تغسيل الرجل زوجته

هل يجوز للرجل تغسيل زوجته؟

التغسيل في اللغة: مصدر غَسَّل بالتشديد، بمعنى: إزالة الوسخ عن الشيء، بإجراء الماء عليه، وفي الاصطلاح: تعميم بدن الميت بالماء بطريقة مسنونة، والدفن في اللغة: بمعنى المواراة والستر، يقال: دفن الميت: واراه، ودفن سره: أي كتمه. انظر: "لسان العرب" (17/ 1397، مادة: دفن، ط. دار المعارف).

وفي الاصطلاح: مواراة الميت في التراب. انظر: "الشرح الكبير" للعلامة الدردير (1/ 407، ط. عيسى الحلبي).

وتغسيل الميت ودفنه فَرْضَا كفايةٍ إذا قام بهما البعض سَقَطَا عن الباقين؛ قال العلامة الدردير: والصلاة عليه فرض كفاية؛ كدفنه وكفنه. انظر: "الشرح الكبير لمختصر خليل" (1/ 407، ط. عيسى الحلبي).

وروى البخاري من حديث أم عطية نسيبة الأنصارية رضي الله عنها أنها قالت: توفيت إحدى بنات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فخرج فقال: «اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ، بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كَافُورًا، أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ».

وروى أبو داود عن الحصين بن وحوح رضي الله عنه: أن طلحة بن البراء رضي الله عنه مرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعوده، فقال: «إِنِّي لَا أَرَى طَلْحَةَ إِلَّا قَدْ حَدَثَ فِيهِ الْمَوْتُ فَآذِنُونِي بِهِ وَعَجِّلُوا فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِجِيفَةِ مُسْلِمٍ أَنْ تُحْبَسَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِهِ».

ولا يغسل المرأة إلا المرأة؛ لأن الله حرم النظر إلى عورة المرأة وحرم مسها؛ قال تعالى: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾ [النور:30]، وروى الإمام السيوطي في "الجامع الصغير" عن معقل بن يسار المزني رضي الله عنه: «لأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لاَ تَحِلُّ لَهُ».

قال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (2/ 103، ط. المكتب الإسلامي): [الأصل أن يغسل الرجالُ الرجالَ، والنساءُ النساءَ، والنساء أولى بغسل المرأة بكل حال] اهـ.

ويجوز للزوج أن يغسل زوجته ولو لم يدخل بها؛ روى ابن ماجه أن رسول الله صلى الله عيه وآله وسلم قال لعائشة رضي الله عنها: «مَا ضَرَّكِ لَوْ مِتِّ قَبْلِي فَقُمْتُ عَلَيْكِ فَغَسَّلْتُكِ وَكَفَّنْتُكِ، وَصَلَّيْتُ عَلَيْكِ وَدَفَنْتُكِ»، فأضاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم الفعل إليه وهذا يدل على جواز المباشرة.

وروى ابن المنذر: أن عليًّا كرم الله وجهه غسَّل فاطمة رضي الله عنها، وأجمع الصحابة على جواز ذلك.

قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري: ولزوجة غسل زوجها؛ لأن الزوجية لا تنقطع حقوقها بالموت بدليل التوارث. انظر: "شرح منهج الطلاب" لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري (2/ 150، ط. دار الفكر).

قال العلامة ابن قدامة: والمشهور عن أحمد أن للزوج غسل امرأته، وهو قول علقمة، وعبد الرحمن بن يزيد بن الأسود، وجابر بن زيد، وسليمان بن يسار، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وقتادة، وحماد، ومالك، والأوزاعي، والشافعي، وإسحاق؛ ولأنه أحد الزوجين، فأبيح له غسل صاحبه كالآخر، والمعنى فيه أن كل واحد من الزوجين يسهل عليه إطلاع الآخر على عورته دون غيره، لما كان بينهما في الحياة، ويأتي بالغسل على أكمل ما يمكنه، لما بينهما من المودة والرحمة. انظر: "المغني" (2/ 390 بتصرف، ط. مكتبة القاهرة).

قال العلامة الخرشي في "شرحه لمختصر خليل" (2/ 114، ط. دار الفكر): [وقدم الزوجان إن صح النكاح إلا أن يفوت فاسده بالقضاء، يعني أن كل واحد من الزوج أو الزوجة إذا مات الآخر يقدم في غسله على سائر الأولياء، ويقضى له إذا نازعه الأولياء؛ لأن من ثبت له حق فالأصل أن يقضى له به، هذا إن صح النكاح بينهما حصل بناء أم لا] اهـ.

فإن لم يوجد نساء يغسلنها، ولا زوج، فيغسلها الرجل المحرم؛ لأنه يجوز النظر إليها، ويجوز مسها في حال الحياة، وبالموت لا ينقطع هذا الجواز، بشرط أن لا يباشر جسدها، بل يضع خرقة كثيفة يلفها على يده، ويغسلها من تحت ثوب ليمنع النظر.

قال العلامة الخرشي: ثم يغسلها المحرم من أهلها الرجال من تحت ثوب؛ ليمنع النظر، ويلف خرقة على يديه غليظة، ولا يباشرها بيده. انظر: "شرح مختصر خليل" (2/ 117، ط دار الفكر).

قال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (2/ 103، ط. المكتب الإسلامي): [وظاهر كلام الغزالي تجويز الغسل للرجال المحارم مع وجود النساء، ولكن عامة الشافعية يقولون المحارم بعد النساء أولى] اهـ.

