هل يجوز البناء والسكنى فوق المسجد وتحته؟
البناء والسكنى فوق المسجد وتحته
أجمع الفقهاء على وجوب تعظيم المساجد وصيانتها، فنصوا على آداب دخولها والجلوس فيها وخصوها بمزايا متعددة عن بيوت الآدميين على اعتبار أنها من شعائر الله، وأن تعظيمها من تعظيم الله، بل إن فقهاءنا رحمهم الله تعالى قد أعطوا سطح المسجد ورحبة المسجد حكم المسجد من حيث وجوب الصيانة واحترام القدسية.
قال النووي في المجموع: «حائط المسجد من داخله وخارجه له حكم المسجد في وجوب صيانته وتعظيم حرماته، وكذا سطحه والبئر التي فيه، وكذا رحبته» [2/ 178، ط. دار الفكر].
وقال ابن قدامة في المغني: «ويجوز للمعتكف صعود سطح المسجد؛ لأنه من جملته، ولهذا يمنع الجنب من اللبث فيه، وهذا قول أبي حنيفة ومالك والشافعي، ولا نعلم فيه مخالفا» [3/ 196، ط. مكتبة القاهرة].
ومسألة البناء فوق المسجد أو تحته من المسائل المختلف فيها، حيث يرى بعض الحنفية جواز البناء فوق المسجد إذا كان البناء لصالح المسجد كبيت للإمام مثلا، ففي الهداية: «ومن جعل مسجدا تحته سرداب أو فوقه بيت وجعل باب المسجد إلى الطريق، وعزله عن ملكه فله أن يبيعه، وإن مات يورث عنه؛ لأنه لم يخلص لله تعالى لبقاء حق العبد متعلقا به، ولو كان السرداب لمصالح المسجد جاز كما في مسجد بيت المقدس. وروى الحسن عنه أنه قال: إذا جعل السفل مسجدا وعلى ظهره مسكن فهو مسجد؛ لأن المسجد مما يتأبد وذلك يتحقق في السفل دون العلو. وعن محمد رحمه الله على عكس هذا؛ لأن المسجد معظم، وإذا كان فوق مسكن أو مستغل يتعذر تعظيمه. وعن أبي يوسف رحمه الله أنه جوز في الوجهين حين قدم بغداد ورأى ضيق المنازل، فكأنه اعتبر الضرورة. وعن محمد رحمه الله أنه حين دخل الري أجاز ذلك كله لما قلنا، وكذلك إذا اتخذ وسط داره مسجدا وأذن للناس بالدخول فيه فله أن يبيعه ويورث عنه؛ لأن المسجد ما لا يكون لأحد فيه حق المنع، وإذا كان ملكه محيطا بجوانبه كان له حق المنع فلم يصر مسجدا، ولأنه أبقى الطريق لنفسه فلم يخلص لله تعالى. وعن محمد أنه لا يباع ولا يورث ولا يوهب، اعتبره مسجدا، وهكذا عن أبي يوسف رحمه الله أنه يصير مسجدا» [6/ 234 بهامش شرحه فتح القدير، ط. دار الفكر].
وعليه فمن كان لديه بيت وجعل فوق البيت مسجدا أو تحته مسجدا أو اتخذ وسط بيته مسجدا أو كان لديه سرداب -وهو مجمع مياه- وجعل فوقه مسجدا، ففي صحة الوقف أقوال في مذهب الحنفية:
القول الأول: أن ذلك ليس مسجدا، لذا يجوز له بيعه ويورث عنه إلا إذا كان السرداب الذي تحت المسجد لصالح المسجد.
القول الثاني: أنه إذا كان السفل مسجدا دون العلو فهو مسجد ويتأبد، وإلا فليس بمسجد، أي لا يأخذ أحكام المسجد من حيث شروط دخوله والاعتكاف فيه وما إلى ذلك من أحكام المساجد، وهو مروي عن أبي حنيفة.
القول الثالث: أنه إذا كان المسجد فوق المسكن أو المستغل صار مسجدا وإلا فلا، وهو مروي عن محمد بن الحسن.
القول الرابع: أنه يصير مسجدا سواء أكان البيت أو المستغل فوق المسجد أم تحته، وهو مروي عن أبي يوسف، ورواية عن محمد للضرورة؛ وذلك لضيق المنازل .
وإنما لم يعتبر الحنفية المسجد المبني تحت بيت أو فوقه مسجدا؛ لأن من شروط صحة الوقف عندهم أن يفرز الواقف العين الموقوفة عن ملكه، وهذا غير متحقق فيما لو بنى تحت بيته مسجدا أو فوقه إلا أن أبا يوسف أجازه لضيق المكان، فكأنه اعتبر الضرورة.
يقول ابن عابدين في رد المحتار: «شرط كونه مسجدا أن يكون سفله وعلوه مسجدا؛ لينقطع حق العبد عنه، لقوله تعالى: ﴿وأن المساجد لله﴾ [الجن: 18]». [4/ 358، ط. دار الفكر].
ويلاحظ أن الحنفية يجيزون أن يجعل أسفل البيت أو سطحه مسجدا، ولكن محل الاختلاف في ثبوت وقفيته بمعنى هل يعتبر بيتا لله فلا يباع ولا يوهب ولا يورث ولا تدخله الحائض والجنب أم أن ملكيته لا تنتقل لله فيباع ويوهب ويورث؟
كما أن الحنفية أجازوا البناء فوق مسجد لم تتم مسجديته وتحته إذا كان البناء لمصالح المسجد، واعتبروا بيت الإمام من مصالحه، بشرط أن يبنى بيت الإمام قبل أن تتم مسجدية المسجد.
وفي الدر المختار: «لو بني فوقه بيت للإمام لا يضر؛ لأنه من المصالح، أما لو تمت المسجدية ثم أراد البناء منع، ولو قال: عنيت ذلك لم يصدق» [4/ 358].
ويرى المالكية حرمة البناء فوق المسجد القائم، إلا أنهم اختلفوا في بناء بيت تحته أو أن يجعل أسفل بيته مسجدا أو بناء بيت فوق مسجد أريد إنشاؤه.
جاء في مواهب الجليل للحطاب [5/ 420، ط. دار الفكر]: «وتحقيق المسألة أن المسجد لله إذا بناه الشخص له وحيز عنه فلا ينبغي أن يختلف في أنه لا يجوز له البناء فوقه، فقد قال القرافي في الفرق الثاني عشر بعد المائتين: اعلم أن حكم الأهوية تابع لحكم الأبنية، فهواء الوقف وقف، وهواء الطلق طلق، وهواء الموات موات... وهواء المسجد له حكم المسجد لا يقربه الجنب، ومقتضى هذه القاعدة أن يمنع هواء المسجد والأوقاف إلى عنان السماء لمن أراد غرز الخشب حولها وبنى على رؤوس الخشب سقفا عليه بنيان».
