حكم ذبح هدي التمتع قبل يوم النحر

ما حكم ذبح هدي التمتع قبل يوم النحر؟ حيث ذبح رجل هَدْيَ تَمَتُّعِهِ بعدَ قضاء عمرته، لكن قبل يوم النحر، فأنكرنا عليه ذلك، فأخبرنا بأنه سأل بعض العلماء فأفتاه بجواز ذلك؛ ولذلك فعله. فهل هذا صحيح؟

يقوم المتمتع بذبح هَدْيِ لِجَمْعِه بين نُسُكين في سفرة واحدة، ويقوم المسلمون في العادة بذبح هداياهم في يوم الأضحى وأيام التشريق؛ ولذا يبادر الناس بالإنكار على من يخالف ذلك دون البحث عن حكم المسألة عسى أن يكون هناك من الأئمة المجتهدين مَن قال بجواز ذلك.
والمدخل لهذه المسألة هو أن وجوب الهَدي على المتمتع له سبب، وهو الجمع بين النسكين في سفرة واحدة؛ ولذا كان على القارن هَدْي أيضًا لوجود نفس العلة.
لذا وإن كان الأفضل الذبح يوم النحر وأيام مِنى خروجًا من الخلاف، إلا أنه يجوز ذبح الهدي بالإحرام بالحج؛ خاصة أن السؤال ورد بعد الفعل والعودة من الحرم.
والدليل على ذلك أن وجوب الهدي يكون بالإحرام بالحج؛ لأنه سبب وجوبه وقد وُجِدَ؛ قال الله تعالى: ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: 196]، كما أن الله تعالى قال في نفس الآية: ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ﴾، أي فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ في أيام الاشتغال به بعد الإِحرام وقبل التحلل، فيكون الذبح في هذه الأيام؛ لأنه الأَصل والصوم بدل، فلا فرق إلا بنص، ثم إن دم التمتع أقرب إلى دم الجبران من دم الأضحية التي قاس عليها بعض أهل العلم دم التمتع.
وهذا معتمد الشافعية؛ يقول الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج" (2/ 290، ط. دار الكتب العلمية): [(ووقت وجوب الدم) عليه (إحرامه بالحج)؛ لأنه حينئذٍ يصير متمتعًا بالعمرة إلى الحج. وقد يُفهم أنه لا يجوز تقديمه عليه، وليس مرادًا، بل الأصح جواز ذبحه إذا فرغ من العمرة. وقيل: يجوز إذا أحرم بها ولا يتأقت ذبحه بوقت كسائر دماء الجبرانات، (و) لكن (الأفضل ذبحه يوم النحر)؛ للاتباع، وخروجًا من خلاف الأئمة الثلاثة؛ فإنهم قالوا: لا يجوز في غيره، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا عن أحد ممن كان معه أنه ذبح قبله] اهـ.
وقال الإمام العمراني في "البيان" من كتب الشافعية (4/ 91-92، ط. دار المنهاج، جدة): [وأما وقت وجوب دم التمتع على من وجدت فيه شرائطه فيجب -عندنا- إذا أحرم بالحج، وبه قال أبو حنيفة، وقال عطاء: لا يجب حتى يقف بعرفة، وقال مالك: (لا يجب حتى يرمي جمرة العقبة)، فاعتبر كمال الحج. دليلنا: قَوْله تَعَالَى: ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: 196]، وهذا قد فعل ذلك؛ لأن ما جعل غايةً فوجود أوله كافٍ؛ كقوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة: 187]؛ ولأن الشرائط توجد بوجود الإحرام بالحج، فتعلق الوجوب فيه، وأما وقت نحره: فالأفضل أن لا يذبح إلا يوم النحر، فإن ذبح بعد الإحرام بالحج، وقبل يوم النحر جاز عندنا. وقال مالك وأبو حنيفة: (لا يجوز). دليلنا: أنه دم يتعلق بالإحرام فجاز إخراجه قبل يوم النحر، كدم الطيب واللباس. وإن ذبح بعد الفراغ من العمرة، وقبل الإحرام بالحج.. ففيه قولان، حكاهما أبو علي في "الإفصاح"، وحكاهما المسعودي