فإن لم يوجد نساء، ولا زوج، ولا محرم، فلييمها رجل أجنبي بأن ييمم كفيها فقط ووجهها، ويدل على هذا ما رواه البيهقي في "السنن الكبرى" عن مكحول أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا مَاتَتِ الْمَرْأَةُ مَعَ الرِّجَالِ لَيْسَ مَعَهُمُ امْرَأَةٌ غَيْرُهَا، وَالرَّجُلُ مَعَ النِّسَاءِ لَيْسَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ غَيْرُهُ، فَإِنَّهُمَا يُتَيَمَّمَانِ وَيُدْفَنَانِ، وَهُمَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا يَجِدُ الْمَاءَ»، ولأن غسل الميت مأمور به، والتيمم عوض عن الغسل، ومواضع التيمم ليست بعورة. انظر: "بداية المجتهد" لابن رشد (1/ 241، ط. دار الحديث).

قال العلامة الدردير في "الشرح الصغير" (1/ 545، ط. دار المعارف): [ثم إذا لم يوجد محرم يممت الميتة لكوعيها لا لمرفقيها] اهـ.

وقال العلامة ابن قدامة في "المغني" (2/ 391، ط. مكتبة القاهرة): [فأما إن مات رجل بين نسوة أجانب، أو امرأة بين رجال أجانب، أو مات خنثى مشكل، فإنه ييمم، وهذا قول سعيد بن المسيب، والنخعي، وحماد، ومالك وأصحاب الرأي وابن المنذر؛ لما روى تمام الرازي في فوائده بإسناده عن مكحول عن واثلة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إذَا مَاتَت الْمَرْأَةُ مَعَ الرِّجَالِ، لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمْ مَحْرَمٌ، تُيَمَّمُ كَمَا يُيَمَّمُ الرِّجَالُ»، ولأن الغسل من غير مس لا يحصل به التنظيف، ولا إزالة النجاسة، بل ربما كثرت ولا يسلم من النظر، فكان العدول إلى التيمم أولى، كما لو عدم الماء] اهـ.

وأما من يدفنها ويحملها في دفنها وينزلها إلى القبر محارمها الرجال الأقرب فالأقرب، وزوجها، وهم الذين كان يحل لهم النظر إليها في حياتها ولها السفر معهم؛ لما روى الخلال بإسناده عن عمر رضي الله عنه: أنه قام عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفيت زينب بنت جحش رضي الله عنها، فقال: "ألا إني أرسلت إلى النسوة من يدخلها قبرها، فأرسلن: من كان يحل له الدخول عليها في حياتها، فرأيت أن قد صدقن". انظر "المغني" لابن قدامة (2/ 383، ط. دار الكتاب العربي).

ولأن امرأة عمر رضي الله تعالى عنهما لما توفيت قال لأهلها: أنتم أحق بها؛ ولأنهم أولى الناس بولايتها حال الحياة، فكذا بعد الموت، ثم زوجها؛ لأنه أشبه بمحرمها من النسب من الأجانب، ولو لم يكن فيهم ذو رحم فلا بأس للأجانب وضعها في قبرها، ولا يحتاج إلى إحضار النساء للدفن؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي رواه البخاري من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أنه حين ماتت ابنته أمر أبا طلحة، فنزل في قبر ابنته، وهو أجنبي. ينظر "المغني" للعلامة ابن قدامة (2/ 383، ط. دار الكتاب العربي).

قال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (2/ 133، ط. المكتب الإسلامي): [السنة أن يوضع الميت عند أسفل القبر، بحيث يكون رأسه عند رجل القبر، ثم يسل من جهة رأسه سلًّا رفيقًا، ولا يدخل القبر إلا الرجال متى وجدوا، رجلًا كان الميت أو امرأة، وأولاهم بالدفن أولاهم بالصلاة، إلا أن الزوج أحق بدفن زوجته، ثم بعده المحارم، الأب، ثم الجد، ثم الابن، ثم ابن الابن ثم الأخ، ثم ابن الأخ، ثم العم، فإن لم يكن أحد منهم، فذوو الأرحام الذين لا محرمية لهم، فإن لم يكونوا، فأهل الصلاح من الأجانب] اهـ.

وقال العلامة النفراوي المالكي في "الفواكه الدواني شرح الرسالة" (1/ 287، ط. دار الفكر): [نص صاحب "الرسالة" كخليل، على تقديم أحد الزوجين في تغسيل صاحبه وسكتا عما لو طلب الحي إنزال صاحبه القبر وبينه غيرهما فقال: إن كان الحي الزوج فإنه يقدم في إنزال زوجته قبرها على أوليائها بالقضاء، وأما الزوجة فلا تقدم في إنزال زوجها بل الحق لأوليائه، قال ابن عرفة: والزوج أحق بإدخال زوجته قبرها، فإن لم يكن فأقرب محارمها، فإن لم يكونوا فقيل النساء، وقيل أهل الفضل] اهـ.

وعليه: فالأولى أن يغسل المرأةَ امرأةٌ مثلها، ويجوز تغسيل الرجل زوجته، فإن لم يوجد فمحرمها من الرجال، ولا يباشر جسدها، بل يلف عليها عازل نحو خرقة، ولا ينظر إليها، بل يغسلها من تحت ثوب ساتر لبدنها، وإذا كان أجنبيًّا عنها ولم يجد من يغسلها فلييممها بمسح وجهها وكفيها بالتراب الطاهر، ويدفن المرأة محارمها من الرجال وزوجها، وهو الأولى منهم، فإن لم يوجد زوج أو محارم فأهل الصلاح والفضل.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

التفاصيل ....

