الصلاة بين أعمدة المسجد - الفتاوى - دار الإفتاء المصرية - دار الإفتاء

الصلاة بين أعمدة المسجد

ما حكم الصلاة بين السواري؟ هل تقطع الصفوف؟

يقوم بعض المأمومين في صلاة الجماعة بالصلاة بين السواري، جمع سارية: وهي الأعمدة، وقد يكون ذلك لغير حاجة، وأحيانًا يكون لكثرة المصلين، كصلاة الجمعة، ويقوم بعض الناس بالإنكار عليهم، معلّلًا ذلك بأن الصلاة بين السواري تقطع الصفوف.

والصلاة بين السواري قد تكلم عليها الفقهاء في كتاب الصلاة؛ في الكلام على صلاة الجماعة، وتعرضوا لحكمها قديمًا وحديثًا.

وأما الحكم في هذه المسألة: فهو الكراهة إن لم يكن هناك حاجة لذلك كزحام ونحوه، وتزول الكراهة بوجود الحاجة.

والدليل على ذلك ما ورد في "سنن الترمذي" عن عبد الحميد بن محمود قال: صلينا خلف أمير من الأمراء، فاضطرنا الناس فصلينا بين الساريتين، فلما صلينا قال أنس بن مالك رضي الله عنه: "كُنَّا نَتَّقِي هَذَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ"، وفي الباب عن قرة بن إياس المزني. وحديث أنس حديث حسن، وقد كره قوم من أهل العلم: أن يصف بين السواري، وبه يقول أحمد وإسحاق. وقد رخص قوم من أهل العلم في ذلك.

وعند ابن ماجه في "سننه" من طريق هارون بن مسلم عن قتادة عن معاوية بن قرة، عن أبيه رضي الله عنه، قال: "كُنَّا نُنْهَى أَنْ نَصُفَّ بَيْنَ السَّوَارِي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَنُطْرَدُ عَنْهَا طَرْدًا".

قلت: والحديثان صححهما ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وغيرهم.

ووجه الدلالة واضح؛ حيث إن الأصل في النهي أنه لا يقل عن درجة الكراهة، وإضافة النهي إلى زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم تجعله يأخذ حكم المرفوع كما هو مذهب أكثر الأصوليين وجمهور المحدثين. راجع: "المستصفى" للامام الغزالي (ص: 150، ط. دار الكتب العلمية)، و"التقريب والتيسير" للامام النووي (ص: 33، ط. دار الكتاب العربي).

ولم يرد في النهي ما يدلُّ على التحريم كوعيد ونحوه، ولم أجد من أهل العلم من حمله على التحريم؛ ولعل ذلك من أجل أن فعل الصحابة لذلك مع علمهم بالنهي- ثم تنبيههم على أن ذلك لم يكونوا يفعلونه في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع فعلهم له في الحاضر- يدل على أن النهي محمول على الكراهة، لا التحريم، وإلا لما فعلوه أبدًا.

وقد ورد في الباب حديثٌ مرفوعٌ صراحة، لكنه ضعيف الإسناد، وهو ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «وَإِيَّاكُمْ وَالصَّفَّ بَيْنَ السَّوَارِي».

قال الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" (2/ 92، ط. مكتبة القدسي): [رواه الطبراني في "الأوسط" و"الكبير"، وفيه إسماعيل بن مسلم المكي، وهو ضعيف]. اهـ.

وبنحو ما ذكرنا صرحت طائفة من أهل العلم:

قال العلامة المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (2/ 299، ط. دار إحياء التراث العربي): [(ويكره للمأمومين الوقوف بين السواري إذا قطعت صفوفهم). وهذا المذهب، وعليه الأصحاب، وهو من المفردات، وعنه لا يكره لهم ذلك كالإمام، وكالمنبر.

تنبيه: محل الخلاف: إذا لم تكن حاجة فإن كان ثَمَّ حاجة لم يكره الوقوف بينهما.

فائدة: قوله: (إذا قطعت صفوفهم) أطلق ذلك كغيره، وكأنه يرجع إلى العرف، قال ابن منجا في "شرحه": شرط بعض أصحابنا أن يكون عرض السارية ثلاثة أذرع؛ لأن ذلك هو الذي يقطع الصف، ونقله أبو المعالي أيضًا، وقال في "الفروع": يتوجه أكثر من ثلاثة أو العرف، ومثَّلَ نظائرَه]. اهـ.

