هل يجوز استلام الحجر أو مس الكعبة من المحرم إذا رأى عليهما أثر الطيب؟
استلام الكعبة والحجر الأسود للمحرم إذا كان عليهما أثر الطيب
استلام الحجر الأسود في كل شوط طواف للمحرم سنة؛ فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كَانَ لَا يَسْتَلِمُ إِلَّا الْحَجَرَ وَالرُّكْنَ الْيَمَانِي" اللفظ لمسلم.
وأخرج مسلم عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: "مَا تَرَكْتُ اسْتِلَامَ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِي وَالْحَجَرَ مُذْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَسْتَلِمُهُمَا؛ فِي شِدَّةٍ وَلَا رَخَاءٍ".
وعند العجز عن الاستلام باليد يستلم الإنسان بشيء في يده، فإن لم يمكنه استلامه أصلًا أشار إليه وكبر؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنه قال: "طَافَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم بِالْبَيْتِ عَلَى بَعِيرٍ، كُلَّمَا أَتَى الرُّكْنَ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ كَانَ عِنْدَهُ وَكَبَّرَ" رواه البخاري.
قال العلامة أبو الحسن العدوي في "حاشيته على كفاية الطالب الرباني" (1/ 532، ط. دار الفكر): [ومن سنن الطواف: استلام الحجر الأسود أول الطواف كما قدمنا، ويستحب استلام الحجر الأسود في أول كل شوط ما عدا الأول، فهو سنة، ويستلم الحجر الأسود كلما مر به، كما ذكرنا أولًا، وهو أن يستلمه بفيه إن قدر، وإلا وضع يده عليه ثم يضعها على فيه من غير تقبيل] اهـ
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في "أسنى المطالب شرح روض الطالب" (1/ 480، ط. دار الكتاب الإسلامي): [ومن السنن أن يستلم الحجر الأسود بيده أول طوافه، ثم يقبله، رواه الشيخان، وللزحمة المانعة من تقبيله والسجود عليه يستلم بيده، وإن عجز عن استلامه بها فبعود، أو نحوه كَيِده، يستلم ثم يقبله. أي: ما استلم به فيهما؛ لخبر "الصحيحين": «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ»، ولخبر مسلم: "أن ابن عمر رضي الله عنه استلمه، ثم قبل يده وقال: ما تركته منذ رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يفعله". فإن عجز عن استلامه أشار إليه باليد. قال في "المجموع" وغيره: أو بشيء فيها، ثم قبل ما أشار به؛ لخبر البخاري: "أنه صلى الله عليه وآله وسلم طاف على بعيرٍ كلما أتى الركن أشار إليه بشيء عنده وكبر"] اهـ.
وأما مس الكعبة فقد يكون للتبرك، وقد يكون للتعلق بأستار الكعبة للدعاء والتضرع، وقد يكون للالتصاق بالملتزم على ما هو السنة في الالتصاق بالملتزم، فهذه أمور مستحبة مندوب إليها، لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه رضي الله عنه قال: "طفت مع عبد الله، فلما جئنا دبر الكعبة قلت: ألا تتعوذ؟ قال: نَعُوذُ بِاللهِ مِنَ النَّارِ، ثم مضى حتى استلم الحجر، وأقام بين الركن والباب، فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه هكذا، وبسطهما بسطًا، ثم قال: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم يَفْعَلُهُ" أخرجه أبو داود.
وأخرج عبد الرزاق، عن معمر قال: "رأيت أيوب يلصق بالبيت صدرَه ويديه". وعنه عن هشام بن عروة عن أبيه: "أنه كان يلصق بالبيت صدرَه ويدَه وبطنَه".
والعرب كانوا قبل الإسلام إذا أراد أحد منهم أن يؤمن نفسه دخل الكعبة وتعلق بأستارها، فعن مصعب بن سعد، عن أبيه رضي الله عنه قال: لما كان يوم فتح مكة، أمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الناسَ إلا أربعة نفر وامرأتين، وقال: «اقْتُلُوهُمْ وَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمْ مُتَعَلِّقِينَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ: عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِى جَهْلٍ، وَعَبْدُ الله بْنُ خَطَلٍ، وَمِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ، وَعَبْدُ الله بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِى السَّرْحِ» أخرجه النسائي وأبو داود. فدل هذا على أن التعلق بأستار الكعبة أمر معلوم في الجاهلية والإسلام.