التغسيل في اللغة: مصدر غَسَّل بالتشديد، بمعنى: إزالة الوسخ عن الشيء، بإجراء الماء عليه، وفي الاصطلاح: تعميم بدن الميت بالماء بطريقة مسنونة، والدفن في اللغة: بمعنى المواراة والستر، يقال: دفن الميت: واراه، ودفن سره: أي كتمه. انظر: "لسان العرب" (17/ 1397، مادة: دفن، ط. دار المعارف).

وفي الاصطلاح: مواراة الميت في التراب. انظر: "الشرح الكبير" للعلامة الدردير (1/ 407، ط. عيسى الحلبي).

وتغسيل الميت ودفنه فَرْضَا كفايةٍ إذا قام بهما البعض سَقَطَا عن الباقين؛ قال العلامة الدردير: والصلاة عليه فرض كفاية؛ كدفنه وكفنه. انظر: "الشرح الكبير لمختصر خليل" (1/ 407، ط. عيسى الحلبي).

وروى البخاري من حديث أم عطية نسيبة الأنصارية رضي الله عنها أنها قالت: توفيت إحدى بنات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فخرج فقال: «اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ، بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كَافُورًا، أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ».

وروى أبو داود عن الحصين بن وحوح رضي الله عنه: أن طلحة بن البراء رضي الله عنه مرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعوده، فقال: «إِنِّي لَا أَرَى طَلْحَةَ إِلَّا قَدْ حَدَثَ فِيهِ الْمَوْتُ فَآذِنُونِي بِهِ وَعَجِّلُوا فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِجِيفَةِ مُسْلِمٍ أَنْ تُحْبَسَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِهِ».

ولا يغسل المرأة إلا المرأة؛ لأن الله حرم النظر إلى عورة المرأة وحرم مسها؛ قال تعالى: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾ [النور:30]، وروى الإمام السيوطي في "الجامع الصغير" عن معقل بن يسار المزني رضي الله عنه: «لأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لاَ تَحِلُّ لَهُ».

قال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (2/ 103، ط. المكتب الإسلامي): [الأصل أن يغسل الرجالُ الرجالَ، والنساءُ النساءَ، والنساء أولى بغسل المرأة بكل حال] اهـ.

ويجوز للزوج أن يغسل زوجته ولو لم يدخل بها؛ روى ابن ماجه أن رسول الله صلى الله عيه وآله وسلم قال لعائشة رضي الله عنها: «مَا ضَرَّكِ لَوْ مِتِّ قَبْلِي فَقُمْتُ عَلَيْكِ فَغَسَّلْتُكِ وَكَفَّنْتُكِ، وَصَلَّيْتُ عَلَيْكِ وَدَفَنْتُكِ»، فأضاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم الفعل إليه وهذا يدل على جواز المباشرة.

وروى ابن المنذر: أن عليًّا كرم الله وجهه غسَّل فاطمة رضي الله عنها، وأجمع الصحابة على جواز ذلك.

قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري: ولزوجة غسل زوجها؛ لأن الزوجية لا تنقطع حقوقها بالموت بدليل التوارث. انظر: "شرح منهج الطلاب" لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري (2/ 150، ط. دار الفكر).

قال العلامة ابن قدامة: والمشهور عن أحمد أن للزوج غسل امرأته، وهو قول علقمة، وعبد الرحمن بن يزيد بن الأسود، وجابر بن زيد، وسليمان بن يسار، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وقتادة، وحماد، ومالك، والأوزاعي، والشافعي، وإسحاق؛ ولأنه أحد الزوجين، فأبيح له غسل صاحبه كالآخر، والمعنى فيه أن كل واحد من الزوجين يسهل عليه إطلاع الآخر على عورته دون غيره، لما كان بينهما في الحياة، ويأتي بالغسل على أكمل ما يمكنه، لما بينهما من المودة والرحمة. انظر: "المغني" (2/ 390 بتصرف، ط. مكتبة القاهرة).

قال العلامة الخرشي في "شرحه لمختصر خليل" (2/ 114، ط. دار الفكر): [وقدم الزوجان إن صح النكاح إلا أن يفوت فاسده بالقضاء، يعني أن كل واحد من الزوج أو الزوجة إذا مات الآخر يقدم في غسله على سائر الأولياء، ويقضى له إذا نازعه الأولياء؛ لأن من ثبت له حق فالأصل أن يقضى له به، هذا إن صح النكاح بينهما حصل بناء أم لا] اهـ.

فإن لم يوجد نساء يغسلنها، ولا زوج، فيغسلها الرجل المحرم؛ لأنه يجوز النظر إليها، ويجوز مسها في حال الحياة، وبالموت لا ينقطع هذا الجواز، بشرط أن لا يباشر جسدها، بل يضع خرقة كثيفة يلفها على يده، ويغسلها من تحت ثوب ليمنع النظر.

قال العلامة الخرشي: ثم يغسلها المحرم من أهلها الرجال من تحت ثوب؛ ليمنع النظر، ويلف خرقة على يديه غليظة، ولا يباشرها بيده. انظر: "شرح مختصر خليل" (2/ 117، ط دار الفكر).

قال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (2/ 103، ط. المكتب الإسلامي): [وظاهر كلام الغزالي تجويز الغسل للرجال المحارم مع وجود النساء، ولكن عامة الشافعية يقولون المحارم بعد النساء أولى] اهـ.