وقال العلامة الخرشي المالكي في "شرح مختصر خليل" (2/ 28، ط. دار الفكر): [الصلاة بين الأساطين وهي السواري مكروهة إذا كان لغير ضرورة، وقيده بعضهم بالمصلي في جماعة: إما لتقطيع الصفوف، وفيه نظر؛ لقول أبي الحسن: موضع السواري ليس بفرجة. أو لأنه موضع جمع النعال. ورد بأنه محدث، أو لأنه مأوى الشياطين]. اهـ.

هذا، وقد قال بعض أهل العلم بعدم الكراهة مطلقًا؛ قال الإمام أبو بكر بن المنذر "الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف" (4/ 183، ط. دار طيبة، الرياض): [ليس في هذا الباب خبر يثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه نهى عنه، وأعلى ما فيه قول أنس رضي الله عنه: كنا نتقيه. ولو اتقى متق كان حسنًا، ولا مأثم عندي على فاعله]. اهـ.

والجواب: أن دفع ابن المنذر بعدم رفع الحديث فيه نظرٌ، وقد وردت بعض الروايات صريحة بأن هذا كان في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويُعَدُّ هذا من السنن التقريرية على أقل تقدير. وأما عدم ثبوته من حيث الإسناد فقد قدمنا تصحيحه عن غير واحد من الحفاظ.

نعم، تكلم بعض الحفاظ في إسناد الحديث الثاني؛ قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في "فتح الباري" (4/ 59، ط. مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة النبوية): [قال ابن المديني: إسناده ليس بالصافي. قال: وأبو مسلم هذا مجهول. وكذا قال أبو حاتم: هو مجهول. وليس هو بصاحب الحناء؛ فإن ذاك معروف، وقد فرق بينهما مسلم في كتاب "الكنى" وأبو حاتم الرازي]. اهـ.

ونقول: إن سلمنا بتضعيفه، فلا أقل من أن يكون شاهدًا لحديث أنس الأول، والشواهد يغتفر فيها ما لا يغتفر في الأصول.

ثم إنه من المعلوم أن العبادة المتفق عليها أفضل من العبادة المختلف فيها، و"الخروج من الخلاف مستحب".

ومما سبق: يعلم أنه يكره الصلاة بين السواري للمأمومين في صلاة الجماعة إن لم يكن هناك حاجة تقتضي ذلك؛ ككثرة العدد وضيق المكان.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

التفاصيل ....

يقوم بعض المأمومين في صلاة الجماعة بالصلاة بين السواري، جمع سارية: وهي الأعمدة، وقد يكون ذلك لغير حاجة، وأحيانًا يكون لكثرة المصلين، كصلاة الجمعة، ويقوم بعض الناس بالإنكار عليهم، معلّلًا ذلك بأن الصلاة بين السواري تقطع الصفوف.

والصلاة بين السواري قد تكلم عليها الفقهاء في كتاب الصلاة؛ في الكلام على صلاة الجماعة، وتعرضوا لحكمها قديمًا وحديثًا.

وأما الحكم في هذه المسألة: فهو الكراهة إن لم يكن هناك حاجة لذلك كزحام ونحوه، وتزول الكراهة بوجود الحاجة.

والدليل على ذلك ما ورد في "سنن الترمذي" عن عبد الحميد بن محمود قال: صلينا خلف أمير من الأمراء، فاضطرنا الناس فصلينا بين الساريتين، فلما صلينا قال أنس بن مالك رضي الله عنه: "كُنَّا نَتَّقِي هَذَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ"، وفي الباب عن قرة بن إياس المزني. وحديث أنس حديث حسن، وقد كره قوم من أهل العلم: أن يصف بين السواري، وبه يقول أحمد وإسحاق. وقد رخص قوم من أهل العلم في ذلك.

وعند ابن ماجه في "سننه" من طريق هارون بن مسلم عن قتادة عن معاوية بن قرة، عن أبيه رضي الله عنه، قال: "كُنَّا نُنْهَى أَنْ نَصُفَّ بَيْنَ السَّوَارِي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَنُطْرَدُ عَنْهَا طَرْدًا".

قلت: والحديثان صححهما ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وغيرهم.

ووجه الدلالة واضح؛ حيث إن الأصل في النهي أنه لا يقل عن درجة الكراهة، وإضافة النهي إلى زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم تجعله يأخذ حكم المرفوع كما هو مذهب أكثر الأصوليين وجمهور المحدثين. راجع: "المستصفى" للامام الغزالي (ص: 150، ط. دار الكتب العلمية)، و"التقريب والتيسير" للامام النووي (ص: 33، ط. دار الكتاب العربي).

