صلاة النافلة قاعدًا من غير عذر والإمام يصلي قائمًا

هل يجوز أن يصلي المأمومون قعودًا في صلاة النافلة لغير علّة في حين أن إمامهم يصلي قائمًا؟

الصلاة ركن من أركان الإسلام الخمس، وهي عماد الدين، مَن أقامها فقد أقام الدين، ومَن هدمها فقد هدم الدين، والنافلة: في اللغة هي الزيادة، وهي ما يفعله الإنسان مما لا يجب عليه؛ قال الله تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ [الإسراء: 79].

وأما في الاصطلاح: [فالنفل هو ما عدا الفرائض -أي من الصلاة وغيرها كالصوم والصدقة- ويعبر عنه بالسنة والمندوب والحسن والمرغب فيه والمستحب والتطوع، فهي بمعنى واحد؛ لترادفها على المشهور] اهـ. "نهاية المحتاج" (2/ 100، ط. الحلبي).

والقيام لتكبيرة الإحرام ولقراءة الفاتحة ركن في صلاة الفريضة، فمن صلى في الفريضة قاعدًا لغير عذر بطلت صلاته؛ لقوله تعالى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الوُسْطَى وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ﴾ [البقرة: 238]، أي: مطيعين، ومقتضى هذا الأمر الافتراض؛ لأنه لم يفرض القيام خارج الصلاة، فوجب أن يراد به الافتراض الواقع في الصلاة؛ إعمالًا للنص في حقيقته حيث أمكن، وأكدت السنة فرضية القيام فيما رواه الجماعة -إلا الإمام مسلم- عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: كانت بي بواسير، فسألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الصلاة فقال: «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ».

وأما في صلاة النافلة فإن القيام ليس فرضًا، فيجوز أن يصلي قاعدًا سواء بعذر أو بغير عذر، إلا أن ثواب القاعد نصف ثواب القائم؛ لحديث الترمذي عن عمران بن الحصين رضي الله عنهما أنه سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن صلاة الرجل قاعدًا قال: «مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّاهَا قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ القَائِمِ، وَمَنْ صَلَّاهَا نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ القَاعِدِ»، وهذا لمن صلى بغير عذر؛ لأن الإنسان يكتب له ما كان يعمله إذا منعه من ذلك عذر؛ ففي "صحيح البخاري" عن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا مَرِضَ العَبْدُ، أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا».

وتجوز ركعة من قيام وركعة من جلوس، والدليل ما رواه البخاري عن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: "أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي جَالِسًا، فَيَقْرَأُ وَهُوَ جَالِسٌ، فَإِذَا بَقِيَ مِنْ قِرَاءَتِهِ نَحْوٌ مِنْ ثَلاَثِينَ -أَوْ أَرْبَعِينَ- آيَةً قَامَ فَقَرَأَهَا وَهُوَ قَائِمٌ، ثُمَّ يَرْكَعُ، ثُمَّ سَجَدَ يَفْعَلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، فَإِذَا قَضَى صَلاَتَهُ نَظَرَ: فَإِنْ كُنْتُ يَقْظَى تَحَدَّثَ مَعِي، وَإِنْ كُنْتُ نَائِمَةً اضْطَجَعَ".

قال الإمام الباجي في "شرح الموطأ" (1/ 243، ط. دار الكتاب الإسلامي) معقبًا على هذا الحديث: [وهذا لمن افتتح النافلة قاعدًا ثم أراد القيام فإن له ذلك، ولو افتتح الصلاة قائمًا ثم أراد القعود فإن ذلك يجوز له عند ابن القاسم، ... لأنها حالة تبيح له افتتاح الصلاة جالسًا، فجاز أن ينتقل لها إلى الجلوس من افتتحها كحالة العذر...، -ثم قال:- وقولها: ثم صنع في الركعة الثانية مثل ذلك، يدل على جواز الجلوس في النافلة بعد القيام مع القدرة عليه؛ لأن عائشة إنما وصفت المتكرر من فعله وأخبرت أنه كان يستفتح القراءة جالسًا ثم يقوم لبقية القراءة في كل ركعة، وأن ذلك كان المتكرر من فعله، ولا يصح -بِجَرْيِ العادة- أن يطرأ عليها المانع في أول كل ركعة ويزول في أثنائها] اهـ.

وجواز التنفل قاعدًا مع القدرة على القيام هو مذهب جمهور الفقهاء، وعليه أقوال أهل العلم؛ قال الشيخ أبو البركات الدردير في "الشرح الكبير" (1/ 262، ط. دار إحياء الكتب العربية): [وجاز لمتنفل جلوس مع قدرته على القيام ابتداءً، بل ولو في أثنائها بعد إيقاع بعضها من قيام، واستلزم ذلك استناده فيها بالأولى] اهـ.