فإن لم يوجد نساء، ولا زوج، ولا محرم، فلييمها رجل أجنبي بأن ييمم كفيها فقط ووجهها، ويدل على هذا ما رواه البيهقي في "السنن الكبرى" عن مكحول أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا مَاتَتِ الْمَرْأَةُ مَعَ الرِّجَالِ لَيْسَ مَعَهُمُ امْرَأَةٌ غَيْرُهَا، وَالرَّجُلُ مَعَ النِّسَاءِ لَيْسَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ غَيْرُهُ، فَإِنَّهُمَا يُتَيَمَّمَانِ وَيُدْفَنَانِ، وَهُمَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا يَجِدُ الْمَاءَ»، ولأن غسل الميت مأمور به، والتيمم عوض عن الغسل، ومواضع التيمم ليست بعورة. انظر: "بداية المجتهد" لابن رشد (1/ 241، ط. دار الحديث).

قال العلامة الدردير في "الشرح الصغير" (1/ 545، ط. دار المعارف): [ثم إذا لم يوجد محرم يممت الميتة لكوعيها لا لمرفقيها] اهـ.

وقال العلامة ابن قدامة في "المغني" (2/ 391، ط. مكتبة القاهرة): [فأما إن مات رجل بين نسوة أجانب، أو امرأة بين رجال أجانب، أو مات خنثى مشكل، فإنه ييمم، وهذا قول سعيد بن المسيب، والنخعي، وحماد، ومالك وأصحاب الرأي وابن المنذر؛ لما روى تمام الرازي في فوائده بإسناده عن مكحول عن واثلة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إذَا مَاتَت الْمَرْأَةُ مَعَ الرِّجَالِ، لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمْ مَحْرَمٌ، تُيَمَّمُ كَمَا يُيَمَّمُ الرِّجَالُ»، ولأن الغسل من غير مس لا يحصل به التنظيف، ولا إزالة النجاسة، بل ربما كثرت ولا يسلم من النظر، فكان العدول إلى التيمم أولى، كما لو عدم الماء] اهـ.

وأما من يدفنها ويحملها في دفنها وينزلها إلى القبر محارمها الرجال الأقرب فالأقرب، وزوجها، وهم الذين كان يحل لهم النظر إليها في حياتها ولها السفر معهم؛ لما روى الخلال بإسناده عن عمر رضي الله عنه: أنه قام عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفيت زينب بنت جحش رضي الله عنها، فقال: "ألا إني أرسلت إلى النسوة من يدخلها قبرها، فأرسلن: من كان يحل له الدخول عليها في حياتها، فرأيت أن قد صدقن". انظر "المغني" لابن قدامة (2/ 383، ط. دار الكتاب العربي).

ولأن امرأة عمر رضي الله تعالى عنهما لما توفيت قال لأهلها: أنتم أحق بها؛ ولأنهم أولى الناس بولايتها حال الحياة، فكذا بعد الموت، ثم زوجها؛ لأنه أشبه بمحرمها من النسب من الأجانب، ولو لم يكن فيهم ذو رحم فلا بأس للأجانب وضعها في قبرها، ولا يحتاج إلى إحضار النساء للدفن؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي رواه البخاري من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أنه حين ماتت ابنته أمر أبا طلحة، فنزل في قبر ابنته، وهو أجنبي. ينظر "المغني" للعلامة ابن قدامة (2/ 383، ط. دار الكتاب العربي).

قال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (2/ 133، ط. المكتب الإسلامي): [السنة أن يوضع الميت عند أسفل القبر، بحيث يكون رأسه عند رجل القبر، ثم يسل من جهة رأسه سلًّا رفيقًا، ولا يدخل القبر إلا الرجال متى وجدوا، رجلًا كان الميت أو امرأة، وأولاهم بالدفن أولاهم بالصلاة، إلا أن الزوج أحق بدفن زوجته، ثم بعده المحارم، الأب، ثم الجد، ثم الابن، ثم ابن الابن ثم الأخ، ثم ابن الأخ، ثم العم، فإن لم يكن أحد منهم، فذوو الأرحام الذين لا محرمية لهم، فإن لم يكونوا، فأهل الصلاح من الأجانب] اهـ.

وقال العلامة النفراوي المالكي في "الفواكه الدواني شرح الرسالة" (1/ 287، ط. دار الفكر): [نص صاحب "الرسالة" كخليل، على تقديم أحد الزوجين في تغسيل صاحبه وسكتا عما لو طلب الحي إنزال صاحبه القبر وبينه غيرهما فقال: إن كان الحي الزوج فإنه يقدم في إنزال زوجته قبرها على أوليائها بالقضاء، وأما الزوجة فلا تقدم في إنزال زوجها بل الحق لأوليائه، قال ابن عرفة: والزوج أحق بإدخال زوجته قبرها، فإن لم يكن فأقرب محارمها، فإن لم يكونوا فقيل النساء، وقيل أهل الفضل] اهـ.

وعليه: فالأولى أن يغسل المرأةَ امرأةٌ مثلها، ويجوز تغسيل الرجل زوجته، فإن لم يوجد فمحرمها من الرجال، ولا يباشر جسدها، بل يلف عليها عازل نحو خرقة، ولا ينظر إليها، بل يغسلها من تحت ثوب ساتر لبدنها، وإذا كان أجنبيًّا عنها ولم يجد من يغسلها فلييممها بمسح وجهها وكفيها بالتراب الطاهر، ويدفن المرأة محارمها من الرجال وزوجها، وهو الأولى منهم، فإن لم يوجد زوج أو محارم فأهل الصلاح والفضل.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا

تغسيل الرجل زوجته

هل يجوز للرجل تغسيل زوجته؟

التغسيل في اللغة: مصدر غَسَّل بالتشديد، بمعنى: إزالة الوسخ عن الشيء، بإجراء الماء عليه، وفي الاصطلاح: تعميم بدن الميت بالماء بطريقة مسنونة، والدفن في اللغة: بمعنى المواراة والستر، يقال: دفن الميت: واراه، ودفن سره: أي كتمه. انظر: "لسان العرب" (17/ 1397، مادة: دفن، ط. دار المعارف).

