الاشتراك في الأضحية بأكثر من نية

هل يجوز اشتراك أكثر من شخص في ذبح بقرة لكن مع اختلاف نية كل واحد منهم في هذا الذبح: فأحدهم مثلًا يقصد الأضحية، وآخر يقصد العقيقة، وآخر من أجل اللحم؟ وإذا صح هذا، فهل يجوز أن يذبح الشخص الواحد بقرة واحدة بنوايا متعددة؟

كثيرًا ما يحدث أن يرغب شخص في الاشتراك مع غيره في ذبيحة كبيرة كالبقرة أو الناقة؛ ليحصل على سهم منها، وتختلف دوافع الناس في هذا، فمنهم من يرى طيب لحم البقرة أكثر من الشاة مثلًا، وقد يكون ذلك لأنه أرخص، وغير ذلك.
وهذا النوع من الشركة يُسمى شركة الأملاك، وهي مشروعة كأصلها.
والشركة: هي الاجتماع في استحقاق أو تصرف. وهي ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع:
أما الكتاب فقول الله تعالى: ﴿فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ﴾ [النساء: 12]. وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ﴾ [ص: 24]، والخلطاء هم الشركاء.
ومن السنة: ما روي "أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ، وَالْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ كَانَا شَرِيكَيْنِ فَاشْتَرَيَا فِضَّةً بِنَقْدٍ وَنَسِيئَةً، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَأَمَرَهُمَا أَنَّ مَا كَانَ بِنَقْدٍ فَأَجِيزُوهُ، وَمَا كَانَ بِنَسِيئَةٍ فَرُدُّوهُ" أخرجه الإمام أحمد في "مسنده". وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «أيَقُولُ اللهُ: أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَإِذَا خَانَ خَرَجْتُ مِنْ بَيْنِهِمَا». رواه أبو داود. وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «يَدُ اللهِ عَلَى الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَتَخَاوَنَا». وأجمع المسلمون على جواز الشركة في الجملة...، والشركة على ضربين: شركة أملاك، وشركة عقود. انظر "المغني" لابن قدامة (5/ 3، ط. مكتبة القاهرة).
وقد وردت النصوص صريحة في هذه المسألة:
منها: ما روي عن جابر رضي الله عنه قال: "أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَشْتَرِكَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ" متفق عليه.
وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: "اشْتَرَكْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ، فَقَالَ رَجُلٌ لِجَابِرٍ: أَيَشْتَرِكُ فِي الْبَقَرِ مَا يَشْتَرِكُ فِي الْجَزُورِ؟ فَقَالَ: مَا هِيَ إلَّا مِنْ الْبُدْنِ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: "شَرَّكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فِي حِجَّتِهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْبَقَرَةِ عَنْ سَبْعَةٍ" رَوَاهُ أَحْمَدُ، ووجه الدلالة التصريح بالأمر والإقرار بالشراكة في الأضاحي والهدايا، ورواية أحمد الأخيرة في لفظ "المسلمين" وهي كلمة تدل في أصلها على الاستغراق، ومعلوم أن الناس في حجة الوداع كانوا أصنافًا شتى؛ فمنهم المتمتع والقارن والذابح عن الأضحية، والمكفر عن ما فعله من محظورات النسك، ومعلوم أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. وبمثل ما ذهبنا إليه صرح بعض أهل العلم:
قال العلامة ابن قدامة في "المغني" (9/ 437): [(وتجزئ البدنة عن سبعة، وكذلك البقرة) وهذا قول أكثر أهل العلم. روي ذلك عن علي، وابن عمر، وابن مسعود، وابن عباس، وعائشة رضي الله عنهم وبه قال عطاء، وطاوس، وسالم، والحسن، وعمرو بن دينار، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي. وعن عمر رضي الله عنه أنه قال: "لا تجزئ نفس واحدة عن سبعة". ونحوه قول مالك. قال أحمد: ما علمت أحدًا إلا يرخص في ذلك، إلا ابن عمر. وعن سعيد بن المسيب، أن الجزور عن عشرة، والبقرة عن سبعة. وبه قال إسحاق؛ لما روى رافع رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قسم فعدل عشرة من الغنم ببعير". متفق عليه. وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفر، فحضر الأضحى، فاشتركنا في الجزور عن عشرة، والبقرة عن سبعة" رواه ابن ماجه. ولنا ما روى جابر رضي الله عنه قال: "نحرنا بالحديبية مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة". وقال أيضًا: "كنا نتمتع مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنذبح البقرة عن سبعة، نشترك فيها" رواه مسلم. وهذان أصح من حديثهم. وأما حديث رافع، فهو في القسمة، لا في الأضحية. إذا ثبت هذا، فسواء كان المشتركون من أهل بيت أو لم يكونوا، مفترضين أو متطوعين، أو كان بعضهم يريد القربة وبعضهم يريد اللحم؛ لأن كل إنسان منهم إنما يجزئ عنه نصيبه، فلا تضره نية غيره في عشره] اهـ.