وقال الإمام مالك في "تهذيب المدونة" للبراذعي (1/ 246، ط. دار البحوث للدراسات الإسلامية، دبي): [مَن افتتح النافلة جالسًا ثم شاء القيام، أو افتتحها قائمًا ثم شاء الجلوس، فذلك له] اهـ.

وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب شرح روض الطالب" (1/ 148، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(فَرْعٌ لِلْقَادِرِ) عَلَى الْقِيَامِ (فِعْلُ غَيْرِ الْفَرَائِضِ) أَيْ: النَّوَافِلِ (قَاعِدًا وَلَوْ عِيدًا بِنِصْفِ ثَوَابِ الْقَائِمِ)؛ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ: «مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ، وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ» وَهُوَ وَارِدٌ فِيمَنْ صَلَّى النَّفَلَ كَذَلِكَ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ، أَوِ الْقُعُودِ] اهـ.

وقال العلامة ابن قدامة في "المغني" (1/ 442، ط. دار إحياء التراث العربي): [مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَيُبَاحُ أَنْ يَتَطَوَّعَ جَالِسًا) لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي إبَاحَةِ التَّطَوُّعِ جَالِسًا، وَأَنَّهُ فِي الْقِيَامِ أَفْضَلُ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي لَفْظِ مُسْلِمٍ: «صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصْفُ الصَّلَاةِ». وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: "إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَمُتْ حَتَّى كَانَ كَثِيرٌ مِنْ صَلَاتِهِ وَهُوَ جَالِسٌ". وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنِ السيدة حَفْصَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنهم، أَخْرَجَهُنَّ مُسْلِمٌ. وَلِأَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَشُقُّ عَلَيْهِ طُولُ الْقِيَامِ، فَلَوْ وَجَبَ فِي التَّطَوُّعِ لَتُرِكَ أَكْثَرُهُ، فَسَامَحَ الشَّارِعُ فِي تَرْكِ الْقِيَامِ فِيهِ تَرْغِيبًا فِي تَكْثِيرِهِ، كَمَا سَامَحَ فِي فِعْلِهِ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي السَّفَرِ، وَسَامَحَ فِي نِيَّةِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ مِنَ النَّهَارِ] اهـ.

قال الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب" (3/ 239، ط. مطبعة المنيرية): [يَجُوزُ فِعْلُ النَّافِلَةِ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ بِالْإِجْمَاعِ؛ وَدَلِيلُهُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَغَيْرُهَا مِمَّا هُوَ مَشْهُورٌ فِي الصَّحِيحِ، لَكِنْ ثَوَابُهَا يَكُونُ نِصْفَ ثَوَابِ الْقَائِمِ؛ لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ، وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ: وَالْمُرَادُ بِالنَّائِمِ الْمُضْطَجِعِ، وَلَوْ تَنَفَّلَ مُضْطَجِعًا بِالْإِيمَاءِ بِالرَّأْسِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ فَوَجْهَانِ] اهـ.

فإن قيل: ورد في "الصحيحين" عن أنس رضي الله عنه مرفوعًا: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا، فَصَلُّوا قِيَامًا، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ، وَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ»، فوجب القيام إذا قام الإمام، فالجواب عنه:

أولًا: أن هذا الأمر يتعلق بالفرض؛ لأن القيام فيه واجب.
ثانيًا: ذهبت طائفة من أهل العلم إلى نسخ ذلك الأمر، ذلك أنه صلى بعد ذلك جالسًا والناس خلفه قيامًا كما في "الصحيحين"، لكن إذا نسخ الوجوب يبقى الجواز، والجواز لا ينافي الاستحباب، فيحمل أمره الأخير بأن يُصَلُّوا قعودًا على الاستحباب؛ لأن الوجوب قد رفع بتقريره لهم وترك أمرهم بالإعادة. راجع: "فتح الباري" (2/ 177).

ثالثًا: أن علة هذا الحكم جاءت صريحة في حديث مسلم: «إِنْ كِدْتُمْ آنِفًا لَتَفْعَلُونَ فِعْلَ فَارِسَ وَالرُّومِ يَقُومُونَ عَلَى مُلُوكِهِمْ، وَهُمْ قُعُودٌ فَلَا تَفْعَلُوا»، فالعلة عدم معاملة الإمام معاملة الملوك، وعليه فلا ينطبق النهي على عكس المسألة، ولهذا نظير من الشرع، حيث ورد نهي الإمام عن الصلاة على المكان المرتفع كما رواه أبو داود، بخلاف المأموم فلم يَنْهَ عن ذلك، ولذا كان أبو هريرة رضي الله عنه وغيره من السلف يُصَلُّون فوق ظهر المسجد بصلاة الإمام، وهو تحته، كما رواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة في "مصنفيهما"، ولم يَرِدْ ما يدل على اعتراض غيره عليه.

