طهارة الملابس النجسة إذا وضعت في الغسالات الأوتوماتيكية - الفتاوى - دار الإفتاء المصرية - دار الإفتاء

طهارة الملابس النجسة إذا وضعت في الغسالات الأوتوماتيكية

إذا وضعت الملابس النجسة في الغسالات الأوتوماتيكية، فهل تطهر؟


النجاسة في اللغة:
القذارة، يقال: تنجس الشيء: صار نجسًا، وتلطخ بالقذر؛ أي بالنجاسة. انظر: "المصباح المنير" (مادة: ن ج س).

والنجاسة في الاصطلاح: صفة حكمية توجب لموصوفها منع استباحة الصلاة به أو فيه. انظر: "حاشية الدسوقي على الشرح الكبير" (1/ 32، ط. دار الفكر).

ويشترط لصحة الصلاة طهارة بدن المصلي وثوبه ومكانه من النجاسة؛ لما ورد من قوله تعالى: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ [المدَّثر: 4]، فدل على وجوب إزالة النجاسة من ثياب المصلي، ولما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا أَقْبَلَتِ الحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي»، فدل هذا على وجوب إزالة النجاسة من بدن المصلي، ولما روى البخاري أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: قام أعرابي فبال في المسجد، فتناوله الناس، فقال لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «دَعُوهُ، وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ -أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ-، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ»، فأمْرُه صلى الله عليه وآله وسلم بإراقة الماء على المكان دل على وجوب إزالة النجاسة من مكان المصلي.

وترتفع النجاسة بالماء المطلق حتى يزول حكم النجاسة الذي ترتب على وقوع عين النجاسة، وأما عينها فتزول بأي قالع لها ولو بالحك، ويشترط في إزالة حكم النجاسة زوال طعمها، وأما لونها وريحها فيشترط زوالهما من الشيء إن تيسر، ودليل ارتفاع النجاسة بالماء المطلق قوله تعالى: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾ [الأنفال: 11]، وروى البخاري عن أسماء رضي الله عنها قالت: جاءت امرأةٌ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: أرأيت إحدانا تحيض في الثوب؛ كيف تصنع؟ قال: «تَحُتُّهُ، ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ، وَتَنْضَحُهُ، وَتُصَلِّي فِيهِ».

يقول الإمام الدردير: ويُرفع الحدث وحكم الخبث بالمطلق، أي يرتفع ويزول -برفع الله له- بسبب استعمال الماء المطلق وهو ما صدق عليه اسم ماء بلا قيد، أي ما صح إطلاق لفظ الماء عليه من غير ذكر قيد؛ بأن يقال فيه: هذا ماء. فخرج ما لم يصدق عليه اسم الماء أصلًا من المائعات؛ كالخل والسمن، وما لا يصدق عليه اسمه إلا بالقيد كماء الورد وماء الزهر وماء البطيخ ونحوها، فهذه الأشياء ليست من الماء المطلق، فلا يصح التطهير بها، بخلاف ماء البحر والمطر والآبار، فإنه يصح إطلاق الماء عليها من غير قيد فيصح التطهير بها. انظر: "الشرح الصغير" (1/ 29، ط. دار المعارف).

ويقول العلامة الصاوي: وعين النجاسة تزال بكل قلاع، ولكن لا تحصل بإزالته الطهارة الشرعية. انظر: "حاشية الصاوي على الشرح الصغير" (1/ 27).

ويقول الإمام الدردير في "الشرح الكبير بحاشية الدسوقي" (1/ 78، ط. دار الفكر): [ويطهر محل النجس بغسله مع زوال طعمه من المحل ولو عسر؛ لأن بقاء الطعم دليل على تمكن النجاسة من المحل فيشترط زواله، ولا يشترط زوال لون وريح عسرًا، بخلاف المتيسرين فيشترط] اهـ.