وجاء في منح الجليل للشيخ عليش: «(و) جاز (تضييف) بالفاء، أي إنزال الضيف وإطعامه (بمسجد بادية) وقد خفف مالك في سماع ابن القاسم للضيفان المبيت والأكل في مساجد القرى؛ لأن الباني لها للصلاة فيها علم أن الضيفان سيبيتون فيها لضرورتهم إلى ذلك، فصار كأنه قد بناها لذلك، وإن كان أصل بنائه لها إنما هو للصلاة فيها، ويجوز لمن لا منزل له أن يبيت في المسجد (و) جاز أن يتخذ (إناء) بكسر أوله ممدودا، أي وعاء (لبول) فيه ليلا بمسجد (إن خاف) البائت فيه (سبقا) للبول منه قبل خروجه من المسجد، وفي بعض النسخ بعين مهملة بدل القاف. ابن عرفة: فتوى ابن رشد بسعة إدخال من لا غنى عن مبيته بالمسجد من سدنته لحراسته، ومن اضطر للمبيت به من شيخ ضعيف وزمن ومريض ورجل لا يستطيع الخروج ليلا للمطر والريح والظلمة ظروفا للبول بها، فيها نظر؛ لأن ما يحرس اتخاذه بها غير واجب، وصونها عن ظروف البول واجب، ولا يدخل في نفل بمعصية. وشبه في الجواز فقال: (كـ) اتخاذ (منزل تحته) أي المسجد فيجوز (ومنع) بضم فكسر (عكسه) أي اتخاذ منزل فوق المسجد» [8/ 87، 88، ط. دار الفكر].
فهذا نص صريح بمنع المالكية اتخاذ بيت فوق المسجد للإمام وغيره، إلا أن الدردير والدسوقي والحطاب أجازوا السكن فوق مسجد إذا كانت السكنى قبل التحبيس أي لا بعده، بمعنى آخر إذا كان المسجد حادثا على البيت. [حاشية الدسوقي 4/ 19، ط. دار الفكر، ومواهب الجليل 5/ 421].
وخالف في ذلك ابن الحاجب حيث قال في جامع الأمهات [ص446، ط. اليمامة- دمشق]: «ويجوز للرجل جعل علو مسكنه مسجدا ولا يجوز جعل سفله مسجدا».
وروى ابن القاسم عن مالك في المدونة كراهة السكنى فوق المسجد، إلا أن فقهاء المالكية اختلفوا في توجيه كلام الإمام مالك، فبعضهم حمل الكراهة على التحريم، وبعضهم حمل الكراهة إذا كان البيت قبل المسجد وإلا حرم [مواهب الجليل 7/ 542، 543].
وقد منع الشافعية البناء فوق مسجد مطلقا ولو كان المسجد حادثا على البيت:
ففي حاشية إعانة الطالبين للبكري الدمياطي: «ويصح وقف العلو فقط من دار أو نحوها دون سفلها مسجدا» [3/ 189، ط. دار الفكر].
فإذا لم يجيزوا جعل أسفل البيت مسجدا على الرغم من أنه حادث عليه فمن باب الأولى أنه لا يجوز إحداث بيت على مسجد سواء أكان المسجد قائما أو يراد بناؤه.
والمعتمد عند الحنابلة جواز أن يجعل الشخص أسفل بيته وعلوه مسجدا، كما أجازوا في ظاهر الرواية عندهم أن يبنى تحت المسجد سقاية أو حوانيت إذا رأى أكثر أهله ذلك، ولكن منعوا البناء فوقه.
قال ابن مفلح في الفروع: «أو من جعل سفل بيته مسجدا انتفع بسطحه ونقل حنبل لا. وأنه لو جعل السطح مسجدا انتفع بأسفله؛ لأن السطح لا يحتاج إلى أسفل» [7/ 404، ط. مؤسسة الرسالة].
وجاء في كشاف القناع للبهوتي: «ولو جعل سفل بيته مسجدا وانتفع بعلوه -أي البيت- صح أو عكسه، بأن جعل علوي بيته مسجدا وانتفع بسفله صح، أو جعل وسطه -أي البيت- مسجدا، وانتفع بعلوه وسفله» [4/ 241، ط. دار الكتب العلمية].
وقال المرداوي في الإنصاف: «يجوز رفع المسجد إذا أراد أكثر أهله ذلك، وجعل تحت أسفله سقاية وحوانيت في ظاهر كلام الإمام أحمد وأخذ به القاضي، وقال الزركشي في الجهاد: وقيل: لا يجوز، وقال في الرعاية الكبرى: فإن أراد أهل مسجد رفعه عن الأرض وجعل سفله سقاية، هذا في مسجد أراد أهله إنشاءه كذلك، وهو أولى» [7/ 111، ط. دار إحياء التراث العربي].
وقد سبق وأن أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى بهذا الصدد عام 1369هـ، 1949م حيث أجاب فضيلة الشيخ/ حسنين محمد مخلوف عن سؤال وجه إليه من مفتش تخطيط المدينة بمصلحة التنظيم بوزارة الأشغال، قائلا: اطلعنا على السؤال الوارد بكتاب عزتكم وإجابة عليه نفيد أن المسجد يجب أن يكون خالصا لله تعالى لقوله عز وجل: ﴿وأن المساجد لله﴾ [الجن: 18]، فأضافها إليه تعالى مع أن كل شيء له ليدل بذلك على وجوب أن تكون خالصة له. ومن هذا كان ظاهر الرواية عند الحنفية أنه لو بنى فوق المسجد أو تحته بناء لينتفع به لم يصر بهذا مسجدا، وله أن يبيعه ويورث عنه، أما لو كان البناء لمصالح المسجد فإنه يجوز ويصير مسجدا كما في الدر المختار وحاشيته والفتاوى الهندية وغيرها، هذا قبل أن يصير مسجدا. أما بعده فلا يمكن أحد من البناء عليه مطلقا. ونقل ابن عابدين عن البحر ما نصه: «وحاصله أن شرط كونه مسجدا أن يكون سفله وعلوه مسجدا؛ لينقطع حق العبد عنه لقوله تعالى ﴿وأن المساجد لله﴾، بخلاف ما إذا كان السرداب والعلو موقوفا لصالح المسجد، فهو كسرداب بيت المقدس، هذا هو ظاهر الرواية. انتهى. ونقل عن الصاحبين أنه يجوز أن يكون سفل المسجد أو علوه ملكا بكل حال ينتفع به الباقي أو يخصص لمصالح المسجد إذا اقتضت الضرورة، ذلك كما في البلاد التي تضيق منازلها بسكانها. وعلى هذا إذا كانت هناك ضرورة تدعو إلى المشروع المسؤول عنه فلا بأس بالأخذ بقول الصاحبين في الرواية المذكورة عنهما؛ لأنها تتفق مع قواعد المذهب كقاعدة الضرورات تبيح المحظورات، وقاعدة المشقة تجلب التيسير وغيرهما، وهذا مقرر في قول الله عز وجل: ﴿وما جعل عليكم في الدين من حرجٍ﴾ [الحج: 78]. اهـ.
وبناء على ما سبق فإنه يمتنع بناء بيت فوق مسجد تمت مسجديته اتفاقا، لكن إذا كان الواقف قد نوى ذلك فهو جائز -على قول بعض أهل العلم- ولو للانتفاع الشخصي. وكذلك يجوز بناء ما فيه مصالح المسجد كبيت الإمام، ولا مانع من إحداث مسجد تحت بيت قائم سابق للمسجد، وكذا فوقه.
ولا بأس أيضا برفع مسجد وبناء بيت أو حانوت أو غيره تحته إذا رأى أكثر أهل المسجد ذلك، سواء أكان المسجد قائما أم يراد بناؤه -على قول بعض أهل العلم- وقد تقدم ذكر أقوالهم. والله تعالى أعلم.