وعليه: فإنه يجوز للمأمومين صلاة النافلة من قعود مع القدرة على القيام حتى ولو كان إمامهم قائمًا.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

التفاصيل ....

الصلاة ركن من أركان الإسلام الخمس، وهي عماد الدين، مَن أقامها فقد أقام الدين، ومَن هدمها فقد هدم الدين، والنافلة: في اللغة هي الزيادة، وهي ما يفعله الإنسان مما لا يجب عليه؛ قال الله تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ [الإسراء: 79].

وأما في الاصطلاح: [فالنفل هو ما عدا الفرائض -أي من الصلاة وغيرها كالصوم والصدقة- ويعبر عنه بالسنة والمندوب والحسن والمرغب فيه والمستحب والتطوع، فهي بمعنى واحد؛ لترادفها على المشهور] اهـ. "نهاية المحتاج" (2/ 100، ط. الحلبي).

والقيام لتكبيرة الإحرام ولقراءة الفاتحة ركن في صلاة الفريضة، فمن صلى في الفريضة قاعدًا لغير عذر بطلت صلاته؛ لقوله تعالى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الوُسْطَى وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ﴾ [البقرة: 238]، أي: مطيعين، ومقتضى هذا الأمر الافتراض؛ لأنه لم يفرض القيام خارج الصلاة، فوجب أن يراد به الافتراض الواقع في الصلاة؛ إعمالًا للنص في حقيقته حيث أمكن، وأكدت السنة فرضية القيام فيما رواه الجماعة -إلا الإمام مسلم- عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: كانت بي بواسير، فسألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الصلاة فقال: «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ».

وأما في صلاة النافلة فإن القيام ليس فرضًا، فيجوز أن يصلي قاعدًا سواء بعذر أو بغير عذر، إلا أن ثواب القاعد نصف ثواب القائم؛ لحديث الترمذي عن عمران بن الحصين رضي الله عنهما أنه سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن صلاة الرجل قاعدًا قال: «مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّاهَا قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ القَائِمِ، وَمَنْ صَلَّاهَا نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ القَاعِدِ»، وهذا لمن صلى بغير عذر؛ لأن الإنسان يكتب له ما كان يعمله إذا منعه من ذلك عذر؛ ففي "صحيح البخاري" عن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا مَرِضَ العَبْدُ، أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا».

وتجوز ركعة من قيام وركعة من جلوس، والدليل ما رواه البخاري عن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: "أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي جَالِسًا، فَيَقْرَأُ وَهُوَ جَالِسٌ، فَإِذَا بَقِيَ مِنْ قِرَاءَتِهِ نَحْوٌ مِنْ ثَلاَثِينَ -أَوْ أَرْبَعِينَ- آيَةً قَامَ فَقَرَأَهَا وَهُوَ قَائِمٌ، ثُمَّ يَرْكَعُ، ثُمَّ سَجَدَ يَفْعَلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، فَإِذَا قَضَى صَلاَتَهُ نَظَرَ: فَإِنْ كُنْتُ يَقْظَى تَحَدَّثَ مَعِي، وَإِنْ كُنْتُ نَائِمَةً اضْطَجَعَ".

قال الإمام الباجي في "شرح الموطأ" (1/ 243، ط. دار الكتاب الإسلامي) معقبًا على هذا الحديث: [وهذا لمن افتتح النافلة قاعدًا ثم أراد القيام فإن له ذلك، ولو افتتح الصلاة قائمًا ثم أراد القعود فإن ذلك يجوز له عند ابن القاسم، ... لأنها حالة تبيح له افتتاح الصلاة جالسًا، فجاز أن ينتقل لها إلى الجلوس من افتتحها كحالة العذر...، -ثم قال:- وقولها: ثم صنع في الركعة الثانية مثل ذلك، يدل على جواز الجلوس في النافلة بعد القيام مع القدرة عليه؛ لأن عائشة إنما وصفت المتكرر من فعله وأخبرت أنه كان يستفتح القراءة جالسًا ثم يقوم لبقية القراءة في كل ركعة، وأن ذلك كان المتكرر من فعله، ولا يصح -بِجَرْيِ العادة- أن يطرأ عليها المانع في أول كل ركعة ويزول في أثنائها] اهـ.

وجواز التنفل قاعدًا مع القدرة على القيام هو مذهب جمهور الفقهاء، وعليه أقوال أهل العلم؛ قال الشيخ أبو البركات الدردير في "الشرح الكبير" (1/ 262، ط. دار إحياء الكتب العربية): [وجاز لمتنفل جلوس مع قدرته على القيام ابتداءً، بل ولو في أثنائها بعد إيقاع بعضها من قيام، واستلزم ذلك استناده فيها بالأولى] اهـ.

وقال الإمام مالك في "تهذيب المدونة" للبراذعي (1/ 246، ط. دار البحوث للدراسات الإسلامية، دبي): [مَن افتتح النافلة جالسًا ثم شاء القيام، أو افتتحها قائمًا ثم شاء الجلوس، فذلك له] اهـ.

وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب شرح روض الطالب" (1/ 148، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(فَرْعٌ لِلْقَادِرِ) عَلَى الْقِيَامِ (فِعْلُ غَيْرِ الْفَرَائِضِ) أَيْ: النَّوَافِلِ (قَاعِدًا وَلَوْ عِيدًا بِنِصْفِ ثَوَابِ الْقَائِمِ)؛ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ: «مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ، وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ» وَهُوَ وَارِدٌ فِيمَنْ صَلَّى النَّفَلَ كَذَلِكَ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ، أَوِ الْقُعُودِ] اهـ.

وقال العلامة ابن قدامة في "المغني" (1/ 442، ط. دار إحياء التراث العربي): [مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَيُبَاحُ أَنْ يَتَطَوَّعَ جَالِسًا) لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي إبَاحَةِ التَّطَوُّعِ جَالِسًا، وَأَنَّهُ فِي الْقِيَامِ أَفْضَلُ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي لَفْظِ مُسْلِمٍ: «صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصْفُ الصَّلَاةِ». وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: "إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَمُتْ حَتَّى كَانَ كَثِيرٌ مِنْ صَلَاتِهِ وَهُوَ جَالِسٌ". وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنِ السيدة حَفْصَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنهم، أَخْرَجَهُنَّ مُسْلِمٌ. وَلِأَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَشُقُّ عَلَيْهِ طُولُ الْقِيَامِ، فَلَوْ وَجَبَ فِي التَّطَوُّعِ لَتُرِكَ أَكْثَرُهُ، فَسَامَحَ الشَّارِعُ فِي تَرْكِ الْقِيَامِ فِيهِ تَرْغِيبًا فِي تَكْثِيرِهِ، كَمَا سَامَحَ فِي فِعْلِهِ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي السَّفَرِ، وَسَامَحَ فِي نِيَّةِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ مِنَ النَّهَارِ] اهـ.

قال الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب" (3/ 239، ط. مطبعة المنيرية): [يَجُوزُ فِعْلُ النَّافِلَةِ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ بِالْإِجْمَاعِ؛ وَدَلِيلُهُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَغَيْرُهَا مِمَّا هُوَ مَشْهُورٌ فِي الصَّحِيحِ، لَكِنْ ثَوَابُهَا يَكُونُ نِصْفَ ثَوَابِ الْقَائِمِ؛ لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ، وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ: وَالْمُرَادُ بِالنَّائِمِ الْمُضْطَجِعِ، وَلَوْ تَنَفَّلَ مُضْطَجِعًا بِالْإِيمَاءِ بِالرَّأْسِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ فَوَجْهَانِ] اهـ.

فإن قيل: ورد في "الصحيحين" عن أنس رضي الله عنه مرفوعًا: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا، فَصَلُّوا قِيَامًا، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ، وَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ»، فوجب القيام إذا قام الإمام، فالجواب عنه:

أولًا: أن هذا الأمر يتعلق بالفرض؛ لأن القيام فيه واجب.
ثانيًا: ذهبت طائفة من أهل العلم إلى نسخ ذلك الأمر، ذلك أنه صلى بعد ذلك جالسًا والناس خلفه قيامًا كما في "الصحيحين"، لكن إذا نسخ الوجوب يبقى الجواز، والجواز لا ينافي الاستحباب، فيحمل أمره الأخير بأن يُصَلُّوا قعودًا على الاستحباب؛ لأن الوجوب قد رفع بتقريره لهم وترك أمرهم بالإعادة. راجع: "فتح الباري" (2/ 177).

ثالثًا: أن علة هذا الحكم جاءت صريحة في حديث مسلم: «إِنْ كِدْتُمْ آنِفًا لَتَفْعَلُونَ فِعْلَ فَارِسَ وَالرُّومِ يَقُومُونَ عَلَى مُلُوكِهِمْ، وَهُمْ قُعُودٌ فَلَا تَفْعَلُوا»، فالعلة عدم معاملة الإمام معاملة الملوك، وعليه فلا ينطبق النهي على عكس المسألة، ولهذا نظير من الشرع، حيث ورد نهي الإمام عن الصلاة على المكان المرتفع كما رواه أبو داود، بخلاف المأموم فلم يَنْهَ عن ذلك، ولذا كان أبو هريرة رضي الله عنه وغيره من السلف يُصَلُّون فوق ظهر المسجد بصلاة الإمام، وهو تحته، كما رواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة في "مصنفيهما"، ولم يَرِدْ ما يدل على اعتراض غيره عليه.