وأما عمل الغسالات الأوتوماتيكية في تطهير الملابس، فإنه بمجرد بدء عملية التشغيل يُسمح بمرور تيار المياه داخل الغسالة مارًا بدرج توزيع مسحوق التنظيف، فينزل الماء ممتزجًا بالصابون ثم يدور المحرك، وبالدوران في الاتجاهين تتقلب الملابس، ثم يُطرد الماء الموجود بالغسالة إلى الخارج من خلال خرطوم الصرف، وبخروجه فقد حصل شيئان:

أولهما: إزالة عين النجاسة مع طعمها ولونها وريحها، وفي إزالة العين لا يشترط الماء المطلق.
وثانيهما: أنه بمجرد اختلاط الماء بالصابون فإنه يحتمل أن لا يكون قد تغير بالنجاسة، ويحتمل أن يتغير، فإن لم يتغير، فقد أزيلت العين وتبقَّى إزالة الحكم الذي سيرتفع في الغسلة الرابعة والخامسة اللتين لن تمتزجا بالصابون، أي إنهما سيكونان بالماء المطلق؛ ولن يرتفع الحكم في الغسلة الثانية والثالثة؛ لأنهما وإن كانتا بالمطلق، إلا أنهما ستمتزجان بالصابون لتزيلانه، فسيتغيران به ويكون طاهرًا لا طهورًا.

وأما إن تغيرت الغسلة الأولى بالنجاسة، فإن هذا الماء سيكون نجسًا لا طاهرًا؛ قال الإمام الدردير: والغُسالة (الماء الذي انفصل من النجاسة) المتغيرة بأحد أوصاف النجاسة نجسة. انظر: "الشرح الكبير بحاشية الدسوقي" (1/ 78).

فبانتشار النجاسة في أجزاء المياه ستتنجس الملابس كلها، أي إن الغسلة الأولى نشرت النجاسة وإن أزالت عينها، فبالغسلة الثانية والثالثة اللتين تزيلان الصابون، تزيلان الماء النجس الذي حصل بالغسلة الأولى، وسيتبقى حكمها الذي سيزال بالماء المطلق في الغسلة الرابعة والخامسة.

وكذلك أجاز الأحناف إزالة النجاسة بغير المطلق، فتطهر النجاسة بالغسلة الثانية والثالثة اللتين ستكونان بالماء والصابون، لا بالغسلة الأولى إن لاقت النجس وتغيرت به فصار نجسًا؛ يقول العلامة المرغيناني الحنفي في "شرح فتح القدير على الهداية" (1/ 133، ط. الأميرية): [ويجوز تطهير النجاسة بالماء، وبكل مائع طاهر يمكن إزالتها به؛ كالخل وماء الورد ونحوه مما إذا عصر انعصر] اهـ.

وأما الماء النجس الذي حلت فيه النجاسة، فهذا لا يصح التطهير به؛ لكونه أصبح مائعًا غير طاهر.

ويقول العلامة الشرنبلالي الحنفي في "مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح" (ص: 16، ط. مصطفى الحلبي): [والماء النجس وهو الذي حلت فيه نجاسة وعلم وقوعها يقينًا أو بغلبة الظن] اهـ. وهو الذي نصره الشيخ تقي الدين بن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" (21/ 475، ط. مجمع الملك فهد).

وعليه: فتطهير الملابس بوضعها في الغسالات الأوتوماتيكية أبلغ في الطهارة من غيرها؛ لإزالتها عين النجاسة من الطعم واللون والريح أولًا بعدة غسلات، ثم إزالة حكمها بعدة غسلات، الأمر الذي ينقي الملبس من النجاسة تنقية بالغة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

التفاصيل ....


النجاسة في اللغة:
القذارة، يقال: تنجس الشيء: صار نجسًا، وتلطخ بالقذر؛ أي بالنجاسة. انظر: "المصباح المنير" (مادة: ن ج س).

والنجاسة في الاصطلاح: صفة حكمية توجب لموصوفها منع استباحة الصلاة به أو فيه. انظر: "حاشية الدسوقي على الشرح الكبير" (1/ 32، ط. دار الفكر).

ويشترط لصحة الصلاة طهارة بدن المصلي وثوبه ومكانه من النجاسة؛ لما ورد من قوله تعالى: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ [المدَّثر: 4]، فدل على وجوب إزالة النجاسة من ثياب المصلي، ولما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا أَقْبَلَتِ الحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي»، فدل هذا على وجوب إزالة النجاسة من بدن المصلي، ولما روى البخاري أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: قام أعرابي فبال في المسجد، فتناوله الناس، فقال لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «دَعُوهُ، وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ -أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ-، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ»، فأمْرُه صلى الله عليه وآله وسلم بإراقة الماء على المكان دل على وجوب إزالة النجاسة من مكان المصلي.