وجهين؛ أحدهما: لا يجوز؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: 196]، وما لم يحرم بالحج فلم يوجد التمتع؛ ولأن للهدي عملًا يتعلق به عمل البدن، وهو تفرقة الهدي، فلم يجز تقديمه على وجوبه، كالصوم. والثاني: يجوز، وهو الصحيح؛ لأنه حق مال يتعلق بأسباب، فإذا وجد شرطها أو أكثرها جاز تقديمه على ما بقي منها؛ كالزكاة بعد ملك النصاب وقبل الحول، وككفارة اليمين بعد الحلف وقبل الحنث. وإن أراد أن يذبح بعد الإحرام بالعمرة، وقبل الفراغ منها فالبغداديون من أصحابنا قالوا: لا يجزئه وجهًا واحدًا، وأما المسعودي فقال: إذا قلنا: يجوز أن يذبح بعد الفراغ من العمرة وقبل الإحرام بالحج فهل يجوز له أن يذبح قبل الفراغ من العمرة؟ فيه وجهان؛ أحدهما: يجوز له؛ لأنه قد وجد بعض أسباب وجوبه، وهو الشروع في العمرة، فصار كما لو ذبح بعد الفراغ من العمرة. والثاني: لا يجزئه، وهو الصحيح؛ لأن أحد سببي الوجوب بكماله -وهو العمرة- لم يوجد، فصار كما لو ذبح قبل الإحرام بالعمرة] اهـ.
وقال الإمام الماوردي في "الحاوي الكبير" (4/ 51-52، ط. دار الكتب العلمية، بيروت): [إذا كملت شروط التمتع الموجبة للدم فله حالان: حال يسار وحال إعسار: فإن كان موسرًا فعليه دم شاة تجب عليه بعد فراغه من العمرة وعند إحرامه بالحج، فإذا أحرم بالحج لزمه الدم؛ لأن الشرائط الموجبة للدم لا توجد إلا بعد إهلاله بالحج، فإذا أراد أن يأتي بالدم فله أربعة أحوال؛ أحدها: حال اختيار وهو أن يأتي به يوم النحر. والثاني: حال جواز وهو أن يأتي به بعد إحرامه بالحج، وقبل يوم النحر، فعندنا يجزيه. وقال أبو حنيفة: لا يجزيه إلا في يوم النحر؛ تعلقًا بقوله تعالى: ﴿وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ [البقرة: 196]، ومحل الهدي يوم النحر؛ ولأنه إراقة دم هدي فوجب أن لا يجوز قبل يوم النحر؛ قياسًا على هدي البلوغ والأضاحي، ودليلنا قوله تعالى: ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: 196]، فعلمنا أن الهدي يلزمه -أو يجوز له- إذا تمتع بالعمرة إلى الحج، وفي أيهما كان دليل على ما قلناه؛ ولأنه جبران للتمتع فجاز أن يؤتى به قبل يوم النحر، أصله الصوم، ولأنه دم كفارة فجاز أن يؤتى به بعد وجوبه، وقيل: يوم النحر؛ قياسًا على كفارة الأذى، وجزاء الصيد، فأما قوله تعالى: ﴿حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ فالمراد بالمحل: الدم لا يوم النحر؛ بدليل قوله تعالى: ﴿ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾، وأما قياسه على هدي التطوع والأضاحي فالمعنى فيه أنه لا بدل فيه. فصلٌ: والحالة الثالثة: أن يأتي به بعد فراغه من العمرة، وقبل إحرامه بالحج ففيه قولان: أصحهما -وقد نص عليه في الإملاء- يجزئه؛ لأن حقوق المال إذا تعلقت بشيئين جاز تقديمها إذا وجد أحد الشيئين كالزكوات والكفارات، وكذلك دم التمتع، ويجب بأربعة أشياء، وبكمال العمرة قد وجب منها شيئان وهو كونه غير حاضر في المسجد الحرام، وقبل العمرة في أشهر الحج، فجاز تقديم الدم. والقول الثاني: لا يجزئه قياسًا على الصوم، نقله ابن خيران عن التمتع. والحالة الرابعة: أن يأتي به قبل فراغه من العمرة، فلا يختلف المذهب أنه لا يجزئه بحالٍ؛ لبقاء أكثر أسبابه] اهـ.