أجمع الفقهاء على وجوب تعظيم المساجد وصيانتها، فنصوا على آداب دخولها والجلوس فيها وخصوها بمزايا متعددة عن بيوت الآدميين على اعتبار أنها من شعائر الله، وأن تعظيمها من تعظيم الله، بل إن فقهاءنا رحمهم الله تعالى قد أعطوا سطح المسجد ورحبة المسجد حكم المسجد من حيث وجوب الصيانة واحترام القدسية.
قال النووي في المجموع: «حائط المسجد من داخله وخارجه له حكم المسجد في وجوب صيانته وتعظيم حرماته، وكذا سطحه والبئر التي فيه، وكذا رحبته» [2/ 178، ط. دار الفكر].
وقال ابن قدامة في المغني: «ويجوز للمعتكف صعود سطح المسجد؛ لأنه من جملته، ولهذا يمنع الجنب من اللبث فيه، وهذا قول أبي حنيفة ومالك والشافعي، ولا نعلم فيه مخالفا» [3/ 196، ط. مكتبة القاهرة].
ومسألة البناء فوق المسجد أو تحته من المسائل المختلف فيها، حيث يرى بعض الحنفية جواز البناء فوق المسجد إذا كان البناء لصالح المسجد كبيت للإمام مثلا، ففي الهداية: «ومن جعل مسجدا تحته سرداب أو فوقه بيت وجعل باب المسجد إلى الطريق، وعزله عن ملكه فله أن يبيعه، وإن مات يورث عنه؛ لأنه لم يخلص لله تعالى لبقاء حق العبد متعلقا به، ولو كان السرداب لمصالح المسجد جاز كما في مسجد بيت المقدس. وروى الحسن عنه أنه قال: إذا جعل السفل مسجدا وعلى ظهره مسكن فهو مسجد؛ لأن المسجد مما يتأبد وذلك يتحقق في السفل دون العلو. وعن محمد رحمه الله على عكس هذا؛ لأن المسجد معظم، وإذا كان فوق مسكن أو مستغل يتعذر تعظيمه. وعن أبي يوسف رحمه الله أنه جوز في الوجهين حين قدم بغداد ورأى ضيق المنازل، فكأنه اعتبر الضرورة. وعن محمد رحمه الله أنه حين دخل الري أجاز ذلك كله لما قلنا، وكذلك إذا اتخذ وسط داره مسجدا وأذن للناس بالدخول فيه فله أن يبيعه ويورث عنه؛ لأن المسجد ما لا يكون لأحد فيه حق المنع، وإذا كان ملكه محيطا بجوانبه كان له حق المنع فلم يصر مسجدا، ولأنه أبقى الطريق لنفسه فلم يخلص لله تعالى. وعن محمد أنه لا يباع ولا يورث ولا يوهب، اعتبره مسجدا، وهكذا عن أبي يوسف رحمه الله أنه يصير مسجدا» [6/ 234 بهامش شرحه فتح القدير، ط. دار الفكر].
وعليه فمن كان لديه بيت وجعل فوق البيت مسجدا أو تحته مسجدا أو اتخذ وسط بيته مسجدا أو كان لديه سرداب -وهو مجمع مياه- وجعل فوقه مسجدا، ففي صحة الوقف أقوال في مذهب الحنفية:
القول الأول: أن ذلك ليس مسجدا، لذا يجوز له بيعه ويورث عنه إلا إذا كان السرداب الذي تحت المسجد لصالح المسجد.
القول الثاني: أنه إذا كان السفل مسجدا دون العلو فهو مسجد ويتأبد، وإلا فليس بمسجد، أي لا يأخذ أحكام المسجد من حيث شروط دخوله والاعتكاف فيه وما إلى ذلك من أحكام المساجد، وهو مروي عن أبي حنيفة.
القول الثالث: أنه إذا كان المسجد فوق المسكن أو المستغل صار مسجدا وإلا فلا، وهو مروي عن محمد بن الحسن.
القول الرابع: أنه يصير مسجدا سواء أكان البيت أو المستغل فوق المسجد أم تحته، وهو مروي عن أبي يوسف، ورواية عن محمد للضرورة؛ وذلك لضيق المنازل .
وإنما لم يعتبر الحنفية المسجد المبني تحت بيت أو فوقه مسجدا؛ لأن من شروط صحة الوقف عندهم أن يفرز الواقف العين الموقوفة عن ملكه، وهذا غير متحقق فيما لو بنى تحت بيته مسجدا أو فوقه إلا أن أبا يوسف أجازه لضيق المكان، فكأنه اعتبر الضرورة.
يقول ابن عابدين في رد المحتار: «شرط كونه مسجدا أن يكون سفله وعلوه مسجدا؛ لينقطع حق العبد عنه، لقوله تعالى: ﴿وأن المساجد لله﴾ [الجن: 18]». [4/ 358، ط. دار الفكر].
ويلاحظ أن الحنفية يجيزون أن يجعل أسفل البيت أو سطحه مسجدا، ولكن محل الاختلاف في ثبوت وقفيته بمعنى هل يعتبر بيتا لله فلا يباع ولا يوهب ولا يورث ولا تدخله الحائض والجنب أم أن ملكيته لا تنتقل لله فيباع ويوهب ويورث؟
كما أن الحنفية أجازوا البناء فوق مسجد لم تتم مسجديته وتحته إذا كان البناء لمصالح المسجد، واعتبروا بيت الإمام من مصالحه، بشرط أن يبنى بيت الإمام قبل أن تتم مسجدية المسجد.
وفي الدر المختار: «لو بني فوقه بيت للإمام لا يضر؛ لأنه من المصالح، أما لو تمت المسجدية ثم أراد البناء منع، ولو قال: عنيت ذلك لم يصدق» [4/ 358].
ويرى المالكية حرمة البناء فوق المسجد القائم، إلا أنهم اختلفوا في بناء بيت تحته أو أن يجعل أسفل بيته مسجدا أو بناء بيت فوق مسجد أريد إنشاؤه.
جاء في مواهب الجليل للحطاب [5/ 420، ط. دار الفكر]: «وتحقيق المسألة أن المسجد لله إذا بناه الشخص له وحيز عنه فلا ينبغي أن يختلف في أنه لا يجوز له البناء فوقه، فقد قال القرافي في الفرق الثاني عشر بعد المائتين: اعلم أن حكم الأهوية تابع لحكم الأبنية، فهواء الوقف وقف، وهواء الطلق طلق، وهواء الموات موات... وهواء المسجد له حكم المسجد لا يقربه الجنب، ومقتضى هذه القاعدة أن يمنع هواء المسجد والأوقاف إلى عنان السماء لمن أراد غرز الخشب حولها وبنى على رؤوس الخشب سقفا عليه بنيان».