وترتفع النجاسة بالماء المطلق حتى يزول حكم النجاسة الذي ترتب على وقوع عين النجاسة، وأما عينها فتزول بأي قالع لها ولو بالحك، ويشترط في إزالة حكم النجاسة زوال طعمها، وأما لونها وريحها فيشترط زوالهما من الشيء إن تيسر، ودليل ارتفاع النجاسة بالماء المطلق قوله تعالى: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾ [الأنفال: 11]، وروى البخاري عن أسماء رضي الله عنها قالت: جاءت امرأةٌ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: أرأيت إحدانا تحيض في الثوب؛ كيف تصنع؟ قال: «تَحُتُّهُ، ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ، وَتَنْضَحُهُ، وَتُصَلِّي فِيهِ».

يقول الإمام الدردير: ويُرفع الحدث وحكم الخبث بالمطلق، أي يرتفع ويزول -برفع الله له- بسبب استعمال الماء المطلق وهو ما صدق عليه اسم ماء بلا قيد، أي ما صح إطلاق لفظ الماء عليه من غير ذكر قيد؛ بأن يقال فيه: هذا ماء. فخرج ما لم يصدق عليه اسم الماء أصلًا من المائعات؛ كالخل والسمن، وما لا يصدق عليه اسمه إلا بالقيد كماء الورد وماء الزهر وماء البطيخ ونحوها، فهذه الأشياء ليست من الماء المطلق، فلا يصح التطهير بها، بخلاف ماء البحر والمطر والآبار، فإنه يصح إطلاق الماء عليها من غير قيد فيصح التطهير بها. انظر: "الشرح الصغير" (1/ 29، ط. دار المعارف).

ويقول العلامة الصاوي: وعين النجاسة تزال بكل قلاع، ولكن لا تحصل بإزالته الطهارة الشرعية. انظر: "حاشية الصاوي على الشرح الصغير" (1/ 27).

ويقول الإمام الدردير في "الشرح الكبير بحاشية الدسوقي" (1/ 78، ط. دار الفكر): [ويطهر محل النجس بغسله مع زوال طعمه من المحل ولو عسر؛ لأن بقاء الطعم دليل على تمكن النجاسة من المحل فيشترط زواله، ولا يشترط زوال لون وريح عسرًا، بخلاف المتيسرين فيشترط] اهـ.

وأما عمل الغسالات الأوتوماتيكية في تطهير الملابس، فإنه بمجرد بدء عملية التشغيل يُسمح بمرور تيار المياه داخل الغسالة مارًا بدرج توزيع مسحوق التنظيف، فينزل الماء ممتزجًا بالصابون ثم يدور المحرك، وبالدوران في الاتجاهين تتقلب الملابس، ثم يُطرد الماء الموجود بالغسالة إلى الخارج من خلال خرطوم الصرف، وبخروجه فقد حصل شيئان:

أولهما: إزالة عين النجاسة مع طعمها ولونها وريحها، وفي إزالة العين لا يشترط الماء المطلق.
وثانيهما: أنه بمجرد اختلاط الماء بالصابون فإنه يحتمل أن لا يكون قد تغير بالنجاسة، ويحتمل أن يتغير، فإن لم يتغير، فقد أزيلت العين وتبقَّى إزالة الحكم الذي سيرتفع في الغسلة الرابعة والخامسة اللتين لن تمتزجا بالصابون، أي إنهما سيكونان بالماء المطلق؛ ولن يرتفع الحكم في الغسلة الثانية والثالثة؛ لأنهما وإن كانتا بالمطلق، إلا أنهما ستمتزجان بالصابون لتزيلانه، فسيتغيران به ويكون طاهرًا لا طهورًا.