ولم يرد في النهي ما يدلُّ على التحريم كوعيد ونحوه، ولم أجد من أهل العلم من حمله على التحريم؛ ولعل ذلك من أجل أن فعل الصحابة لذلك مع علمهم بالنهي- ثم تنبيههم على أن ذلك لم يكونوا يفعلونه في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع فعلهم له في الحاضر- يدل على أن النهي محمول على الكراهة، لا التحريم، وإلا لما فعلوه أبدًا.

وقد ورد في الباب حديثٌ مرفوعٌ صراحة، لكنه ضعيف الإسناد، وهو ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «وَإِيَّاكُمْ وَالصَّفَّ بَيْنَ السَّوَارِي».

قال الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" (2/ 92، ط. مكتبة القدسي): [رواه الطبراني في "الأوسط" و"الكبير"، وفيه إسماعيل بن مسلم المكي، وهو ضعيف]. اهـ.

وبنحو ما ذكرنا صرحت طائفة من أهل العلم:

قال العلامة المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (2/ 299، ط. دار إحياء التراث العربي): [(ويكره للمأمومين الوقوف بين السواري إذا قطعت صفوفهم). وهذا المذهب، وعليه الأصحاب، وهو من المفردات، وعنه لا يكره لهم ذلك كالإمام، وكالمنبر.

تنبيه: محل الخلاف: إذا لم تكن حاجة فإن كان ثَمَّ حاجة لم يكره الوقوف بينهما.

فائدة: قوله: (إذا قطعت صفوفهم) أطلق ذلك كغيره، وكأنه يرجع إلى العرف، قال ابن منجا في "شرحه": شرط بعض أصحابنا أن يكون عرض السارية ثلاثة أذرع؛ لأن ذلك هو الذي يقطع الصف، ونقله أبو المعالي أيضًا، وقال في "الفروع": يتوجه أكثر من ثلاثة أو العرف، ومثَّلَ نظائرَه]. اهـ.

وقال العلامة الخرشي المالكي في "شرح مختصر خليل" (2/ 28، ط. دار الفكر): [الصلاة بين الأساطين وهي السواري مكروهة إذا كان لغير ضرورة، وقيده بعضهم بالمصلي في جماعة: إما لتقطيع الصفوف، وفيه نظر؛ لقول أبي الحسن: موضع السواري ليس بفرجة. أو لأنه موضع جمع النعال. ورد بأنه محدث، أو لأنه مأوى الشياطين]. اهـ.

هذا، وقد قال بعض أهل العلم بعدم الكراهة مطلقًا؛ قال الإمام أبو بكر بن المنذر "الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف" (4/ 183، ط. دار طيبة، الرياض): [ليس في هذا الباب خبر يثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه نهى عنه، وأعلى ما فيه قول أنس رضي الله عنه: كنا نتقيه. ولو اتقى متق كان حسنًا، ولا مأثم عندي على فاعله]. اهـ.

والجواب: أن دفع ابن المنذر بعدم رفع الحديث فيه نظرٌ، وقد وردت بعض الروايات صريحة بأن هذا كان في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويُعَدُّ هذا من السنن التقريرية على أقل تقدير. وأما عدم ثبوته من حيث الإسناد فقد قدمنا تصحيحه عن غير واحد من الحفاظ.

نعم، تكلم بعض الحفاظ في إسناد الحديث الثاني؛ قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في "فتح الباري" (4/ 59، ط. مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة النبوية): [قال ابن المديني: إسناده ليس بالصافي. قال: وأبو مسلم هذا مجهول. وكذا قال أبو حاتم: هو مجهول. وليس هو بصاحب الحناء؛ فإن ذاك معروف، وقد فرق بينهما مسلم في كتاب "الكنى" وأبو حاتم الرازي]. اهـ.

ونقول: إن سلمنا بتضعيفه، فلا أقل من أن يكون شاهدًا لحديث أنس الأول، والشواهد يغتفر فيها ما لا يغتفر في الأصول.

ثم إنه من المعلوم أن العبادة المتفق عليها أفضل من العبادة المختلف فيها، و"الخروج من الخلاف مستحب".

