تغسيل الزوجة زوجها

ما حكم تغسيل الزوجة زوجها؟

مادة: (غ س ل) تدل في اللغة على تطهير الشيء وتنقيته، والتغسيل: المبالغة في غسل الأعضاء. انظر: مادة (غ س ل) في "معجم مقاييس اللغة" للعلامة ابن فارس (4/ 424، ط. دار الفكر)، و"تاج العروس" للعلامة الزبيدي (30/ 102، ط. دار الهداية).

والغسل شرعًا: هو سيلان الماء على جميع البدن مع النية. "مغني المحتاج" للعلامة الخطيب الشربيني (1/ 212، ط. دار الكتب العلمية).

وتغسيل الميت ودفنه فرضًا كفايةً إذا قام بهما البعض سقط عن الباقين؛ قال الإمام الدردير في "الشرح الكبير لمختصر خليل" (1/ 407، ط. عيسى الحلبي): [والصلاة عليه فرض كفاية، كدفنه وكفنه] اهـ بتصرف.

وروى البخاري من حديث أم عطية نسيبة الأنصارية رضي الله عنها أنها قالت: توفيت إحدى بنات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فخرج فقال: «اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ، بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كَافُورًا، أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ».

وروى أبو داود عن الحصين بن وحوح رضي الله عنه: أن طلحة بن البراء رضي الله عنه مرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعوده، فقال: «إِنِّى لَا أَرَى طَلْحَةَ إِلَّا قَدْ حَدَثَ فِيهِ الْمَوْتُ، فَآذِنُونِي بِهِ وَعَجِّلُوا فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِجِيفَةِ مُسْلِمٍ أَنْ تُحْبَسَ بَيْنَ ظَهْرَانَي أَهْلِهِ».

والأصل أن لا يغسل الرجل إلا الرجل، قال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (2/ 103، ط. المكتب الإسلامي): [الأصل أن يغسل الرجالُ الرجالَ، والنساءُ النساءَ، والنساء أولى بغسل المرأة بكل حال] اهـ.

ولكنه يجوز للزوجة أن تغسل زوجها باتفاق الفقهاء، بل وقدمت الزوجة على غيرها عند المالكية، روى أبو داود وابن حبان والحاكم عن عائشة رضي الله عنها قالت: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله غير نسائه.

قال العلامة ابن عابدين في "حاشية ابن عابدين" (1/ 576، ط. إحياء التراث): [ولا تمنع الزوجة من تغسيل زوجها، دخل بها أو لا، كما في "المعراج" ومثله في "البحر" عن المجتبى، قلت: لأنها تلزمها عدة الوفاة ولو لم يدخل بها، وفي "البدائع": المرأة تغسل زوجها؛ لأن إباحة الغسل مستفادة بالنكاح، فتبقى ما بقي النكاح، والنكاح بعد الموت باق إلى أن تنقضي العدة] اهـ.

قال شيخ الإسلام الشيخ زكريا الأنصاري في "شرح منهج الطلاب" (2/ 150، ط. دار الفكر): [ولزوجة غير رجعية غسل زوجها...؛ لأن الزوجية لا تنقطع حقوقها بالموت بدليل التوارث، وقد قال صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: «لَوْ مِتِّ قَبْلِي لغَسَّلْتُكِ وَكَفَّنْتُكِ» رواه ابن ماجه وغيره، وقالت عائشة رضي الله عنها: "لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت مَا غَسَّلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا نِسَاؤُهُ" رواه أبو داود والحاكم] اهـ.

قال العلامة ابن قدامة في "المغني" (2/ 390، ط. مكتبة القاهرة): [وتغسل المرأة زوجها، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن المرأة تغسل زوجها إذا مات، قالت عائشة رضي الله عنها: " لَوْ اسْتَقْبَلْنا مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْنا مَا غَسَّلَ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا نِسَاؤُهُ". رواه أبو داود. وأوصى أبو بكر رضي الله عنه أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس رضي الله عنها، وكانت صائمة، فعزم عليها أن تفطر، فلما فرغت من غسله ذكرت يمينه، فقالت: لا أتبعه اليوم حنثًا، فدعت بماء فشربت، وغسل أبا موسى امرأته أمّ عبد الله، وأوصى جابر بن زيد: أن تغسله امرأته، قال أحمد: ليس فيه اختلاف بين الناس، ثم قال: والمعنى فيه أن كل واحد من الزوجين يسهل عليه إطلاع الآخر على عورته دون غيره؛ لما كان بينهما في الحياة، ويأتي بالغسل على أكمل ما يمكنه، لما بينهما من المودة والرحمة] اهـ. بتصرف.