وأما إن تغيرت الغسلة الأولى بالنجاسة، فإن هذا الماء سيكون نجسًا لا طاهرًا؛ قال الإمام الدردير: والغُسالة (الماء الذي انفصل من النجاسة) المتغيرة بأحد أوصاف النجاسة نجسة. انظر: "الشرح الكبير بحاشية الدسوقي" (1/ 78).

فبانتشار النجاسة في أجزاء المياه ستتنجس الملابس كلها، أي إن الغسلة الأولى نشرت النجاسة وإن أزالت عينها، فبالغسلة الثانية والثالثة اللتين تزيلان الصابون، تزيلان الماء النجس الذي حصل بالغسلة الأولى، وسيتبقى حكمها الذي سيزال بالماء المطلق في الغسلة الرابعة والخامسة.

وكذلك أجاز الأحناف إزالة النجاسة بغير المطلق، فتطهر النجاسة بالغسلة الثانية والثالثة اللتين ستكونان بالماء والصابون، لا بالغسلة الأولى إن لاقت النجس وتغيرت به فصار نجسًا؛ يقول العلامة المرغيناني الحنفي في "شرح فتح القدير على الهداية" (1/ 133، ط. الأميرية): [ويجوز تطهير النجاسة بالماء، وبكل مائع طاهر يمكن إزالتها به؛ كالخل وماء الورد ونحوه مما إذا عصر انعصر] اهـ.

وأما الماء النجس الذي حلت فيه النجاسة، فهذا لا يصح التطهير به؛ لكونه أصبح مائعًا غير طاهر.

ويقول العلامة الشرنبلالي الحنفي في "مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح" (ص: 16، ط. مصطفى الحلبي): [والماء النجس وهو الذي حلت فيه نجاسة وعلم وقوعها يقينًا أو بغلبة الظن] اهـ. وهو الذي نصره الشيخ تقي الدين بن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" (21/ 475، ط. مجمع الملك فهد).

وعليه: فتطهير الملابس بوضعها في الغسالات الأوتوماتيكية أبلغ في الطهارة من غيرها؛ لإزالتها عين النجاسة من الطعم واللون والريح أولًا بعدة غسلات، ثم إزالة حكمها بعدة غسلات، الأمر الذي ينقي الملبس من النجاسة تنقية بالغة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا

طهارة الملابس النجسة إذا وضعت في الغسالات الأوتوماتيكية

إذا وضعت الملابس النجسة في الغسالات الأوتوماتيكية، فهل تطهر؟


النجاسة في اللغة:
القذارة، يقال: تنجس الشيء: صار نجسًا، وتلطخ بالقذر؛ أي بالنجاسة. انظر: "المصباح المنير" (مادة: ن ج س).

والنجاسة في الاصطلاح: صفة حكمية توجب لموصوفها منع استباحة الصلاة به أو فيه. انظر: "حاشية الدسوقي على الشرح الكبير" (1/ 32، ط. دار الفكر).

ويشترط لصحة الصلاة طهارة بدن المصلي وثوبه ومكانه من النجاسة؛ لما ورد من قوله تعالى: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ [المدَّثر: 4]، فدل على وجوب إزالة النجاسة من ثياب المصلي، ولما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا أَقْبَلَتِ الحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي»، فدل هذا على وجوب إزالة النجاسة من بدن المصلي، ولما روى البخاري أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: قام أعرابي فبال في المسجد، فتناوله الناس، فقال لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «دَعُوهُ، وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ -أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ-، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ»، فأمْرُه صلى الله عليه وآله وسلم بإراقة الماء على المكان دل على وجوب إزالة النجاسة من مكان المصلي.

وترتفع النجاسة بالماء المطلق حتى يزول حكم النجاسة الذي ترتب على وقوع عين النجاسة، وأما عينها فتزول بأي قالع لها ولو بالحك، ويشترط في إزالة حكم النجاسة زوال طعمها، وأما لونها وريحها فيشترط زوالهما من الشيء إن تيسر، ودليل ارتفاع النجاسة بالماء المطلق قوله تعالى: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾ [الأنفال: 11]، وروى البخاري عن أسماء رضي الله عنها قالت: جاءت امرأةٌ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: أرأيت إحدانا تحيض في الثوب؛ كيف تصنع؟ قال: «تَحُتُّهُ، ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ، وَتَنْضَحُهُ، وَتُصَلِّي فِيهِ».

