المسافة التي يجوز للمسافر الترخص فيها ومدة الترخص

هل هناك مسافة محددَّة يَحِلُّ الفطر بها؟ وهل يجوز الإفطار قبل قطعها بمجرد الشروع في السفر أو التهيؤ له أم يشترط مجاوزتها أولًا؟ وما هي المدة التي يجوز للمسافر الإفطار فيها؟

يقول الله تعالى: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [النساء: 101]، ويقول تعالى: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: 185]، فرخَّص الله تعالى للمسافر القصر والفطر، وفي الحديث: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى وَضَعَ عَنِ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلَاةِ» رواه أحمد والأربعة.
ومما يتعلق بالسفر من أحكام المسافة التي يجوز الترخص معها، والمدة التي يجوز فيها الترخص سواء بالقصر أم بالفطر أم بغيرهما كالمسح على الخف وترك الجمعة، أخذًا في الاعتبار بأن الفقهاء سكتوا عن بعض أحكام رخصة الفطر؛ لورودها في القصر، فإن مُرَادَهم بجواز القصر في موضعٍ جوازُ الترخص فيه برُخَص السفر؛ فقد أخرج عبد الرزاق في "مصنفه" (4/ 270): [عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: الصيام في السفر؟ قال: تفطر إذا قصرت، وتصوم إذا أوفيت الصلاة] اهـ.
وجاء في "تحفة المحتاج" (3/ 429-430، ط. دار إحياء التراث العربي) عند الكلام على مرخِّصات ترك الصوم، ويباح تركه للمريض إذا وجد به ضررًا شديدًا: [و(للمسافر سفرًا طويلًا مباحًا) للكتاب والسنة والإجماع، ويأتي هنا جميع ما مرَّ في القصر، فحيث جاز جاز الفطر وحيث لا فلا] اهـ.
وتحديد المسافة في السفر هي مناط الرخصة؛ ولذا بالغ الفقهاء في ضبط مسافة القصر، وقد تباينت فيها آراء الفقهاء، والمختار أن ما يباح فيه الفطر هو السفر الطويل دون غيره كالقصير والمشكوك في طوله وقصره، والسفر الطويل هو ما يَبْلغ مرحلتين -مثنى «مَرْحَلة»- وهي -أي المَرْحَلة- المسافة التي يقطعها المسافر في نحو يوم بالسير المعتاد على الدابة، وجمعها «مَرَاحِل»، وهي بالأطوال الحديثة تساوي (44.52 كيلومترًا)، أي أن المرحلتين تساويان (89.04 كيلومترًا)، تقريبًا على مذهب السادة المالكية، فما دون ذلك لا يباح فيه الفطر، ولا يحسب منها مدة إيابه.
والمسافر لا يجوز له الفطر إلا إذا فارق بنيان البلدة التي يقيم بها؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: 185]، حيث علَّقت الآية رخصة الفطر على حصول السفر، ولا يطلق على الشخص وصف مسافر إلا بعد الخروج من مباني بلدته.
وللمسافر في وقت فطره حالتان؛ لأنه إما أن يبدأ السفر قبل الفجر بأن يطلع عليه الفجر وهو مسافر، أو بعده، فإن كان الأول فله الفطر إجماعًا لأنه متصف بالسفر عند وجود سبب الوجوب، وإن كان الثاني بأن طلع عليه الفجر وهو مقيم ثم سافر فلا يفطر؛ لأنها عبادة اجتمع فيها الحضر والسفر فغلب جانب الحضر لأنه الأصل، كما أن قوله تعالى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة: 185] يشمله.
أما عن مدة السفر التي يحل فيها الفطر: فالمسافر إما أن يحدِّد مدَّة معيَّنة في إقامته أو لا، فإن عزم على الإقامة في مكان ما وحدَّد المدة، فإن كانت أربعة أيام بلياليهن فإن حكم الرخصة ينتهي في حقه، ويصير مقيمًا ويجب عليه الصوم، ولا يدخل في هذه الأربع يومَا دخوله وخروجه إذا دخل نهارًا، ومعنى ذلك أنه لو نوى إقامة ثلاثة أيام فأقل فله الفطر، ويستوي الفطر بنية إقامة الأربعة الأيام أن ينويها قبل سفره أو بعد وصوله، أو بلوغه إياها بلا نية.