ومما سبق: يعلم أنه يكره الصلاة بين السواري للمأمومين في صلاة الجماعة إن لم يكن هناك حاجة تقتضي ذلك؛ ككثرة العدد وضيق المكان.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا

الصلاة بين أعمدة المسجد

ما حكم الصلاة بين السواري؟ هل تقطع الصفوف؟

يقوم بعض المأمومين في صلاة الجماعة بالصلاة بين السواري، جمع سارية: وهي الأعمدة، وقد يكون ذلك لغير حاجة، وأحيانًا يكون لكثرة المصلين، كصلاة الجمعة، ويقوم بعض الناس بالإنكار عليهم، معلّلًا ذلك بأن الصلاة بين السواري تقطع الصفوف.

والصلاة بين السواري قد تكلم عليها الفقهاء في كتاب الصلاة؛ في الكلام على صلاة الجماعة، وتعرضوا لحكمها قديمًا وحديثًا.

وأما الحكم في هذه المسألة: فهو الكراهة إن لم يكن هناك حاجة لذلك كزحام ونحوه، وتزول الكراهة بوجود الحاجة.

والدليل على ذلك ما ورد في "سنن الترمذي" عن عبد الحميد بن محمود قال: صلينا خلف أمير من الأمراء، فاضطرنا الناس فصلينا بين الساريتين، فلما صلينا قال أنس بن مالك رضي الله عنه: "كُنَّا نَتَّقِي هَذَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ"، وفي الباب عن قرة بن إياس المزني. وحديث أنس حديث حسن، وقد كره قوم من أهل العلم: أن يصف بين السواري، وبه يقول أحمد وإسحاق. وقد رخص قوم من أهل العلم في ذلك.

وعند ابن ماجه في "سننه" من طريق هارون بن مسلم عن قتادة عن معاوية بن قرة، عن أبيه رضي الله عنه، قال: "كُنَّا نُنْهَى أَنْ نَصُفَّ بَيْنَ السَّوَارِي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَنُطْرَدُ عَنْهَا طَرْدًا".

قلت: والحديثان صححهما ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وغيرهم.

ووجه الدلالة واضح؛ حيث إن الأصل في النهي أنه لا يقل عن درجة الكراهة، وإضافة النهي إلى زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم تجعله يأخذ حكم المرفوع كما هو مذهب أكثر الأصوليين وجمهور المحدثين. راجع: "المستصفى" للامام الغزالي (ص: 150، ط. دار الكتب العلمية)، و"التقريب والتيسير" للامام النووي (ص: 33، ط. دار الكتاب العربي).

ولم يرد في النهي ما يدلُّ على التحريم كوعيد ونحوه، ولم أجد من أهل العلم من حمله على التحريم؛ ولعل ذلك من أجل أن فعل الصحابة لذلك مع علمهم بالنهي- ثم تنبيههم على أن ذلك لم يكونوا يفعلونه في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع فعلهم له في الحاضر- يدل على أن النهي محمول على الكراهة، لا التحريم، وإلا لما فعلوه أبدًا.

وقد ورد في الباب حديثٌ مرفوعٌ صراحة، لكنه ضعيف الإسناد، وهو ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «وَإِيَّاكُمْ وَالصَّفَّ بَيْنَ السَّوَارِي».

قال الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" (2/ 92، ط. مكتبة القدسي): [رواه الطبراني في "الأوسط" و"الكبير"، وفيه إسماعيل بن مسلم المكي، وهو ضعيف]. اهـ.

وبنحو ما ذكرنا صرحت طائفة من أهل العلم:

قال العلامة المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (2/ 299، ط. دار إحياء التراث العربي): [(ويكره للمأمومين الوقوف بين السواري إذا قطعت صفوفهم). وهذا المذهب، وعليه الأصحاب، وهو من المفردات، وعنه لا يكره لهم ذلك كالإمام، وكالمنبر.

تنبيه: محل الخلاف: إذا لم تكن حاجة فإن كان ثَمَّ حاجة لم يكره الوقوف بينهما.

فائدة: قوله: (إذا قطعت صفوفهم) أطلق ذلك كغيره، وكأنه يرجع إلى العرف، قال ابن منجا في "شرحه": شرط بعض أصحابنا أن يكون عرض السارية ثلاثة أذرع؛ لأن ذلك هو الذي يقطع الصف، ونقله أبو المعالي أيضًا، وقال في "الفروع": يتوجه أكثر من ثلاثة أو العرف، ومثَّلَ نظائرَه]. اهـ.

