اشتراط البائع إبراءه من العيوب في المبيع

اشتريتُ من شخصٍ سيارة مستعملة واشترط عليَّ أن لا يكون عليه أي التزامٍ حال ظهور أي عيب فيها، فقبلت ودفعت له الثمن وأخذت السيارة ثم اكتشفت فيها عيبًا لو اطلعت عليه حين الشراء لم أكن لأشتريها، فهل ما قام به البائع من اشتراط خلو ذمته من العيب صحيح شرعًا أم لا؟

يجب على البائع أن يُعلِم المشتري عيوب المبيع، ولا يجوز له كتمها، فإن أعلمه إياها وقَبِل المشتري برئ البائع ولزم المشتري القبول، ولا ضمان على البائع، أما إذا لم يبيِّن للمشتري العيب وأخفاه عنه فهو آثم؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا فِيهِ عَيْبٌ إِلَّا بَيَّنَهُ لَهُ» رواه أحمد وابن ماجه، والحاكم في "المستدرك" وقال: صحيح على شرطهما، ووافقه الذهبي في "التلخيص"، ولما جاء في "الصحيحين" عن حكيم بن حزام رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا».

كما أن كتمان العيب غش، والغش حرام؛ لما أخرجه مسلم في "صحيحه" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا»، ومع إثمه فالبيع صحيح عند الجمهور مع ثبوت الخيار للمشتري في الجملة، فإن للفقهاء تفصيلًا في ثبوت الخيار.

وإن شَرَط البائع على المشتري براءته من عيوب السلعة مع علمه بهذه العيوب وكتمها فقد اختلف الفقهاء في مدى صحة هذا الشرط على أقوال:

الأول: أن الشرط صحيح، والبائع برئ من العيب مطلقًا، وبه قال الحنفية.

يقول العلامة الكاساني في "بدائع الصنائع" (5/ 276، ط. دار الكتب العلمية) عند الكلام على شرائط ثبوت خيار: [ومنها: عدم اشتراط البراءة عن العيب في البيع عندنا حتى لو شرط فلا خيار للمشتري؛ لأن شرط البراءة عن العيب في البيع عندنا صحيح] اهـ.

وفي "الهداية" للعلامة المرغيناني (6/ 396، مطبوع مع "فتح القدير" و"العناية"، ط. دار الفكر): [ومن باع عبدًا وشرط البراءة من كل عيب؛ فليس له أن يرده بعيب وإن لم يُسم العيوب بعددها] اهـ.

والقول الثاني: أن الشرط باطل، ولا يبرأ البائع إلا فيما علمه البائع وسماه للمشتري فأبرأه، وهو المذهب عند الحنابلة، والمشهور من الروايات عن مالك، وأظهر أقوال الشافعي، إلا أن الإمام مالكًا والشافعي استثنيا الرقيق، فإن الشرط يصح إذا لم يعلم البائع ولا يصح إذا علم، وزاد الشافعي الحيوان، وخصَّ -أي الشافعي- صحة شرط البراءة في الرقيق والحيوان بالعيوب الباطنة التي لا يعلمها البائع بخلاف العيوب الظاهرة التي يعلمها البائع، وطرد الإمام مالك القول في عيوب الرقيق الظاهرة والباطنة.

ففي "الكافي" للإمام ابن عبد البر (2/ 712، ط. مكتبة الرياض الحديثة): [لا يجوز بيع البراءة في شيء من السلع المأكولة والمشروبة ولا غيرها من العروض كلها إلا الرقيق خاصة، ولا يبرأ من باع بالبراءة في غير الرقيق إلا مما عينه وسماه ووقَّف المبتاع عليه فنظر إليه، وإذا تبرأ البائع في الرقيق إلى المبتاع من العيوب وباع منه على البراءة لم يبرأ من عيب علمه، ويبرأ من العيب إذا لم يعلمه، ويحلف عليه أنه ما يعلمه إن ادعى المبتاع عليه] اهـ.

وفي "البيان والتحصيل" للعلامة ابن رشد الجد (7/ 317، ط. دار الغرب الإسلامي): [مسألة: وقال مالك: لا ينفع بيع البراءة في الدواب وإن تبرؤوا في ميراث ولا غيره، وإن وجد بها عيبًا ردها؛ ولا براءة عندنا إلا في الرقيق] اهـ.

وفي "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" للعلامة ابن رشد الحفيد (3/ 200، ط. دار الحديث، القاهرة): [اختلف العلماء في جواز هذا البيع، وصورته: أن يشترط البائع على المشتري التزام كل عيب يجده في المبيع على العموم... وأما مالك: فالأشهر عنه أن البراءة جائزة مما يعلم البائع من العيوب، وذلك في الرقيق خاصة] اهـ.

وقال العلامة الـمرداوي في "الإنصاف" (4/ 359، ط. دار إحياء التراث العربي): [(وإن باعه وشرط البراءة من كل عيب لم يبرأ) وكذا لو باعه وشرط البراءة من عيبِ كذا إن كان، وهذا المذهب في ذلك بلا ريب، وعليه جماهير الأصحاب] اهـ.