والدليل على أن الإقامة دون الأربعة أيام مبيح للفطر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سمح للمهاجرين بالبقاء في مكة بعد انتهاء النسك ثلاثة أيام؛ ففي "الصحيح" عن العلاء بن الحضرمي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يُقِيمُ الْمُهَاجِرُ بِمَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا» أخرجه مسلم بألفاظ متعددة، وروي عن عمر رضي الله عنه: "أنه ضرب لليهود والنصارى والمجوس بالمدينة إقامة ثلاث ليال يتسوَّقون بها ويقضون حوائجهم، ولا يقيم أحد منهم فوق ثلاث ليال". انظر: "السنن الكبرى" للعلامة البيهقي (3/ 211).
ففي تحديد النبي صلى الله عليه وآله وسلم البقاء للمهاجرين ثلاثة أيام بمكة ثم اقتداء عمر بن الخطاب بتحديده ثلاثة أيام لغير المسلمين إشارة إلى أن البقاء أكثر من ذلك يزيل حكم السفر ويصير الشخص مقيمًا، وأقل ما يتحقق به هذا الوصف البقاء أربعة أيام.
وإن لم يعزم على الإقامة مدة معيَّنة فإن كان لانتظار قضاء حاجة فله الترخص ثمانية عشر يومًا لا يحسب منها يومَا دخوله وخروجه؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقام ثمانية عشر يومًا بمكة عام الفتح لحرب هوازن في غزوة الطائف يقصر الصلاة -انظر: "سنن أبي داود" (2/ 420)-، وإن أطْلَق الإقامةَ فله الترخص ما لم يبلغ أربعة أيام كما مرَّ.
يقول العلامة الشمس الرملي في " نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج" (2/ 254-256): [(ولو نوى) المسافر المستقل (إقامة) مدة مطلقة، أو (أربعة أيام) مع لياليها (بموضع) عيَّنه قبل أن يصل إليه (انقطع سفره بوصوله)، أي: بوصول ذلك الموضع، فإن نواها وقد وصل له أو بعده انقطع سفره بمجرد نيته، وخرج ما دون الأربعة فلا يؤثر، ولو أقامها من غير نية انقطع سفره بتمامها، أو نوى إقامة وهو سائر فلا يؤثر أيضًا، وشمل قوله بوصوله من خرج ناويًا سفرا طويلًا ثم عَنَّ له الإقامة ببلد قريب منه فله القصر ما لم يصله؛ لانعقاد سبب الرخصة في حقه فلا ينقطع إلا بوصول ما غيَّر النية إليه، (ولا يحسب منها)، أي: الأربعة (يومَا) أو ليلتًا (دخوله وخروجه على الصحيح)؛ إذ في الأول الحط وفي الثاني الرحيل، وهما من مهمات أشغال السفر المقتضي لترخصه، وخرج غير المستقل كقن وزوجة فلا أثر لنيته المخالفة لنية متبوعه، (ولو أقام ببلد) مثلًا (بنية أن يرحل إذا حصلت حاجة يتوقعها كل وقت) أو بعد زمن لا يبلغ أربعة أيام صحاح، ومن ذلك انتظار الريح لمسافر بالبحر وخروج الرفقة لمن يريد السفر معهم إن خرجوا وإلا فوحده (قَصَرَ)، يعني: ترخص؛ إذ له سائر رخص السفر (ثمانية عشر يومًا) كاملة لا يحسب منها يومَا دخوله وخروجه، (ولو علم بقاءها) أي: حاجته (مدة طويلة)، وهي الأربعة فما فوقها (فلا قَصْر له)، أي: لا ترخص (على المذهب)؛ لأنه بعيد عن هيئة المسافرين] اهـ بتصرف.
وفيما يقطع السفر عند المالكية: يقول الشيخ عليش في "منح الجليل شرح مختصر خليل" (1/ 409، ط. دار الفكر): [(و) قطعه أيضًا (نية إقامة أربعة صحاح) مشتملة على عشرين صلاة، فمن دخل فجر السبت ناويًا الإقامة إلى غروب الثلاثاء والخروج قبل مغيب الشفق لم ينقطع قصره؛ لأنه وإن تمت الأيام الأربعة لم يجب عليه عشرون صلاة، ومن دخل قبل عصره ولم يصل الظهر ناويًا السفر بعد صبح الأربعاء يقصر؛ لأنه وإن وجب عليه عشرون صلاة ليس معه إلا ثلاثة أيام صحاح، واعتبر سحنون العشرين فقط، هذا إذا كانت نية الإقامة في ابتداء سفره أو في آخره، بل (ولو) حدثت (بخلاله)، أي: أثناء سفره] اهـ.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

التفاصيل ....

