تكرار صلاة الجنازة

تاريخ الفتوى:13 مايو 2014 م

هذه الصورة تعرف في كتب الفقه في كتاب الجنائز بتكرار الصلاة على الميت، وحكم هذا التكرار الكراهة، إلا لحاجة؛ كصلاة من فاتته الجنازة خاصة إن كان وليًّا للميت، أو حضر من ترجو بركته من أهل الفضل والصلاح، ومن فاتته الصلاة من هؤلاء ونحوهم حتى دفن الميت فلهم الصلاة على القبر.

والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى على ميت بعد دفنه والصلاة عليه، ولا يقال بالخصوصية؛ لأنه لو كان لخصوصية ما ترك الصحابة يصلون معه، وقد ورد ذلك في عدة أحاديث؛ منها ما جاء في "الصحيحين" عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلًا أسود -أو امرأةً سوداء- كان يقم المسجد فمات، فسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنه، فقالوا: مات، قال: «أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي بِهِ، دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ -أَوْ قَالَ: قَبْرِهَا-» فأتى قبرها فصلى عليها.

قال الإمام الخطابي في "معالم السنن" (1/ 315، المطبعة العلمية - حلب): [وفيه بيان جواز الصلاة على القبر لمن لم يلحق الصلاة على الميت قبل الدفن] اهـ.

وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (1/ 553، ط. دار المعرفة): [وفيه المكافأة بالدعاء والترغيب في شهود جنائز أهل الخير وندب الصلاة على الميت الحاضر عند قبره لمن لم يصل عليه] اهـ.

وأما الكراهة؛ فلأن التكرار لغير حاجة لم ينقل عن السلف، ولأنه لم يعهد من الشرع التنفل بهيئتها.

وبنحو ما ذكرنا صرحت طائفة من أهل العلم:
قال الحافظ ابن حبان في "صحيحه" (7/ 356، ط. مؤسسة الرسالة): [ذِكْرُ الْخَبَرِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي صلاة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم على القبر لم يكن دعاءه وَحْدَهُ دُونَ دُعَاءِ أُمَّتِهِ. أَخْبَرَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى بْنِ مُجَاشِعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ عَمِّهِ يَزِيدَ بْنِ ثَابِتٍ، وَرضي الله عنه كَانَ أَكْبَرَ مِنْ زَيْدٍ رضي الله عنه، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَلَمَّا وَرَدْنَا الْبَقِيعَ إِذَا هُوَ بِقَبْرٍ فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا: فُلَانَةُ فَعَرَفَهَا فَقَالَ: «أَلَا آذَنْتُمُونِي بِهَا؟» قَالُوا: كُنْتُ قَائِلًا صَائِمًا, قَالَ: «فَلَا تَفْعَلُوا، لَا أَعْرِفَنَّ مَا مَاتَ مِنْكُمْ مَيِّتٌ مَا كُنْتُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ إِلَّا آذَنْتُمُونِي بِهِ، فَإِنَّ صَلَاتِي عَلَيْهِ رَحْمَةٌ». قَالَ: ثُمَّ أَتَى الْقَبْرَ فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ رَضِيَ الله تعالى عَنْهُ: قَدْ يَتَوَهَّمُ غَيْرَ الْمُتَبَحِّرِ فِي صِنَاعَةِ الْعِلْمِ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْقَبْرِ غَيْرُ جَائِزَةٍ؛ لِلَّفْظَةِ الَّتِي فِي خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: «فَإِنَّ اللهَ يُنَوِّرُهَا عَلَيْهِمْ رَحْمَةً بِصَلَاتِي»، وَاللَّفْظَةِ الَّتِي فِي خَبَرِ يَزِيدَ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه: «فَإِنَّ صَلَاتِي عَلَيْهِمْ رَحْمَةٌ»، وَلَيْسَتِ الْعِلَّةُ مَا يَتَوَهَّمُ الْمُتَوَهِّمُونَ فِيهِ أَنَّ إِبَاحَةَ هَذِهِ السُّنَّةِ لِلْمُصْطَفَى صَلَّى الله عليه وآله وسلم خاص دون أمته؛ إذ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَزَجَرَهُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عَنْ أَنْ يَصْطَفُّوا خَلْفَهُ وَيُصَلُّوا مَعَهُ عَلَى الْقَبْرِ، فَفِي تَرْكِ إِنْكَارِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَى الْقَبْرِ أَبْيَنُ الْبَيَانِ لِمَنْ وَفَّقَهُ اللهُ لِلْرَّشَادِ وَالسَّدَادِ أَنَّهُ فِعْلٌ مُبَاحٌ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ مَعًا، دُونَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِالْفِعْلِ لَهُمْ دُونَ أُمَّتِهِ] اهـ.