قال الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب" (8/ 397-398، ط. دار الفكر): [(فرع): يجوز أن يشترك سبعة في بدنة أو بقرة للتضحية، سواء كانوا كلهم أهل بيت واحد أو متفرقين، أو بعضهم يريد اللحم فيجزئ عن المتقرب، وسواء أكان أضحية منذورة أم تطوعًا، هذا مذهبنا وبه قال أحمد وداود وجماهير العلماء.
وقال: ويجوز أن ينحر الواحد بدنة أو بقرة عن سبع شياه لزمته بأسباب مختلفة، كتمتع وقران وفوات ومباشرة ومحظورات في الإحرام ونذر التصدق بشاة مذبوحة، والتضحية بشاة] اهـ بتصرف.
ومما تقدَّم يتبين جواز اشتراك أكثر من شخص في ذبح بقرة واحدة بنيات مختلفة -كما هو مذهب جماهير العلماء-، كما يجوز أن يذبح الشخص الواحد بقرة واحدة بنيات متعددة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

التفاصيل ....

كثيرًا ما يحدث أن يرغب شخص في الاشتراك مع غيره في ذبيحة كبيرة كالبقرة أو الناقة؛ ليحصل على سهم منها، وتختلف دوافع الناس في هذا، فمنهم من يرى طيب لحم البقرة أكثر من الشاة مثلًا، وقد يكون ذلك لأنه أرخص، وغير ذلك.
وهذا النوع من الشركة يُسمى شركة الأملاك، وهي مشروعة كأصلها.
والشركة: هي الاجتماع في استحقاق أو تصرف. وهي ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع:
أما الكتاب فقول الله تعالى: ﴿فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ﴾ [النساء: 12]. وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ﴾ [ص: 24]، والخلطاء هم الشركاء.
ومن السنة: ما روي "أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ، وَالْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ كَانَا شَرِيكَيْنِ فَاشْتَرَيَا فِضَّةً بِنَقْدٍ وَنَسِيئَةً، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَأَمَرَهُمَا أَنَّ مَا كَانَ بِنَقْدٍ فَأَجِيزُوهُ، وَمَا كَانَ بِنَسِيئَةٍ فَرُدُّوهُ" أخرجه الإمام أحمد في "مسنده". وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «أيَقُولُ اللهُ: أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَإِذَا خَانَ خَرَجْتُ مِنْ بَيْنِهِمَا». رواه أبو داود. وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «يَدُ اللهِ عَلَى الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَتَخَاوَنَا». وأجمع المسلمون على جواز الشركة في الجملة...، والشركة على ضربين: شركة أملاك، وشركة عقود. انظر "المغني" لابن قدامة (5/ 3، ط. مكتبة القاهرة).