يقول الإمام الدردير: ويُرفع الحدث وحكم الخبث بالمطلق، أي يرتفع ويزول -برفع الله له- بسبب استعمال الماء المطلق وهو ما صدق عليه اسم ماء بلا قيد، أي ما صح إطلاق لفظ الماء عليه من غير ذكر قيد؛ بأن يقال فيه: هذا ماء. فخرج ما لم يصدق عليه اسم الماء أصلًا من المائعات؛ كالخل والسمن، وما لا يصدق عليه اسمه إلا بالقيد كماء الورد وماء الزهر وماء البطيخ ونحوها، فهذه الأشياء ليست من الماء المطلق، فلا يصح التطهير بها، بخلاف ماء البحر والمطر والآبار، فإنه يصح إطلاق الماء عليها من غير قيد فيصح التطهير بها. انظر: "الشرح الصغير" (1/ 29، ط. دار المعارف).

ويقول العلامة الصاوي: وعين النجاسة تزال بكل قلاع، ولكن لا تحصل بإزالته الطهارة الشرعية. انظر: "حاشية الصاوي على الشرح الصغير" (1/ 27).

ويقول الإمام الدردير في "الشرح الكبير بحاشية الدسوقي" (1/ 78، ط. دار الفكر): [ويطهر محل النجس بغسله مع زوال طعمه من المحل ولو عسر؛ لأن بقاء الطعم دليل على تمكن النجاسة من المحل فيشترط زواله، ولا يشترط زوال لون وريح عسرًا، بخلاف المتيسرين فيشترط] اهـ.

وأما عمل الغسالات الأوتوماتيكية في تطهير الملابس، فإنه بمجرد بدء عملية التشغيل يُسمح بمرور تيار المياه داخل الغسالة مارًا بدرج توزيع مسحوق التنظيف، فينزل الماء ممتزجًا بالصابون ثم يدور المحرك، وبالدوران في الاتجاهين تتقلب الملابس، ثم يُطرد الماء الموجود بالغسالة إلى الخارج من خلال خرطوم الصرف، وبخروجه فقد حصل شيئان:

أولهما: إزالة عين النجاسة مع طعمها ولونها وريحها، وفي إزالة العين لا يشترط الماء المطلق.
وثانيهما: أنه بمجرد اختلاط الماء بالصابون فإنه يحتمل أن لا يكون قد تغير بالنجاسة، ويحتمل أن يتغير، فإن لم يتغير، فقد أزيلت العين وتبقَّى إزالة الحكم الذي سيرتفع في الغسلة الرابعة والخامسة اللتين لن تمتزجا بالصابون، أي إنهما سيكونان بالماء المطلق؛ ولن يرتفع الحكم في الغسلة الثانية والثالثة؛ لأنهما وإن كانتا بالمطلق، إلا أنهما ستمتزجان بالصابون لتزيلانه، فسيتغيران به ويكون طاهرًا لا طهورًا.

وأما إن تغيرت الغسلة الأولى بالنجاسة، فإن هذا الماء سيكون نجسًا لا طاهرًا؛ قال الإمام الدردير: والغُسالة (الماء الذي انفصل من النجاسة) المتغيرة بأحد أوصاف النجاسة نجسة. انظر: "الشرح الكبير بحاشية الدسوقي" (1/ 78).

فبانتشار النجاسة في أجزاء المياه ستتنجس الملابس كلها، أي إن الغسلة الأولى نشرت النجاسة وإن أزالت عينها، فبالغسلة الثانية والثالثة اللتين تزيلان الصابون، تزيلان الماء النجس الذي حصل بالغسلة الأولى، وسيتبقى حكمها الذي سيزال بالماء المطلق في الغسلة الرابعة والخامسة.

وكذلك أجاز الأحناف إزالة النجاسة بغير المطلق، فتطهر النجاسة بالغسلة الثانية والثالثة اللتين ستكونان بالماء والصابون، لا بالغسلة الأولى إن لاقت النجس وتغيرت به فصار نجسًا؛ يقول العلامة المرغيناني الحنفي في "شرح فتح القدير على الهداية" (1/ 133، ط. الأميرية): [ويجوز تطهير النجاسة بالماء، وبكل مائع طاهر يمكن إزالتها به؛ كالخل وماء الورد ونحوه مما إذا عصر انعصر] اهـ.