ومس الطيب -الذي الغرض منه التطيُّب للمُحرِم- مُحرَّم، فالمُحرِم ممنوع من استعمال الطيب في بدنه أو في إزاره، أو ردائه، وجميع ثيابه، وفراشه، ونعله، حتى لو عَلِق بنعله طِيبٌ وجب أن يبادر لنزعه، ولا يضع عليه ثوبا مسه الورس أو الزعفران، أو نحوهما من صبغ له طيب، كذلك لا يجوز له حمل طِيب تفوح رائحته؛ فقد أخرج البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قام رجل فقال: يا رسول الله، ماذا تأمرنا أن نلبس من الثياب في الإحرام؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تَلْبَسُوا الْقَمِيصَ وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ وَلَا الْعَمَائِمَ وَلَا الْبَرَانِسَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ لَيْسَتْ لَهُ نَعْلاَنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْ أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ، وَلَا تَلْبَسُوا شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلَا الْوَرْسُ».
قال الإمام ابن قدامة في "المغني" (3/ 300، ط. الكتاب العربي): [ولا يدهن بما فيه طِيب، وما لا طِيب فيه] اهـ.
وقال العلامة الرحيباني الحنبلي في "مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى" (2/ 332، ط. بيروت): [يحرم تعمُّد الطيب إجماعًا: مسًّا، وشمًّا، واستعمالًا؛ لحديث: «وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ وَلَا زَعْفَرَانٌ»، وأمرِهِ يعلى بن أمية بغسل الطيب، وقوله في المحرم الذي وقصته ناقته: «لَا تُحَنِّطُوهُ»، متفق عليهما، ولمسلم: «لَا تَمَسُّوهُ بِطِيبٍ»، فمتى طيب محرم ثوبه أو بدنه أو شيئًا منهما؛ حرم وفدى] اهـ.
وأما بخصوص طيب الكعبة؛ فإن كان المحرم يريد التبرك بها فجائزٌ وإن شم الطيب أو علقت به رائحته؛ لأن الرائحة انتقلت بالمجاورة. وأما إذا وضع يده على الكعبة ولا يظن أن بها طيبًا أو ظنه طيبًا يابسًا فبان رطبًا وعلق بيده، فلا شيء عليه، وعليه غسله، لكن إن تعمد ذلك افتدى، وهذا مذهب الشافعي في الجديد؛ كما في "الحاوي" للماوردي (4/ 113، ط. دار الكتب العلمية).
وأما إذا تعذر الغسل لزحام ونحوه فيمكنه الترخص بمذهب المالكية القائل بعدم وجوب الغسل ما لم يكثر؛ للضرورة، ولأننا مأمورون بالقرب من الكعبة، وهي لا تخلو من الطيب غالبًا؛ كما في "الشرح الصغير" ومعه "حاشية الصاوي" (2/ 87، ط. دار المعارف).
كما يكون جائزًا -من باب أولى- مس ما يوضع على الكعبة من مطهرات قاتلة للجراثيم؛ لأنه لا يقصد منه رائحة لذاتها غالبًا. ومما سبق يتبين الجواب عن السؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
استلام الحجر الأسود في كل شوط طواف للمحرم سنة؛ فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كَانَ لَا يَسْتَلِمُ إِلَّا الْحَجَرَ وَالرُّكْنَ الْيَمَانِي" اللفظ لمسلم.
وأخرج مسلم عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: "مَا تَرَكْتُ اسْتِلَامَ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِي وَالْحَجَرَ مُذْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَسْتَلِمُهُمَا؛ فِي شِدَّةٍ وَلَا رَخَاءٍ".
وعند العجز عن الاستلام باليد يستلم الإنسان بشيء في يده، فإن لم يمكنه استلامه أصلًا أشار إليه وكبر؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنه قال: "طَافَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم بِالْبَيْتِ عَلَى بَعِيرٍ، كُلَّمَا أَتَى الرُّكْنَ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ كَانَ عِنْدَهُ وَكَبَّرَ" رواه البخاري.