وقد وردت النصوص صريحة في هذه المسألة:
منها: ما روي عن جابر رضي الله عنه قال: "أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَشْتَرِكَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ" متفق عليه.
وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: "اشْتَرَكْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ، فَقَالَ رَجُلٌ لِجَابِرٍ: أَيَشْتَرِكُ فِي الْبَقَرِ مَا يَشْتَرِكُ فِي الْجَزُورِ؟ فَقَالَ: مَا هِيَ إلَّا مِنْ الْبُدْنِ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: "شَرَّكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فِي حِجَّتِهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْبَقَرَةِ عَنْ سَبْعَةٍ" رَوَاهُ أَحْمَدُ، ووجه الدلالة التصريح بالأمر والإقرار بالشراكة في الأضاحي والهدايا، ورواية أحمد الأخيرة في لفظ "المسلمين" وهي كلمة تدل في أصلها على الاستغراق، ومعلوم أن الناس في حجة الوداع كانوا أصنافًا شتى؛ فمنهم المتمتع والقارن والذابح عن الأضحية، والمكفر عن ما فعله من محظورات النسك، ومعلوم أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. وبمثل ما ذهبنا إليه صرح بعض أهل العلم:
قال العلامة ابن قدامة في "المغني" (9/ 437): [(وتجزئ البدنة عن سبعة، وكذلك البقرة) وهذا قول أكثر أهل العلم. روي ذلك عن علي، وابن عمر، وابن مسعود، وابن عباس، وعائشة رضي الله عنهم وبه قال عطاء، وطاوس، وسالم، والحسن، وعمرو بن دينار، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي. وعن عمر رضي الله عنه أنه قال: "لا تجزئ نفس واحدة عن سبعة". ونحوه قول مالك. قال أحمد: ما علمت أحدًا إلا يرخص في ذلك، إلا ابن عمر. وعن سعيد بن المسيب، أن الجزور عن عشرة، والبقرة عن سبعة. وبه قال إسحاق؛ لما روى رافع رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قسم فعدل عشرة من الغنم ببعير". متفق عليه. وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفر، فحضر الأضحى، فاشتركنا في الجزور عن عشرة، والبقرة عن سبعة" رواه ابن ماجه. ولنا ما روى جابر رضي الله عنه قال: "نحرنا بالحديبية مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة". وقال أيضًا: "كنا نتمتع مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنذبح البقرة عن سبعة، نشترك فيها" رواه مسلم. وهذان أصح من حديثهم. وأما حديث رافع، فهو في القسمة، لا في الأضحية. إذا ثبت هذا، فسواء كان المشتركون من أهل بيت أو لم يكونوا، مفترضين أو متطوعين، أو كان بعضهم يريد القربة وبعضهم يريد اللحم؛ لأن كل إنسان منهم إنما يجزئ عنه نصيبه، فلا تضره نية غيره في عشره] اهـ.
قال الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب" (8/ 397-398، ط. دار الفكر): [(فرع): يجوز أن يشترك سبعة في بدنة أو بقرة للتضحية، سواء كانوا كلهم أهل بيت واحد أو متفرقين، أو بعضهم يريد اللحم فيجزئ عن المتقرب، وسواء أكان أضحية منذورة أم تطوعًا، هذا مذهبنا وبه قال أحمد وداود وجماهير العلماء.
وقال: ويجوز أن ينحر الواحد بدنة أو بقرة عن سبع شياه لزمته بأسباب مختلفة، كتمتع وقران وفوات ومباشرة ومحظورات في الإحرام ونذر التصدق بشاة مذبوحة، والتضحية بشاة] اهـ بتصرف.