وجاء في منح الجليل للشيخ عليش: «(و) جاز (تضييف) بالفاء، أي إنزال الضيف وإطعامه (بمسجد بادية) وقد خفف مالك في سماع ابن القاسم للضيفان المبيت والأكل في مساجد القرى؛ لأن الباني لها للصلاة فيها علم أن الضيفان سيبيتون فيها لضرورتهم إلى ذلك، فصار كأنه قد بناها لذلك، وإن كان أصل بنائه لها إنما هو للصلاة فيها، ويجوز لمن لا منزل له أن يبيت في المسجد (و) جاز أن يتخذ (إناء) بكسر أوله ممدودا، أي وعاء (لبول) فيه ليلا بمسجد (إن خاف) البائت فيه (سبقا) للبول منه قبل خروجه من المسجد، وفي بعض النسخ بعين مهملة بدل القاف. ابن عرفة: فتوى ابن رشد بسعة إدخال من لا غنى عن مبيته بالمسجد من سدنته لحراسته، ومن اضطر للمبيت به من شيخ ضعيف وزمن ومريض ورجل لا يستطيع الخروج ليلا للمطر والريح والظلمة ظروفا للبول بها، فيها نظر؛ لأن ما يحرس اتخاذه بها غير واجب، وصونها عن ظروف البول واجب، ولا يدخل في نفل بمعصية. وشبه في الجواز فقال: (كـ) اتخاذ (منزل تحته) أي المسجد فيجوز (ومنع) بضم فكسر (عكسه) أي اتخاذ منزل فوق المسجد» [8/ 87، 88، ط. دار الفكر].
فهذا نص صريح بمنع المالكية اتخاذ بيت فوق المسجد للإمام وغيره، إلا أن الدردير والدسوقي والحطاب أجازوا السكن فوق مسجد إذا كانت السكنى قبل التحبيس أي لا بعده، بمعنى آخر إذا كان المسجد حادثا على البيت. [حاشية الدسوقي 4/ 19، ط. دار الفكر، ومواهب الجليل 5/ 421].
وخالف في ذلك ابن الحاجب حيث قال في جامع الأمهات [ص446، ط. اليمامة- دمشق]: «ويجوز للرجل جعل علو مسكنه مسجدا ولا يجوز جعل سفله مسجدا».
وروى ابن القاسم عن مالك في المدونة كراهة السكنى فوق المسجد، إلا أن فقهاء المالكية اختلفوا في توجيه كلام الإمام مالك، فبعضهم حمل الكراهة على التحريم، وبعضهم حمل الكراهة إذا كان البيت قبل المسجد وإلا حرم [مواهب الجليل 7/ 542، 543].
وقد منع الشافعية البناء فوق مسجد مطلقا ولو كان المسجد حادثا على البيت:
ففي حاشية إعانة الطالبين للبكري الدمياطي: «ويصح وقف العلو فقط من دار أو نحوها دون سفلها مسجدا» [3/ 189، ط. دار الفكر].
فإذا لم يجيزوا جعل أسفل البيت مسجدا على الرغم من أنه حادث عليه فمن باب الأولى أنه لا يجوز إحداث بيت على مسجد سواء أكان المسجد قائما أو يراد بناؤه.
والمعتمد عند الحنابلة جواز أن يجعل الشخص أسفل بيته وعلوه مسجدا، كما أجازوا في ظاهر الرواية عندهم أن يبنى تحت المسجد سقاية أو حوانيت إذا رأى أكثر أهله ذلك، ولكن منعوا البناء فوقه.
قال ابن مفلح في الفروع: «أو من جعل سفل بيته مسجدا انتفع بسطحه ونقل حنبل لا. وأنه لو جعل السطح مسجدا انتفع بأسفله؛ لأن السطح لا يحتاج إلى أسفل» [7/ 404، ط. مؤسسة الرسالة].
وجاء في كشاف القناع للبهوتي: «ولو جعل سفل بيته مسجدا وانتفع بعلوه -أي البيت- صح أو عكسه، بأن جعل علوي بيته مسجدا وانتفع بسفله صح، أو جعل وسطه -أي البيت- مسجدا، وانتفع بعلوه وسفله» [4/ 241، ط. دار الكتب العلمية].
وقال المرداوي في الإنصاف: «يجوز رفع المسجد إذا أراد أكثر أهله ذلك، وجعل تحت أسفله سقاية وحوانيت في ظاهر كلام الإمام أحمد وأخذ به القاضي، وقال الزركشي في الجهاد: وقيل: لا يجوز، وقال في الرعاية الكبرى: فإن أراد أهل مسجد رفعه عن الأرض وجعل سفله سقاية، هذا في مسجد أراد أهله إنشاءه كذلك، وهو أولى» [7/ 111، ط. دار إحياء التراث العربي].
وقد سبق وأن أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى بهذا الصدد عام 1369هـ، 1949م حيث أجاب فضيلة الشيخ/ حسنين محمد مخلوف عن سؤال وجه إليه من مفتش تخطيط المدينة بمصلحة التنظيم بوزارة الأشغال، قائلا: اطلعنا على السؤال الوارد بكتاب عزتكم وإجابة عليه نفيد أن المسجد يجب أن يكون خالصا لله تعالى لقوله عز وجل: ﴿وأن المساجد لله﴾ [الجن: 18]، فأضافها إليه تعالى مع أن كل شيء له ليدل بذلك على وجوب أن تكون خالصة له. ومن هذا كان ظاهر الرواية عند الحنفية أنه لو بنى فوق المسجد أو تحته بناء لينتفع به لم يصر بهذا مسجدا، وله أن يبيعه ويورث عنه، أما لو كان البناء لمصالح المسجد فإنه يجوز ويصير مسجدا كما في الدر المختار وحاشيته والفتاوى الهندية وغيرها، هذا قبل أن يصير مسجدا. أما بعده فلا يمكن أحد من البناء عليه مطلقا. ونقل ابن عابدين عن البحر ما نصه: «وحاصله أن شرط كونه مسجدا أن يكون سفله وعلوه مسجدا؛ لينقطع حق العبد عنه لقوله تعالى ﴿وأن المساجد لله﴾، بخلاف ما إذا كان السرداب والعلو موقوفا لصالح المسجد، فهو كسرداب بيت المقدس، هذا هو ظاهر الرواية. انتهى. ونقل عن الصاحبين أنه يجوز أن يكون سفل المسجد أو علوه ملكا بكل حال ينتفع به الباقي أو يخصص لمصالح المسجد إذا اقتضت الضرورة، ذلك كما في البلاد التي تضيق منازلها بسكانها. وعلى هذا إذا كانت هناك ضرورة تدعو إلى المشروع المسؤول عنه فلا بأس بالأخذ بقول الصاحبين في الرواية المذكورة عنهما؛ لأنها تتفق مع قواعد المذهب كقاعدة الضرورات تبيح المحظورات، وقاعدة المشقة تجلب التيسير وغيرهما، وهذا مقرر في قول الله عز وجل: ﴿وما جعل عليكم في الدين من حرجٍ﴾ [الحج: 78]. اهـ.
وبناء على ما سبق فإنه يمتنع بناء بيت فوق مسجد تمت مسجديته اتفاقا، لكن إذا كان الواقف قد نوى ذلك فهو جائز -على قول بعض أهل العلم- ولو للانتفاع الشخصي. وكذلك يجوز بناء ما فيه مصالح المسجد كبيت الإمام، ولا مانع من إحداث مسجد تحت بيت قائم سابق للمسجد، وكذا فوقه.
ولا بأس أيضا برفع مسجد وبناء بيت أو حانوت أو غيره تحته إذا رأى أكثر أهل المسجد ذلك، سواء أكان المسجد قائما أم يراد بناؤه -على قول بعض أهل العلم- وقد تقدم ذكر أقوالهم. والله تعالى أعلم.