وبناءً على ما سبق وفي واقعة السؤال: فإن ما قام به هذا الرجل من ذبح هَدْيه قبل يوم النحر أمر جائز شرعًا، ويجزئه؛ وذلك تقليدًا لمن أجاز من أهل العلم كما تقدَّم.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

التفاصيل ....

يقوم المتمتع بذبح هَدْيِ لِجَمْعِه بين نُسُكين في سفرة واحدة، ويقوم المسلمون في العادة بذبح هداياهم في يوم الأضحى وأيام التشريق؛ ولذا يبادر الناس بالإنكار على من يخالف ذلك دون البحث عن حكم المسألة عسى أن يكون هناك من الأئمة المجتهدين مَن قال بجواز ذلك.
والمدخل لهذه المسألة هو أن وجوب الهَدي على المتمتع له سبب، وهو الجمع بين النسكين في سفرة واحدة؛ ولذا كان على القارن هَدْي أيضًا لوجود نفس العلة.
لذا وإن كان الأفضل الذبح يوم النحر وأيام مِنى خروجًا من الخلاف، إلا أنه يجوز ذبح الهدي بالإحرام بالحج؛ خاصة أن السؤال ورد بعد الفعل والعودة من الحرم.
والدليل على ذلك أن وجوب الهدي يكون بالإحرام بالحج؛ لأنه سبب وجوبه وقد وُجِدَ؛ قال الله تعالى: ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: 196]، كما أن الله تعالى قال في نفس الآية: ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ﴾، أي فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ في أيام الاشتغال به بعد الإِحرام وقبل التحلل، فيكون الذبح في هذه الأيام؛ لأنه الأَصل والصوم بدل، فلا فرق إلا بنص، ثم إن دم التمتع أقرب إلى دم الجبران من دم الأضحية التي قاس عليها بعض أهل العلم دم التمتع.
وهذا معتمد الشافعية؛ يقول الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج" (2/ 290، ط. دار الكتب العلمية): [(ووقت وجوب الدم) عليه (إحرامه بالحج)؛ لأنه حينئذٍ يصير متمتعًا بالعمرة إلى الحج. وقد يُفهم أنه لا يجوز تقديمه عليه، وليس مرادًا، بل الأصح جواز ذبحه إذا فرغ من العمرة. وقيل: يجوز إذا أحرم بها ولا يتأقت ذبحه بوقت كسائر دماء الجبرانات، (و) لكن (الأفضل ذبحه يوم النحر)؛ للاتباع، وخروجًا من خلاف الأئمة الثلاثة؛ فإنهم قالوا: لا يجوز في غيره، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا عن أحد ممن كان معه أنه ذبح قبله] اهـ.
وقال الإمام العمراني في "البيان" من كتب الشافعية (4/ 91-92، ط. دار المنهاج، جدة): [وأما وقت وجوب دم التمتع على من وجدت فيه شرائطه فيجب -عندنا- إذا أحرم بالحج، وبه قال أبو حنيفة، وقال عطاء: لا يجب حتى يقف بعرفة، وقال مالك: (لا يجب حتى يرمي جمرة العقبة)، فاعتبر كمال الحج. دليلنا: قَوْله تَعَالَى: ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: 196]، وهذا قد فعل ذلك؛ لأن ما جعل غايةً فوجود أوله كافٍ؛ كقوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة: 187]؛ ولأن الشرائط توجد بوجود الإحرام بالحج، فتعلق الوجوب فيه، وأما وقت نحره: فالأفضل أن لا يذبح إلا يوم النحر، فإن ذبح بعد الإحرام بالحج، وقبل يوم النحر جاز عندنا. وقال مالك وأبو حنيفة: (لا يجوز). دليلنا: أنه دم يتعلق بالإحرام فجاز إخراجه قبل يوم النحر، كدم الطيب واللباس. وإن ذبح بعد الفراغ من العمرة، وقبل الإحرام بالحج.. ففيه قولان، حكاهما أبو علي في "الإفصاح"، وحكاهما المسعودي وجهين؛ أحدهما: لا يجوز؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: 196]، وما لم يحرم بالحج فلم يوجد التمتع؛ ولأن للهدي عملًا يتعلق به عمل البدن، وهو تفرقة الهدي، فلم يجز تقديمه على وجوبه، كالصوم. والثاني: يجوز، وهو الصحيح؛ لأنه حق مال يتعلق بأسباب، فإذا وجد شرطها أو أكثرها جاز تقديمه على ما بقي منها؛ كالزكاة بعد ملك النصاب وقبل الحول، وككفارة اليمين بعد الحلف وقبل الحنث. وإن أراد أن يذبح بعد الإحرام بالعمرة، وقبل الفراغ منها فالبغداديون من أصحابنا قالوا: لا يجزئه وجهًا واحدًا، وأما المسعودي فقال: إذا قلنا: يجوز أن يذبح بعد الفراغ من العمرة وقبل الإحرام بالحج فهل يجوز له أن يذبح قبل الفراغ من العمرة؟ فيه وجهان؛ أحدهما: يجوز له؛ لأنه قد وجد بعض أسباب وجوبه، وهو الشروع في العمرة، فصار كما لو ذبح بعد الفراغ من العمرة. والثاني: لا يجزئه، وهو الصحيح؛ لأن أحد سببي الوجوب بكماله -وهو العمرة- لم يوجد، فصار كما لو ذبح قبل الإحرام بالعمرة] اهـ.