ومما تقدَّم يتبين جواز اشتراك أكثر من شخص في ذبح بقرة واحدة بنيات مختلفة -كما هو مذهب جماهير العلماء-، كما يجوز أن يذبح الشخص الواحد بقرة واحدة بنيات متعددة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا

الاشتراك في الأضحية بأكثر من نية

هل يجوز اشتراك أكثر من شخص في ذبح بقرة لكن مع اختلاف نية كل واحد منهم في هذا الذبح: فأحدهم مثلًا يقصد الأضحية، وآخر يقصد العقيقة، وآخر من أجل اللحم؟ وإذا صح هذا، فهل يجوز أن يذبح الشخص الواحد بقرة واحدة بنوايا متعددة؟

كثيرًا ما يحدث أن يرغب شخص في الاشتراك مع غيره في ذبيحة كبيرة كالبقرة أو الناقة؛ ليحصل على سهم منها، وتختلف دوافع الناس في هذا، فمنهم من يرى طيب لحم البقرة أكثر من الشاة مثلًا، وقد يكون ذلك لأنه أرخص، وغير ذلك.
وهذا النوع من الشركة يُسمى شركة الأملاك، وهي مشروعة كأصلها.
والشركة: هي الاجتماع في استحقاق أو تصرف. وهي ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع:
أما الكتاب فقول الله تعالى: ﴿فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ﴾ [النساء: 12]. وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ﴾ [ص: 24]، والخلطاء هم الشركاء.
ومن السنة: ما روي "أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ، وَالْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ كَانَا شَرِيكَيْنِ فَاشْتَرَيَا فِضَّةً بِنَقْدٍ وَنَسِيئَةً، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَأَمَرَهُمَا أَنَّ مَا كَانَ بِنَقْدٍ فَأَجِيزُوهُ، وَمَا كَانَ بِنَسِيئَةٍ فَرُدُّوهُ" أخرجه الإمام أحمد في "مسنده". وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «أيَقُولُ اللهُ: أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَإِذَا خَانَ خَرَجْتُ مِنْ بَيْنِهِمَا». رواه أبو داود. وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «يَدُ اللهِ عَلَى الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَتَخَاوَنَا». وأجمع المسلمون على جواز الشركة في الجملة...، والشركة على ضربين: شركة أملاك، وشركة عقود. انظر "المغني" لابن قدامة (5/ 3، ط. مكتبة القاهرة).
وقد وردت النصوص صريحة في هذه المسألة:
منها: ما روي عن جابر رضي الله عنه قال: "أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَشْتَرِكَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ" متفق عليه.
وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: "اشْتَرَكْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ، فَقَالَ رَجُلٌ لِجَابِرٍ: أَيَشْتَرِكُ فِي الْبَقَرِ مَا يَشْتَرِكُ فِي الْجَزُورِ؟ فَقَالَ: مَا هِيَ إلَّا مِنْ الْبُدْنِ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: "شَرَّكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فِي حِجَّتِهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْبَقَرَةِ عَنْ سَبْعَةٍ" رَوَاهُ أَحْمَدُ، ووجه الدلالة التصريح بالأمر والإقرار بالشراكة في الأضاحي والهدايا، ورواية أحمد الأخيرة في لفظ "المسلمين" وهي كلمة تدل في أصلها على الاستغراق، ومعلوم أن الناس في حجة الوداع كانوا أصنافًا شتى؛ فمنهم المتمتع والقارن والذابح عن الأضحية، والمكفر عن ما فعله من محظورات النسك، ومعلوم أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. وبمثل ما ذهبنا إليه صرح بعض أهل العلم:
قال العلامة ابن قدامة في "المغني" (9/ 437): [(وتجزئ البدنة عن سبعة، وكذلك البقرة) وهذا قول أكثر أهل العلم. روي ذلك عن علي، وابن عمر، وابن مسعود، وابن عباس، وعائشة رضي الله عنهم وبه قال عطاء، وطاوس، وسالم، والحسن، وعمرو بن دينار، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي. وعن عمر رضي الله عنه أنه قال: "لا تجزئ نفس واحدة عن سبعة". ونحوه قول مالك. قال أحمد: ما علمت أحدًا إلا يرخص في ذلك، إلا ابن عمر. وعن سعيد بن المسيب، أن الجزور عن عشرة، والبقرة عن سبعة. وبه قال إسحاق؛ لما روى رافع رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قسم فعدل عشرة من الغنم ببعير". متفق عليه. وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفر، فحضر الأضحى، فاشتركنا في الجزور عن عشرة، والبقرة عن سبعة" رواه ابن ماجه. ولنا ما روى جابر رضي الله عنه قال: "نحرنا بالحديبية مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة". وقال أيضًا: "كنا نتمتع مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنذبح البقرة عن سبعة، نشترك فيها" رواه مسلم. وهذان أصح من حديثهم. وأما حديث رافع، فهو في القسمة، لا في الأضحية. إذا ثبت هذا، فسواء كان المشتركون من أهل بيت أو لم يكونوا، مفترضين أو متطوعين، أو كان بعضهم يريد القربة وبعضهم يريد اللحم؛ لأن كل إنسان منهم إنما يجزئ عنه نصيبه، فلا تضره نية غيره في عشره] اهـ.