وقال العلامة الخرشي المالكي في "شرح مختصر خليل" (2/ 28، ط. دار الفكر): [الصلاة بين الأساطين وهي السواري مكروهة إذا كان لغير ضرورة، وقيده بعضهم بالمصلي في جماعة: إما لتقطيع الصفوف، وفيه نظر؛ لقول أبي الحسن: موضع السواري ليس بفرجة. أو لأنه موضع جمع النعال. ورد بأنه محدث، أو لأنه مأوى الشياطين]. اهـ.

هذا، وقد قال بعض أهل العلم بعدم الكراهة مطلقًا؛ قال الإمام أبو بكر بن المنذر "الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف" (4/ 183، ط. دار طيبة، الرياض): [ليس في هذا الباب خبر يثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه نهى عنه، وأعلى ما فيه قول أنس رضي الله عنه: كنا نتقيه. ولو اتقى متق كان حسنًا، ولا مأثم عندي على فاعله]. اهـ.

والجواب: أن دفع ابن المنذر بعدم رفع الحديث فيه نظرٌ، وقد وردت بعض الروايات صريحة بأن هذا كان في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويُعَدُّ هذا من السنن التقريرية على أقل تقدير. وأما عدم ثبوته من حيث الإسناد فقد قدمنا تصحيحه عن غير واحد من الحفاظ.

نعم، تكلم بعض الحفاظ في إسناد الحديث الثاني؛ قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في "فتح الباري" (4/ 59، ط. مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة النبوية): [قال ابن المديني: إسناده ليس بالصافي. قال: وأبو مسلم هذا مجهول. وكذا قال أبو حاتم: هو مجهول. وليس هو بصاحب الحناء؛ فإن ذاك معروف، وقد فرق بينهما مسلم في كتاب "الكنى" وأبو حاتم الرازي]. اهـ.

ونقول: إن سلمنا بتضعيفه، فلا أقل من أن يكون شاهدًا لحديث أنس الأول، والشواهد يغتفر فيها ما لا يغتفر في الأصول.

ثم إنه من المعلوم أن العبادة المتفق عليها أفضل من العبادة المختلف فيها، و"الخروج من الخلاف مستحب".

ومما سبق: يعلم أنه يكره الصلاة بين السواري للمأمومين في صلاة الجماعة إن لم يكن هناك حاجة تقتضي ذلك؛ ككثرة العدد وضيق المكان.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

التفاصيل ....

يقوم بعض المأمومين في صلاة الجماعة بالصلاة بين السواري، جمع سارية: وهي الأعمدة، وقد يكون ذلك لغير حاجة، وأحيانًا يكون لكثرة المصلين، كصلاة الجمعة، ويقوم بعض الناس بالإنكار عليهم، معلّلًا ذلك بأن الصلاة بين السواري تقطع الصفوف.

والصلاة بين السواري قد تكلم عليها الفقهاء في كتاب الصلاة؛ في الكلام على صلاة الجماعة، وتعرضوا لحكمها قديمًا وحديثًا.

وأما الحكم في هذه المسألة: فهو الكراهة إن لم يكن هناك حاجة لذلك كزحام ونحوه، وتزول الكراهة بوجود الحاجة.

والدليل على ذلك ما ورد في "سنن الترمذي" عن عبد الحميد بن محمود قال: صلينا خلف أمير من الأمراء، فاضطرنا الناس فصلينا بين الساريتين، فلما صلينا قال أنس بن مالك رضي الله عنه: "كُنَّا نَتَّقِي هَذَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ"، وفي الباب عن قرة بن إياس المزني. وحديث أنس حديث حسن، وقد كره قوم من أهل العلم: أن يصف بين السواري، وبه يقول أحمد وإسحاق. وقد رخص قوم من أهل العلم في ذلك.

وعند ابن ماجه في "سننه" من طريق هارون بن مسلم عن قتادة عن معاوية بن قرة، عن أبيه رضي الله عنه، قال: "كُنَّا نُنْهَى أَنْ نَصُفَّ بَيْنَ السَّوَارِي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَنُطْرَدُ عَنْهَا طَرْدًا".

قلت: والحديثان صححهما ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وغيرهم.

ووجه الدلالة واضح؛ حيث إن الأصل في النهي أنه لا يقل عن درجة الكراهة، وإضافة النهي إلى زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم تجعله يأخذ حكم المرفوع كما هو مذهب أكثر الأصوليين وجمهور المحدثين. راجع: "المستصفى" للامام الغزالي (ص: 150، ط. دار الكتب العلمية)، و"التقريب والتيسير" للامام النووي (ص: 33، ط. دار الكتاب العربي).