وقال الإمام الماوردي في "الحاوي الكبير" (4/ 51-52، ط. دار الكتب العلمية، بيروت): [إذا كملت شروط التمتع الموجبة للدم فله حالان: حال يسار وحال إعسار: فإن كان موسرًا فعليه دم شاة تجب عليه بعد فراغه من العمرة وعند إحرامه بالحج، فإذا أحرم بالحج لزمه الدم؛ لأن الشرائط الموجبة للدم لا توجد إلا بعد إهلاله بالحج، فإذا أراد أن يأتي بالدم فله أربعة أحوال؛ أحدها: حال اختيار وهو أن يأتي به يوم النحر. والثاني: حال جواز وهو أن يأتي به بعد إحرامه بالحج، وقبل يوم النحر، فعندنا يجزيه. وقال أبو حنيفة: لا يجزيه إلا في يوم النحر؛ تعلقًا بقوله تعالى: ﴿وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ [البقرة: 196]، ومحل الهدي يوم النحر؛ ولأنه إراقة دم هدي فوجب أن لا يجوز قبل يوم النحر؛ قياسًا على هدي البلوغ والأضاحي، ودليلنا قوله تعالى: ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: 196]، فعلمنا أن الهدي يلزمه -أو يجوز له- إذا تمتع بالعمرة إلى الحج، وفي أيهما كان دليل على ما قلناه؛ ولأنه جبران للتمتع فجاز أن يؤتى به قبل يوم النحر، أصله الصوم، ولأنه دم كفارة فجاز أن يؤتى به بعد وجوبه، وقيل: يوم النحر؛ قياسًا على كفارة الأذى، وجزاء الصيد، فأما قوله تعالى: ﴿حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ فالمراد بالمحل: الدم لا يوم النحر؛ بدليل قوله تعالى: ﴿ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾، وأما قياسه على هدي التطوع والأضاحي فالمعنى فيه أنه لا بدل فيه. فصلٌ: والحالة الثالثة: أن يأتي به بعد فراغه من العمرة، وقبل إحرامه بالحج ففيه قولان: أصحهما -وقد نص عليه في الإملاء- يجزئه؛ لأن حقوق المال إذا تعلقت بشيئين جاز تقديمها إذا وجد أحد الشيئين كالزكوات والكفارات، وكذلك دم التمتع، ويجب بأربعة أشياء، وبكمال العمرة قد وجب منها شيئان وهو كونه غير حاضر في المسجد الحرام، وقبل العمرة في أشهر الحج، فجاز تقديم الدم. والقول الثاني: لا يجزئه قياسًا على الصوم، نقله ابن خيران عن التمتع. والحالة الرابعة: أن يأتي به قبل فراغه من العمرة، فلا يختلف المذهب أنه لا يجزئه بحالٍ؛ لبقاء أكثر أسبابه] اهـ.