يقول الله تعالى: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [النساء: 101]، ويقول تعالى: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: 185]، فرخَّص الله تعالى للمسافر القصر والفطر، وفي الحديث: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى وَضَعَ عَنِ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلَاةِ» رواه أحمد والأربعة.
ومما يتعلق بالسفر من أحكام المسافة التي يجوز الترخص معها، والمدة التي يجوز فيها الترخص سواء بالقصر أم بالفطر أم بغيرهما كالمسح على الخف وترك الجمعة، أخذًا في الاعتبار بأن الفقهاء سكتوا عن بعض أحكام رخصة الفطر؛ لورودها في القصر، فإن مُرَادَهم بجواز القصر في موضعٍ جوازُ الترخص فيه برُخَص السفر؛ فقد أخرج عبد الرزاق في "مصنفه" (4/ 270): [عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: الصيام في السفر؟ قال: تفطر إذا قصرت، وتصوم إذا أوفيت الصلاة] اهـ.
وجاء في "تحفة المحتاج" (3/ 429-430، ط. دار إحياء التراث العربي) عند الكلام على مرخِّصات ترك الصوم، ويباح تركه للمريض إذا وجد به ضررًا شديدًا: [و(للمسافر سفرًا طويلًا مباحًا) للكتاب والسنة والإجماع، ويأتي هنا جميع ما مرَّ في القصر، فحيث جاز جاز الفطر وحيث لا فلا] اهـ.
وتحديد المسافة في السفر هي مناط الرخصة؛ ولذا بالغ الفقهاء في ضبط مسافة القصر، وقد تباينت فيها آراء الفقهاء، والمختار أن ما يباح فيه الفطر هو السفر الطويل دون غيره كالقصير والمشكوك في طوله وقصره، والسفر الطويل هو ما يَبْلغ مرحلتين -مثنى «مَرْحَلة»- وهي -أي المَرْحَلة- المسافة التي يقطعها المسافر في نحو يوم بالسير المعتاد على الدابة، وجمعها «مَرَاحِل»، وهي بالأطوال الحديثة تساوي (44.52 كيلومترًا)، أي أن المرحلتين تساويان (89.04 كيلومترًا)، تقريبًا على مذهب السادة المالكية، فما دون ذلك لا يباح فيه الفطر، ولا يحسب منها مدة إيابه.
والمسافر لا يجوز له الفطر إلا إذا فارق بنيان البلدة التي يقيم بها؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: 185]، حيث علَّقت الآية رخصة الفطر على حصول السفر، ولا يطلق على الشخص وصف مسافر إلا بعد الخروج من مباني بلدته.
وللمسافر في وقت فطره حالتان؛ لأنه إما أن يبدأ السفر قبل الفجر بأن يطلع عليه الفجر وهو مسافر، أو بعده، فإن كان الأول فله الفطر إجماعًا لأنه متصف بالسفر عند وجود سبب الوجوب، وإن كان الثاني بأن طلع عليه الفجر وهو مقيم ثم سافر فلا يفطر؛ لأنها عبادة اجتمع فيها الحضر والسفر فغلب جانب الحضر لأنه الأصل، كما أن قوله تعالى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة: 185] يشمله.
أما عن مدة السفر التي يحل فيها الفطر: فالمسافر إما أن يحدِّد مدَّة معيَّنة في إقامته أو لا، فإن عزم على الإقامة في مكان ما وحدَّد المدة، فإن كانت أربعة أيام بلياليهن فإن حكم الرخصة ينتهي في حقه، ويصير مقيمًا ويجب عليه الصوم، ولا يدخل في هذه الأربع يومَا دخوله وخروجه إذا دخل نهارًا، ومعنى ذلك أنه لو نوى إقامة ثلاثة أيام فأقل فله الفطر، ويستوي الفطر بنية إقامة الأربعة الأيام أن ينويها قبل سفره أو بعد وصوله، أو بلوغه إياها بلا نية.