البناء والسكنى فوق المسجد وتحته
هل يجوز البناء والسكنى فوق المسجد وتحته؟
أجمع الفقهاء على وجوب تعظيم المساجد وصيانتها، فنصوا على آداب دخولها والجلوس فيها وخصوها بمزايا متعددة عن بيوت الآدميين على اعتبار أنها من شعائر الله، وأن تعظيمها من تعظيم الله، بل إن فقهاءنا رحمهم الله تعالى قد أعطوا سطح المسجد ورحبة المسجد حكم المسجد من حيث وجوب الصيانة واحترام القدسية.
قال النووي في المجموع: «حائط المسجد من داخله وخارجه له حكم المسجد في وجوب صيانته وتعظيم حرماته، وكذا سطحه والبئر التي فيه، وكذا رحبته» [2/ 178، ط. دار الفكر].
وقال ابن قدامة في المغني: «ويجوز للمعتكف صعود سطح المسجد؛ لأنه من جملته، ولهذا يمنع الجنب من اللبث فيه، وهذا قول أبي حنيفة ومالك والشافعي، ولا نعلم فيه مخالفا» [3/ 196، ط. مكتبة القاهرة].
ومسألة البناء فوق المسجد أو تحته من المسائل المختلف فيها، حيث يرى بعض الحنفية جواز البناء فوق المسجد إذا كان البناء لصالح المسجد كبيت للإمام مثلا، ففي الهداية: «ومن جعل مسجدا تحته سرداب أو فوقه بيت وجعل باب المسجد إلى الطريق، وعزله عن ملكه فله أن يبيعه، وإن مات يورث عنه؛ لأنه لم يخلص لله تعالى لبقاء حق العبد متعلقا به، ولو كان السرداب لمصالح المسجد جاز كما في مسجد بيت المقدس. وروى الحسن عنه أنه قال: إذا جعل السفل مسجدا وعلى ظهره مسكن فهو مسجد؛ لأن المسجد مما يتأبد وذلك يتحقق في السفل دون العلو. وعن محمد رحمه الله على عكس هذا؛ لأن المسجد معظم، وإذا كان فوق مسكن أو مستغل يتعذر تعظيمه. وعن أبي يوسف رحمه الله أنه جوز في الوجهين حين قدم بغداد ورأى ضيق المنازل، فكأنه اعتبر الضرورة. وعن محمد رحمه الله أنه حين دخل الري أجاز ذلك كله لما قلنا، وكذلك إذا اتخذ وسط داره مسجدا وأذن للناس بالدخول فيه فله أن يبيعه ويورث عنه؛ لأن المسجد ما لا يكون لأحد فيه حق المنع، وإذا كان ملكه محيطا بجوانبه كان له حق المنع فلم يصر مسجدا، ولأنه أبقى الطريق لنفسه فلم يخلص لله تعالى. وعن محمد أنه لا يباع ولا يورث ولا يوهب، اعتبره مسجدا، وهكذا عن أبي يوسف رحمه الله أنه يصير مسجدا» [6/ 234 بهامش شرحه فتح القدير، ط. دار الفكر].
وعليه فمن كان لديه بيت وجعل فوق البيت مسجدا أو تحته مسجدا أو اتخذ وسط بيته مسجدا أو كان لديه سرداب -وهو مجمع مياه- وجعل فوقه مسجدا، ففي صحة الوقف أقوال في مذهب الحنفية:
القول الأول: أن ذلك ليس مسجدا، لذا يجوز له بيعه ويورث عنه إلا إذا كان السرداب الذي تحت المسجد لصالح المسجد.
القول الثاني: أنه إذا كان السفل مسجدا دون العلو فهو مسجد ويتأبد، وإلا فليس بمسجد، أي لا يأخذ أحكام المسجد من حيث شروط دخوله والاعتكاف فيه وما إلى ذلك من أحكام المساجد، وهو مروي عن أبي حنيفة.
القول الثالث: أنه إذا كان المسجد فوق المسكن أو المستغل صار مسجدا وإلا فلا، وهو مروي عن محمد بن الحسن.
القول الرابع: أنه يصير مسجدا سواء أكان البيت أو المستغل فوق المسجد أم تحته، وهو مروي عن أبي يوسف، ورواية عن محمد للضرورة؛ وذلك لضيق المنازل .
وإنما لم يعتبر الحنفية المسجد المبني تحت بيت أو فوقه مسجدا؛ لأن من شروط صحة الوقف عندهم أن يفرز الواقف العين الموقوفة عن ملكه، وهذا غير متحقق فيما لو بنى تحت بيته مسجدا أو فوقه إلا أن أبا يوسف أجازه لضيق المكان، فكأنه اعتبر الضرورة.
يقول ابن عابدين في رد المحتار: «شرط كونه مسجدا أن يكون سفله وعلوه مسجدا؛ لينقطع حق العبد عنه، لقوله تعالى: ﴿وأن المساجد لله﴾ [الجن: 18]». [4/ 358، ط. دار الفكر].
ويلاحظ أن الحنفية يجيزون أن يجعل أسفل البيت أو سطحه مسجدا، ولكن محل الاختلاف في ثبوت وقفيته بمعنى هل يعتبر بيتا لله فلا يباع ولا يوهب ولا يورث ولا تدخله الحائض والجنب أم أن ملكيته لا تنتقل لله فيباع ويوهب ويورث؟
كما أن الحنفية أجازوا البناء فوق مسجد لم تتم مسجديته وتحته إذا كان البناء لمصالح المسجد، واعتبروا بيت الإمام من مصالحه، بشرط أن يبنى بيت الإمام قبل أن تتم مسجدية المسجد.
وفي الدر المختار: «لو بني فوقه بيت للإمام لا يضر؛ لأنه من المصالح، أما لو تمت المسجدية ثم أراد البناء منع، ولو قال: عنيت ذلك لم يصدق» [4/ 358].
ويرى المالكية حرمة البناء فوق المسجد القائم، إلا أنهم اختلفوا في بناء بيت تحته أو أن يجعل أسفل بيته مسجدا أو بناء بيت فوق مسجد أريد إنشاؤه.
جاء في مواهب الجليل للحطاب [5/ 420، ط. دار الفكر]: «وتحقيق المسألة أن المسجد لله إذا بناه الشخص له وحيز عنه فلا ينبغي أن يختلف في أنه لا يجوز له البناء فوقه، فقد قال القرافي في الفرق الثاني عشر بعد المائتين: اعلم أن حكم الأهوية تابع لحكم الأبنية، فهواء الوقف وقف، وهواء الطلق طلق، وهواء الموات موات... وهواء المسجد له حكم المسجد لا يقربه الجنب، ومقتضى هذه القاعدة أن يمنع هواء المسجد والأوقاف إلى عنان السماء لمن أراد غرز الخشب حولها وبنى على رؤوس الخشب سقفا عليه بنيان».