وأما الماء النجس الذي حلت فيه النجاسة، فهذا لا يصح التطهير به؛ لكونه أصبح مائعًا غير طاهر.

ويقول العلامة الشرنبلالي الحنفي في "مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح" (ص: 16، ط. مصطفى الحلبي): [والماء النجس وهو الذي حلت فيه نجاسة وعلم وقوعها يقينًا أو بغلبة الظن] اهـ. وهو الذي نصره الشيخ تقي الدين بن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" (21/ 475، ط. مجمع الملك فهد).

وعليه: فتطهير الملابس بوضعها في الغسالات الأوتوماتيكية أبلغ في الطهارة من غيرها؛ لإزالتها عين النجاسة من الطعم واللون والريح أولًا بعدة غسلات، ثم إزالة حكمها بعدة غسلات، الأمر الذي ينقي الملبس من النجاسة تنقية بالغة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

التفاصيل ....


النجاسة في اللغة:
القذارة، يقال: تنجس الشيء: صار نجسًا، وتلطخ بالقذر؛ أي بالنجاسة. انظر: "المصباح المنير" (مادة: ن ج س).

والنجاسة في الاصطلاح: صفة حكمية توجب لموصوفها منع استباحة الصلاة به أو فيه. انظر: "حاشية الدسوقي على الشرح الكبير" (1/ 32، ط. دار الفكر).

ويشترط لصحة الصلاة طهارة بدن المصلي وثوبه ومكانه من النجاسة؛ لما ورد من قوله تعالى: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ [المدَّثر: 4]، فدل على وجوب إزالة النجاسة من ثياب المصلي، ولما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا أَقْبَلَتِ الحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي»، فدل هذا على وجوب إزالة النجاسة من بدن المصلي، ولما روى البخاري أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: قام أعرابي فبال في المسجد، فتناوله الناس، فقال لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «دَعُوهُ، وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ -أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ-، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ»، فأمْرُه صلى الله عليه وآله وسلم بإراقة الماء على المكان دل على وجوب إزالة النجاسة من مكان المصلي.

وترتفع النجاسة بالماء المطلق حتى يزول حكم النجاسة الذي ترتب على وقوع عين النجاسة، وأما عينها فتزول بأي قالع لها ولو بالحك، ويشترط في إزالة حكم النجاسة زوال طعمها، وأما لونها وريحها فيشترط زوالهما من الشيء إن تيسر، ودليل ارتفاع النجاسة بالماء المطلق قوله تعالى: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾ [الأنفال: 11]، وروى البخاري عن أسماء رضي الله عنها قالت: جاءت امرأةٌ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: أرأيت إحدانا تحيض في الثوب؛ كيف تصنع؟ قال: «تَحُتُّهُ، ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ، وَتَنْضَحُهُ، وَتُصَلِّي فِيهِ».

يقول الإمام الدردير: ويُرفع الحدث وحكم الخبث بالمطلق، أي يرتفع ويزول -برفع الله له- بسبب استعمال الماء المطلق وهو ما صدق عليه اسم ماء بلا قيد، أي ما صح إطلاق لفظ الماء عليه من غير ذكر قيد؛ بأن يقال فيه: هذا ماء. فخرج ما لم يصدق عليه اسم الماء أصلًا من المائعات؛ كالخل والسمن، وما لا يصدق عليه اسمه إلا بالقيد كماء الورد وماء الزهر وماء البطيخ ونحوها، فهذه الأشياء ليست من الماء المطلق، فلا يصح التطهير بها، بخلاف ماء البحر والمطر والآبار، فإنه يصح إطلاق الماء عليها من غير قيد فيصح التطهير بها. انظر: "الشرح الصغير" (1/ 29، ط. دار المعارف).

ويقول العلامة الصاوي: وعين النجاسة تزال بكل قلاع، ولكن لا تحصل بإزالته الطهارة الشرعية. انظر: "حاشية الصاوي على الشرح الصغير" (1/ 27).