وعليه: فإنه يجوز للمأمومين صلاة النافلة من قعود مع القدرة على القيام حتى ولو كان إمامهم قائمًا.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا

صلاة النافلة قاعدًا من غير عذر والإمام يصلي قائمًا

هل يجوز أن يصلي المأمومون قعودًا في صلاة النافلة لغير علّة في حين أن إمامهم يصلي قائمًا؟

الصلاة ركن من أركان الإسلام الخمس، وهي عماد الدين، مَن أقامها فقد أقام الدين، ومَن هدمها فقد هدم الدين، والنافلة: في اللغة هي الزيادة، وهي ما يفعله الإنسان مما لا يجب عليه؛ قال الله تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ [الإسراء: 79].

وأما في الاصطلاح: [فالنفل هو ما عدا الفرائض -أي من الصلاة وغيرها كالصوم والصدقة- ويعبر عنه بالسنة والمندوب والحسن والمرغب فيه والمستحب والتطوع، فهي بمعنى واحد؛ لترادفها على المشهور] اهـ. "نهاية المحتاج" (2/ 100، ط. الحلبي).

والقيام لتكبيرة الإحرام ولقراءة الفاتحة ركن في صلاة الفريضة، فمن صلى في الفريضة قاعدًا لغير عذر بطلت صلاته؛ لقوله تعالى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الوُسْطَى وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ﴾ [البقرة: 238]، أي: مطيعين، ومقتضى هذا الأمر الافتراض؛ لأنه لم يفرض القيام خارج الصلاة، فوجب أن يراد به الافتراض الواقع في الصلاة؛ إعمالًا للنص في حقيقته حيث أمكن، وأكدت السنة فرضية القيام فيما رواه الجماعة -إلا الإمام مسلم- عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: كانت بي بواسير، فسألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الصلاة فقال: «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ».

وأما في صلاة النافلة فإن القيام ليس فرضًا، فيجوز أن يصلي قاعدًا سواء بعذر أو بغير عذر، إلا أن ثواب القاعد نصف ثواب القائم؛ لحديث الترمذي عن عمران بن الحصين رضي الله عنهما أنه سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن صلاة الرجل قاعدًا قال: «مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّاهَا قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ القَائِمِ، وَمَنْ صَلَّاهَا نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ القَاعِدِ»، وهذا لمن صلى بغير عذر؛ لأن الإنسان يكتب له ما كان يعمله إذا منعه من ذلك عذر؛ ففي "صحيح البخاري" عن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا مَرِضَ العَبْدُ، أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا».

وتجوز ركعة من قيام وركعة من جلوس، والدليل ما رواه البخاري عن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: "أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي جَالِسًا، فَيَقْرَأُ وَهُوَ جَالِسٌ، فَإِذَا بَقِيَ مِنْ قِرَاءَتِهِ نَحْوٌ مِنْ ثَلاَثِينَ -أَوْ أَرْبَعِينَ- آيَةً قَامَ فَقَرَأَهَا وَهُوَ قَائِمٌ، ثُمَّ يَرْكَعُ، ثُمَّ سَجَدَ يَفْعَلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، فَإِذَا قَضَى صَلاَتَهُ نَظَرَ: فَإِنْ كُنْتُ يَقْظَى تَحَدَّثَ مَعِي، وَإِنْ كُنْتُ نَائِمَةً اضْطَجَعَ".

قال الإمام الباجي في "شرح الموطأ" (1/ 243، ط. دار الكتاب الإسلامي) معقبًا على هذا الحديث: [وهذا لمن افتتح النافلة قاعدًا ثم أراد القيام فإن له ذلك، ولو افتتح الصلاة قائمًا ثم أراد القعود فإن ذلك يجوز له عند ابن القاسم، ... لأنها حالة تبيح له افتتاح الصلاة جالسًا، فجاز أن ينتقل لها إلى الجلوس من افتتحها كحالة العذر...، -ثم قال:- وقولها: ثم صنع في الركعة الثانية مثل ذلك، يدل على جواز الجلوس في النافلة بعد القيام مع القدرة عليه؛ لأن عائشة إنما وصفت المتكرر من فعله وأخبرت أنه كان يستفتح القراءة جالسًا ثم يقوم لبقية القراءة في كل ركعة، وأن ذلك كان المتكرر من فعله، ولا يصح -بِجَرْيِ العادة- أن يطرأ عليها المانع في أول كل ركعة ويزول في أثنائها] اهـ.

وجواز التنفل قاعدًا مع القدرة على القيام هو مذهب جمهور الفقهاء، وعليه أقوال أهل العلم؛ قال الشيخ أبو البركات الدردير في "الشرح الكبير" (1/ 262، ط. دار إحياء الكتب العربية): [وجاز لمتنفل جلوس مع قدرته على القيام ابتداءً، بل ولو في أثنائها بعد إيقاع بعضها من قيام، واستلزم ذلك استناده فيها بالأولى] اهـ.