وجاء في منح الجليل للشيخ عليش: «(و) جاز (تضييف) بالفاء، أي إنزال الضيف وإطعامه (بمسجد بادية) وقد خفف مالك في سماع ابن القاسم للضيفان المبيت والأكل في مساجد القرى؛ لأن الباني لها للصلاة فيها علم أن الضيفان سيبيتون فيها لضرورتهم إلى ذلك، فصار كأنه قد بناها لذلك، وإن كان أصل بنائه لها إنما هو للصلاة فيها، ويجوز لمن لا منزل له أن يبيت في المسجد (و) جاز أن يتخذ (إناء) بكسر أوله ممدودا، أي وعاء (لبول) فيه ليلا بمسجد (إن خاف) البائت فيه (سبقا) للبول منه قبل خروجه من المسجد، وفي بعض النسخ بعين مهملة بدل القاف. ابن عرفة: فتوى ابن رشد بسعة إدخال من لا غنى عن مبيته بالمسجد من سدنته لحراسته، ومن اضطر للمبيت به من شيخ ضعيف وزمن ومريض ورجل لا يستطيع الخروج ليلا للمطر والريح والظلمة ظروفا للبول بها، فيها نظر؛ لأن ما يحرس اتخاذه بها غير واجب، وصونها عن ظروف البول واجب، ولا يدخل في نفل بمعصية. وشبه في الجواز فقال: (كـ) اتخاذ (منزل تحته) أي المسجد فيجوز (ومنع) بضم فكسر (عكسه) أي اتخاذ منزل فوق المسجد» [8/ 87، 88، ط. دار الفكر].
فهذا نص صريح بمنع المالكية اتخاذ بيت فوق المسجد للإمام وغيره، إلا أن الدردير والدسوقي والحطاب أجازوا السكن فوق مسجد إذا كانت السكنى قبل التحبيس أي لا بعده، بمعنى آخر إذا كان المسجد حادثا على البيت. [حاشية الدسوقي 4/ 19، ط. دار الفكر، ومواهب الجليل 5/ 421].
وخالف في ذلك ابن الحاجب حيث قال في جامع الأمهات [ص446، ط. اليمامة- دمشق]: «ويجوز للرجل جعل علو مسكنه مسجدا ولا يجوز جعل سفله مسجدا».
وروى ابن القاسم عن مالك في المدونة كراهة السكنى فوق المسجد، إلا أن فقهاء المالكية اختلفوا في توجيه كلام الإمام مالك، فبعضهم حمل الكراهة على التحريم، وبعضهم حمل الكراهة إذا كان البيت قبل المسجد وإلا حرم [مواهب الجليل 7/ 542، 543].
وقد منع الشافعية البناء فوق مسجد مطلقا ولو كان المسجد حادثا على البيت:
ففي حاشية إعانة الطالبين للبكري الدمياطي: «ويصح وقف العلو فقط من دار أو نحوها دون سفلها مسجدا» [3/ 189، ط. دار الفكر].
فإذا لم يجيزوا جعل أسفل البيت مسجدا على الرغم من أنه حادث عليه فمن باب الأولى أنه لا يجوز إحداث بيت على مسجد سواء أكان المسجد قائما أو يراد بناؤه.
والمعتمد عند الحنابلة جواز أن يجعل الشخص أسفل بيته وعلوه مسجدا، كما أجازوا في ظاهر الرواية عندهم أن يبنى تحت المسجد سقاية أو حوانيت إذا رأى أكثر أهله ذلك، ولكن منعوا البناء فوقه.
قال ابن مفلح في الفروع: «أو من جعل سفل بيته مسجدا انتفع بسطحه ونقل حنبل لا. وأنه لو جعل السطح مسجدا انتفع بأسفله؛ لأن السطح لا يحتاج إلى أسفل» [7/ 404، ط. مؤسسة الرسالة].
وجاء في كشاف القناع للبهوتي: «ولو جعل سفل بيته مسجدا وانتفع بعلوه -أي البيت- صح أو عكسه، بأن جعل علوي بيته مسجدا وانتفع بسفله صح، أو جعل وسطه -أي البيت- مسجدا، وانتفع بعلوه وسفله» [4/ 241، ط. دار الكتب العلمية].
وقال المرداوي في الإنصاف: «يجوز رفع المسجد إذا أراد أكثر أهله ذلك، وجعل تحت أسفله سقاية وحوانيت في ظاهر كلام الإمام أحمد وأخذ به القاضي، وقال الزركشي في الجهاد: وقيل: لا يجوز، وقال في الرعاية الكبرى: فإن أراد أهل مسجد رفعه عن الأرض وجعل سفله سقاية، هذا في مسجد أراد أهله إنشاءه كذلك، وهو أولى» [7/ 111، ط. دار إحياء التراث العربي].
وقد سبق وأن أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى بهذا الصدد عام 1369هـ، 1949م حيث أجاب فضيلة الشيخ/ حسنين محمد مخلوف عن سؤال وجه إليه من مفتش تخطيط المدينة بمصلحة التنظيم بوزارة الأشغال، قائلا: اطلعنا على السؤال الوارد بكتاب عزتكم وإجابة عليه نفيد أن المسجد يجب أن يكون خالصا لله تعالى لقوله عز وجل: ﴿وأن المساجد لله﴾ [الجن: 18]، فأضافها إليه تعالى مع أن كل شيء له ليدل بذلك على وجوب أن تكون خالصة له. ومن هذا كان ظاهر الرواية عند الحنفية أنه لو بنى فوق المسجد أو تحته بناء لينتفع به لم يصر بهذا مسجدا، وله أن يبيعه ويورث عنه، أما لو كان البناء لمصالح المسجد فإنه يجوز ويصير مسجدا كما في الدر المختار وحاشيته والفتاوى الهندية وغيرها، هذا قبل أن يصير مسجدا. أما بعده فلا يمكن أحد من البناء عليه مطلقا. ونقل ابن عابدين عن البحر ما نصه: «وحاصله أن شرط كونه مسجدا أن يكون سفله وعلوه مسجدا؛ لينقطع حق العبد عنه لقوله تعالى ﴿وأن المساجد لله﴾، بخلاف ما إذا كان السرداب والعلو موقوفا لصالح المسجد، فهو كسرداب بيت المقدس، هذا هو ظاهر الرواية. انتهى. ونقل عن الصاحبين أنه يجوز أن يكون سفل المسجد أو علوه ملكا بكل حال ينتفع به الباقي أو يخصص لمصالح المسجد إذا اقتضت الضرورة، ذلك كما في البلاد التي تضيق منازلها بسكانها. وعلى هذا إذا كانت هناك ضرورة تدعو إلى المشروع المسؤول عنه فلا بأس بالأخذ بقول الصاحبين في الرواية المذكورة عنهما؛ لأنها تتفق مع قواعد المذهب كقاعدة الضرورات تبيح المحظورات، وقاعدة المشقة تجلب التيسير وغيرهما، وهذا مقرر في قول الله عز وجل: ﴿وما جعل عليكم في الدين من حرجٍ﴾ [الحج: 78]. اهـ.
وبناء على ما سبق فإنه يمتنع بناء بيت فوق مسجد تمت مسجديته اتفاقا، لكن إذا كان الواقف قد نوى ذلك فهو جائز -على قول بعض أهل العلم- ولو للانتفاع الشخصي. وكذلك يجوز بناء ما فيه مصالح المسجد كبيت الإمام، ولا مانع من إحداث مسجد تحت بيت قائم سابق للمسجد، وكذا فوقه.
ولا بأس أيضا برفع مسجد وبناء بيت أو حانوت أو غيره تحته إذا رأى أكثر أهل المسجد ذلك، سواء أكان المسجد قائما أم يراد بناؤه -على قول بعض أهل العلم- وقد تقدم ذكر أقوالهم. والله تعالى أعلم.