وبناءً على ما سبق وفي واقعة السؤال: فإن ما قام به هذا الرجل من ذبح هَدْيه قبل يوم النحر أمر جائز شرعًا، ويجزئه؛ وذلك تقليدًا لمن أجاز من أهل العلم كما تقدَّم.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا

حكم ذبح هدي التمتع قبل يوم النحر

ما حكم ذبح هدي التمتع قبل يوم النحر؟ حيث ذبح رجل هَدْيَ تَمَتُّعِهِ بعدَ قضاء عمرته، لكن قبل يوم النحر، فأنكرنا عليه ذلك، فأخبرنا بأنه سأل بعض العلماء فأفتاه بجواز ذلك؛ ولذلك فعله. فهل هذا صحيح؟

يقوم المتمتع بذبح هَدْيِ لِجَمْعِه بين نُسُكين في سفرة واحدة، ويقوم المسلمون في العادة بذبح هداياهم في يوم الأضحى وأيام التشريق؛ ولذا يبادر الناس بالإنكار على من يخالف ذلك دون البحث عن حكم المسألة عسى أن يكون هناك من الأئمة المجتهدين مَن قال بجواز ذلك.
والمدخل لهذه المسألة هو أن وجوب الهَدي على المتمتع له سبب، وهو الجمع بين النسكين في سفرة واحدة؛ ولذا كان على القارن هَدْي أيضًا لوجود نفس العلة.
لذا وإن كان الأفضل الذبح يوم النحر وأيام مِنى خروجًا من الخلاف، إلا أنه يجوز ذبح الهدي بالإحرام بالحج؛ خاصة أن السؤال ورد بعد الفعل والعودة من الحرم.
والدليل على ذلك أن وجوب الهدي يكون بالإحرام بالحج؛ لأنه سبب وجوبه وقد وُجِدَ؛ قال الله تعالى: ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: 196]، كما أن الله تعالى قال في نفس الآية: ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ﴾، أي فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ في أيام الاشتغال به بعد الإِحرام وقبل التحلل، فيكون الذبح في هذه الأيام؛ لأنه الأَصل والصوم بدل، فلا فرق إلا بنص، ثم إن دم التمتع أقرب إلى دم الجبران من دم الأضحية التي قاس عليها بعض أهل العلم دم التمتع.
وهذا معتمد الشافعية؛ يقول الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج" (2/ 290، ط. دار الكتب العلمية): [(ووقت وجوب الدم) عليه (إحرامه بالحج)؛ لأنه حينئذٍ يصير متمتعًا بالعمرة إلى الحج. وقد يُفهم أنه لا يجوز تقديمه عليه، وليس مرادًا، بل الأصح جواز ذبحه إذا فرغ من العمرة. وقيل: يجوز إذا أحرم بها ولا يتأقت ذبحه بوقت كسائر دماء الجبرانات، (و) لكن (الأفضل ذبحه يوم النحر)؛ للاتباع، وخروجًا من خلاف الأئمة الثلاثة؛ فإنهم قالوا: لا يجوز في غيره، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا عن أحد ممن كان معه أنه ذبح قبله] اهـ.
وقال الإمام العمراني في "البيان" من كتب الشافعية (4/ 91-92، ط. دار المنهاج، جدة): [وأما وقت وجوب دم التمتع على من وجدت فيه شرائطه فيجب -عندنا- إذا أحرم بالحج، وبه قال أبو حنيفة، وقال عطاء: لا يجب حتى يقف بعرفة، وقال مالك: (لا يجب حتى يرمي جمرة العقبة)، فاعتبر كمال الحج. دليلنا: قَوْله تَعَالَى: ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: 196]، وهذا قد فعل ذلك؛ لأن ما جعل غايةً فوجود أوله كافٍ؛ كقوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة: 187]؛ ولأن الشرائط توجد بوجود الإحرام بالحج، فتعلق الوجوب فيه، وأما وقت نحره: فالأفضل أن لا يذبح إلا يوم النحر، فإن ذبح بعد الإحرام بالحج، وقبل يوم النحر جاز عندنا. وقال مالك وأبو حنيفة: (لا يجوز). دليلنا: أنه دم يتعلق بالإحرام فجاز إخراجه قبل يوم النحر، كدم الطيب واللباس. وإن