ويقول الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (2/ 430-432، ط. دار الكتب العلمية): [(ولو باع) حيوانًا أو غيره (بشرط براءته من العيوب) في المبيع أو قال: بعتك على أن لا ترد بعيب (فالأظهر أنه يبرأ عن عيب باطن بالحيوان لم يعلمه) البائع (دون غيره) أي العيب المذكور، فلا يبرأ عن عيب بغير الحيوان كالثياب والعقار مطلقًا، ولا عن عيب ظاهر بالحيوان علمه أم لا، ولا عن عيب باطن بالحيوان علمه، والمراد بالباطن كما قال شيخي: ما لا يطلع عليه غالبًا] اهـ. وقوله: "شيخي" يعني: الرملي الكبير.

هذا، وقد استدل الحنفية بصحة البيع والشرط بما يلي:
أولًا: بما جاء عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: جَاءَ رَجُلَانِ مِنَ الْأَنْصَارِ يَخْتَصِمَانِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فِي مَوَارِيثَ بَيْنَهُمَا قَدْ دُرِسَتْ، لَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ -أَوْ قَدْ قَالَ: لِحُجَّتِهِ- مِنْ بَعْضٍ، فَإِنِّمَا أَقْضِي بَيْنَكُمْ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا، فَلَا يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ يَأْتِي بِهَا إِسْطَامًا فِي عُنُقِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، فَبَكَى الرَّجُلَانِ، وَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: حَقِّي لِأَخِي، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «أَمَا إِذْ قُلْتُمَا، فَاذْهَبَا فَاقْتَسِمَا، ثُمَّ تَوَخَّيَا الْحَقَّ، ثُمَّ اسْتَهِمَا، ثُمَّ لِيَحْلِلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ» رواه أبو داود والحاكم والطبراني في "الكبير" وأحمد واللفظ له.

ووجه الدلالة فيه أن البراءة من الحقوق المجهولة جائز، والعيب الذي في المبيع من الحقوق المجهولة.

ثانيًا: ما أخرجه الترمذي وصححه من حديث عمرو بن عوف رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ». والحديث بعمومه يدخل فيه شرط البراءة من العيب.

ثالثًا: كما استدلوا بأن البراءة إسقاط حق، وهي وإن كانت فيها معنى تمليك ونوع جهالة إلا أن الجهالة لا تمنع التمليك لذاتها، بل لإفضائها إلى المنازعة، بدليل جواز بيع المجازفة وفيه نوع جهالة لكنها لا تفضي للمنازعة، يضاف إلى ذلك أن شرط الإبراء رضي به المشتري وهو بالخيار في قبوله والدخول في المعاملة أو لا. يراجع: "بدائع الصنائع" (5/ 172)، و"مختصر اختلاف العلماء" للطحاوي (3/ 154، ط. دار البشائر، بيروت)، و"فتح القدير" (6/ 398).

أما أصحاب الرأي الثاني فاستدلوا بما يلي:
أولًا: بالنصوص الناهية عن الغش والغرر والتدليس، كحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا»، وعنه أيضًا: "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ" رواهما مسلم، ولا شك أن البيع بشرط البراءة من العيوب لا يخلو من غرر وغش لا يغتفر مثله، لكن محل ذلك فيما أخفاه البائع من عيوب، وإلا فلا غرر فيما أَوقَف عليه المشتري.

ثانيًا: روى عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: قال: «لَا يَحِلُّ لاِمْرِئٍ يَبِيعُ سِلْعَةً يَعْلَمُ أَنَّ بِهَا دَاءً إِلَّا أَخْبَرَهُ» رواه أحمد وابن ماجه والحاكم، وذكره البخاري موقوفًا.

لكن يَرِدُ على ذلك أن وجوب الإعلام بالعيب لا ينافي الاشتراط، فمن الممكن إعلام المشتري بالعيب مع اشتراط البراءة.

ووجه تخصيص الحيوان أن الحيوان يأكل في حالتي الصحة والمرض فيصعب اكتشاف ما به من داء، كما أنه تتحول طبائعه وقلما يبرأ من عيب يظهر أم يخفى، فيحتاج البائع إلى شرط البراءة؛ ليثق بلزوم البيع وعدم الرد، وإنما خص الإمام الشافعي العيب بالباطن؛ لأن الظاهر يندر خفاؤه فلا يبرأ به.

والذي يترجَّح في هذه المسألة من الناحية الفقهية مذهب الحنفية لا سيما وأن اشتراط البائع على المشتري البراءة يجعل المشتري ينصح لنفسه ويفحص المبيع قبل قبوله، فليس فيه غرر أو خديعة، والمشتري أمين لنفسه إن شاء أخذ وإن شاء ترك.

ولكن مع ذلك فإن القانون المدني المصري توسَّط بين القولين: فأخذ بالرأي الأول في شقٍّ، وبالرأي الثاني في شقٍّ آخر؛ حيث نصت المادة (447) من القانون المدني المصري على ما يلي:

أ- يكون البائع ملزمًا بالضمان إذا لم يتوافر في المبيع وقت التسليم الصفات التي كفل للمشتري وجودها فيه، أو إذا كان بالمبيع عيب ينقص من قيمته أو نفعه بحسب الغاية المقصودة مستفادة مما هو مبين في العقد، أو مما هو ظاهر من طبيعة الشيء، أو الغرض الذي أعد له، ويضمن البائع هذا العيب ولو لم يكن عالمًا بوجوده.

ب- ومع ذلك لا يضمن البائع العيوب التي كان المشتري يعرفها وقت البيع، أو كان يستطيع أن يتبينها بنفسه لو أنه فحص المبيع بعناية الرجل العادي، إلا إذا أثبت المشتري أن البائع قد أكد له خلو المبيع من هذا العيب، أو أثبت أن البائع قد تعمد إخفاء العيب غشًّا منه.