وفي الاصطلاح: مواراة الميت في التراب. انظر: "الشرح الكبير" للعلامة الدردير (1/ 407، ط. عيسى الحلبي).

وتغسيل الميت ودفنه فَرْضَا كفايةٍ إذا قام بهما البعض سَقَطَا عن الباقين؛ قال العلامة الدردير: والصلاة عليه فرض كفاية؛ كدفنه وكفنه. انظر: "الشرح الكبير لمختصر خليل" (1/ 407، ط. عيسى الحلبي).

وروى البخاري من حديث أم عطية نسيبة الأنصارية رضي الله عنها أنها قالت: توفيت إحدى بنات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فخرج فقال: «اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ، بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كَافُورًا، أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ».

وروى أبو داود عن الحصين بن وحوح رضي الله عنه: أن طلحة بن البراء رضي الله عنه مرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعوده، فقال: «إِنِّي لَا أَرَى طَلْحَةَ إِلَّا قَدْ حَدَثَ فِيهِ الْمَوْتُ فَآذِنُونِي بِهِ وَعَجِّلُوا فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِجِيفَةِ مُسْلِمٍ أَنْ تُحْبَسَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِهِ».

ولا يغسل المرأة إلا المرأة؛ لأن الله حرم النظر إلى عورة المرأة وحرم مسها؛ قال تعالى: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾ [النور:30]، وروى الإمام السيوطي في "الجامع الصغير" عن معقل بن يسار المزني رضي الله عنه: «لأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لاَ تَحِلُّ لَهُ».

قال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (2/ 103، ط. المكتب الإسلامي): [الأصل أن يغسل الرجالُ الرجالَ، والنساءُ النساءَ، والنساء أولى بغسل المرأة بكل حال] اهـ.

ويجوز للزوج أن يغسل زوجته ولو لم يدخل بها؛ روى ابن ماجه أن رسول الله صلى الله عيه وآله وسلم قال لعائشة رضي الله عنها: «مَا ضَرَّكِ لَوْ مِتِّ قَبْلِي فَقُمْتُ عَلَيْكِ فَغَسَّلْتُكِ وَكَفَّنْتُكِ، وَصَلَّيْتُ عَلَيْكِ وَدَفَنْتُكِ»، فأضاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم الفعل إليه وهذا يدل على جواز المباشرة.

وروى ابن المنذر: أن عليًّا كرم الله وجهه غسَّل فاطمة رضي الله عنها، وأجمع الصحابة على جواز ذلك.

قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري: ولزوجة غسل زوجها؛ لأن الزوجية لا تنقطع حقوقها بالموت بدليل التوارث. انظر: "شرح منهج الطلاب" لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري (2/ 150، ط. دار الفكر).

قال العلامة ابن قدامة: والمشهور عن أحمد أن للزوج غسل امرأته، وهو قول علقمة، وعبد الرحمن بن يزيد بن الأسود، وجابر بن زيد، وسليمان بن يسار، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وقتادة، وحماد، ومالك، والأوزاعي، والشافعي، وإسحاق؛ ولأنه أحد الزوجين، فأبيح له غسل صاحبه كالآخر، والمعنى فيه أن كل واحد من الزوجين يسهل عليه إطلاع الآخر على عورته دون غيره، لما كان بينهما في الحياة، ويأتي بالغسل على أكمل ما يمكنه، لما بينهما من المودة والرحمة. انظر: "المغني" (2/ 390 بتصرف، ط. مكتبة القاهرة).

قال العلامة الخرشي في "شرحه لمختصر خليل" (2/ 114، ط. دار الفكر): [وقدم الزوجان إن صح النكاح إلا أن يفوت فاسده بالقضاء، يعني أن كل واحد من الزوج أو الزوجة إذا مات الآخر يقدم في غسله على سائر الأولياء، ويقضى له إذا نازعه الأولياء؛ لأن من ثبت له حق فالأصل أن يقضى له به، هذا إن صح النكاح بينهما حصل بناء أم لا] اهـ.

فإن لم يوجد نساء يغسلنها، ولا زوج، فيغسلها الرجل المحرم؛ لأنه يجوز النظر إليها، ويجوز مسها في حال الحياة، وبالموت لا ينقطع هذا الجواز، بشرط أن لا يباشر جسدها، بل يضع خرقة كثيفة يلفها على يده، ويغسلها من تحت ثوب ليمنع النظر.

قال العلامة الخرشي: ثم يغسلها المحرم من أهلها الرجال من تحت ثوب؛ ليمنع النظر، ويلف خرقة على يديه غليظة، ولا يباشرها بيده. انظر: "شرح مختصر خليل" (2/ 117، ط دار الفكر).

قال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (2/ 103، ط. المكتب الإسلامي): [وظاهر كلام الغزالي تجويز الغسل للرجال المحارم مع وجود النساء، ولكن عامة الشافعية يقولون المحارم بعد النساء أولى] اهـ.