وقال الإمام الشافعي في "الأم" (1/ 244، ط. بولاق): [وَإِذَا حَضَرَ رَجُلٌ وَلِيٌّ أَوْ غَيْرُ وَلِيٍّ مَعَ نِسْوَةٍ بَعْلًا رَجُلًا مَيِّتًا أَوْ امْرَأَةً فَهُوَ أَحَقُّ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهَا مِنْ النِّسَاءِ إذَا عَقَلَ الصَّلَاةَ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ مَمْلُوكًا كَانَ أَوْ حُرًّا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَعْقِلُ الصَّلَاةَ صَلَّيْنَ عَلَى الْمَيِّتِ صَفًّا مُنْفَرِدَاتٍ، وَإِنْ أَمَّتْهُنَّ إحْدَاهُنَّ، وَقَامَتْ وَسَطَهُنَّ لَمْ أَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا، فَقَدْ صَلَّى النَّاسُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه وَسَلَّمَ أَفْرَادًا لَا يَؤُمُّهُمْ أَحَدٌ؛ وَذَلِكَ لِعِظَمِ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه وَسَلَّمَ، وَتَنَافُسِهِمْ فِي أَنْ لَا يَتَوَلَّى الْإِمَامَةَ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَاحِدٌ وَصَلَّوْا عَلَيْهِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، وَسُنَّةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه وَسَلَّمَ فِي الْمَوْتَى، وَالْأَمْرُ الْمَعْمُولُ بِهِ إلَى الْيَوْمِ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِمْ بِإِمَامٍ، وَلَوْ صُلِّيَ عَلَيْهِمْ أَفْرَادًا أَجْزَأَهُمْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، وَأُحِبُّ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ صَلَاةً وَاحِدَةً، هَكَذَا رَأَيْت صَلَاةَ النَّاسِ؛ لَا يَجْلِسُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا لِصَلَاةٍ مَنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، وَلَوْ جَاءَ وَلِيٌّ لَهُ، وَلَا يُخَافُ عَلَى الْمَيِّتِ التَّغَيُّرُ فَصَلَّى عَلَيْهِ رَجَوْت أَنْ لَا يَكُونَ بِذَلِكَ بَأْسٌ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى] اهـ.

وقال العلامة الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (2/ 28، ط. دار الكتب العلمية): [وهذه الصلاة لا يتطوع بها. قال في المجموع: معناه أنه لا يجوز الابتداء بصورتها من غير جنازة بخلاف صلاة الظهر يأتي بصورتها ابتداءً بلا سبب. ثم قال: لكن ما قالوه ينقض بصلاة النساء مع الرجال، فإنها لهن نافلة وهي صحيحة. وقال الزركشي: معناه أنها لا تفعل مرةً بعد أخرى، أي من صلاها لا يعيدها، أي لا يطلب منه ذلك، ولكن سيأتي أنه لو أعادها وقعت له نافلةً، وكأن هذا مستثنًى من قولهم: إن الصلاة إذا لم تكن مطلوبةً لا تنعقد. أما لو صلى عليها من لم يصل أولًا فإنها تقع له فرضًا] اهـ.

ثم قال بعد ذلك (2/ 51): [(وإذا صلي عليه) أي الميت (فحضر من) أي شخص (لم يصل) عليه (صلى) عليه ندبًا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم «صلى على قبور جماعة»، ومعلوم أنهم إنما دفنوا بعد الصلاة عليهم، وتقع هذه الصلاة فرضًا كالأولى، سواء أكانت قبل الدفن أم بعده، فينوي بها الفرض كما في المجموع عن المتولي ويثاب ثوابه. (ومن صلى) على ميت منفردًا أو في جماعة (لا يعيد)ها؛ أي لا يسن له إعادتها (على الصحيح)؛ لأن الجنازة لا يتنفل بها، والثانية تقع نفلًا، نعم فاقد الطهورين إذا صلى ثم وجد ماءً يتطهر به، فإنه يعيد كما أفتى به القفال، والثاني يسن إعادتها في جماعة، سواء أصلى منفردًا أم في جماعة كغيرها من الصلوات. والثالث: إن صلى منفردًا ثم وجد جماعةً سن له الإعادة معهم لحيازة فضيلتها وإلا فلا. والرابع: تكره إعادتها. والخامس: تحرم] اهـ.

وقال العلامة ابن قدامة في "المغني" (2/ 382، ط. مكتبة القاهرة): [ومن صلى مرة فلا يسن له إعادة الصلاة عليها... فأما من أدرك الجنازة ممن لم يصل، فله أن يصلي عليها، فعل ذلك علي، وأنس، وسلمان بن ربيعة، وأبو حمزة ومعمر بن سمير] اهـ.

وقال الإمام الدردير في "الشرح الصغير" مع "حاشية الصاوي" (1/ 569، ط. دار المعارف): [(و) كره (تكرارها) أي الصلاة على الميت (إن أديت) أولًا جماعة، (وإلا) تؤدَّ جماعة بأن صلى عليها فذ (أعيدت) ندبًا (جماعة) لا أفذاذًا، فالصور أربع تكره الإعادة في ثلاث، وتندب في واحدة] اهـ.

ومما سبق: يعلم كراهة تكرار صلاة الجنازة على الميت، إلا لحاجة معتبرة شرعًا؛ كصلاة من فاتته الجنازة خاصة إن كان وليًّا للميت، أو صلاة من ترجى بركته من أهل الفضل والصلاح.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 01 مايو 2025 م
الفجر
4 :37
الشروق
6 :12
الظهر
12 : 52
العصر
4:29
المغرب
7 : 33
العشاء
8 :57