قال العلامة الخرشي في "شرح الخرشي على مختصر خليل" (2/ 114، ط. دار الفكر): [وقدم الزوجان إن صح النكاح إلا أن يفوت فاسده بالقضاء، يعني أن كل واحد من الزوج أو الزوجة إذا مات الآخر يقدم في غسله على سائر الأولياء، ويقضى له إذا نازعه الأولياء؛ لأن من ثبت له حق فالأصل أن يقضى له به، هذا إن صح النكاح بينهما حصل بِنَاءٌ أَمْ لَا] اهـ.

قال العلامة النفراوي المالكي في "الفواكه الدواني شرح الرسالة" (1/ 287، ط. دار الفكر): [نص صاحب الرسالة كخليل، على تقديم أحد الزوجين في تغسيل صاحبه] اهـ.

وعليه: فيجوز للزوجة تغسيل زوجها باتفاق الفقهاء.

والله سبحانه تعالى أعلم.

التفاصيل ....

مادة: (غ س ل) تدل في اللغة على تطهير الشيء وتنقيته، والتغسيل: المبالغة في غسل الأعضاء. انظر: مادة (غ س ل) في "معجم مقاييس اللغة" للعلامة ابن فارس (4/ 424، ط. دار الفكر)، و"تاج العروس" للعلامة الزبيدي (30/ 102، ط. دار الهداية).

والغسل شرعًا: هو سيلان الماء على جميع البدن مع النية. "مغني المحتاج" للعلامة الخطيب الشربيني (1/ 212، ط. دار الكتب العلمية).

وتغسيل الميت ودفنه فرضًا كفايةً إذا قام بهما البعض سقط عن الباقين؛ قال الإمام الدردير في "الشرح الكبير لمختصر خليل" (1/ 407، ط. عيسى الحلبي): [والصلاة عليه فرض كفاية، كدفنه وكفنه] اهـ بتصرف.

وروى البخاري من حديث أم عطية نسيبة الأنصارية رضي الله عنها أنها قالت: توفيت إحدى بنات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فخرج فقال: «اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ، بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كَافُورًا، أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ».

وروى أبو داود عن الحصين بن وحوح رضي الله عنه: أن طلحة بن البراء رضي الله عنه مرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعوده، فقال: «إِنِّى لَا أَرَى طَلْحَةَ إِلَّا قَدْ حَدَثَ فِيهِ الْمَوْتُ، فَآذِنُونِي بِهِ وَعَجِّلُوا فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِجِيفَةِ مُسْلِمٍ أَنْ تُحْبَسَ بَيْنَ ظَهْرَانَي أَهْلِهِ».

والأصل أن لا يغسل الرجل إلا الرجل، قال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (2/ 103، ط. المكتب الإسلامي): [الأصل أن يغسل الرجالُ الرجالَ، والنساءُ النساءَ، والنساء أولى بغسل المرأة بكل حال] اهـ.

ولكنه يجوز للزوجة أن تغسل زوجها باتفاق الفقهاء، بل وقدمت الزوجة على غيرها عند المالكية، روى أبو داود وابن حبان والحاكم عن عائشة رضي الله عنها قالت: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله غير نسائه.

قال العلامة ابن عابدين في "حاشية ابن عابدين" (1/ 576، ط. إحياء التراث): [ولا تمنع الزوجة من تغسيل زوجها، دخل بها أو لا، كما في "المعراج" ومثله في "البحر" عن المجتبى، قلت: لأنها تلزمها عدة الوفاة ولو لم يدخل بها، وفي "البدائع": المرأة تغسل زوجها؛ لأن إباحة الغسل مستفادة بالنكاح، فتبقى ما بقي النكاح، والنكاح بعد الموت باق إلى أن تنقضي العدة] اهـ.

قال شيخ الإسلام الشيخ زكريا الأنصاري في "شرح منهج الطلاب" (2/ 150، ط. دار الفكر): [ولزوجة غير رجعية غسل زوجها...؛ لأن الزوجية لا تنقطع حقوقها بالموت بدليل التوارث، وقد قال صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: «لَوْ مِتِّ قَبْلِي لغَسَّلْتُكِ وَكَفَّنْتُكِ» رواه ابن ماجه وغيره، وقالت عائشة رضي الله عنها: "لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت مَا غَسَّلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا نِسَاؤُهُ" رواه أبو داود والحاكم] اهـ.