قال الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب" (8/ 397-398، ط. دار الفكر): [(فرع): يجوز أن يشترك سبعة في بدنة أو بقرة للتضحية، سواء كانوا كلهم أهل بيت واحد أو متفرقين، أو بعضهم يريد اللحم فيجزئ عن المتقرب، وسواء أكان أضحية منذورة أم تطوعًا، هذا مذهبنا وبه قال أحمد وداود وجماهير العلماء.
وقال: ويجوز أن ينحر الواحد بدنة أو بقرة عن سبع شياه لزمته بأسباب مختلفة، كتمتع وقران وفوات ومباشرة ومحظورات في الإحرام ونذر التصدق بشاة مذبوحة، والتضحية بشاة] اهـ بتصرف.
ومما تقدَّم يتبين جواز اشتراك أكثر من شخص في ذبح بقرة واحدة بنيات مختلفة -كما هو مذهب جماهير العلماء-، كما يجوز أن يذبح الشخص الواحد بقرة واحدة بنيات متعددة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

التفاصيل ....

كثيرًا ما يحدث أن يرغب شخص في الاشتراك مع غيره في ذبيحة كبيرة كالبقرة أو الناقة؛ ليحصل على سهم منها، وتختلف دوافع الناس في هذا، فمنهم من يرى طيب لحم البقرة أكثر من الشاة مثلًا، وقد يكون ذلك لأنه أرخص، وغير ذلك.
وهذا النوع من الشركة يُسمى شركة الأملاك، وهي مشروعة كأصلها.
والشركة: هي الاجتماع في استحقاق أو تصرف. وهي ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع:
أما الكتاب فقول الله تعالى: ﴿فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ﴾ [النساء: 12]. وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ﴾ [ص: 24]، والخلطاء هم الشركاء.
ومن السنة: ما روي "أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ، وَالْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ كَانَا شَرِيكَيْنِ فَاشْتَرَيَا فِضَّةً بِنَقْدٍ وَنَسِيئَةً، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَأَمَرَهُمَا أَنَّ مَا كَانَ بِنَقْدٍ فَأَجِيزُوهُ، وَمَا كَانَ بِنَسِيئَةٍ فَرُدُّوهُ" أخرجه الإمام أحمد في "مسنده". وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «أيَقُولُ اللهُ: أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَإِذَا خَانَ خَرَجْتُ مِنْ بَيْنِهِمَا». رواه أبو داود. وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «يَدُ اللهِ عَلَى الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَتَخَاوَنَا». وأجمع المسلمون على جواز الشركة في الجملة...، والشركة على ضربين: شركة أملاك، وشركة عقود. انظر "المغني" لابن قدامة (5/ 3، ط. مكتبة القاهرة).