قال العلامة أبو الحسن العدوي في "حاشيته على كفاية الطالب الرباني" (1/ 532، ط. دار الفكر): [ومن سنن الطواف: استلام الحجر الأسود أول الطواف كما قدمنا، ويستحب استلام الحجر الأسود في أول كل شوط ما عدا الأول، فهو سنة، ويستلم الحجر الأسود كلما مر به، كما ذكرنا أولًا، وهو أن يستلمه بفيه إن قدر، وإلا وضع يده عليه ثم يضعها على فيه من غير تقبيل] اهـ
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في "أسنى المطالب شرح روض الطالب" (1/ 480، ط. دار الكتاب الإسلامي): [ومن السنن أن يستلم الحجر الأسود بيده أول طوافه، ثم يقبله، رواه الشيخان، وللزحمة المانعة من تقبيله والسجود عليه يستلم بيده، وإن عجز عن استلامه بها فبعود، أو نحوه كَيِده، يستلم ثم يقبله. أي: ما استلم به فيهما؛ لخبر "الصحيحين": «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ»، ولخبر مسلم: "أن ابن عمر رضي الله عنه استلمه، ثم قبل يده وقال: ما تركته منذ رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يفعله". فإن عجز عن استلامه أشار إليه باليد. قال في "المجموع" وغيره: أو بشيء فيها، ثم قبل ما أشار به؛ لخبر البخاري: "أنه صلى الله عليه وآله وسلم طاف على بعيرٍ كلما أتى الركن أشار إليه بشيء عنده وكبر"] اهـ.
وأما مس الكعبة فقد يكون للتبرك، وقد يكون للتعلق بأستار الكعبة للدعاء والتضرع، وقد يكون للالتصاق بالملتزم على ما هو السنة في الالتصاق بالملتزم، فهذه أمور مستحبة مندوب إليها، لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه رضي الله عنه قال: "طفت مع عبد الله، فلما جئنا دبر الكعبة قلت: ألا تتعوذ؟ قال: نَعُوذُ بِاللهِ مِنَ النَّارِ، ثم مضى حتى استلم الحجر، وأقام بين الركن والباب، فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه هكذا، وبسطهما بسطًا، ثم قال: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم يَفْعَلُهُ" أخرجه أبو داود.
وأخرج عبد الرزاق، عن معمر قال: "رأيت أيوب يلصق بالبيت صدرَه ويديه". وعنه عن هشام بن عروة عن أبيه: "أنه كان يلصق بالبيت صدرَه ويدَه وبطنَه".
والعرب كانوا قبل الإسلام إذا أراد أحد منهم أن يؤمن نفسه دخل الكعبة وتعلق بأستارها، فعن مصعب بن سعد، عن أبيه رضي الله عنه قال: لما كان يوم فتح مكة، أمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الناسَ إلا أربعة نفر وامرأتين، وقال: «اقْتُلُوهُمْ وَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمْ مُتَعَلِّقِينَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ: عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِى جَهْلٍ، وَعَبْدُ الله بْنُ خَطَلٍ، وَمِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ، وَعَبْدُ الله بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِى السَّرْحِ» أخرجه النسائي وأبو داود. فدل هذا على أن التعلق بأستار الكعبة أمر معلوم في الجاهلية والإسلام.
ومس الطيب -الذي الغرض منه التطيُّب للمُحرِم- مُحرَّم، فالمُحرِم ممنوع من استعمال الطيب في بدنه أو في إزاره، أو ردائه، وجميع ثيابه، وفراشه، ونعله، حتى لو عَلِق بنعله طِيبٌ وجب أن يبادر لنزعه، ولا يضع عليه ثوبا مسه الورس أو الزعفران، أو نحوهما من صبغ له طيب، كذلك لا يجوز له حمل طِيب تفوح رائحته؛ فقد أخرج البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قام رجل فقال: يا رسول الله، ماذا تأمرنا أن نلبس من الثياب في الإحرام؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تَلْبَسُوا الْقَمِيصَ وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ وَلَا الْعَمَائِمَ وَلَا الْبَرَانِسَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ لَيْسَتْ لَهُ نَعْلاَنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْ أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ، وَلَا تَلْبَسُوا شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلَا الْوَرْسُ».