ويقول الإمام الدردير في "الشرح الكبير بحاشية الدسوقي" (1/ 78، ط. دار الفكر): [ويطهر محل النجس بغسله مع زوال طعمه من المحل ولو عسر؛ لأن بقاء الطعم دليل على تمكن النجاسة من المحل فيشترط زواله، ولا يشترط زوال لون وريح عسرًا، بخلاف المتيسرين فيشترط] اهـ.

وأما عمل الغسالات الأوتوماتيكية في تطهير الملابس، فإنه بمجرد بدء عملية التشغيل يُسمح بمرور تيار المياه داخل الغسالة مارًا بدرج توزيع مسحوق التنظيف، فينزل الماء ممتزجًا بالصابون ثم يدور المحرك، وبالدوران في الاتجاهين تتقلب الملابس، ثم يُطرد الماء الموجود بالغسالة إلى الخارج من خلال خرطوم الصرف، وبخروجه فقد حصل شيئان:

أولهما: إزالة عين النجاسة مع طعمها ولونها وريحها، وفي إزالة العين لا يشترط الماء المطلق.
وثانيهما: أنه بمجرد اختلاط الماء بالصابون فإنه يحتمل أن لا يكون قد تغير بالنجاسة، ويحتمل أن يتغير، فإن لم يتغير، فقد أزيلت العين وتبقَّى إزالة الحكم الذي سيرتفع في الغسلة الرابعة والخامسة اللتين لن تمتزجا بالصابون، أي إنهما سيكونان بالماء المطلق؛ ولن يرتفع الحكم في الغسلة الثانية والثالثة؛ لأنهما وإن كانتا بالمطلق، إلا أنهما ستمتزجان بالصابون لتزيلانه، فسيتغيران به ويكون طاهرًا لا طهورًا.

وأما إن تغيرت الغسلة الأولى بالنجاسة، فإن هذا الماء سيكون نجسًا لا طاهرًا؛ قال الإمام الدردير: والغُسالة (الماء الذي انفصل من النجاسة) المتغيرة بأحد أوصاف النجاسة نجسة. انظر: "الشرح الكبير بحاشية الدسوقي" (1/ 78).

فبانتشار النجاسة في أجزاء المياه ستتنجس الملابس كلها، أي إن الغسلة الأولى نشرت النجاسة وإن أزالت عينها، فبالغسلة الثانية والثالثة اللتين تزيلان الصابون، تزيلان الماء النجس الذي حصل بالغسلة الأولى، وسيتبقى حكمها الذي سيزال بالماء المطلق في الغسلة الرابعة والخامسة.

وكذلك أجاز الأحناف إزالة النجاسة بغير المطلق، فتطهر النجاسة بالغسلة الثانية والثالثة اللتين ستكونان بالماء والصابون، لا بالغسلة الأولى إن لاقت النجس وتغيرت به فصار نجسًا؛ يقول العلامة المرغيناني الحنفي في "شرح فتح القدير على الهداية" (1/ 133، ط. الأميرية): [ويجوز تطهير النجاسة بالماء، وبكل مائع طاهر يمكن إزالتها به؛ كالخل وماء الورد ونحوه مما إذا عصر انعصر] اهـ.

وأما الماء النجس الذي حلت فيه النجاسة، فهذا لا يصح التطهير به؛ لكونه أصبح مائعًا غير طاهر.

ويقول العلامة الشرنبلالي الحنفي في "مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح" (ص: 16، ط. مصطفى الحلبي): [والماء النجس وهو الذي حلت فيه نجاسة وعلم وقوعها يقينًا أو بغلبة الظن] اهـ. وهو الذي نصره الشيخ تقي الدين بن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" (21/ 475، ط. مجمع الملك فهد).

وعليه: فتطهير الملابس بوضعها في الغسالات الأوتوماتيكية أبلغ في الطهارة من غيرها؛ لإزالتها عين النجاسة من الطعم واللون والريح أولًا بعدة غسلات، ثم إزالة حكمها بعدة غسلات، الأمر الذي ينقي الملبس من النجاسة تنقية بالغة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا
;