قال العلامة ابن قدامة في "المغني" (2/ 390، ط. مكتبة القاهرة): [وتغسل المرأة زوجها، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن المرأة تغسل زوجها إذا مات، قالت عائشة رضي الله عنها: " لَوْ اسْتَقْبَلْنا مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْنا مَا غَسَّلَ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا نِسَاؤُهُ". رواه أبو داود. وأوصى أبو بكر رضي الله عنه أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس رضي الله عنها، وكانت صائمة، فعزم عليها أن تفطر، فلما فرغت من غسله ذكرت يمينه، فقالت: لا أتبعه اليوم حنثًا، فدعت بماء فشربت، وغسل أبا موسى امرأته أمّ عبد الله، وأوصى جابر بن زيد: أن تغسله امرأته، قال أحمد: ليس فيه اختلاف بين الناس، ثم قال: والمعنى فيه أن كل واحد من الزوجين يسهل عليه إطلاع الآخر على عورته دون غيره؛ لما كان بينهما في الحياة، ويأتي بالغسل على أكمل ما يمكنه، لما بينهما من المودة والرحمة] اهـ. بتصرف.

قال العلامة الخرشي في "شرح الخرشي على مختصر خليل" (2/ 114، ط. دار الفكر): [وقدم الزوجان إن صح النكاح إلا أن يفوت فاسده بالقضاء، يعني أن كل واحد من الزوج أو الزوجة إذا مات الآخر يقدم في غسله على سائر الأولياء، ويقضى له إذا نازعه الأولياء؛ لأن من ثبت له حق فالأصل أن يقضى له به، هذا إن صح النكاح بينهما حصل بِنَاءٌ أَمْ لَا] اهـ.

قال العلامة النفراوي المالكي في "الفواكه الدواني شرح الرسالة" (1/ 287، ط. دار الفكر): [نص صاحب الرسالة كخليل، على تقديم أحد الزوجين في تغسيل صاحبه] اهـ.

وعليه: فيجوز للزوجة تغسيل زوجها باتفاق الفقهاء.

والله سبحانه تعالى أعلم.

اقرأ أيضا

تغسيل الزوجة زوجها

ما حكم تغسيل الزوجة زوجها؟

مادة: (غ س ل) تدل في اللغة على تطهير الشيء وتنقيته، والتغسيل: المبالغة في غسل الأعضاء. انظر: مادة (غ س ل) في "معجم مقاييس اللغة" للعلامة ابن فارس (4/ 424، ط. دار الفكر)، و"تاج العروس" للعلامة الزبيدي (30/ 102، ط. دار الهداية).

والغسل شرعًا: هو سيلان الماء على جميع البدن مع النية. "مغني المحتاج" للعلامة الخطيب الشربيني (1/ 212، ط. دار الكتب العلمية).

وتغسيل الميت ودفنه فرضًا كفايةً إذا قام بهما البعض سقط عن الباقين؛ قال الإمام الدردير في "الشرح الكبير لمختصر خليل" (1/ 407، ط. عيسى الحلبي): [والصلاة عليه فرض كفاية، كدفنه وكفنه] اهـ بتصرف.

وروى البخاري من حديث أم عطية نسيبة الأنصارية رضي الله عنها أنها قالت: توفيت إحدى بنات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فخرج فقال: «اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ، بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كَافُورًا، أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ».

وروى أبو داود عن الحصين بن وحوح رضي الله عنه: أن طلحة بن البراء رضي الله عنه مرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعوده، فقال: «إِنِّى لَا أَرَى طَلْحَةَ إِلَّا قَدْ حَدَثَ فِيهِ الْمَوْتُ، فَآذِنُونِي بِهِ وَعَجِّلُوا فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِجِيفَةِ مُسْلِمٍ أَنْ تُحْبَسَ بَيْنَ ظَهْرَانَي أَهْلِهِ».

والأصل أن لا يغسل الرجل إلا الرجل، قال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (2/ 103، ط. المكتب الإسلامي): [الأصل أن يغسل الرجالُ الرجالَ، والنساءُ النساءَ، والنساء أولى بغسل المرأة بكل حال] اهـ.

ولكنه يجوز للزوجة أن تغسل زوجها باتفاق الفقهاء، بل وقدمت الزوجة على غيرها عند المالكية، روى أبو داود وابن حبان والحاكم عن عائشة رضي الله عنها قالت: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله غير نسائه.