قال الإمام ابن قدامة في "المغني" (3/ 300، ط. الكتاب العربي): [ولا يدهن بما فيه طِيب، وما لا طِيب فيه] اهـ.
وقال العلامة الرحيباني الحنبلي في "مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى" (2/ 332، ط. بيروت): [يحرم تعمُّد الطيب إجماعًا: مسًّا، وشمًّا، واستعمالًا؛ لحديث: «وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ وَلَا زَعْفَرَانٌ»، وأمرِهِ يعلى بن أمية بغسل الطيب، وقوله في المحرم الذي وقصته ناقته: «لَا تُحَنِّطُوهُ»، متفق عليهما، ولمسلم: «لَا تَمَسُّوهُ بِطِيبٍ»، فمتى طيب محرم ثوبه أو بدنه أو شيئًا منهما؛ حرم وفدى] اهـ.
وأما بخصوص طيب الكعبة؛ فإن كان المحرم يريد التبرك بها فجائزٌ وإن شم الطيب أو علقت به رائحته؛ لأن الرائحة انتقلت بالمجاورة. وأما إذا وضع يده على الكعبة ولا يظن أن بها طيبًا أو ظنه طيبًا يابسًا فبان رطبًا وعلق بيده، فلا شيء عليه، وعليه غسله، لكن إن تعمد ذلك افتدى، وهذا مذهب الشافعي في الجديد؛ كما في "الحاوي" للماوردي (4/ 113، ط. دار الكتب العلمية).
وأما إذا تعذر الغسل لزحام ونحوه فيمكنه الترخص بمذهب المالكية القائل بعدم وجوب الغسل ما لم يكثر؛ للضرورة، ولأننا مأمورون بالقرب من الكعبة، وهي لا تخلو من الطيب غالبًا؛ كما في "الشرح الصغير" ومعه "حاشية الصاوي" (2/ 87، ط. دار المعارف).
كما يكون جائزًا -من باب أولى- مس ما يوضع على الكعبة من مطهرات قاتلة للجراثيم؛ لأنه لا يقصد منه رائحة لذاتها غالبًا. ومما سبق يتبين الجواب عن السؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
استلام الكعبة والحجر الأسود للمحرم إذا كان عليهما أثر الطيب
هل يجوز استلام الحجر أو مس الكعبة من المحرم إذا رأى عليهما أثر الطيب؟
استلام الحجر الأسود في كل شوط طواف للمحرم سنة؛ فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كَانَ لَا يَسْتَلِمُ إِلَّا الْحَجَرَ وَالرُّكْنَ الْيَمَانِي" اللفظ لمسلم.
وأخرج مسلم عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: "مَا تَرَكْتُ اسْتِلَامَ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِي وَالْحَجَرَ مُذْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَسْتَلِمُهُمَا؛ فِي شِدَّةٍ وَلَا رَخَاءٍ".
وعند العجز عن الاستلام باليد يستلم الإنسان بشيء في يده، فإن لم يمكنه استلامه أصلًا أشار إليه وكبر؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنه قال: "طَافَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم بِالْبَيْتِ عَلَى بَعِيرٍ، كُلَّمَا أَتَى الرُّكْنَ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ كَانَ عِنْدَهُ وَكَبَّرَ" رواه البخاري.
قال العلامة أبو الحسن العدوي في "حاشيته على كفاية الطالب الرباني" (1/ 532، ط. دار الفكر): [ومن سنن الطواف: استلام الحجر الأسود أول الطواف كما قدمنا، ويستحب استلام الحجر الأسود في أول كل شوط ما عدا الأول، فهو سنة، ويستلم الحجر الأسود كلما مر به، كما ذكرنا أولًا، وهو أن يستلمه بفيه إن قدر، وإلا وضع يده عليه ثم يضعها على فيه من غير تقبيل] اهـ
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في "أسنى المطالب شرح روض الطالب" (1/ 480، ط. دار الكتاب الإسلامي): [ومن السنن أن يستلم الحجر الأسود بيده أول طوافه، ثم يقبله، رواه الشيخان، وللزحمة المانعة من تقبيله والسجود عليه يستلم بيده، وإن عجز عن استلامه بها فبعود، أو نحوه كَيِده، يستلم ثم يقبله. أي: ما استلم به فيهما؛ لخبر "الصحيحين": «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ»، ولخبر مسلم: "أن ابن عمر رضي الله عنه استلمه، ثم قبل يده وقال: ما تركته منذ رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يفعله". فإن عجز عن استلامه أشار إليه باليد. قال في "المجموع" وغيره: أو بشيء فيها، ثم قبل ما أشار به؛ لخبر البخاري: "أنه صلى الله عليه وآله وسلم طاف على بعيرٍ كلما أتى الركن أشار إليه بشيء عنده وكبر"] اهـ.