ونصت المادة (453) من نفس القانون على أنه يجوز للمتعاقدين باتفاق خاص أن يزيدا في الضمان أو أن ينقصا منه أو أن يسقطا هذا الضمان، على أن كل شرط يسقط الضمان، أو ينقصه يقع باطلًا إذا كان البائع قد تعمد إخفاء العيب في المبيع غشًّا منه.

فالمستفاد من المادة الثانية أنه يجوز للمتبايعين الاتفاق على إسقاط الضمان، وهو مآل الإبراء، وهذا ما يفيده الرأي الأول، كما يستفاد من المادة ذاتها أن هذا الجواز مقيَّد بما إذا لم يعلم البائع عيبًا معينًا أخفاه على سبيل الغش، وهذا ما يفيده الرأي الثاني. والمستفاد من المادة الأولى عدم ضمان البائع للعيوب التي يعرفها المشتري سواء اطلع عليها بنفسه أو أوقفه البائع عليها، وهذا مفاد الرأي الثاني أيضًا، وهو تلفيقٌ حسن.
وبناءً على ما سبق: فالرأي الشرعي والقانوني المختار للفتوى أنه يجوز إبراء المشتري البائعَ من عيوب المبيع، شريطة عدم إخفاء البائع لعيبٍ غشًّا منه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

التفاصيل ....

يجب على البائع أن يُعلِم المشتري عيوب المبيع، ولا يجوز له كتمها، فإن أعلمه إياها وقَبِل المشتري برئ البائع ولزم المشتري القبول، ولا ضمان على البائع، أما إذا لم يبيِّن للمشتري العيب وأخفاه عنه فهو آثم؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا فِيهِ عَيْبٌ إِلَّا بَيَّنَهُ لَهُ» رواه أحمد وابن ماجه، والحاكم في "المستدرك" وقال: صحيح على شرطهما، ووافقه الذهبي في "التلخيص"، ولما جاء في "الصحيحين" عن حكيم بن حزام رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا».

كما أن كتمان العيب غش، والغش حرام؛ لما أخرجه مسلم في "صحيحه" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا»، ومع إثمه فالبيع صحيح عند الجمهور مع ثبوت الخيار للمشتري في الجملة، فإن للفقهاء تفصيلًا في ثبوت الخيار.

وإن شَرَط البائع على المشتري براءته من عيوب السلعة مع علمه بهذه العيوب وكتمها فقد اختلف الفقهاء في مدى صحة هذا الشرط على أقوال:

الأول: أن الشرط صحيح، والبائع برئ من العيب مطلقًا، وبه قال الحنفية.

يقول العلامة الكاساني في "بدائع الصنائع" (5/ 276، ط. دار الكتب العلمية) عند الكلام على شرائط ثبوت خيار: [ومنها: عدم اشتراط البراءة عن العيب في البيع عندنا حتى لو شرط فلا خيار للمشتري؛ لأن شرط البراءة عن العيب في البيع عندنا صحيح] اهـ.

وفي "الهداية" للعلامة المرغيناني (6/ 396، مطبوع مع "فتح القدير" و"العناية"، ط. دار الفكر): [ومن باع عبدًا وشرط البراءة من كل عيب؛ فليس له أن يرده بعيب وإن لم يُسم العيوب بعددها] اهـ.

والقول الثاني: أن الشرط باطل، ولا يبرأ البائع إلا فيما علمه البائع وسماه للمشتري فأبرأه، وهو المذهب عند الحنابلة، والمشهور من الروايات عن مالك، وأظهر أقوال الشافعي، إلا أن الإمام مالكًا والشافعي استثنيا الرقيق، فإن الشرط يصح إذا لم يعلم البائع ولا يصح إذا علم، وزاد الشافعي الحيوان، وخصَّ -أي الشافعي- صحة شرط البراءة في الرقيق والحيوان بالعيوب الباطنة التي لا يعلمها البائع بخلاف العيوب الظاهرة التي يعلمها البائع، وطرد الإمام مالك القول في عيوب الرقيق الظاهرة والباطنة.

ففي "الكافي" للإمام ابن عبد البر (2/ 712، ط. مكتبة الرياض الحديثة): [لا يجوز بيع البراءة في شيء من السلع المأكولة والمشروبة ولا غيرها من العروض كلها إلا الرقيق خاصة، ولا يبرأ من باع بالبراءة في غير الرقيق إلا مما عينه وسماه ووقَّف المبتاع عليه فنظر إليه، وإذا تبرأ البائع في الرقيق إلى المبتاع من العيوب وباع منه على البراءة لم يبرأ من عيب علمه، ويبرأ من العيب إذا لم يعلمه، ويحلف عليه أنه ما يعلمه إن ادعى المبتاع عليه] اهـ.

وفي "البيان والتحصيل" للعلامة ابن رشد الجد (7/ 317، ط. دار الغرب الإسلامي): [مسألة: وقال مالك: لا ينفع بيع البراءة في الدواب وإن تبرؤوا في ميراث ولا غيره، وإن وجد بها عيبًا ردها؛ ولا براءة عندنا إلا في الرقيق] اهـ.

وفي "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" للعلامة ابن رشد الحفيد (3/ 200، ط. دار الحديث، القاهرة): [اختلف العلماء في جواز هذا البيع، وصورته: أن يشترط البائع على المشتري التزام كل عيب يجده في المبيع على العموم... وأما مالك: فالأشهر عنه أن البراءة جائزة مما يعلم البائع من العيوب، وذلك في الرقيق خاصة] اهـ.