والدليل على أن الإقامة دون الأربعة أيام مبيح للفطر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سمح للمهاجرين بالبقاء في مكة بعد انتهاء النسك ثلاثة أيام؛ ففي "الصحيح" عن العلاء بن الحضرمي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يُقِيمُ الْمُهَاجِرُ بِمَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا» أخرجه مسلم بألفاظ متعددة، وروي عن عمر رضي الله عنه: "أنه ضرب لليهود والنصارى والمجوس بالمدينة إقامة ثلاث ليال يتسوَّقون بها ويقضون حوائجهم، ولا يقيم أحد منهم فوق ثلاث ليال". انظر: "السنن الكبرى" للعلامة البيهقي (3/ 211).
ففي تحديد النبي صلى الله عليه وآله وسلم البقاء للمهاجرين ثلاثة أيام بمكة ثم اقتداء عمر بن الخطاب بتحديده ثلاثة أيام لغير المسلمين إشارة إلى أن البقاء أكثر من ذلك يزيل حكم السفر ويصير الشخص مقيمًا، وأقل ما يتحقق به هذا الوصف البقاء أربعة أيام.
وإن لم يعزم على الإقامة مدة معيَّنة فإن كان لانتظار قضاء حاجة فله الترخص ثمانية عشر يومًا لا يحسب منها يومَا دخوله وخروجه؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقام ثمانية عشر يومًا بمكة عام الفتح لحرب هوازن في غزوة الطائف يقصر الصلاة -انظر: "سنن أبي داود" (2/ 420)-، وإن أطْلَق الإقامةَ فله الترخص ما لم يبلغ أربعة أيام كما مرَّ.
يقول العلامة الشمس الرملي في " نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج" (2/ 254-256): [(ولو نوى) المسافر المستقل (إقامة) مدة مطلقة، أو (أربعة أيام) مع لياليها (بموضع) عيَّنه قبل أن يصل إليه (انقطع سفره بوصوله)، أي: بوصول ذلك الموضع، فإن نواها وقد وصل له أو بعده انقطع سفره بمجرد نيته، وخرج ما دون الأربعة فلا يؤثر، ولو أقامها من غير نية انقطع سفره بتمامها، أو نوى إقامة وهو سائر فلا يؤثر أيضًا، وشمل قوله بوصوله من خرج ناويًا سفرا طويلًا ثم عَنَّ له الإقامة ببلد قريب منه فله القصر ما لم يصله؛ لانعقاد سبب الرخصة في حقه فلا ينقطع إلا بوصول ما غيَّر النية إليه، (ولا يحسب منها)، أي: الأربعة (يومَا) أو ليلتًا (دخوله وخروجه على الصحيح)؛ إذ في الأول الحط وفي الثاني الرحيل، وهما من مهمات أشغال السفر المقتضي لترخصه، وخرج غير المستقل كقن وزوجة فلا أثر لنيته المخالفة لنية متبوعه، (ولو أقام ببلد) مثلًا (بنية أن يرحل إذا حصلت حاجة يتوقعها كل وقت) أو بعد زمن لا يبلغ أربعة أيام صحاح، ومن ذلك انتظار الريح لمسافر بالبحر وخروج الرفقة لمن يريد السفر معهم إن خرجوا وإلا فوحده (قَصَرَ)، يعني: ترخص؛ إذ له سائر رخص السفر (ثمانية عشر يومًا) كاملة لا يحسب منها يومَا دخوله وخروجه، (ولو علم بقاءها) أي: حاجته (مدة طويلة)، وهي الأربعة فما فوقها (فلا قَصْر له)، أي: لا ترخص (على المذهب)؛ لأنه بعيد عن هيئة المسافرين] اهـ بتصرف.
وفيما يقطع السفر عند المالكية: يقول الشيخ عليش في "منح الجليل شرح مختصر خليل" (1/ 409، ط. دار الفكر): [(و) قطعه أيضًا (نية إقامة أربعة صحاح) مشتملة على عشرين صلاة، فمن دخل فجر السبت ناويًا الإقامة إلى غروب الثلاثاء والخروج قبل مغيب الشفق لم ينقطع قصره؛ لأنه وإن تمت الأيام الأربعة لم يجب عليه عشرون صلاة، ومن دخل قبل عصره ولم يصل الظهر ناويًا السفر بعد صبح الأربعاء يقصر؛ لأنه وإن وجب عليه عشرون صلاة ليس معه إلا ثلاثة أيام صحاح، واعتبر سحنون العشرين فقط، هذا إذا كانت نية الإقامة في ابتداء سفره أو في آخره، بل (ولو) حدثت (بخلاله)، أي: أثناء سفره] اهـ.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا

المسافة التي يجوز للمسافر الترخص فيها ومدة الترخص

هل هناك مسافة محددَّة يَحِلُّ الفطر بها؟ وهل يجوز الإفطار قبل قطعها بمجرد الشروع في السفر أو التهيؤ له أم يشترط مجاوزتها أولًا؟ وما هي المدة التي يجوز للمسافر الإفطار فيها؟

يقول الله تعالى: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [النساء: 101]، ويقول تعالى: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: 185]، فرخَّص الله تعالى للمسافر القصر والفطر، وفي الحديث: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى وَضَعَ عَنِ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلَاةِ» رواه أحمد والأربعة.