قال العلامة ابن عابدين في "حاشية ابن عابدين" (1/ 576، ط. إحياء التراث): [ولا تمنع الزوجة من تغسيل زوجها، دخل بها أو لا، كما في "المعراج" ومثله في "البحر" عن المجتبى، قلت: لأنها تلزمها عدة الوفاة ولو لم يدخل بها، وفي "البدائع": المرأة تغسل زوجها؛ لأن إباحة الغسل مستفادة بالنكاح، فتبقى ما بقي النكاح، والنكاح بعد الموت باق إلى أن تنقضي العدة] اهـ.

قال شيخ الإسلام الشيخ زكريا الأنصاري في "شرح منهج الطلاب" (2/ 150، ط. دار الفكر): [ولزوجة غير رجعية غسل زوجها...؛ لأن الزوجية لا تنقطع حقوقها بالموت بدليل التوارث، وقد قال صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: «لَوْ مِتِّ قَبْلِي لغَسَّلْتُكِ وَكَفَّنْتُكِ» رواه ابن ماجه وغيره، وقالت عائشة رضي الله عنها: "لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت مَا غَسَّلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا نِسَاؤُهُ" رواه أبو داود والحاكم] اهـ.

قال العلامة ابن قدامة في "المغني" (2/ 390، ط. مكتبة القاهرة): [وتغسل المرأة زوجها، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن المرأة تغسل زوجها إذا مات، قالت عائشة رضي الله عنها: " لَوْ اسْتَقْبَلْنا مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْنا مَا غَسَّلَ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا نِسَاؤُهُ". رواه أبو داود. وأوصى أبو بكر رضي الله عنه أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس رضي الله عنها، وكانت صائمة، فعزم عليها أن تفطر، فلما فرغت من غسله ذكرت يمينه، فقالت: لا أتبعه اليوم حنثًا، فدعت بماء فشربت، وغسل أبا موسى امرأته أمّ عبد الله، وأوصى جابر بن زيد: أن تغسله امرأته، قال أحمد: ليس فيه اختلاف بين الناس، ثم قال: والمعنى فيه أن كل واحد من الزوجين يسهل عليه إطلاع الآخر على عورته دون غيره؛ لما كان بينهما في الحياة، ويأتي بالغسل على أكمل ما يمكنه، لما بينهما من المودة والرحمة] اهـ. بتصرف.

قال العلامة الخرشي في "شرح الخرشي على مختصر خليل" (2/ 114، ط. دار الفكر): [وقدم الزوجان إن صح النكاح إلا أن يفوت فاسده بالقضاء، يعني أن كل واحد من الزوج أو الزوجة إذا مات الآخر يقدم في غسله على سائر الأولياء، ويقضى له إذا نازعه الأولياء؛ لأن من ثبت له حق فالأصل أن يقضى له به، هذا إن صح النكاح بينهما حصل بِنَاءٌ أَمْ لَا] اهـ.

قال العلامة النفراوي المالكي في "الفواكه الدواني شرح الرسالة" (1/ 287، ط. دار الفكر): [نص صاحب الرسالة كخليل، على تقديم أحد الزوجين في تغسيل صاحبه] اهـ.

وعليه: فيجوز للزوجة تغسيل زوجها باتفاق الفقهاء.

والله سبحانه تعالى أعلم.

التفاصيل ....

مادة: (غ س ل) تدل في اللغة على تطهير الشيء وتنقيته، والتغسيل: المبالغة في غسل الأعضاء. انظر: مادة (غ س ل) في "معجم مقاييس اللغة" للعلامة ابن فارس (4/ 424، ط. دار الفكر)، و"تاج العروس" للعلامة الزبيدي (30/ 102، ط. دار الهداية).

والغسل شرعًا: هو سيلان الماء على جميع البدن مع النية. "مغني المحتاج" للعلامة الخطيب الشربيني (1/ 212، ط. دار الكتب العلمية).

وتغسيل الميت ودفنه فرضًا كفايةً إذا قام بهما البعض سقط عن الباقين؛ قال الإمام الدردير في "الشرح الكبير لمختصر خليل" (1/ 407، ط. عيسى الحلبي): [والصلاة عليه فرض كفاية، كدفنه وكفنه] اهـ بتصرف.

وروى البخاري من حديث أم عطية نسيبة الأنصارية رضي الله عنها أنها قالت: توفيت إحدى بنات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فخرج فقال: «اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ، بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كَافُورًا، أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ».