أجمع الفقهاء على وجوب تعظيم المساجد وصيانتها، فنصوا على آداب دخولها والجلوس فيها وخصوها بمزايا متعددة عن بيوت الآدميين على اعتبار أنها من شعائر الله، وأن تعظيمها من تعظيم الله، بل إن فقهاءنا رحمهم الله تعالى قد أعطوا سطح المسجد ورحبة المسجد حكم المسجد من حيث وجوب الصيانة واحترام القدسية.
قال النووي في المجموع: «حائط المسجد من داخله وخارجه له حكم المسجد في وجوب صيانته وتعظيم حرماته، وكذا سطحه والبئر التي فيه، وكذا رحبته» [2/ 178، ط. دار الفكر].
وقال ابن قدامة في المغني: «ويجوز للمعتكف صعود سطح المسجد؛ لأنه من جملته، ولهذا يمنع الجنب من اللبث فيه، وهذا قول أبي حنيفة ومالك والشافعي، ولا نعلم فيه مخالفا» [3/ 196، ط. مكتبة القاهرة].
ومسألة البناء فوق المسجد أو تحته من المسائل المختلف فيها، حيث يرى بعض الحنفية جواز البناء فوق المسجد إذا كان البناء لصالح المسجد كبيت للإمام مثلا، ففي الهداية: «ومن جعل مسجدا تحته سرداب أو فوقه بيت وجعل باب المسجد إلى الطريق، وعزله عن ملكه فله أن يبيعه، وإن مات يورث عنه؛ لأنه لم يخلص لله تعالى لبقاء حق العبد متعلقا به، ولو كان السرداب لمصالح المسجد جاز كما في مسجد بيت المقدس. وروى الحسن عنه أنه قال: إذا جعل السفل مسجدا وعلى ظهره مسكن فهو مسجد؛ لأن المسجد مما يتأبد وذلك يتحقق في السفل دون العلو. وعن محمد رحمه الله على عكس هذا؛ لأن المسجد معظم، وإذا كان فوق مسكن أو مستغل يتعذر تعظيمه. وعن أبي يوسف رحمه الله أنه جوز في الوجهين حين قدم بغداد ورأى ضيق المنازل، فكأنه اعتبر الضرورة. وعن محمد رحمه الله أنه حين دخل الري أجاز ذلك كله لما قلنا، وكذلك إذا اتخذ وسط داره مسجدا وأذن للناس بالدخول فيه فله أن يبيعه ويورث عنه؛ لأن المسجد ما لا يكون لأحد فيه حق المنع، وإذا كان ملكه محيطا بجوانبه كان له حق المنع فلم يصر مسجدا، ولأنه أبقى الطريق لنفسه فلم يخلص لله تعالى. وعن محمد أنه لا يباع ولا يورث ولا يوهب، اعتبره مسجدا، وهكذا عن أبي يوسف رحمه الله أنه يصير مسجدا» [6/ 234 بهامش شرحه فتح القدير، ط. دار الفكر].
وعليه فمن كان لديه بيت وجعل فوق البيت مسجدا أو تحته مسجدا أو اتخذ وسط بيته مسجدا أو كان لديه سرداب -وهو مجمع مياه- وجعل فوقه مسجدا، ففي صحة الوقف أقوال في مذهب الحنفية:
القول الأول: أن ذلك ليس مسجدا، لذا يجوز له بيعه ويورث عنه إلا إذا كان السرداب الذي تحت المسجد لصالح المسجد.
القول الثاني: أنه إذا كان السفل مسجدا دون العلو فهو مسجد ويتأبد، وإلا فليس بمسجد، أي لا يأخذ أحكام المسجد من حيث شروط دخوله والاعتكاف فيه وما إلى ذلك من أحكام المساجد، وهو مروي عن أبي حنيفة.
القول الثالث: أنه إذا كان المسجد فوق المسكن أو المستغل صار مسجدا وإلا فلا، وهو مروي عن محمد بن الحسن.
القول الرابع: أنه يصير مسجدا سواء أكان البيت أو المستغل فوق المسجد أم تحته، وهو مروي عن أبي يوسف، ورواية عن محمد للضرورة؛ وذلك لضيق المنازل .
وإنما لم يعتبر الحنفية المسجد المبني تحت بيت أو فوقه مسجدا؛ لأن من شروط صحة الوقف عندهم أن يفرز الواقف العين الموقوفة عن ملكه، وهذا غير متحقق فيما لو بنى تحت بيته مسجدا أو فوقه إلا أن أبا يوسف أجازه لضيق المكان، فكأنه اعتبر الضرورة.
يقول ابن عابدين في رد المحتار: «شرط كونه مسجدا أن يكون سفله وعلوه مسجدا؛ لينقطع حق العبد عنه، لقوله تعالى: ﴿وأن المساجد لله﴾ [الجن: 18]». [4/ 358، ط. دار الفكر].
ويلاحظ أن الحنفية يجيزون أن يجعل أسفل البيت أو سطحه مسجدا، ولكن محل الاختلاف في ثبوت وقفيته بمعنى هل يعتبر بيتا لله فلا يباع ولا يوهب ولا يورث ولا تدخله الحائض والجنب أم أن ملكيته لا تنتقل لله فيباع ويوهب ويورث؟
كما أن الحنفية أجازوا البناء فوق مسجد لم تتم مسجديته وتحته إذا كان البناء لمصالح المسجد، واعتبروا بيت الإمام من مصالحه، بشرط أن يبنى بيت الإمام قبل أن تتم مسجدية المسجد.
وفي الدر المختار: «لو بني فوقه بيت للإمام لا يضر؛ لأنه من المصالح، أما لو تمت المسجدية ثم أراد البناء منع، ولو قال: عنيت ذلك لم يصدق» [4/ 358].
ويرى المالكية حرمة البناء فوق المسجد القائم، إلا أنهم اختلفوا في بناء بيت تحته أو أن يجعل أسفل بيته مسجدا أو بناء بيت فوق مسجد أريد إنشاؤه.
جاء في مواهب الجليل للحطاب [5/ 420، ط. دار الفكر]: «وتحقيق المسألة أن المسجد لله إذا بناه الشخص له وحيز عنه فلا ينبغي أن يختلف في أنه لا يجوز له البناء فوقه، فقد قال القرافي في الفرق الثاني عشر بعد المائتين: اعلم أن حكم الأهوية تابع لحكم الأبنية، فهواء الوقف وقف، وهواء الطلق طلق، وهواء الموات موات... وهواء المسجد له حكم المسجد لا يقربه الجنب، ومقتضى هذه القاعدة أن يمنع هواء المسجد والأوقاف إلى عنان السماء لمن أراد غرز الخشب حولها وبنى على رؤوس الخشب سقفا عليه بنيان».