ومما يتعلق بالسفر من أحكام المسافة التي يجوز الترخص معها، والمدة التي يجوز فيها الترخص سواء بالقصر أم بالفطر أم بغيرهما كالمسح على الخف وترك الجمعة، أخذًا في الاعتبار بأن الفقهاء سكتوا عن بعض أحكام رخصة الفطر؛ لورودها في القصر، فإن مُرَادَهم بجواز القصر في موضعٍ جوازُ الترخص فيه برُخَص السفر؛ فقد أخرج عبد الرزاق في "مصنفه" (4/ 270): [عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: الصيام في السفر؟ قال: تفطر إذا قصرت، وتصوم إذا أوفيت الصلاة] اهـ.
وجاء في "تحفة المحتاج" (3/ 429-430، ط. دار إحياء التراث العربي) عند الكلام على مرخِّصات ترك الصوم، ويباح تركه للمريض إذا وجد به ضررًا شديدًا: [و(للمسافر سفرًا طويلًا مباحًا) للكتاب والسنة والإجماع، ويأتي هنا جميع ما مرَّ في القصر، فحيث جاز جاز الفطر وحيث لا فلا] اهـ.
وتحديد المسافة في السفر هي مناط الرخصة؛ ولذا بالغ الفقهاء في ضبط مسافة القصر، وقد تباينت فيها آراء الفقهاء، والمختار أن ما يباح فيه الفطر هو السفر الطويل دون غيره كالقصير والمشكوك في طوله وقصره، والسفر الطويل هو ما يَبْلغ مرحلتين -مثنى «مَرْحَلة»- وهي -أي المَرْحَلة- المسافة التي يقطعها المسافر في نحو يوم بالسير المعتاد على الدابة، وجمعها «مَرَاحِل»، وهي بالأطوال الحديثة تساوي (44.52 كيلومترًا)، أي أن المرحلتين تساويان (89.04 كيلومترًا)، تقريبًا على مذهب السادة المالكية، فما دون ذلك لا يباح فيه الفطر، ولا يحسب منها مدة إيابه.
والمسافر لا يجوز له الفطر إلا إذا فارق بنيان البلدة التي يقيم بها؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: 185]، حيث علَّقت الآية رخصة الفطر على حصول السفر، ولا يطلق على الشخص وصف مسافر إلا بعد الخروج من مباني بلدته.
وللمسافر في وقت فطره حالتان؛ لأنه إما أن يبدأ السفر قبل الفجر بأن يطلع عليه الفجر وهو مسافر، أو بعده، فإن كان الأول فله الفطر إجماعًا لأنه متصف بالسفر عند وجود سبب الوجوب، وإن كان الثاني بأن طلع عليه الفجر وهو مقيم ثم سافر فلا يفطر؛ لأنها عبادة اجتمع فيها الحضر والسفر فغلب جانب الحضر لأنه الأصل، كما أن قوله تعالى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة: 185] يشمله.
أما عن مدة السفر التي يحل فيها الفطر: فالمسافر إما أن يحدِّد مدَّة معيَّنة في إقامته أو لا، فإن عزم على الإقامة في مكان ما وحدَّد المدة، فإن كانت أربعة أيام بلياليهن فإن حكم الرخصة ينتهي في حقه، ويصير مقيمًا ويجب عليه الصوم، ولا يدخل في هذه الأربع يومَا دخوله وخروجه إذا دخل نهارًا، ومعنى ذلك أنه لو نوى إقامة ثلاثة أيام فأقل فله الفطر، ويستوي الفطر بنية إقامة الأربعة الأيام أن ينويها قبل سفره أو بعد وصوله، أو بلوغه إياها بلا نية.