وروى أبو داود عن الحصين بن وحوح رضي الله عنه: أن طلحة بن البراء رضي الله عنه مرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعوده، فقال: «إِنِّى لَا أَرَى طَلْحَةَ إِلَّا قَدْ حَدَثَ فِيهِ الْمَوْتُ، فَآذِنُونِي بِهِ وَعَجِّلُوا فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِجِيفَةِ مُسْلِمٍ أَنْ تُحْبَسَ بَيْنَ ظَهْرَانَي أَهْلِهِ».

والأصل أن لا يغسل الرجل إلا الرجل، قال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (2/ 103، ط. المكتب الإسلامي): [الأصل أن يغسل الرجالُ الرجالَ، والنساءُ النساءَ، والنساء أولى بغسل المرأة بكل حال] اهـ.

ولكنه يجوز للزوجة أن تغسل زوجها باتفاق الفقهاء، بل وقدمت الزوجة على غيرها عند المالكية، روى أبو داود وابن حبان والحاكم عن عائشة رضي الله عنها قالت: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله غير نسائه.

قال العلامة ابن عابدين في "حاشية ابن عابدين" (1/ 576، ط. إحياء التراث): [ولا تمنع الزوجة من تغسيل زوجها، دخل بها أو لا، كما في "المعراج" ومثله في "البحر" عن المجتبى، قلت: لأنها تلزمها عدة الوفاة ولو لم يدخل بها، وفي "البدائع": المرأة تغسل زوجها؛ لأن إباحة الغسل مستفادة بالنكاح، فتبقى ما بقي النكاح، والنكاح بعد الموت باق إلى أن تنقضي العدة] اهـ.

قال شيخ الإسلام الشيخ زكريا الأنصاري في "شرح منهج الطلاب" (2/ 150، ط. دار الفكر): [ولزوجة غير رجعية غسل زوجها...؛ لأن الزوجية لا تنقطع حقوقها بالموت بدليل التوارث، وقد قال صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: «لَوْ مِتِّ قَبْلِي لغَسَّلْتُكِ وَكَفَّنْتُكِ» رواه ابن ماجه وغيره، وقالت عائشة رضي الله عنها: "لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت مَا غَسَّلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا نِسَاؤُهُ" رواه أبو داود والحاكم] اهـ.

قال العلامة ابن قدامة في "المغني" (2/ 390، ط. مكتبة القاهرة): [وتغسل المرأة زوجها، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن المرأة تغسل زوجها إذا مات، قالت عائشة رضي الله عنها: " لَوْ اسْتَقْبَلْنا مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْنا مَا غَسَّلَ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا نِسَاؤُهُ". رواه أبو داود. وأوصى أبو بكر رضي الله عنه أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس رضي الله عنها، وكانت صائمة، فعزم عليها أن تفطر، فلما فرغت من غسله ذكرت يمينه، فقالت: لا أتبعه اليوم حنثًا، فدعت بماء فشربت، وغسل أبا موسى امرأته أمّ عبد الله، وأوصى جابر بن زيد: أن تغسله امرأته، قال أحمد: ليس فيه اختلاف بين الناس، ثم قال: والمعنى فيه أن كل واحد من الزوجين يسهل عليه إطلاع الآخر على عورته دون غيره؛ لما كان بينهما في الحياة، ويأتي بالغسل على أكمل ما يمكنه، لما بينهما من المودة والرحمة] اهـ. بتصرف.

قال العلامة الخرشي في "شرح الخرشي على مختصر خليل" (2/ 114، ط. دار الفكر): [وقدم الزوجان إن صح النكاح إلا أن يفوت فاسده بالقضاء، يعني أن كل واحد من الزوج أو الزوجة إذا مات الآخر يقدم في غسله على سائر الأولياء، ويقضى له إذا نازعه الأولياء؛ لأن من ثبت له حق فالأصل أن يقضى له به، هذا إن صح النكاح بينهما حصل بِنَاءٌ أَمْ لَا] اهـ.

قال العلامة النفراوي المالكي في "الفواكه الدواني شرح الرسالة" (1/ 287، ط. دار الفكر): [نص صاحب الرسالة كخليل، على تقديم أحد الزوجين في تغسيل صاحبه] اهـ.

وعليه: فيجوز للزوجة تغسيل زوجها باتفاق الفقهاء.

والله سبحانه تعالى أعلم.

اقرأ أيضا
;