أو ذكر الله أمر جائز ما دام أنه جعل في شيء يحفظه، وأما الأحاديث الواردة في النهي عن التعليق فهي محمولة على تعليق تـمائم الجاهلية التي يظن بـها أنـها تجلب الخير وتدفع الشر، فإن ذلك حرام، والحرام لا شفاء فيه، وكذا تمائم العرَّافين والكُهان التي يكتب فيها غير القرآن.

قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري شرح صحيح البخاري" (6/ 142، ط. دار المعرفة)- بعد أن ذكر أحاديث النهي عن تعليق التمائم-: [هذا كله في تعليق التمائم وغيرها مما ليس فيه قرآن ونحوه، فأما ما فيه ذكر الله فلا نـهي فيه؛ فإنه إنـما يجعل للتبرك به والتعوذ بأسـمائه وذكره]. اهـ.

وقال القاضي أبو يعلى ابن الفراء من الحنابلة: [يجوز حمل الأخبار- أي الـمانعة- على اختلاف حالين، فنهى إذا كان يعتقد أنـها النافعة له والدافعة عنه، وهذا لا يجوز؛ لأن النافع هو الله. والموضع الذي أجازه إذا اعتقد أن الله هو النافع والدافع. ولعل هذا خرج على عادة الجاهلية، كما تعتقد أن الدهر يغيرهم فكانوا يسبونه]. اهـ. ينظر: "كشاف القناع عن متن الإقناع" للبهوتي (2/ 77، ط. دار الكتب العلمية).

وعليه: فإن تعليق التمائم المكتوب فيها آيات من القرآن الكريم وأدعية وأذكار جائزٌ شرعًا طالما أن المسلم يعتقد أن الله هو النافع الضار، وأنـها لا تعدو أن تكون من جملة الأسباب، وبشرط أن تصان عن الإهانة، ومما ينبغي التنبيه عليه أن اتخاذ التمائم الشرعية طلبًا للشفاء لا يلغي وجود الطب الجسماني، وإنـما ينبغي الاستفادة منهما دون إفراط في أحدهما أو تفريط في الآخر.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا
;