والدليل على أن الإقامة دون الأربعة أيام مبيح للفطر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سمح للمهاجرين بالبقاء في مكة بعد انتهاء النسك ثلاثة أيام؛ ففي "الصحيح" عن العلاء بن الحضرمي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يُقِيمُ الْمُهَاجِرُ بِمَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا» أخرجه مسلم بألفاظ متعددة، وروي عن عمر رضي الله عنه: "أنه ضرب لليهود والنصارى والمجوس بالمدينة إقامة ثلاث ليال يتسوَّقون بها ويقضون حوائجهم، ولا يقيم أحد منهم فوق ثلاث ليال". انظر: "السنن الكبرى" للعلامة البيهقي (3/ 211).
ففي تحديد النبي صلى الله عليه وآله وسلم البقاء للمهاجرين ثلاثة أيام بمكة ثم اقتداء عمر بن الخطاب بتحديده ثلاثة أيام لغير المسلمين إشارة إلى أن البقاء أكثر من ذلك يزيل حكم السفر ويصير الشخص مقيمًا، وأقل ما يتحقق به هذا الوصف البقاء أربعة أيام.
وإن لم يعزم على الإقامة مدة معيَّنة فإن كان لانتظار قضاء حاجة فله الترخص ثمانية عشر يومًا لا يحسب منها يومَا دخوله وخروجه؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقام ثمانية عشر يومًا بمكة عام الفتح لحرب هوازن في غزوة الطائف يقصر الصلاة -انظر: "سنن أبي داود" (2/ 420)-، وإن أطْلَق الإقامةَ فله الترخص ما لم يبلغ أربعة أيام كما مرَّ.
يقول العلامة الشمس الرملي في " نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج" (2/ 254-256): [(ولو نوى) المسافر المستقل (إقامة) مدة مطلقة، أو (أربعة أيام) مع لياليها (بموضع) عيَّنه قبل أن يصل إليه (انقطع سفره بوصوله)، أي: بوصول ذلك الموضع، فإن نواها وقد وصل له أو بعده انقطع سفره بمجرد نيته، وخرج ما دون الأربعة فلا يؤثر، ولو أقامها من غير نية انقطع سفره بتمامها، أو نوى إقامة وهو سائر فلا يؤثر أيضًا، وشمل قوله بوصوله من خرج ناويًا سفرا طويلًا ثم عَنَّ له الإقامة ببلد قريب منه فله القصر ما لم يصله؛ لانعقاد سبب الرخصة في حقه فلا ينقطع إلا بوصول ما غيَّر النية إليه، (ولا يحسب منها)، أي: الأربعة (يومَا) أو ليلتًا (دخوله وخروجه على الصحيح)؛ إذ في الأول الحط وفي الثاني الرحيل، وهما من مهمات أشغال السفر المقتضي لترخصه، وخرج غير المستقل كقن وزوجة فلا أثر لنيته المخالفة لنية متبوعه، (ولو أقام ببلد) مثلًا (بنية أن يرحل إذا حصلت حاجة يتوقعها كل وقت) أو بعد زمن لا يبلغ أربعة أيام صحاح، ومن ذلك انتظار الريح لمسافر بالبحر وخروج الرفقة لمن يريد السفر معهم إن خرجوا وإلا فوحده (قَصَرَ)، يعني: ترخص؛ إذ له سائر رخص السفر (ثمانية عشر يومًا) كاملة لا يحسب منها يومَا دخوله وخروجه، (ولو علم بقاءها) أي: حاجته (مدة طويلة)، وهي الأربعة فما فوقها (فلا قَصْر له)، أي: لا ترخص (على المذهب)؛ لأنه بعيد عن هيئة المسافرين] اهـ بتصرف.
وفيما يقطع السفر عند المالكية: يقول الشيخ عليش في "منح الجليل شرح مختصر خليل" (1/ 409، ط. دار الفكر): [(و) قطعه أيضًا (نية إقامة أربعة صحاح) مشتملة على عشرين صلاة، فمن دخل فجر السبت ناويًا الإقامة إلى غروب الثلاثاء والخروج قبل مغيب الشفق لم ينقطع قصره؛ لأنه وإن تمت الأيام الأربعة لم يجب عليه عشرون صلاة، ومن دخل قبل عصره ولم يصل الظهر ناويًا السفر بعد صبح الأربعاء يقصر؛ لأنه وإن وجب عليه عشرون صلاة ليس معه إلا ثلاثة أيام صحاح، واعتبر سحنون العشرين فقط، هذا إذا كانت نية الإقامة في ابتداء سفره أو في آخره، بل (ولو) حدثت (بخلاله)، أي: أثناء سفره] اهـ.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

التفاصيل ....