فإن لم يوجد نساء، ولا زوج، ولا محرم، فلييمها رجل أجنبي بأن ييمم كفيها فقط ووجهها، ويدل على هذا ما رواه البيهقي في "السنن الكبرى" عن مكحول أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا مَاتَتِ الْمَرْأَةُ مَعَ الرِّجَالِ لَيْسَ مَعَهُمُ امْرَأَةٌ غَيْرُهَا، وَالرَّجُلُ مَعَ النِّسَاءِ لَيْسَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ غَيْرُهُ، فَإِنَّهُمَا يُتَيَمَّمَانِ وَيُدْفَنَانِ، وَهُمَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا يَجِدُ الْمَاءَ»، ولأن غسل الميت مأمور به، والتيمم عوض عن الغسل، ومواضع التيمم ليست بعورة. انظر: "بداية المجتهد" لابن رشد (1/ 241، ط. دار الحديث).

قال العلامة الدردير في "الشرح الصغير" (1/ 545، ط. دار المعارف): [ثم إذا لم يوجد محرم يممت الميتة لكوعيها لا لمرفقيها] اهـ.

وقال العلامة ابن قدامة في "المغني" (2/ 391، ط. مكتبة القاهرة): [فأما إن مات رجل بين نسوة أجانب، أو امرأة بين رجال أجانب، أو مات خنثى مشكل، فإنه ييمم، وهذا قول سعيد بن المسيب، والنخعي، وحماد، ومالك وأصحاب الرأي وابن المنذر؛ لما روى تمام الرازي في فوائده بإسناده عن مكحول عن واثلة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إذَا مَاتَت الْمَرْأَةُ مَعَ الرِّجَالِ، لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمْ مَحْرَمٌ، تُيَمَّمُ كَمَا يُيَمَّمُ الرِّجَالُ»، ولأن الغسل من غير مس لا يحصل به التنظيف، ولا إزالة النجاسة، بل ربما كثرت ولا يسلم من النظر، فكان العدول إلى التيمم أولى، كما لو عدم الماء] اهـ.

وأما من يدفنها ويحملها في دفنها وينزلها إلى القبر محارمها الرجال الأقرب فالأقرب، وزوجها، وهم الذين كان يحل لهم النظر إليها في حياتها ولها السفر معهم؛ لما روى الخلال بإسناده عن عمر رضي الله عنه: أنه قام عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفيت زينب بنت جحش رضي الله عنها، فقال: "ألا إني أرسلت إلى النسوة من يدخلها قبرها، فأرسلن: من كان يحل له الدخول عليها في حياتها، فرأيت أن قد صدقن". انظر "المغني" لابن قدامة (2/ 383، ط. دار الكتاب العربي).

ولأن امرأة عمر رضي الله تعالى عنهما لما توفيت قال لأهلها: أنتم أحق بها؛ ولأنهم أولى الناس بولايتها حال الحياة، فكذا بعد الموت، ثم زوجها؛ لأنه أشبه بمحرمها من النسب من الأجانب، ولو لم يكن فيهم ذو رحم فلا بأس للأجانب وضعها في قبرها، ولا يحتاج إلى إحضار النساء للدفن؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي رواه البخاري من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أنه حين ماتت ابنته أمر أبا طلحة، فنزل في قبر ابنته، وهو أجنبي. ينظر "المغني" للعلامة ابن قدامة (2/ 383، ط. دار الكتاب العربي).

قال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (2/ 133، ط. المكتب الإسلامي): [السنة أن يوضع الميت عند أسفل القبر، بحيث يكون رأسه عند رجل القبر، ثم يسل من جهة رأسه سلًّا رفيقًا، ولا يدخل القبر إلا الرجال متى وجدوا، رجلًا كان الميت أو امرأة، وأولاهم بالدفن أولاهم بالصلاة، إلا أن الزوج أحق بدفن زوجته، ثم بعده المحارم، الأب، ثم الجد، ثم الابن، ثم ابن الابن ثم الأخ، ثم ابن الأخ، ثم العم، فإن لم يكن أحد منهم، فذوو الأرحام الذين لا محرمية لهم، فإن لم يكونوا، فأهل الصلاح من الأجانب] اهـ.

وقال العلامة النفراوي المالكي في "الفواكه الدواني شرح الرسالة" (1/ 287، ط. دار الفكر): [نص صاحب "الرسالة" كخليل، على تقديم أحد الزوجين في تغسيل صاحبه وسكتا عما لو طلب الحي إنزال صاحبه القبر وبينه غيرهما فقال: إن كان الحي الزوج فإنه يقدم في إنزال زوجته قبرها على أوليائها بالقضاء، وأما الزوجة فلا تقدم في إنزال زوجها بل الحق لأوليائه، قال ابن عرفة: والزوج أحق بإدخال زوجته قبرها، فإن لم يكن فأقرب محارمها، فإن لم يكونوا فقيل النساء، وقيل أهل الفضل] اهـ.

وعليه: فالأولى أن يغسل المرأةَ امرأةٌ مثلها، ويجوز تغسيل الرجل زوجته، فإن لم يوجد فمحرمها من الرجال، ولا يباشر جسدها، بل يلف عليها عازل نحو خرقة، ولا ينظر إليها، بل يغسلها من تحت ثوب ساتر لبدنها، وإذا كان أجنبيًّا عنها ولم يجد من يغسلها فلييممها بمسح وجهها وكفيها بالتراب الطاهر، ويدفن المرأة محارمها من الرجال وزوجها، وهو الأولى منهم، فإن لم يوجد زوج أو محارم فأهل الصلاح والفضل.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

التفاصيل ....