وأما مس الكعبة فقد يكون للتبرك، وقد يكون للتعلق بأستار الكعبة للدعاء والتضرع، وقد يكون للالتصاق بالملتزم على ما هو السنة في الالتصاق بالملتزم، فهذه أمور مستحبة مندوب إليها، لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه رضي الله عنه قال: "طفت مع عبد الله، فلما جئنا دبر الكعبة قلت: ألا تتعوذ؟ قال: نَعُوذُ بِاللهِ مِنَ النَّارِ، ثم مضى حتى استلم الحجر، وأقام بين الركن والباب، فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه هكذا، وبسطهما بسطًا، ثم قال: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم يَفْعَلُهُ" أخرجه أبو داود.
وأخرج عبد الرزاق، عن معمر قال: "رأيت أيوب يلصق بالبيت صدرَه ويديه". وعنه عن هشام بن عروة عن أبيه: "أنه كان يلصق بالبيت صدرَه ويدَه وبطنَه".
والعرب كانوا قبل الإسلام إذا أراد أحد منهم أن يؤمن نفسه دخل الكعبة وتعلق بأستارها، فعن مصعب بن سعد، عن أبيه رضي الله عنه قال: لما كان يوم فتح مكة، أمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الناسَ إلا أربعة نفر وامرأتين، وقال: «اقْتُلُوهُمْ وَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمْ مُتَعَلِّقِينَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ: عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِى جَهْلٍ، وَعَبْدُ الله بْنُ خَطَلٍ، وَمِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ، وَعَبْدُ الله بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِى السَّرْحِ» أخرجه النسائي وأبو داود. فدل هذا على أن التعلق بأستار الكعبة أمر معلوم في الجاهلية والإسلام.
ومس الطيب -الذي الغرض منه التطيُّب للمُحرِم- مُحرَّم، فالمُحرِم ممنوع من استعمال الطيب في بدنه أو في إزاره، أو ردائه، وجميع ثيابه، وفراشه، ونعله، حتى لو عَلِق بنعله طِيبٌ وجب أن يبادر لنزعه، ولا يضع عليه ثوبا مسه الورس أو الزعفران، أو نحوهما من صبغ له طيب، كذلك لا يجوز له حمل طِيب تفوح رائحته؛ فقد أخرج البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قام رجل فقال: يا رسول الله، ماذا تأمرنا أن نلبس من الثياب في الإحرام؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تَلْبَسُوا الْقَمِيصَ وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ وَلَا الْعَمَائِمَ وَلَا الْبَرَانِسَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ لَيْسَتْ لَهُ نَعْلاَنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْ أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ، وَلَا تَلْبَسُوا شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلَا الْوَرْسُ».
قال الإمام ابن قدامة في "المغني" (3/ 300، ط. الكتاب العربي): [ولا يدهن بما فيه طِيب، وما لا طِيب فيه] اهـ.
وقال العلامة الرحيباني الحنبلي في "مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى" (2/ 332، ط. بيروت): [يحرم تعمُّد الطيب إجماعًا: مسًّا، وشمًّا، واستعمالًا؛ لحديث: «وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ وَلَا زَعْفَرَانٌ»، وأمرِهِ يعلى بن أمية بغسل الطيب، وقوله في المحرم الذي وقصته ناقته: «لَا تُحَنِّطُوهُ»، متفق عليهما، ولمسلم: «لَا تَمَسُّوهُ بِطِيبٍ»، فمتى طيب محرم ثوبه أو بدنه أو شيئًا منهما؛ حرم وفدى] اهـ.