وقال العلامة الـمرداوي في "الإنصاف" (4/ 359، ط. دار إحياء التراث العربي): [(وإن باعه وشرط البراءة من كل عيب لم يبرأ) وكذا لو باعه وشرط البراءة من عيبِ كذا إن كان، وهذا المذهب في ذلك بلا ريب، وعليه جماهير الأصحاب] اهـ.

ويقول الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (2/ 430-432، ط. دار الكتب العلمية): [(ولو باع) حيوانًا أو غيره (بشرط براءته من العيوب) في المبيع أو قال: بعتك على أن لا ترد بعيب (فالأظهر أنه يبرأ عن عيب باطن بالحيوان لم يعلمه) البائع (دون غيره) أي العيب المذكور، فلا يبرأ عن عيب بغير الحيوان كالثياب والعقار مطلقًا، ولا عن عيب ظاهر بالحيوان علمه أم لا، ولا عن عيب باطن بالحيوان علمه، والمراد بالباطن كما قال شيخي: ما لا يطلع عليه غالبًا] اهـ. وقوله: "شيخي" يعني: الرملي الكبير.

هذا، وقد استدل الحنفية بصحة البيع والشرط بما يلي:
أولًا: بما جاء عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: جَاءَ رَجُلَانِ مِنَ الْأَنْصَارِ يَخْتَصِمَانِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فِي مَوَارِيثَ بَيْنَهُمَا قَدْ دُرِسَتْ، لَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ -أَوْ قَدْ قَالَ: لِحُجَّتِهِ- مِنْ بَعْضٍ، فَإِنِّمَا أَقْضِي بَيْنَكُمْ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا، فَلَا يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ يَأْتِي بِهَا إِسْطَامًا فِي عُنُقِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، فَبَكَى الرَّجُلَانِ، وَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: حَقِّي لِأَخِي، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «أَمَا إِذْ قُلْتُمَا، فَاذْهَبَا فَاقْتَسِمَا، ثُمَّ تَوَخَّيَا الْحَقَّ، ثُمَّ اسْتَهِمَا، ثُمَّ لِيَحْلِلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ» رواه أبو داود والحاكم والطبراني في "الكبير" وأحمد واللفظ له.

ووجه الدلالة فيه أن البراءة من الحقوق المجهولة جائز، والعيب الذي في المبيع من الحقوق المجهولة.

ثانيًا: ما أخرجه الترمذي وصححه من حديث عمرو بن عوف رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ». والحديث بعمومه يدخل فيه شرط البراءة من العيب.

ثالثًا: كما استدلوا بأن البراءة إسقاط حق، وهي وإن كانت فيها معنى تمليك ونوع جهالة إلا أن الجهالة لا تمنع التمليك لذاتها، بل لإفضائها إلى المنازعة، بدليل جواز بيع المجازفة وفيه نوع جهالة لكنها لا تفضي للمنازعة، يضاف إلى ذلك أن شرط الإبراء رضي به المشتري وهو بالخيار في قبوله والدخول في المعاملة أو لا. يراجع: "بدائع الصنائع" (5/ 172)، و"مختصر اختلاف العلماء" للطحاوي (3/ 154، ط. دار البشائر، بيروت)، و"فتح القدير" (6/ 398).

أما أصحاب الرأي الثاني فاستدلوا بما يلي:
أولًا: بالنصوص الناهية عن الغش والغرر والتدليس، كحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا»، وعنه أيضًا: "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ" رواهما مسلم، ولا شك أن البيع بشرط البراءة من العيوب لا يخلو من غرر وغش لا يغتفر مثله، لكن محل ذلك فيما أخفاه البائع من عيوب، وإلا فلا غرر فيما أَوقَف عليه المشتري.

ثانيًا: روى عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: قال: «لَا يَحِلُّ لاِمْرِئٍ يَبِيعُ سِلْعَةً يَعْلَمُ أَنَّ بِهَا دَاءً إِلَّا أَخْبَرَهُ» رواه أحمد وابن ماجه والحاكم، وذكره البخاري موقوفًا.

لكن يَرِدُ على ذلك أن وجوب الإعلام بالعيب لا ينافي الاشتراط، فمن الممكن إعلام المشتري بالعيب مع اشتراط البراءة.

ووجه تخصيص الحيوان أن الحيوان يأكل في حالتي الصحة والمرض فيصعب اكتشاف ما به من داء، كما أنه تتحول طبائعه وقلما يبرأ من عيب يظهر أم يخفى، فيحتاج البائع إلى شرط البراءة؛ ليثق بلزوم البيع وعدم الرد، وإنما خص الإمام الشافعي العيب بالباطن؛ لأن الظاهر يندر خفاؤه فلا يبرأ به.

والذي يترجَّح في هذه المسألة من الناحية الفقهية مذهب الحنفية لا سيما وأن اشتراط البائع على المشتري البراءة يجعل المشتري ينصح لنفسه ويفحص المبيع قبل قبوله، فليس فيه غرر أو خديعة، والمشتري أمين لنفسه إن شاء أخذ وإن شاء ترك.