وقال الإمام مالك في "تهذيب المدونة" للبراذعي (1/ 246، ط. دار البحوث للدراسات الإسلامية، دبي): [مَن افتتح النافلة جالسًا ثم شاء القيام، أو افتتحها قائمًا ثم شاء الجلوس، فذلك له] اهـ.

وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب شرح روض الطالب" (1/ 148، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(فَرْعٌ لِلْقَادِرِ) عَلَى الْقِيَامِ (فِعْلُ غَيْرِ الْفَرَائِضِ) أَيْ: النَّوَافِلِ (قَاعِدًا وَلَوْ عِيدًا بِنِصْفِ ثَوَابِ الْقَائِمِ)؛ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ: «مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ، وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ» وَهُوَ وَارِدٌ فِيمَنْ صَلَّى النَّفَلَ كَذَلِكَ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ، أَوِ الْقُعُودِ] اهـ.

وقال العلامة ابن قدامة في "المغني" (1/ 442، ط. دار إحياء التراث العربي): [مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَيُبَاحُ أَنْ يَتَطَوَّعَ جَالِسًا) لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي إبَاحَةِ التَّطَوُّعِ جَالِسًا، وَأَنَّهُ فِي الْقِيَامِ أَفْضَلُ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي لَفْظِ مُسْلِمٍ: «صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصْفُ الصَّلَاةِ». وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: "إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَمُتْ حَتَّى كَانَ كَثِيرٌ مِنْ صَلَاتِهِ وَهُوَ جَالِسٌ". وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنِ السيدة حَفْصَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنهم، أَخْرَجَهُنَّ مُسْلِمٌ. وَلِأَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَشُقُّ عَلَيْهِ طُولُ الْقِيَامِ، فَلَوْ وَجَبَ فِي التَّطَوُّعِ لَتُرِكَ أَكْثَرُهُ، فَسَامَحَ الشَّارِعُ فِي تَرْكِ الْقِيَامِ فِيهِ تَرْغِيبًا فِي تَكْثِيرِهِ، كَمَا سَامَحَ فِي فِعْلِهِ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي السَّفَرِ، وَسَامَحَ فِي نِيَّةِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ مِنَ النَّهَارِ] اهـ.

قال الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب" (3/ 239، ط. مطبعة المنيرية): [يَجُوزُ فِعْلُ النَّافِلَةِ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ بِالْإِجْمَاعِ؛ وَدَلِيلُهُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَغَيْرُهَا مِمَّا هُوَ مَشْهُورٌ فِي الصَّحِيحِ، لَكِنْ ثَوَابُهَا يَكُونُ نِصْفَ ثَوَابِ الْقَائِمِ؛ لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ، وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ: وَالْمُرَادُ بِالنَّائِمِ الْمُضْطَجِعِ، وَلَوْ تَنَفَّلَ مُضْطَجِعًا بِالْإِيمَاءِ بِالرَّأْسِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ فَوَجْهَانِ] اهـ.

فإن قيل: ورد في "الصحيحين" عن أنس رضي الله عنه مرفوعًا: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا، فَصَلُّوا قِيَامًا، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ، وَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ»، فوجب القيام إذا قام الإمام، فالجواب عنه:

أولًا: أن هذا الأمر يتعلق بالفرض؛ لأن القيام فيه واجب.
ثانيًا: ذهبت طائفة من أهل العلم إلى نسخ ذلك الأمر، ذلك أنه صلى بعد ذلك جالسًا والناس خلفه قيامًا كما في "الصحيحين"، لكن إذا نسخ الوجوب يبقى الجواز، والجواز لا ينافي الاستحباب، فيحمل أمره الأخير بأن يُصَلُّوا قعودًا على الاستحباب؛ لأن الوجوب قد رفع بتقريره لهم وترك أمرهم بالإعادة. راجع: "فتح الباري" (2/ 177).

ثالثًا: أن علة هذا الحكم جاءت صريحة في حديث مسلم: «إِنْ كِدْتُمْ آنِفًا لَتَفْعَلُونَ فِعْلَ فَارِسَ وَالرُّومِ يَقُومُونَ عَلَى مُلُوكِهِمْ، وَهُمْ قُعُودٌ فَلَا تَفْعَلُوا»، فالعلة عدم معاملة الإمام معاملة الملوك، وعليه فلا ينطبق النهي على عكس المسألة، ولهذا نظير من الشرع، حيث ورد نهي الإمام عن الصلاة على المكان المرتفع كما رواه أبو داود، بخلاف المأموم فلم يَنْهَ عن ذلك، ولذا كان أبو هريرة رضي الله عنه وغيره من السلف يُصَلُّون فوق ظهر المسجد بصلاة الإمام، وهو تحته، كما رواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة في "مصنفيهما"، ولم يَرِدْ ما يدل على اعتراض غيره عليه.