يقول الله تعالى: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [النساء: 101]، ويقول تعالى: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: 185]، فرخَّص الله تعالى للمسافر القصر والفطر، وفي الحديث: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى وَضَعَ عَنِ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلَاةِ» رواه أحمد والأربعة.
ومما يتعلق بالسفر من أحكام المسافة التي يجوز الترخص معها، والمدة التي يجوز فيها الترخص سواء بالقصر أم بالفطر أم بغيرهما كالمسح على الخف وترك الجمعة، أخذًا في الاعتبار بأن الفقهاء سكتوا عن بعض أحكام رخصة الفطر؛ لورودها في القصر، فإن مُرَادَهم بجواز القصر في موضعٍ جوازُ الترخص فيه برُخَص السفر؛ فقد أخرج عبد الرزاق في "مصنفه" (4/ 270): [عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: الصيام في السفر؟ قال: تفطر إذا قصرت، وتصوم إذا أوفيت الصلاة] اهـ.
وجاء في "تحفة المحتاج" (3/ 429-430، ط. دار إحياء التراث العربي) عند الكلام على مرخِّصات ترك الصوم، ويباح تركه للمريض إذا وجد به ضررًا شديدًا: [و(للمسافر سفرًا طويلًا مباحًا) للكتاب والسنة والإجماع، ويأتي هنا جميع ما مرَّ في القصر، فحيث جاز جاز الفطر وحيث لا فلا] اهـ.
وتحديد المسافة في السفر هي مناط الرخصة؛ ولذا بالغ الفقهاء في ضبط مسافة القصر، وقد تباينت فيها آراء الفقهاء، والمختار أن ما يباح فيه الفطر هو السفر الطويل دون غيره كالقصير والمشكوك في طوله وقصره، والسفر الطويل هو ما يَبْلغ مرحلتين -مثنى «مَرْحَلة»- وهي -أي المَرْحَلة- المسافة التي يقطعها المسافر في نحو يوم بالسير المعتاد على الدابة، وجمعها «مَرَاحِل»، وهي بالأطوال الحديثة تساوي (44.52 كيلومترًا)، أي أن المرحلتين تساويان (89.04 كيلومترًا)، تقريبًا على مذهب السادة المالكية، فما دون ذلك لا يباح فيه الفطر، ولا يحسب منها مدة إيابه.
والمسافر لا يجوز له الفطر إلا إذا فارق بنيان البلدة التي يقيم بها؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: 185]، حيث علَّقت الآية رخصة الفطر على حصول السفر، ولا يطلق على الشخص وصف مسافر إلا بعد الخروج من مباني بلدته.
وللمسافر في وقت فطره حالتان؛ لأنه إما أن يبدأ السفر قبل الفجر بأن يطلع عليه الفجر وهو مسافر، أو بعده، فإن كان الأول فله الفطر إجماعًا لأنه متصف بالسفر عند وجود سبب الوجوب، وإن كان الثاني بأن طلع عليه الفجر وهو مقيم ثم سافر فلا يفطر؛ لأنها عبادة اجتمع فيها الحضر والسفر فغلب جانب الحضر لأنه الأصل، كما أن قوله تعالى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة: 185] يشمله.
أما عن مدة السفر التي يحل فيها الفطر: فالمسافر إما أن يحدِّد مدَّة معيَّنة في إقامته أو لا، فإن عزم على الإقامة في مكان ما وحدَّد المدة، فإن كانت أربعة أيام بلياليهن فإن حكم الرخصة ينتهي في حقه، ويصير مقيمًا ويجب عليه الصوم، ولا يدخل في هذه الأربع يومَا دخوله وخروجه إذا دخل نهارًا، ومعنى ذلك أنه لو نوى إقامة ثلاثة أيام فأقل فله الفطر، ويستوي الفطر بنية إقامة الأربعة الأيام أن ينويها قبل سفره أو بعد وصوله، أو بلوغه إياها بلا نية.