التغسيل في اللغة: مصدر غَسَّل بالتشديد، بمعنى: إزالة الوسخ عن الشيء، بإجراء الماء عليه، وفي الاصطلاح: تعميم بدن الميت بالماء بطريقة مسنونة، والدفن في اللغة: بمعنى المواراة والستر، يقال: دفن الميت: واراه، ودفن سره: أي كتمه. انظر: "لسان العرب" (17/ 1397، مادة: دفن، ط. دار المعارف).

وفي الاصطلاح: مواراة الميت في التراب. انظر: "الشرح الكبير" للعلامة الدردير (1/ 407، ط. عيسى الحلبي).

وتغسيل الميت ودفنه فَرْضَا كفايةٍ إذا قام بهما البعض سَقَطَا عن الباقين؛ قال العلامة الدردير: والصلاة عليه فرض كفاية؛ كدفنه وكفنه. انظر: "الشرح الكبير لمختصر خليل" (1/ 407، ط. عيسى الحلبي).

وروى البخاري من حديث أم عطية نسيبة الأنصارية رضي الله عنها أنها قالت: توفيت إحدى بنات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فخرج فقال: «اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ، بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كَافُورًا، أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ».

وروى أبو داود عن الحصين بن وحوح رضي الله عنه: أن طلحة بن البراء رضي الله عنه مرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعوده، فقال: «إِنِّي لَا أَرَى طَلْحَةَ إِلَّا قَدْ حَدَثَ فِيهِ الْمَوْتُ فَآذِنُونِي بِهِ وَعَجِّلُوا فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِجِيفَةِ مُسْلِمٍ أَنْ تُحْبَسَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِهِ».

ولا يغسل المرأة إلا المرأة؛ لأن الله حرم النظر إلى عورة المرأة وحرم مسها؛ قال تعالى: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾ [النور:30]، وروى الإمام السيوطي في "الجامع الصغير" عن معقل بن يسار المزني رضي الله عنه: «لأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لاَ تَحِلُّ لَهُ».

قال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (2/ 103، ط. المكتب الإسلامي): [الأصل أن يغسل الرجالُ الرجالَ، والنساءُ النساءَ، والنساء أولى بغسل المرأة بكل حال] اهـ.

ويجوز للزوج أن يغسل زوجته ولو لم يدخل بها؛ روى ابن ماجه أن رسول الله صلى الله عيه وآله وسلم قال لعائشة رضي الله عنها: «مَا ضَرَّكِ لَوْ مِتِّ قَبْلِي فَقُمْتُ عَلَيْكِ فَغَسَّلْتُكِ وَكَفَّنْتُكِ، وَصَلَّيْتُ عَلَيْكِ وَدَفَنْتُكِ»، فأضاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم الفعل إليه وهذا يدل على جواز المباشرة.

وروى ابن المنذر: أن عليًّا كرم الله وجهه غسَّل فاطمة رضي الله عنها، وأجمع الصحابة على جواز ذلك.

قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري: ولزوجة غسل زوجها؛ لأن الزوجية لا تنقطع حقوقها بالموت بدليل التوارث. انظر: "شرح منهج الطلاب" لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري (2/ 150، ط. دار الفكر).

قال العلامة ابن قدامة: والمشهور عن أحمد أن للزوج غسل امرأته، وهو قول علقمة، وعبد الرحمن بن يزيد بن الأسود، وجابر بن زيد، وسليمان بن يسار، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وقتادة، وحماد، ومالك، والأوزاعي، والشافعي، وإسحاق؛ ولأنه أحد الزوجين، فأبيح له غسل صاحبه كالآخر، والمعنى فيه أن كل واحد من الزوجين يسهل عليه إطلاع الآخر على عورته دون غيره، لما كان بينهما في الحياة، ويأتي بالغسل على أكمل ما يمكنه، لما بينهما من المودة والرحمة. انظر: "المغني" (2/ 390 بتصرف، ط. مكتبة القاهرة).

قال العلامة الخرشي في "شرحه لمختصر خليل" (2/ 114، ط. دار الفكر): [وقدم الزوجان إن صح النكاح إلا أن يفوت فاسده بالقضاء، يعني أن كل واحد من الزوج أو الزوجة إذا مات الآخر يقدم في غسله على سائر الأولياء، ويقضى له إذا نازعه الأولياء؛ لأن من ثبت له حق فالأصل أن يقضى له به، هذا إن صح النكاح بينهما حصل بناء أم لا] اهـ.

فإن لم يوجد نساء يغسلنها، ولا زوج، فيغسلها الرجل المحرم؛ لأنه يجوز النظر إليها، ويجوز مسها في حال الحياة، وبالموت لا ينقطع هذا الجواز، بشرط أن لا يباشر جسدها، بل يضع خرقة كثيفة يلفها على يده، ويغسلها من تحت ثوب ليمنع النظر.

قال العلامة الخرشي: ثم يغسلها المحرم من أهلها الرجال من تحت ثوب؛ ليمنع النظر، ويلف خرقة على يديه غليظة، ولا يباشرها بيده. انظر: "شرح مختصر خليل" (2/ 117، ط دار الفكر).

قال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (2/ 103، ط. المكتب الإسلامي): [وظاهر كلام الغزالي تجويز الغسل للرجال المحارم مع وجود النساء، ولكن عامة الشافعية يقولون المحارم بعد النساء أولى] اهـ.