ذبح بعد الفراغ من العمرة، وقبل الإحرام بالحج.. ففيه قولان، حكاهما أبو علي في "الإفصاح"، وحكاهما المسعودي وجهين؛ أحدهما: لا يجوز؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: 196]، وما لم يحرم بالحج فلم يوجد التمتع؛ ولأن للهدي عملًا يتعلق به عمل البدن، وهو تفرقة الهدي، فلم يجز تقديمه على وجوبه، كالصوم. والثاني: يجوز، وهو الصحيح؛ لأنه حق مال يتعلق بأسباب، فإذا وجد شرطها أو أكثرها جاز تقديمه على ما بقي منها؛ كالزكاة بعد ملك النصاب وقبل الحول، وككفارة اليمين بعد الحلف وقبل الحنث. وإن أراد أن يذبح بعد الإحرام بالعمرة، وقبل الفراغ منها فالبغداديون من أصحابنا قالوا: لا يجزئه وجهًا واحدًا، وأما المسعودي فقال: إذا قلنا: يجوز أن يذبح بعد الفراغ من العمرة وقبل الإحرام بالحج فهل يجوز له أن يذبح قبل الفراغ من العمرة؟ فيه وجهان؛ أحدهما: يجوز له؛ لأنه قد وجد بعض أسباب وجوبه، وهو الشروع في العمرة، فصار كما لو ذبح بعد الفراغ من العمرة. والثاني: لا يجزئه، وهو الصحيح؛ لأن أحد سببي الوجوب بكماله -وهو العمرة- لم يوجد، فصار كما لو ذبح قبل الإحرام بالعمرة] اهـ.
وقال الإمام الماوردي في "الحاوي الكبير" (4/ 51-52، ط. دار الكتب العلمية، بيروت): [إذا كملت شروط التمتع الموجبة للدم فله حالان: حال يسار وحال إعسار: فإن كان موسرًا فعليه دم شاة تجب عليه بعد فراغه من العمرة وعند إحرامه بالحج، فإذا أحرم بالحج لزمه الدم؛ لأن الشرائط الموجبة للدم لا توجد إلا بعد إهلاله بالحج، فإذا أراد أن يأتي بالدم فله أربعة أحوال؛ أحدها: حال اختيار وهو أن يأتي به يوم النحر. والثاني: حال جواز وهو أن يأتي به بعد إحرامه بالحج، وقبل يوم النحر، فعندنا يجزيه. وقال أبو حنيفة: لا يجزيه إلا في يوم النحر؛ تعلقًا بقوله تعالى: ﴿وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ [البقرة: 196]، ومحل الهدي يوم النحر؛ ولأنه إراقة دم هدي فوجب أن لا يجوز قبل يوم النحر؛ قياسًا على هدي البلوغ والأضاحي، ودليلنا قوله تعالى: ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: 196]، فعلمنا أن الهدي يلزمه -أو يجوز له- إذا تمتع بالعمرة إلى الحج، وفي أيهما كان دليل على ما قلناه؛ ولأنه جبران للتمتع فجاز أن يؤتى به قبل يوم النحر، أصله الصوم، ولأنه دم كفارة فجاز أن يؤتى به بعد وجوبه، وقيل: يوم النحر؛ قياسًا على كفارة الأذى، وجزاء الصيد، فأما قوله تعالى: ﴿حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ فالمراد بالمحل: الدم لا يوم النحر؛ بدليل قوله تعالى: ﴿ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾، وأما قياسه على هدي التطوع والأضاحي فالمعنى فيه أنه لا بدل فيه. فصلٌ: والحالة الثالثة: أن يأتي به بعد فراغه من العمرة، وقبل إحرامه بالحج ففيه قولان: أصحهما -وقد نص عليه في الإملاء- يجزئه؛ لأن حقوق المال إذا تعلقت بشيئين جاز تقديمها إذا وجد أحد الشيئين كالزكوات والكفارات، وكذلك دم التمتع، ويجب بأربعة أشياء، وبكمال العمرة قد وجب منها شيئان وهو كونه غير حاضر في المسجد الحرام، وقبل العمرة في أشهر الحج، فجاز تقديم الدم. والقول الثاني: لا يجزئه قياسًا على الصوم، نقله ابن خيران عن التمتع. والحالة الرابعة: أن يأتي به قبل فراغه من العمرة، فلا يختلف المذهب أنه لا يجزئه بحالٍ؛ لبقاء أكثر أسبابه] اهـ.