وعليه: فإنه يجوز للمأمومين صلاة النافلة من قعود مع القدرة على القيام حتى ولو كان إمامهم قائمًا.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

التفاصيل ....

الصلاة ركن من أركان الإسلام الخمس، وهي عماد الدين، مَن أقامها فقد أقام الدين، ومَن هدمها فقد هدم الدين، والنافلة: في اللغة هي الزيادة، وهي ما يفعله الإنسان مما لا يجب عليه؛ قال الله تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ [الإسراء: 79].

وأما في الاصطلاح: [فالنفل هو ما عدا الفرائض -أي من الصلاة وغيرها كالصوم والصدقة- ويعبر عنه بالسنة والمندوب والحسن والمرغب فيه والمستحب والتطوع، فهي بمعنى واحد؛ لترادفها على المشهور] اهـ. "نهاية المحتاج" (2/ 100، ط. الحلبي).

والقيام لتكبيرة الإحرام ولقراءة الفاتحة ركن في صلاة الفريضة، فمن صلى في الفريضة قاعدًا لغير عذر بطلت صلاته؛ لقوله تعالى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الوُسْطَى وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ﴾ [البقرة: 238]، أي: مطيعين، ومقتضى هذا الأمر الافتراض؛ لأنه لم يفرض القيام خارج الصلاة، فوجب أن يراد به الافتراض الواقع في الصلاة؛ إعمالًا للنص في حقيقته حيث أمكن، وأكدت السنة فرضية القيام فيما رواه الجماعة -إلا الإمام مسلم- عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: كانت بي بواسير، فسألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الصلاة فقال: «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ».

وأما في صلاة النافلة فإن القيام ليس فرضًا، فيجوز أن يصلي قاعدًا سواء بعذر أو بغير عذر، إلا أن ثواب القاعد نصف ثواب القائم؛ لحديث الترمذي عن عمران بن الحصين رضي الله عنهما أنه سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن صلاة الرجل قاعدًا قال: «مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّاهَا قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ القَائِمِ، وَمَنْ صَلَّاهَا نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ القَاعِدِ»، وهذا لمن صلى بغير عذر؛ لأن الإنسان يكتب له ما كان يعمله إذا منعه من ذلك عذر؛ ففي "صحيح البخاري" عن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا مَرِضَ العَبْدُ، أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا».

وتجوز ركعة من قيام وركعة من جلوس، والدليل ما رواه البخاري عن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: "أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي جَالِسًا، فَيَقْرَأُ وَهُوَ جَالِسٌ، فَإِذَا بَقِيَ مِنْ قِرَاءَتِهِ نَحْوٌ مِنْ ثَلاَثِينَ -أَوْ أَرْبَعِينَ- آيَةً قَامَ فَقَرَأَهَا وَهُوَ قَائِمٌ، ثُمَّ يَرْكَعُ، ثُمَّ سَجَدَ يَفْعَلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، فَإِذَا قَضَى صَلاَتَهُ نَظَرَ: فَإِنْ كُنْتُ يَقْظَى تَحَدَّثَ مَعِي، وَإِنْ كُنْتُ نَائِمَةً اضْطَجَعَ".

قال الإمام الباجي في "شرح الموطأ" (1/ 243، ط. دار الكتاب الإسلامي) معقبًا على هذا الحديث: [وهذا لمن افتتح النافلة قاعدًا ثم أراد القيام فإن له ذلك، ولو افتتح الصلاة قائمًا ثم أراد القعود فإن ذلك يجوز له عند ابن القاسم، ... لأنها حالة تبيح له افتتاح الصلاة جالسًا، فجاز أن ينتقل لها إلى الجلوس من افتتحها كحالة العذر...، -ثم قال:- وقولها: ثم صنع في الركعة الثانية مثل ذلك، يدل على جواز الجلوس في النافلة بعد القيام مع القدرة عليه؛ لأن عائشة إنما وصفت المتكرر من فعله وأخبرت أنه كان يستفتح القراءة جالسًا ثم يقوم لبقية القراءة في كل ركعة، وأن ذلك كان المتكرر من فعله، ولا يصح -بِجَرْيِ العادة- أن يطرأ عليها المانع في أول كل ركعة ويزول في أثنائها] اهـ.

وجواز التنفل قاعدًا مع القدرة على القيام هو مذهب جمهور الفقهاء، وعليه أقوال أهل العلم؛ قال الشيخ أبو البركات الدردير في "الشرح الكبير" (1/ 262، ط. دار إحياء الكتب العربية): [وجاز لمتنفل جلوس مع قدرته على القيام ابتداءً، بل ولو في أثنائها بعد إيقاع بعضها من قيام، واستلزم ذلك استناده فيها بالأولى] اهـ.

وقال الإمام مالك في "تهذيب المدونة" للبراذعي (1/ 246، ط. دار البحوث للدراسات الإسلامية، دبي): [مَن افتتح النافلة جالسًا ثم شاء القيام، أو افتتحها قائمًا ثم شاء الجلوس، فذلك له] اهـ.

وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب شرح روض الطالب" (1/ 148، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(فَرْعٌ لِلْقَادِرِ) عَلَى الْقِيَامِ (فِعْلُ غَيْرِ الْفَرَائِضِ) أَيْ: النَّوَافِلِ (قَاعِدًا وَلَوْ عِيدًا بِنِصْفِ ثَوَابِ الْقَائِمِ)؛ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ: «مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ، وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ» وَهُوَ وَارِدٌ فِيمَنْ صَلَّى النَّفَلَ كَذَلِكَ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ، أَوِ الْقُعُودِ] اهـ.

وقال العلامة ابن قدامة في "المغني" (1/ 442، ط. دار إحياء التراث العربي): [مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَيُبَاحُ أَنْ يَتَطَوَّعَ جَالِسًا) لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي إبَاحَةِ التَّطَوُّعِ جَالِسًا، وَأَنَّهُ فِي الْقِيَامِ أَفْضَلُ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي لَفْظِ مُسْلِمٍ: «صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصْفُ الصَّلَاةِ». وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: "إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَمُتْ حَتَّى كَانَ كَثِيرٌ مِنْ صَلَاتِهِ وَهُوَ جَالِسٌ". وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنِ السيدة حَفْصَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنهم، أَخْرَجَهُنَّ مُسْلِمٌ. وَلِأَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَشُقُّ عَلَيْهِ طُولُ الْقِيَامِ، فَلَوْ وَجَبَ فِي التَّطَوُّعِ لَتُرِكَ أَكْثَرُهُ، فَسَامَحَ الشَّارِعُ فِي تَرْكِ الْقِيَامِ فِيهِ تَرْغِيبًا فِي تَكْثِيرِهِ، كَمَا سَامَحَ فِي فِعْلِهِ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي السَّفَرِ، وَسَامَحَ فِي نِيَّةِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ مِنَ النَّهَارِ] اهـ.

قال الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب" (3/ 239، ط. مطبعة المنيرية): [يَجُوزُ فِعْلُ النَّافِلَةِ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ بِالْإِجْمَاعِ؛ وَدَلِيلُهُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَغَيْرُهَا مِمَّا هُوَ مَشْهُورٌ فِي الصَّحِيحِ، لَكِنْ ثَوَابُهَا يَكُونُ نِصْفَ ثَوَابِ الْقَائِمِ؛ لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ، وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ: وَالْمُرَادُ بِالنَّائِمِ الْمُضْطَجِعِ، وَلَوْ تَنَفَّلَ مُضْطَجِعًا بِالْإِيمَاءِ بِالرَّأْسِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ فَوَجْهَانِ] اهـ.

فإن قيل: ورد في "الصحيحين" عن أنس رضي الله عنه مرفوعًا: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا، فَصَلُّوا قِيَامًا، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ، وَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ»، فوجب القيام إذا قام الإمام، فالجواب عنه:

أولًا: أن هذا الأمر يتعلق بالفرض؛ لأن القيام فيه واجب.
ثانيًا: ذهبت طائفة من أهل العلم إلى نسخ ذلك الأمر، ذلك أنه صلى بعد ذلك جالسًا والناس خلفه قيامًا كما في "الصحيحين"، لكن إذا نسخ الوجوب يبقى الجواز، والجواز لا ينافي الاستحباب، فيحمل أمره الأخير بأن يُصَلُّوا قعودًا على الاستحباب؛ لأن الوجوب قد رفع بتقريره لهم وترك أمرهم بالإعادة. راجع: "فتح الباري" (2/ 177).

ثالثًا: أن علة هذا الحكم جاءت صريحة في حديث مسلم: «إِنْ كِدْتُمْ آنِفًا لَتَفْعَلُونَ فِعْلَ فَارِسَ وَالرُّومِ يَقُومُونَ عَلَى مُلُوكِهِمْ، وَهُمْ قُعُودٌ فَلَا تَفْعَلُوا»، فالعلة عدم معاملة الإمام معاملة الملوك، وعليه فلا ينطبق النهي على عكس المسألة، ولهذا نظير من الشرع، حيث ورد نهي الإمام عن الصلاة على المكان المرتفع كما رواه أبو داود، بخلاف المأموم فلم يَنْهَ عن ذلك، ولذا كان أبو هريرة رضي الله عنه وغيره من السلف يُصَلُّون فوق ظهر المسجد بصلاة الإمام، وهو تحته، كما رواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة في "مصنفيهما"، ولم يَرِدْ ما يدل على اعتراض غيره عليه.

وعليه: فإنه يجوز للمأمومين صلاة النافلة من قعود مع القدرة على القيام حتى ولو كان إمامهم قائمًا.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا
;