ولكن مع ذلك فإن القانون المدني المصري توسَّط بين القولين: فأخذ بالرأي الأول في شقٍّ، وبالرأي الثاني في شقٍّ آخر؛ حيث نصت المادة (447) من القانون المدني المصري على ما يلي:

أ- يكون البائع ملزمًا بالضمان إذا لم يتوافر في المبيع وقت التسليم الصفات التي كفل للمشتري وجودها فيه، أو إذا كان بالمبيع عيب ينقص من قيمته أو نفعه بحسب الغاية المقصودة مستفادة مما هو مبين في العقد، أو مما هو ظاهر من طبيعة الشيء، أو الغرض الذي أعد له، ويضمن البائع هذا العيب ولو لم يكن عالمًا بوجوده.

ب- ومع ذلك لا يضمن البائع العيوب التي كان المشتري يعرفها وقت البيع، أو كان يستطيع أن يتبينها بنفسه لو أنه فحص المبيع بعناية الرجل العادي، إلا إذا أثبت المشتري أن البائع قد أكد له خلو المبيع من هذا العيب، أو أثبت أن البائع قد تعمد إخفاء العيب غشًّا منه.

ونصت المادة (453) من نفس القانون على أنه يجوز للمتعاقدين باتفاق خاص أن يزيدا في الضمان أو أن ينقصا منه أو أن يسقطا هذا الضمان، على أن كل شرط يسقط الضمان، أو ينقصه يقع باطلًا إذا كان البائع قد تعمد إخفاء العيب في المبيع غشًّا منه.

فالمستفاد من المادة الثانية أنه يجوز للمتبايعين الاتفاق على إسقاط الضمان، وهو مآل الإبراء، وهذا ما يفيده الرأي الأول، كما يستفاد من المادة ذاتها أن هذا الجواز مقيَّد بما إذا لم يعلم البائع عيبًا معينًا أخفاه على سبيل الغش، وهذا ما يفيده الرأي الثاني. والمستفاد من المادة الأولى عدم ضمان البائع للعيوب التي يعرفها المشتري سواء اطلع عليها بنفسه أو أوقفه البائع عليها، وهذا مفاد الرأي الثاني أيضًا، وهو تلفيقٌ حسن.
وبناءً على ما سبق: فالرأي الشرعي والقانوني المختار للفتوى أنه يجوز إبراء المشتري البائعَ من عيوب المبيع، شريطة عدم إخفاء البائع لعيبٍ غشًّا منه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا

اشتراط البائع إبراءه من العيوب في المبيع

اشتريتُ من شخصٍ سيارة مستعملة واشترط عليَّ أن لا يكون عليه أي التزامٍ حال ظهور أي عيب فيها، فقبلت ودفعت له الثمن وأخذت السيارة ثم اكتشفت فيها عيبًا لو اطلعت عليه حين الشراء لم أكن لأشتريها، فهل ما قام به البائع من اشتراط خلو ذمته من العيب صحيح شرعًا أم لا؟

يجب على البائع أن يُعلِم المشتري عيوب المبيع، ولا يجوز له كتمها، فإن أعلمه إياها وقَبِل المشتري برئ البائع ولزم المشتري القبول، ولا ضمان على البائع، أما إذا لم يبيِّن للمشتري العيب وأخفاه عنه فهو آثم؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا فِيهِ عَيْبٌ إِلَّا بَيَّنَهُ لَهُ» رواه أحمد وابن ماجه، والحاكم في "المستدرك" وقال: صحيح على شرطهما، ووافقه الذهبي في "التلخيص"، ولما جاء في "الصحيحين" عن حكيم بن حزام رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا».

كما أن كتمان العيب غش، والغش حرام؛ لما أخرجه مسلم في "صحيحه" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا»، ومع إثمه فالبيع صحيح عند الجمهور مع ثبوت الخيار للمشتري في الجملة، فإن للفقهاء تفصيلًا في ثبوت الخيار.

وإن شَرَط البائع على المشتري براءته من عيوب السلعة مع علمه بهذه العيوب وكتمها فقد اختلف الفقهاء في مدى صحة هذا الشرط على أقوال:

الأول: أن الشرط صحيح، والبائع برئ من العيب مطلقًا، وبه قال الحنفية.

يقول العلامة الكاساني في "بدائع الصنائع" (5/ 276، ط. دار الكتب العلمية) عند الكلام على شرائط ثبوت خيار: [ومنها: عدم اشتراط البراءة عن العيب في البيع عندنا حتى لو شرط فلا خيار للمشتري؛ لأن شرط البراءة عن العيب في البيع عندنا صحيح] اهـ.

وفي "الهداية" للعلامة المرغيناني (6/ 396، مطبوع مع "فتح القدير" و"العناية"، ط. دار الفكر): [ومن باع عبدًا وشرط البراءة من كل عيب؛ فليس له أن يرده بعيب وإن لم يُسم العيوب بعددها] اهـ.

والقول الثاني: أن الشرط باطل، ولا يبرأ البائع إلا فيما علمه البائع وسماه للمشتري فأبرأه، وهو المذهب عند الحنابلة، والمشهور من الروايات عن مالك، وأظهر أقوال الشافعي، إلا أن الإمام مالكًا والشافعي استثنيا الرقيق، فإن الشرط يصح إذا لم يعلم البائع ولا يصح إذا علم، وزاد الشافعي الحيوان، وخصَّ -أي الشافعي- صحة شرط البراءة في الرقيق والحيوان بالعيوب الباطنة التي لا يعلمها البائع بخلاف العيوب الظاهرة التي يعلمها البائع، وطرد الإمام مالك القول في عيوب الرقيق الظاهرة والباطنة.