ولم يرد في النهي ما يدلُّ على التحريم كوعيد ونحوه، ولم أجد من أهل العلم من حمله على التحريم؛ ولعل ذلك من أجل أن فعل الصحابة لذلك مع علمهم بالنهي- ثم تنبيههم على أن ذلك لم يكونوا يفعلونه في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع فعلهم له في الحاضر- يدل على أن النهي محمول على الكراهة، لا التحريم، وإلا لما فعلوه أبدًا.

وقد ورد في الباب حديثٌ مرفوعٌ صراحة، لكنه ضعيف الإسناد، وهو ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «وَإِيَّاكُمْ وَالصَّفَّ بَيْنَ السَّوَارِي».

قال الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" (2/ 92، ط. مكتبة القدسي): [رواه الطبراني في "الأوسط" و"الكبير"، وفيه إسماعيل بن مسلم المكي، وهو ضعيف]. اهـ.

وبنحو ما ذكرنا صرحت طائفة من أهل العلم:

قال العلامة المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (2/ 299، ط. دار إحياء التراث العربي): [(ويكره للمأمومين الوقوف بين السواري إذا قطعت صفوفهم). وهذا المذهب، وعليه الأصحاب، وهو من المفردات، وعنه لا يكره لهم ذلك كالإمام، وكالمنبر.

تنبيه: محل الخلاف: إذا لم تكن حاجة فإن كان ثَمَّ حاجة لم يكره الوقوف بينهما.

فائدة: قوله: (إذا قطعت صفوفهم) أطلق ذلك كغيره، وكأنه يرجع إلى العرف، قال ابن منجا في "شرحه": شرط بعض أصحابنا أن يكون عرض السارية ثلاثة أذرع؛ لأن ذلك هو الذي يقطع الصف، ونقله أبو المعالي أيضًا، وقال في "الفروع": يتوجه أكثر من ثلاثة أو العرف، ومثَّلَ نظائرَه]. اهـ.

وقال العلامة الخرشي المالكي في "شرح مختصر خليل" (2/ 28، ط. دار الفكر): [الصلاة بين الأساطين وهي السواري مكروهة إذا كان لغير ضرورة، وقيده بعضهم بالمصلي في جماعة: إما لتقطيع الصفوف، وفيه نظر؛ لقول أبي الحسن: موضع السواري ليس بفرجة. أو لأنه موضع جمع النعال. ورد بأنه محدث، أو لأنه مأوى الشياطين]. اهـ.

هذا، وقد قال بعض أهل العلم بعدم الكراهة مطلقًا؛ قال الإمام أبو بكر بن المنذر "الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف" (4/ 183، ط. دار طيبة، الرياض): [ليس في هذا الباب خبر يثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه نهى عنه، وأعلى ما فيه قول أنس رضي الله عنه: كنا نتقيه. ولو اتقى متق كان حسنًا، ولا مأثم عندي على فاعله]. اهـ.

والجواب: أن دفع ابن المنذر بعدم رفع الحديث فيه نظرٌ، وقد وردت بعض الروايات صريحة بأن هذا كان في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويُعَدُّ هذا من السنن التقريرية على أقل تقدير. وأما عدم ثبوته من حيث الإسناد فقد قدمنا تصحيحه عن غير واحد من الحفاظ.

نعم، تكلم بعض الحفاظ في إسناد الحديث الثاني؛ قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في "فتح الباري" (4/ 59، ط. مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة النبوية): [قال ابن المديني: إسناده ليس بالصافي. قال: وأبو مسلم هذا مجهول. وكذا قال أبو حاتم: هو مجهول. وليس هو بصاحب الحناء؛ فإن ذاك معروف، وقد فرق بينهما مسلم في كتاب "الكنى" وأبو حاتم الرازي]. اهـ.

ونقول: إن سلمنا بتضعيفه، فلا أقل من أن يكون شاهدًا لحديث أنس الأول، والشواهد يغتفر فيها ما لا يغتفر في الأصول.

ثم إنه من المعلوم أن العبادة المتفق عليها أفضل من العبادة المختلف فيها، و"الخروج من الخلاف مستحب".

ومما سبق: يعلم أنه يكره الصلاة بين السواري للمأمومين في صلاة الجماعة إن لم يكن هناك حاجة تقتضي ذلك؛ ككثرة العدد وضيق المكان.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا
;