وأما بخصوص طيب الكعبة؛ فإن كان المحرم يريد التبرك بها فجائزٌ وإن شم الطيب أو علقت به رائحته؛ لأن الرائحة انتقلت بالمجاورة. وأما إذا وضع يده على الكعبة ولا يظن أن بها طيبًا أو ظنه طيبًا يابسًا فبان رطبًا وعلق بيده، فلا شيء عليه، وعليه غسله، لكن إن تعمد ذلك افتدى، وهذا مذهب الشافعي في الجديد؛ كما في "الحاوي" للماوردي (4/ 113، ط. دار الكتب العلمية).
وأما إذا تعذر الغسل لزحام ونحوه فيمكنه الترخص بمذهب المالكية القائل بعدم وجوب الغسل ما لم يكثر؛ للضرورة، ولأننا مأمورون بالقرب من الكعبة، وهي لا تخلو من الطيب غالبًا؛ كما في "الشرح الصغير" ومعه "حاشية الصاوي" (2/ 87، ط. دار المعارف).
كما يكون جائزًا -من باب أولى- مس ما يوضع على الكعبة من مطهرات قاتلة للجراثيم؛ لأنه لا يقصد منه رائحة لذاتها غالبًا. ومما سبق يتبين الجواب عن السؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
استلام الحجر الأسود في كل شوط طواف للمحرم سنة؛ فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كَانَ لَا يَسْتَلِمُ إِلَّا الْحَجَرَ وَالرُّكْنَ الْيَمَانِي" اللفظ لمسلم.
وأخرج مسلم عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: "مَا تَرَكْتُ اسْتِلَامَ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِي وَالْحَجَرَ مُذْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَسْتَلِمُهُمَا؛ فِي شِدَّةٍ وَلَا رَخَاءٍ".
وعند العجز عن الاستلام باليد يستلم الإنسان بشيء في يده، فإن لم يمكنه استلامه أصلًا أشار إليه وكبر؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنه قال: "طَافَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم بِالْبَيْتِ عَلَى بَعِيرٍ، كُلَّمَا أَتَى الرُّكْنَ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ كَانَ عِنْدَهُ وَكَبَّرَ" رواه البخاري.
قال العلامة أبو الحسن العدوي في "حاشيته على كفاية الطالب الرباني" (1/ 532، ط. دار الفكر): [ومن سنن الطواف: استلام الحجر الأسود أول الطواف كما قدمنا، ويستحب استلام الحجر الأسود في أول كل شوط ما عدا الأول، فهو سنة، ويستلم الحجر الأسود كلما مر به، كما ذكرنا أولًا، وهو أن يستلمه بفيه إن قدر، وإلا وضع يده عليه ثم يضعها على فيه من غير تقبيل] اهـ
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في "أسنى المطالب شرح روض الطالب" (1/ 480، ط. دار الكتاب الإسلامي): [ومن السنن أن يستلم الحجر الأسود بيده أول طوافه، ثم يقبله، رواه الشيخان، وللزحمة المانعة من تقبيله والسجود عليه يستلم بيده، وإن عجز عن استلامه بها فبعود، أو نحوه كَيِده، يستلم ثم يقبله. أي: ما استلم به فيهما؛ لخبر "الصحيحين": «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ»، ولخبر مسلم: "أن ابن عمر رضي الله عنه استلمه، ثم قبل يده وقال: ما تركته منذ رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يفعله". فإن عجز عن استلامه أشار إليه باليد. قال في "المجموع" وغيره: أو بشيء فيها، ثم قبل ما أشار به؛ لخبر البخاري: "أنه صلى الله عليه وآله وسلم طاف على بعيرٍ كلما أتى الركن أشار إليه بشيء عنده وكبر"] اهـ.
وأما مس الكعبة فقد يكون للتبرك، وقد يكون للتعلق بأستار الكعبة للدعاء والتضرع، وقد يكون للالتصاق بالملتزم على ما هو السنة في الالتصاق بالملتزم، فهذه أمور مستحبة مندوب إليها، لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه رضي الله عنه قال: "طفت مع عبد الله، فلما جئنا دبر الكعبة قلت: ألا تتعوذ؟ قال: نَعُوذُ بِاللهِ مِنَ النَّارِ، ثم مضى حتى استلم الحجر، وأقام بين الركن والباب، فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه هكذا، وبسطهما بسطًا، ثم قال: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم يَفْعَلُهُ" أخرجه أبو داود.