وبناءً على ما سبق وفي واقعة السؤال: فإن ما قام به هذا الرجل من ذبح هَدْيه قبل يوم النحر أمر جائز شرعًا، ويجزئه؛ وذلك تقليدًا لمن أجاز من أهل العلم كما تقدَّم.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

التفاصيل ....

يقوم المتمتع بذبح هَدْيِ لِجَمْعِه بين نُسُكين في سفرة واحدة، ويقوم المسلمون في العادة بذبح هداياهم في يوم الأضحى وأيام التشريق؛ ولذا يبادر الناس بالإنكار على من يخالف ذلك دون البحث عن حكم المسألة عسى أن يكون هناك من الأئمة المجتهدين مَن قال بجواز ذلك.
والمدخل لهذه المسألة هو أن وجوب الهَدي على المتمتع له سبب، وهو الجمع بين النسكين في سفرة واحدة؛ ولذا كان على القارن هَدْي أيضًا لوجود نفس العلة.
لذا وإن كان الأفضل الذبح يوم النحر وأيام مِنى خروجًا من الخلاف، إلا أنه يجوز ذبح الهدي بالإحرام بالحج؛ خاصة أن السؤال ورد بعد الفعل والعودة من الحرم.
والدليل على ذلك أن وجوب الهدي يكون بالإحرام بالحج؛ لأنه سبب وجوبه وقد وُجِدَ؛ قال الله تعالى: ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: 196]، كما أن الله تعالى قال في نفس الآية: ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ﴾، أي فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ في أيام الاشتغال به بعد الإِحرام وقبل التحلل، فيكون الذبح في هذه الأيام؛ لأنه الأَصل والصوم بدل، فلا فرق إلا بنص، ثم إن دم التمتع أقرب إلى دم الجبران من دم الأضحية التي قاس عليها بعض أهل العلم دم التمتع.
وهذا معتمد الشافعية؛ يقول الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج" (2/ 290، ط. دار الكتب العلمية): [(ووقت وجوب الدم) عليه (إحرامه بالحج)؛ لأنه حينئذٍ يصير متمتعًا بالعمرة إلى الحج. وقد يُفهم أنه لا يجوز تقديمه عليه، وليس مرادًا، بل الأصح جواز ذبحه إذا فرغ من العمرة. وقيل: يجوز إذا أحرم بها ولا يتأقت ذبحه بوقت كسائر دماء الجبرانات، (و) لكن (الأفضل ذبحه يوم النحر)؛ للاتباع، وخروجًا من خلاف الأئمة الثلاثة؛ فإنهم قالوا: لا يجوز في غيره، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا عن أحد ممن كان معه أنه ذبح قبله] اهـ.
وقال الإمام العمراني في "البيان" من كتب الشافعية (4/ 91-92، ط. دار المنهاج، جدة): [وأما وقت وجوب دم التمتع على من وجدت فيه شرائطه فيجب -عندنا- إذا أحرم بالحج، وبه قال أبو حنيفة، وقال عطاء: لا يجب حتى يقف بعرفة، وقال مالك: (لا يجب حتى يرمي جمرة العقبة)، فاعتبر كمال الحج. دليلنا: قَوْله تَعَالَى: ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: 196]، وهذا قد فعل ذلك؛ لأن ما جعل غايةً فوجود أوله كافٍ؛ كقوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة: 187]؛ ولأن الشرائط توجد بوجود الإحرام بالحج، فتعلق الوجوب فيه، وأما وقت نحره: فالأفضل أن لا يذبح إلا يوم النحر، فإن ذبح بعد الإحرام بالحج، وقبل يوم النحر جاز عندنا. وقال مالك وأبو حنيفة: (لا يجوز). دليلنا: أنه دم يتعلق بالإحرام فجاز إخراجه قبل يوم النحر، كدم الطيب واللباس. وإن ذبح بعد الفراغ من العمرة، وقبل الإحرام بالحج.. ففيه قولان، حكاهما أبو علي في "الإفصاح"، وحكاهما المسعودي وجهين؛ أحدهما: لا يجوز؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: 196]، وما لم يحرم بالحج فلم يوجد التمتع؛ ولأن للهدي عملًا يتعلق به عمل البدن، وهو تفرقة الهدي، فلم يجز تقديمه على وجوبه، كالصوم. والثاني: يجوز، وهو الصحيح؛ لأنه حق مال يتعلق بأسباب، فإذا وجد شرطها أو أكثرها جاز تقديمه على ما بقي منها؛ كالزكاة بعد ملك النصاب وقبل الحول، وككفارة اليمين بعد الحلف وقبل الحنث. وإن أراد أن يذبح بعد الإحرام بالعمرة، وقبل الفراغ منها فالبغداديون من أصحابنا قالوا: لا يجزئه وجهًا واحدًا، وأما المسعودي فقال: إذا قلنا: يجوز أن يذبح بعد الفراغ من العمرة وقبل الإحرام بالحج فهل يجوز له أن يذبح قبل الفراغ من العمرة؟ فيه وجهان؛ أحدهما: يجوز له؛ لأنه قد وجد بعض أسباب وجوبه، وهو الشروع في العمرة، فصار كما لو ذبح بعد الفراغ من العمرة. والثاني: لا يجزئه، وهو الصحيح؛ لأن أحد سببي الوجوب بكماله -وهو العمرة- لم يوجد، فصار كما لو ذبح قبل الإحرام بالعمرة] اهـ.