ففي "الكافي" للإمام ابن عبد البر (2/ 712، ط. مكتبة الرياض الحديثة): [لا يجوز بيع البراءة في شيء من السلع المأكولة والمشروبة ولا غيرها من العروض كلها إلا الرقيق خاصة، ولا يبرأ من باع بالبراءة في غير الرقيق إلا مما عينه وسماه ووقَّف المبتاع عليه فنظر إليه، وإذا تبرأ البائع في الرقيق إلى المبتاع من العيوب وباع منه على البراءة لم يبرأ من عيب علمه، ويبرأ من العيب إذا لم يعلمه، ويحلف عليه أنه ما يعلمه إن ادعى المبتاع عليه] اهـ.

وفي "البيان والتحصيل" للعلامة ابن رشد الجد (7/ 317، ط. دار الغرب الإسلامي): [مسألة: وقال مالك: لا ينفع بيع البراءة في الدواب وإن تبرؤوا في ميراث ولا غيره، وإن وجد بها عيبًا ردها؛ ولا براءة عندنا إلا في الرقيق] اهـ.

وفي "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" للعلامة ابن رشد الحفيد (3/ 200، ط. دار الحديث، القاهرة): [اختلف العلماء في جواز هذا البيع، وصورته: أن يشترط البائع على المشتري التزام كل عيب يجده في المبيع على العموم... وأما مالك: فالأشهر عنه أن البراءة جائزة مما يعلم البائع من العيوب، وذلك في الرقيق خاصة] اهـ.

وقال العلامة الـمرداوي في "الإنصاف" (4/ 359، ط. دار إحياء التراث العربي): [(وإن باعه وشرط البراءة من كل عيب لم يبرأ) وكذا لو باعه وشرط البراءة من عيبِ كذا إن كان، وهذا المذهب في ذلك بلا ريب، وعليه جماهير الأصحاب] اهـ.

ويقول الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (2/ 430-432، ط. دار الكتب العلمية): [(ولو باع) حيوانًا أو غيره (بشرط براءته من العيوب) في المبيع أو قال: بعتك على أن لا ترد بعيب (فالأظهر أنه يبرأ عن عيب باطن بالحيوان لم يعلمه) البائع (دون غيره) أي العيب المذكور، فلا يبرأ عن عيب بغير الحيوان كالثياب والعقار مطلقًا، ولا عن عيب ظاهر بالحيوان علمه أم لا، ولا عن عيب باطن بالحيوان علمه، والمراد بالباطن كما قال شيخي: ما لا يطلع عليه غالبًا] اهـ. وقوله: "شيخي" يعني: الرملي الكبير.

هذا، وقد استدل الحنفية بصحة البيع والشرط بما يلي:
أولًا: بما جاء عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: جَاءَ رَجُلَانِ مِنَ الْأَنْصَارِ يَخْتَصِمَانِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فِي مَوَارِيثَ بَيْنَهُمَا قَدْ دُرِسَتْ، لَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ -أَوْ قَدْ قَالَ: لِحُجَّتِهِ- مِنْ بَعْضٍ، فَإِنِّمَا أَقْضِي بَيْنَكُمْ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا، فَلَا يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ يَأْتِي بِهَا إِسْطَامًا فِي عُنُقِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، فَبَكَى الرَّجُلَانِ، وَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: حَقِّي لِأَخِي، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «أَمَا إِذْ قُلْتُمَا، فَاذْهَبَا فَاقْتَسِمَا، ثُمَّ تَوَخَّيَا الْحَقَّ، ثُمَّ اسْتَهِمَا، ثُمَّ لِيَحْلِلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ» رواه أبو داود والحاكم والطبراني في "الكبير" وأحمد واللفظ له.

ووجه الدلالة فيه أن البراءة من الحقوق المجهولة جائز، والعيب الذي في المبيع من الحقوق المجهولة.

ثانيًا: ما أخرجه الترمذي وصححه من حديث عمرو بن عوف رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ». والحديث بعمومه يدخل فيه شرط البراءة من العيب.

ثالثًا: كما استدلوا بأن البراءة إسقاط حق، وهي وإن كانت فيها معنى تمليك ونوع جهالة إلا أن الجهالة لا تمنع التمليك لذاتها، بل لإفضائها إلى المنازعة، بدليل جواز بيع المجازفة وفيه نوع جهالة لكنها لا تفضي للمنازعة، يضاف إلى ذلك أن شرط الإبراء رضي به المشتري وهو بالخيار في قبوله والدخول في المعاملة أو لا. يراجع: "بدائع الصنائع" (5/ 172)، و"مختصر اختلاف العلماء" للطحاوي (3/ 154، ط. دار البشائر، بيروت)، و"فتح القدير" (6/ 398).

أما أصحاب الرأي الثاني فاستدلوا بما يلي:
أولًا: بالنصوص الناهية عن الغش والغرر والتدليس، كحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا»، وعنه أيضًا: "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ" رواهما مسلم، ولا شك أن البيع بشرط البراءة من العيوب لا يخلو من غرر وغش لا يغتفر مثله، لكن محل ذلك فيما أخفاه البائع من عيوب، وإلا فلا غرر فيما أَوقَف عليه المشتري.

ثانيًا: روى عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: قال: «لَا يَحِلُّ لاِمْرِئٍ يَبِيعُ سِلْعَةً يَعْلَمُ أَنَّ بِهَا دَاءً إِلَّا أَخْبَرَهُ» رواه أحمد وابن ماجه والحاكم، وذكره البخاري موقوفًا.