والدليل على أن الإقامة دون الأربعة أيام مبيح للفطر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سمح للمهاجرين بالبقاء في مكة بعد انتهاء النسك ثلاثة أيام؛ ففي "الصحيح" عن العلاء بن الحضرمي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يُقِيمُ الْمُهَاجِرُ بِمَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا» أخرجه مسلم بألفاظ متعددة، وروي عن عمر رضي الله عنه: "أنه ضرب لليهود والنصارى والمجوس بالمدينة إقامة ثلاث ليال يتسوَّقون بها ويقضون حوائجهم، ولا يقيم أحد منهم فوق ثلاث ليال". انظر: "السنن الكبرى" للعلامة البيهقي (3/ 211).
ففي تحديد النبي صلى الله عليه وآله وسلم البقاء للمهاجرين ثلاثة أيام بمكة ثم اقتداء عمر بن الخطاب بتحديده ثلاثة أيام لغير المسلمين إشارة إلى أن البقاء أكثر من ذلك يزيل حكم السفر ويصير الشخص مقيمًا، وأقل ما يتحقق به هذا الوصف البقاء أربعة أيام.
وإن لم يعزم على الإقامة مدة معيَّنة فإن كان لانتظار قضاء حاجة فله الترخص ثمانية عشر يومًا لا يحسب منها يومَا دخوله وخروجه؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقام ثمانية عشر يومًا بمكة عام الفتح لحرب هوازن في غزوة الطائف يقصر الصلاة -انظر: "سنن أبي داود" (2/ 420)-، وإن أطْلَق الإقامةَ فله الترخص ما لم يبلغ أربعة أيام كما مرَّ.
يقول العلامة الشمس الرملي في " نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج" (2/ 254-256): [(ولو نوى) المسافر المستقل (إقامة) مدة مطلقة، أو (أربعة أيام) مع لياليها (بموضع) عيَّنه قبل أن يصل إليه (انقطع سفره بوصوله)، أي: بوصول ذلك الموضع، فإن نواها وقد وصل له أو بعده انقطع سفره بمجرد نيته، وخرج ما دون الأربعة فلا يؤثر، ولو أقامها من غير نية انقطع سفره بتمامها، أو نوى إقامة وهو سائر فلا يؤثر أيضًا، وشمل قوله بوصوله من خرج ناويًا سفرا طويلًا ثم عَنَّ له الإقامة ببلد قريب منه فله القصر ما لم يصله؛ لانعقاد سبب الرخصة في حقه فلا ينقطع إلا بوصول ما غيَّر النية إليه، (ولا يحسب منها)، أي: الأربعة (يومَا) أو ليلتًا (دخوله وخروجه على الصحيح)؛ إذ في الأول الحط وفي الثاني الرحيل، وهما من مهمات أشغال السفر المقتضي لترخصه، وخرج غير المستقل كقن وزوجة فلا أثر لنيته المخالفة لنية متبوعه، (ولو أقام ببلد) مثلًا (بنية أن يرحل إذا حصلت حاجة يتوقعها كل وقت) أو بعد زمن لا يبلغ أربعة أيام صحاح، ومن ذلك انتظار الريح لمسافر بالبحر وخروج الرفقة لمن يريد السفر معهم إن خرجوا وإلا فوحده (قَصَرَ)، يعني: ترخص؛ إذ له سائر رخص السفر (ثمانية عشر يومًا) كاملة لا يحسب منها يومَا دخوله وخروجه، (ولو علم بقاءها) أي: حاجته (مدة طويلة)، وهي الأربعة فما فوقها (فلا قَصْر له)، أي: لا ترخص (على المذهب)؛ لأنه بعيد عن هيئة المسافرين] اهـ بتصرف.
وفيما يقطع السفر عند المالكية: يقول الشيخ عليش في "منح الجليل شرح مختصر خليل" (1/ 409، ط. دار الفكر): [(و) قطعه أيضًا (نية إقامة أربعة صحاح) مشتملة على عشرين صلاة، فمن دخل فجر السبت ناويًا الإقامة إلى غروب الثلاثاء والخروج قبل مغيب الشفق لم ينقطع قصره؛ لأنه وإن تمت الأيام الأربعة لم يجب عليه عشرون صلاة، ومن دخل قبل عصره ولم يصل الظهر ناويًا السفر بعد صبح الأربعاء يقصر؛ لأنه وإن وجب عليه عشرون صلاة ليس معه إلا ثلاثة أيام صحاح، واعتبر سحنون العشرين فقط، هذا إذا كانت نية الإقامة في ابتداء سفره أو في آخره، بل (ولو) حدثت (بخلاله)، أي: أثناء سفره] اهـ.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا
;