وقال الإمام الماوردي في "الحاوي الكبير" (4/ 51-52، ط. دار الكتب العلمية، بيروت): [إذا كملت شروط التمتع الموجبة للدم فله حالان: حال يسار وحال إعسار: فإن كان موسرًا فعليه دم شاة تجب عليه بعد فراغه من العمرة وعند إحرامه بالحج، فإذا أحرم بالحج لزمه الدم؛ لأن الشرائط الموجبة للدم لا توجد إلا بعد إهلاله بالحج، فإذا أراد أن يأتي بالدم فله أربعة أحوال؛ أحدها: حال اختيار وهو أن يأتي به يوم النحر. والثاني: حال جواز وهو أن يأتي به بعد إحرامه بالحج، وقبل يوم النحر، فعندنا يجزيه. وقال أبو حنيفة: لا يجزيه إلا في يوم النحر؛ تعلقًا بقوله تعالى: ﴿وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ [البقرة: 196]، ومحل الهدي يوم النحر؛ ولأنه إراقة دم هدي فوجب أن لا يجوز قبل يوم النحر؛ قياسًا على هدي البلوغ والأضاحي، ودليلنا قوله تعالى: ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: 196]، فعلمنا أن الهدي يلزمه -أو يجوز له- إذا تمتع بالعمرة إلى الحج، وفي أيهما كان دليل على ما قلناه؛ ولأنه جبران للتمتع فجاز أن يؤتى به قبل يوم النحر، أصله الصوم، ولأنه دم كفارة فجاز أن يؤتى به بعد وجوبه، وقيل: يوم النحر؛ قياسًا على كفارة الأذى، وجزاء الصيد، فأما قوله تعالى: ﴿حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ فالمراد بالمحل: الدم لا يوم النحر؛ بدليل قوله تعالى: ﴿ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾، وأما قياسه على هدي التطوع والأضاحي فالمعنى فيه أنه لا بدل فيه. فصلٌ: والحالة الثالثة: أن يأتي به بعد فراغه من العمرة، وقبل إحرامه بالحج ففيه قولان: أصحهما -وقد نص عليه في الإملاء- يجزئه؛ لأن حقوق المال إذا تعلقت بشيئين جاز تقديمها إذا وجد أحد الشيئين كالزكوات والكفارات، وكذلك دم التمتع، ويجب بأربعة أشياء، وبكمال العمرة قد وجب منها شيئان وهو كونه غير حاضر في المسجد الحرام، وقبل العمرة في أشهر الحج، فجاز تقديم الدم. والقول الثاني: لا يجزئه قياسًا على الصوم، نقله ابن خيران عن التمتع. والحالة الرابعة: أن يأتي به قبل فراغه من العمرة، فلا يختلف المذهب أنه لا يجزئه بحالٍ؛ لبقاء أكثر أسبابه] اهـ.
وبناءً على ما سبق وفي واقعة السؤال: فإن ما قام به هذا الرجل من ذبح هَدْيه قبل يوم النحر أمر جائز شرعًا، ويجزئه؛ وذلك تقليدًا لمن أجاز من أهل العلم كما تقدَّم.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا
;