لكن يَرِدُ على ذلك أن وجوب الإعلام بالعيب لا ينافي الاشتراط، فمن الممكن إعلام المشتري بالعيب مع اشتراط البراءة.

ووجه تخصيص الحيوان أن الحيوان يأكل في حالتي الصحة والمرض فيصعب اكتشاف ما به من داء، كما أنه تتحول طبائعه وقلما يبرأ من عيب يظهر أم يخفى، فيحتاج البائع إلى شرط البراءة؛ ليثق بلزوم البيع وعدم الرد، وإنما خص الإمام الشافعي العيب بالباطن؛ لأن الظاهر يندر خفاؤه فلا يبرأ به.

والذي يترجَّح في هذه المسألة من الناحية الفقهية مذهب الحنفية لا سيما وأن اشتراط البائع على المشتري البراءة يجعل المشتري ينصح لنفسه ويفحص المبيع قبل قبوله، فليس فيه غرر أو خديعة، والمشتري أمين لنفسه إن شاء أخذ وإن شاء ترك.

ولكن مع ذلك فإن القانون المدني المصري توسَّط بين القولين: فأخذ بالرأي الأول في شقٍّ، وبالرأي الثاني في شقٍّ آخر؛ حيث نصت المادة (447) من القانون المدني المصري على ما يلي:

أ- يكون البائع ملزمًا بالضمان إذا لم يتوافر في المبيع وقت التسليم الصفات التي كفل للمشتري وجودها فيه، أو إذا كان بالمبيع عيب ينقص من قيمته أو نفعه بحسب الغاية المقصودة مستفادة مما هو مبين في العقد، أو مما هو ظاهر من طبيعة الشيء، أو الغرض الذي أعد له، ويضمن البائع هذا العيب ولو لم يكن عالمًا بوجوده.

ب- ومع ذلك لا يضمن البائع العيوب التي كان المشتري يعرفها وقت البيع، أو كان يستطيع أن يتبينها بنفسه لو أنه فحص المبيع بعناية الرجل العادي، إلا إذا أثبت المشتري أن البائع قد أكد له خلو المبيع من هذا العيب، أو أثبت أن البائع قد تعمد إخفاء العيب غشًّا منه.

ونصت المادة (453) من نفس القانون على أنه يجوز للمتعاقدين باتفاق خاص أن يزيدا في الضمان أو أن ينقصا منه أو أن يسقطا هذا الضمان، على أن كل شرط يسقط الضمان، أو ينقصه يقع باطلًا إذا كان البائع قد تعمد إخفاء العيب في المبيع غشًّا منه.

فالمستفاد من المادة الثانية أنه يجوز للمتبايعين الاتفاق على إسقاط الضمان، وهو مآل الإبراء، وهذا ما يفيده الرأي الأول، كما يستفاد من المادة ذاتها أن هذا الجواز مقيَّد بما إذا لم يعلم البائع عيبًا معينًا أخفاه على سبيل الغش، وهذا ما يفيده الرأي الثاني. والمستفاد من المادة الأولى عدم ضمان البائع للعيوب التي يعرفها المشتري سواء اطلع عليها بنفسه أو أوقفه البائع عليها، وهذا مفاد الرأي الثاني أيضًا، وهو تلفيقٌ حسن.
وبناءً على ما سبق: فالرأي الشرعي والقانوني المختار للفتوى أنه يجوز إبراء المشتري البائعَ من عيوب المبيع، شريطة عدم إخفاء البائع لعيبٍ غشًّا منه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

التفاصيل ....

يجب على البائع أن يُعلِم المشتري عيوب المبيع، ولا يجوز له كتمها، فإن أعلمه إياها وقَبِل المشتري برئ البائع ولزم المشتري القبول، ولا ضمان على البائع، أما إذا لم يبيِّن للمشتري العيب وأخفاه عنه فهو آثم؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا فِيهِ عَيْبٌ إِلَّا بَيَّنَهُ لَهُ» رواه أحمد وابن ماجه، والحاكم في "المستدرك" وقال: صحيح على شرطهما، ووافقه الذهبي في "التلخيص"، ولما جاء في "الصحيحين" عن حكيم بن حزام رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا».

كما أن كتمان العيب غش، والغش حرام؛ لما أخرجه مسلم في "صحيحه" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا»، ومع إثمه فالبيع صحيح عند الجمهور مع ثبوت الخيار للمشتري في الجملة، فإن للفقهاء تفصيلًا في ثبوت الخيار.

وإن شَرَط البائع على المشتري براءته من عيوب السلعة مع علمه بهذه العيوب وكتمها فقد اختلف الفقهاء في مدى صحة هذا الشرط على أقوال:

الأول: أن الشرط صحيح، والبائع برئ من العيب مطلقًا، وبه قال الحنفية.

يقول العلامة الكاساني في "بدائع الصنائع" (5/ 276، ط. دار الكتب العلمية) عند الكلام على شرائط ثبوت خيار: [ومنها: عدم اشتراط البراءة عن العيب في البيع عندنا حتى لو شرط فلا خيار للمشتري؛ لأن شرط البراءة عن العيب في البيع عندنا صحيح] اهـ.

وفي "الهداية" للعلامة المرغيناني (6/ 396، مطبوع مع "فتح القدير" و"العناية"، ط. دار الفكر): [ومن باع عبدًا وشرط البراءة من كل عيب؛ فليس له أن يرده بعيب وإن لم يُسم العيوب بعددها] اهـ.