فإن لم يوجد نساء، ولا زوج، ولا محرم، فلييمها رجل أجنبي بأن ييمم كفيها فقط ووجهها، ويدل على هذا ما رواه البيهقي في "السنن الكبرى" عن مكحول أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا مَاتَتِ الْمَرْأَةُ مَعَ الرِّجَالِ لَيْسَ مَعَهُمُ امْرَأَةٌ غَيْرُهَا، وَالرَّجُلُ مَعَ النِّسَاءِ لَيْسَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ غَيْرُهُ، فَإِنَّهُمَا يُتَيَمَّمَانِ وَيُدْفَنَانِ، وَهُمَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا يَجِدُ الْمَاءَ»، ولأن غسل الميت مأمور به، والتيمم عوض عن الغسل، ومواضع التيمم ليست بعورة. انظر: "بداية المجتهد" لابن رشد (1/ 241، ط. دار الحديث).

قال العلامة الدردير في "الشرح الصغير" (1/ 545، ط. دار المعارف): [ثم إذا لم يوجد محرم يممت الميتة لكوعيها لا لمرفقيها] اهـ.

وقال العلامة ابن قدامة في "المغني" (2/ 391، ط. مكتبة القاهرة): [فأما إن مات رجل بين نسوة أجانب، أو امرأة بين رجال أجانب، أو مات خنثى مشكل، فإنه ييمم، وهذا قول سعيد بن المسيب، والنخعي، وحماد، ومالك وأصحاب الرأي وابن المنذر؛ لما روى تمام الرازي في فوائده بإسناده عن مكحول عن واثلة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إذَا مَاتَت الْمَرْأَةُ مَعَ الرِّجَالِ، لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمْ مَحْرَمٌ، تُيَمَّمُ كَمَا يُيَمَّمُ الرِّجَالُ»، ولأن الغسل من غير مس لا يحصل به التنظيف، ولا إزالة النجاسة، بل ربما كثرت ولا يسلم من النظر، فكان العدول إلى التيمم أولى، كما لو عدم الماء] اهـ.

وأما من يدفنها ويحملها في دفنها وينزلها إلى القبر محارمها الرجال الأقرب فالأقرب، وزوجها، وهم الذين كان يحل لهم النظر إليها في حياتها ولها السفر معهم؛ لما روى الخلال بإسناده عن عمر رضي الله عنه: أنه قام عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفيت زينب بنت جحش رضي الله عنها، فقال: "ألا إني أرسلت إلى النسوة من يدخلها قبرها، فأرسلن: من كان يحل له الدخول عليها في حياتها، فرأيت أن قد صدقن". انظر "المغني" لابن قدامة (2/ 383، ط. دار الكتاب العربي).

ولأن امرأة عمر رضي الله تعالى عنهما لما توفيت قال لأهلها: أنتم أحق بها؛ ولأنهم أولى الناس بولايتها حال الحياة، فكذا بعد الموت، ثم زوجها؛ لأنه أشبه بمحرمها من النسب من الأجانب، ولو لم يكن فيهم ذو رحم فلا بأس للأجانب وضعها في قبرها، ولا يحتاج إلى إحضار النساء للدفن؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي رواه البخاري من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أنه حين ماتت ابنته أمر أبا طلحة، فنزل في قبر ابنته، وهو أجنبي. ينظر "المغني" للعلامة ابن قدامة (2/ 383، ط. دار الكتاب العربي).

قال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (2/ 133، ط. المكتب الإسلامي): [السنة أن يوضع الميت عند أسفل القبر، بحيث يكون رأسه عند رجل القبر، ثم يسل من جهة رأسه سلًّا رفيقًا، ولا يدخل القبر إلا الرجال متى وجدوا، رجلًا كان الميت أو امرأة، وأولاهم بالدفن أولاهم بالصلاة، إلا أن الزوج أحق بدفن زوجته، ثم بعده المحارم، الأب، ثم الجد، ثم الابن، ثم ابن الابن ثم الأخ، ثم ابن الأخ، ثم العم، فإن لم يكن أحد منهم، فذوو الأرحام الذين لا محرمية لهم، فإن لم يكونوا، فأهل الصلاح من الأجانب] اهـ.

وقال العلامة النفراوي المالكي في "الفواكه الدواني شرح الرسالة" (1/ 287، ط. دار الفكر): [نص صاحب "الرسالة" كخليل، على تقديم أحد الزوجين في تغسيل صاحبه وسكتا عما لو طلب الحي إنزال صاحبه القبر وبينه غيرهما فقال: إن كان الحي الزوج فإنه يقدم في إنزال زوجته قبرها على أوليائها بالقضاء، وأما الزوجة فلا تقدم في إنزال زوجها بل الحق لأوليائه، قال ابن عرفة: والزوج أحق بإدخال زوجته قبرها، فإن لم يكن فأقرب محارمها، فإن لم يكونوا فقيل النساء، وقيل أهل الفضل] اهـ.

وعليه: فالأولى أن يغسل المرأةَ امرأةٌ مثلها، ويجوز تغسيل الرجل زوجته، فإن لم يوجد فمحرمها من الرجال، ولا يباشر جسدها، بل يلف عليها عازل نحو خرقة، ولا ينظر إليها، بل يغسلها من تحت ثوب ساتر لبدنها، وإذا كان أجنبيًّا عنها ولم يجد من يغسلها فلييممها بمسح وجهها وكفيها بالتراب الطاهر، ويدفن المرأة محارمها من الرجال وزوجها، وهو الأولى منهم، فإن لم يوجد زوج أو محارم فأهل الصلاح والفضل.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا
;