وجاء في منح الجليل للشيخ عليش: «(و) جاز (تضييف) بالفاء، أي إنزال الضيف وإطعامه (بمسجد بادية) وقد خفف مالك في سماع ابن القاسم للضيفان المبيت والأكل في مساجد القرى؛ لأن الباني لها للصلاة فيها علم أن الضيفان سيبيتون فيها لضرورتهم إلى ذلك، فصار كأنه قد بناها لذلك، وإن كان أصل بنائه لها إنما هو للصلاة فيها، ويجوز لمن لا منزل له أن يبيت في المسجد (و) جاز أن يتخذ (إناء) بكسر أوله ممدودا، أي وعاء (لبول) فيه ليلا بمسجد (إن خاف) البائت فيه (سبقا) للبول منه قبل خروجه من المسجد، وفي بعض النسخ بعين مهملة بدل القاف. ابن عرفة: فتوى ابن رشد بسعة إدخال من لا غنى عن مبيته بالمسجد من سدنته لحراسته، ومن اضطر للمبيت به من شيخ ضعيف وزمن ومريض ورجل لا يستطيع الخروج ليلا للمطر والريح والظلمة ظروفا للبول بها، فيها نظر؛ لأن ما يحرس اتخاذه بها غير واجب، وصونها عن ظروف البول واجب، ولا يدخل في نفل بمعصية. وشبه في الجواز فقال: (كـ) اتخاذ (منزل تحته) أي المسجد فيجوز (ومنع) بضم فكسر (عكسه) أي اتخاذ منزل فوق المسجد» [8/ 87، 88، ط. دار الفكر].
فهذا نص صريح بمنع المالكية اتخاذ بيت فوق المسجد للإمام وغيره، إلا أن الدردير والدسوقي والحطاب أجازوا السكن فوق مسجد إذا كانت السكنى قبل التحبيس أي لا بعده، بمعنى آخر إذا كان المسجد حادثا على البيت. [حاشية الدسوقي 4/ 19، ط. دار الفكر، ومواهب الجليل 5/ 421].
وخالف في ذلك ابن الحاجب حيث قال في جامع الأمهات [ص446، ط. اليمامة- دمشق]: «ويجوز للرجل جعل علو مسكنه مسجدا ولا يجوز جعل سفله مسجدا».
وروى ابن القاسم عن مالك في المدونة كراهة السكنى فوق المسجد، إلا أن فقهاء المالكية اختلفوا في توجيه كلام الإمام مالك، فبعضهم حمل الكراهة على التحريم، وبعضهم حمل الكراهة إذا كان البيت قبل المسجد وإلا حرم [مواهب الجليل 7/ 542، 543].
وقد منع الشافعية البناء فوق مسجد مطلقا ولو كان المسجد حادثا على البيت:
ففي حاشية إعانة الطالبين للبكري الدمياطي: «ويصح وقف العلو فقط من دار أو نحوها دون سفلها مسجدا» [3/ 189، ط. دار الفكر].
فإذا لم يجيزوا جعل أسفل البيت مسجدا على الرغم من أنه حادث عليه فمن باب الأولى أنه لا يجوز إحداث بيت على مسجد سواء أكان المسجد قائما أو يراد بناؤه.
والمعتمد عند الحنابلة جواز أن يجعل الشخص أسفل بيته وعلوه مسجدا، كما أجازوا في ظاهر الرواية عندهم أن يبنى تحت المسجد سقاية أو حوانيت إذا رأى أكثر أهله ذلك، ولكن منعوا البناء فوقه.
قال ابن مفلح في الفروع: «أو من جعل سفل بيته مسجدا انتفع بسطحه ونقل حنبل لا. وأنه لو جعل السطح مسجدا انتفع بأسفله؛ لأن السطح لا يحتاج إلى أسفل» [7/ 404، ط. مؤسسة الرسالة].
وجاء في كشاف القناع للبهوتي: «ولو جعل سفل بيته مسجدا وانتفع بعلوه -أي البيت- صح أو عكسه، بأن جعل علوي بيته مسجدا وانتفع بسفله صح، أو جعل وسطه -أي البيت- مسجدا، وانتفع بعلوه وسفله» [4/ 241، ط. دار الكتب العلمية].
وقال المرداوي في الإنصاف: «يجوز رفع المسجد إذا أراد أكثر أهله ذلك، وجعل تحت أسفله سقاية وحوانيت في ظاهر كلام الإمام أحمد وأخذ به القاضي، وقال الزركشي في الجهاد: وقيل: لا يجوز، وقال في الرعاية الكبرى: فإن أراد أهل مسجد رفعه عن الأرض وجعل سفله سقاية، هذا في مسجد أراد أهله إنشاءه كذلك، وهو أولى» [7/ 111، ط. دار إحياء التراث العربي].
وقد سبق وأن أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى بهذا الصدد عام 1369هـ، 1949م حيث أجاب فضيلة الشيخ/ حسنين محمد مخلوف عن سؤال وجه إليه من مفتش تخطيط المدينة بمصلحة التنظيم بوزارة الأشغال، قائلا: اطلعنا على السؤال الوارد بكتاب عزتكم وإجابة عليه نفيد أن المسجد يجب أن يكون خالصا لله تعالى لقوله عز وجل: ﴿وأن المساجد لله﴾ [الجن: 18]، فأضافها إليه تعالى مع أن كل شيء له ليدل بذلك على وجوب أن تكون خالصة له. ومن هذا كان ظاهر الرواية عند الحنفية أنه لو بنى فوق المسجد أو تحته بناء لينتفع به لم يصر بهذا مسجدا، وله أن يبيعه ويورث عنه، أما لو كان البناء لمصالح المسجد فإنه يجوز ويصير مسجدا كما في الدر المختار وحاشيته والفتاوى الهندية وغيرها، هذا قبل أن يصير مسجدا. أما بعده فلا يمكن أحد من البناء عليه مطلقا. ونقل ابن عابدين عن البحر ما نصه: «وحاصله أن شرط كونه مسجدا أن يكون سفله وعلوه مسجدا؛ لينقطع حق العبد عنه لقوله تعالى ﴿وأن المساجد لله﴾، بخلاف ما إذا كان السرداب والعلو موقوفا لصالح المسجد، فهو كسرداب بيت المقدس، هذا هو ظاهر الرواية. انتهى. ونقل عن الصاحبين أنه يجوز أن يكون سفل المسجد أو علوه ملكا بكل حال ينتفع به الباقي أو يخصص لمصالح المسجد إذا اقتضت الضرورة، ذلك كما في البلاد التي تضيق منازلها بسكانها. وعلى هذا إذا كانت هناك ضرورة تدعو إلى المشروع المسؤول عنه فلا بأس بالأخذ بقول الصاحبين في الرواية المذكورة عنهما؛ لأنها تتفق مع قواعد المذهب كقاعدة الضرورات تبيح المحظورات، وقاعدة المشقة تجلب التيسير وغيرهما، وهذا مقرر في قول الله عز وجل: ﴿وما جعل عليكم في الدين من حرجٍ﴾ [الحج: 78]. اهـ.
وبناء على ما سبق فإنه يمتنع بناء بيت فوق مسجد تمت مسجديته اتفاقا، لكن إذا كان الواقف قد نوى ذلك فهو جائز -على قول بعض أهل العلم- ولو للانتفاع الشخصي. وكذلك يجوز بناء ما فيه مصالح المسجد كبيت الإمام، ولا مانع من إحداث مسجد تحت بيت قائم سابق للمسجد، وكذا فوقه.
ولا بأس أيضا برفع مسجد وبناء بيت أو حانوت أو غيره تحته إذا رأى أكثر أهل المسجد ذلك، سواء أكان المسجد قائما أم يراد بناؤه -على قول بعض أهل العلم- وقد تقدم ذكر أقوالهم. والله تعالى أعلم.