وأخرج عبد الرزاق، عن معمر قال: "رأيت أيوب يلصق بالبيت صدرَه ويديه". وعنه عن هشام بن عروة عن أبيه: "أنه كان يلصق بالبيت صدرَه ويدَه وبطنَه".
والعرب كانوا قبل الإسلام إذا أراد أحد منهم أن يؤمن نفسه دخل الكعبة وتعلق بأستارها، فعن مصعب بن سعد، عن أبيه رضي الله عنه قال: لما كان يوم فتح مكة، أمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الناسَ إلا أربعة نفر وامرأتين، وقال: «اقْتُلُوهُمْ وَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمْ مُتَعَلِّقِينَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ: عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِى جَهْلٍ، وَعَبْدُ الله بْنُ خَطَلٍ، وَمِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ، وَعَبْدُ الله بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِى السَّرْحِ» أخرجه النسائي وأبو داود. فدل هذا على أن التعلق بأستار الكعبة أمر معلوم في الجاهلية والإسلام.
ومس الطيب -الذي الغرض منه التطيُّب للمُحرِم- مُحرَّم، فالمُحرِم ممنوع من استعمال الطيب في بدنه أو في إزاره، أو ردائه، وجميع ثيابه، وفراشه، ونعله، حتى لو عَلِق بنعله طِيبٌ وجب أن يبادر لنزعه، ولا يضع عليه ثوبا مسه الورس أو الزعفران، أو نحوهما من صبغ له طيب، كذلك لا يجوز له حمل طِيب تفوح رائحته؛ فقد أخرج البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قام رجل فقال: يا رسول الله، ماذا تأمرنا أن نلبس من الثياب في الإحرام؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تَلْبَسُوا الْقَمِيصَ وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ وَلَا الْعَمَائِمَ وَلَا الْبَرَانِسَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ لَيْسَتْ لَهُ نَعْلاَنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْ أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ، وَلَا تَلْبَسُوا شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلَا الْوَرْسُ».
قال الإمام ابن قدامة في "المغني" (3/ 300، ط. الكتاب العربي): [ولا يدهن بما فيه طِيب، وما لا طِيب فيه] اهـ.
وقال العلامة الرحيباني الحنبلي في "مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى" (2/ 332، ط. بيروت): [يحرم تعمُّد الطيب إجماعًا: مسًّا، وشمًّا، واستعمالًا؛ لحديث: «وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ وَلَا زَعْفَرَانٌ»، وأمرِهِ يعلى بن أمية بغسل الطيب، وقوله في المحرم الذي وقصته ناقته: «لَا تُحَنِّطُوهُ»، متفق عليهما، ولمسلم: «لَا تَمَسُّوهُ بِطِيبٍ»، فمتى طيب محرم ثوبه أو بدنه أو شيئًا منهما؛ حرم وفدى] اهـ.
وأما بخصوص طيب الكعبة؛ فإن كان المحرم يريد التبرك بها فجائزٌ وإن شم الطيب أو علقت به رائحته؛ لأن الرائحة انتقلت بالمجاورة. وأما إذا وضع يده على الكعبة ولا يظن أن بها طيبًا أو ظنه طيبًا يابسًا فبان رطبًا وعلق بيده، فلا شيء عليه، وعليه غسله، لكن إن تعمد ذلك افتدى، وهذا مذهب الشافعي في الجديد؛ كما في "الحاوي" للماوردي (4/ 113، ط. دار الكتب العلمية).
وأما إذا تعذر الغسل لزحام ونحوه فيمكنه الترخص بمذهب المالكية القائل بعدم وجوب الغسل ما لم يكثر؛ للضرورة، ولأننا مأمورون بالقرب من الكعبة، وهي لا تخلو من الطيب غالبًا؛ كما في "الشرح الصغير" ومعه "حاشية الصاوي" (2/ 87، ط. دار المعارف).
كما يكون جائزًا -من باب أولى- مس ما يوضع على الكعبة من مطهرات قاتلة للجراثيم؛ لأنه لا يقصد منه رائحة لذاتها غالبًا. ومما سبق يتبين الجواب عن السؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.