وقد وردت النصوص صريحة في هذه المسألة:
منها: ما روي عن جابر رضي الله عنه قال: "أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَشْتَرِكَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ" متفق عليه.
وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: "اشْتَرَكْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ، فَقَالَ رَجُلٌ لِجَابِرٍ: أَيَشْتَرِكُ فِي الْبَقَرِ مَا يَشْتَرِكُ فِي الْجَزُورِ؟ فَقَالَ: مَا هِيَ إلَّا مِنْ الْبُدْنِ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: "شَرَّكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فِي حِجَّتِهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْبَقَرَةِ عَنْ سَبْعَةٍ" رَوَاهُ أَحْمَدُ، ووجه الدلالة التصريح بالأمر والإقرار بالشراكة في الأضاحي والهدايا، ورواية أحمد الأخيرة في لفظ "المسلمين" وهي كلمة تدل في أصلها على الاستغراق، ومعلوم أن الناس في حجة الوداع كانوا أصنافًا شتى؛ فمنهم المتمتع والقارن والذابح عن الأضحية، والمكفر عن ما فعله من محظورات النسك، ومعلوم أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. وبمثل ما ذهبنا إليه صرح بعض أهل العلم:
قال العلامة ابن قدامة في "المغني" (9/ 437): [(وتجزئ البدنة عن سبعة، وكذلك البقرة) وهذا قول أكثر أهل العلم. روي ذلك عن علي، وابن عمر، وابن مسعود، وابن عباس، وعائشة رضي الله عنهم وبه قال عطاء، وطاوس، وسالم، والحسن، وعمرو بن دينار، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي. وعن عمر رضي الله عنه أنه قال: "لا تجزئ نفس واحدة عن سبعة". ونحوه قول مالك. قال أحمد: ما علمت أحدًا إلا يرخص في ذلك، إلا ابن عمر. وعن سعيد بن المسيب، أن الجزور عن عشرة، والبقرة عن سبعة. وبه قال إسحاق؛ لما روى رافع رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قسم فعدل عشرة من الغنم ببعير". متفق عليه. وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفر، فحضر الأضحى، فاشتركنا في الجزور عن عشرة، والبقرة عن سبعة" رواه ابن ماجه. ولنا ما روى جابر رضي الله عنه قال: "نحرنا بالحديبية مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة". وقال أيضًا: "كنا نتمتع مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنذبح البقرة عن سبعة، نشترك فيها" رواه مسلم. وهذان أصح من حديثهم. وأما حديث رافع، فهو في القسمة، لا في الأضحية. إذا ثبت هذا، فسواء كان المشتركون من أهل بيت أو لم يكونوا، مفترضين أو متطوعين، أو كان بعضهم يريد القربة وبعضهم يريد اللحم؛ لأن كل إنسان منهم إنما يجزئ عنه نصيبه، فلا تضره نية غيره في عشره] اهـ.
قال الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب" (8/ 397-398، ط. دار الفكر): [(فرع): يجوز أن يشترك سبعة في بدنة أو بقرة للتضحية، سواء كانوا كلهم أهل بيت واحد أو متفرقين، أو بعضهم يريد اللحم فيجزئ عن المتقرب، وسواء أكان أضحية منذورة أم تطوعًا، هذا مذهبنا وبه قال أحمد وداود وجماهير العلماء.
وقال: ويجوز أن ينحر الواحد بدنة أو بقرة عن سبع شياه لزمته بأسباب مختلفة، كتمتع وقران وفوات ومباشرة ومحظورات في الإحرام ونذر التصدق بشاة مذبوحة، والتضحية بشاة] اهـ بتصرف.
ومما تقدَّم يتبين جواز اشتراك أكثر من شخص في ذبح بقرة واحدة بنيات مختلفة -كما هو مذهب جماهير العلماء-، كما يجوز أن يذبح الشخص الواحد بقرة واحدة بنيات متعددة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا
;