والقول الثاني: أن الشرط باطل، ولا يبرأ البائع إلا فيما علمه البائع وسماه للمشتري فأبرأه، وهو المذهب عند الحنابلة، والمشهور من الروايات عن مالك، وأظهر أقوال الشافعي، إلا أن الإمام مالكًا والشافعي استثنيا الرقيق، فإن الشرط يصح إذا لم يعلم البائع ولا يصح إذا علم، وزاد الشافعي الحيوان، وخصَّ -أي الشافعي- صحة شرط البراءة في الرقيق والحيوان بالعيوب الباطنة التي لا يعلمها البائع بخلاف العيوب الظاهرة التي يعلمها البائع، وطرد الإمام مالك القول في عيوب الرقيق الظاهرة والباطنة.

ففي "الكافي" للإمام ابن عبد البر (2/ 712، ط. مكتبة الرياض الحديثة): [لا يجوز بيع البراءة في شيء من السلع المأكولة والمشروبة ولا غيرها من العروض كلها إلا الرقيق خاصة، ولا يبرأ من باع بالبراءة في غير الرقيق إلا مما عينه وسماه ووقَّف المبتاع عليه فنظر إليه، وإذا تبرأ البائع في الرقيق إلى المبتاع من العيوب وباع منه على البراءة لم يبرأ من عيب علمه، ويبرأ من العيب إذا لم يعلمه، ويحلف عليه أنه ما يعلمه إن ادعى المبتاع عليه] اهـ.

وفي "البيان والتحصيل" للعلامة ابن رشد الجد (7/ 317، ط. دار الغرب الإسلامي): [مسألة: وقال مالك: لا ينفع بيع البراءة في الدواب وإن تبرؤوا في ميراث ولا غيره، وإن وجد بها عيبًا ردها؛ ولا براءة عندنا إلا في الرقيق] اهـ.

وفي "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" للعلامة ابن رشد الحفيد (3/ 200، ط. دار الحديث، القاهرة): [اختلف العلماء في جواز هذا البيع، وصورته: أن يشترط البائع على المشتري التزام كل عيب يجده في المبيع على العموم... وأما مالك: فالأشهر عنه أن البراءة جائزة مما يعلم البائع من العيوب، وذلك في الرقيق خاصة] اهـ.

وقال العلامة الـمرداوي في "الإنصاف" (4/ 359، ط. دار إحياء التراث العربي): [(وإن باعه وشرط البراءة من كل عيب لم يبرأ) وكذا لو باعه وشرط البراءة من عيبِ كذا إن كان، وهذا المذهب في ذلك بلا ريب، وعليه جماهير الأصحاب] اهـ.

ويقول الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (2/ 430-432، ط. دار الكتب العلمية): [(ولو باع) حيوانًا أو غيره (بشرط براءته من العيوب) في المبيع أو قال: بعتك على أن لا ترد بعيب (فالأظهر أنه يبرأ عن عيب باطن بالحيوان لم يعلمه) البائع (دون غيره) أي العيب المذكور، فلا يبرأ عن عيب بغير الحيوان كالثياب والعقار مطلقًا، ولا عن عيب ظاهر بالحيوان علمه أم لا، ولا عن عيب باطن بالحيوان علمه، والمراد بالباطن كما قال شيخي: ما لا يطلع عليه غالبًا] اهـ. وقوله: "شيخي" يعني: الرملي الكبير.

هذا، وقد استدل الحنفية بصحة البيع والشرط بما يلي:
أولًا: بما جاء عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: جَاءَ رَجُلَانِ مِنَ الْأَنْصَارِ يَخْتَصِمَانِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فِي مَوَارِيثَ بَيْنَهُمَا قَدْ دُرِسَتْ، لَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ -أَوْ قَدْ قَالَ: لِحُجَّتِهِ- مِنْ بَعْضٍ، فَإِنِّمَا أَقْضِي بَيْنَكُمْ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا، فَلَا يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ يَأْتِي بِهَا إِسْطَامًا فِي عُنُقِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، فَبَكَى الرَّجُلَانِ، وَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: حَقِّي لِأَخِي، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «أَمَا إِذْ قُلْتُمَا، فَاذْهَبَا فَاقْتَسِمَا، ثُمَّ تَوَخَّيَا الْحَقَّ، ثُمَّ اسْتَهِمَا، ثُمَّ لِيَحْلِلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ» رواه أبو داود والحاكم والطبراني في "الكبير" وأحمد واللفظ له.

ووجه الدلالة فيه أن البراءة من الحقوق المجهولة جائز، والعيب الذي في المبيع من الحقوق المجهولة.

ثانيًا: ما أخرجه الترمذي وصححه من حديث عمرو بن عوف رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ». والحديث بعمومه يدخل فيه شرط البراءة من العيب.

ثالثًا: كما استدلوا بأن البراءة إسقاط حق، وهي وإن كانت فيها معنى تمليك ونوع جهالة إلا أن الجهالة لا تمنع التمليك لذاتها، بل لإفضائها إلى المنازعة، بدليل جواز بيع المجازفة وفيه نوع جهالة لكنها لا تفضي للمنازعة، يضاف إلى ذلك أن شرط الإبراء رضي به المشتري وهو بالخيار في قبوله والدخول في المعاملة أو لا. يراجع: "بدائع الصنائع" (5/ 172)، و"مختصر اختلاف العلماء" للطحاوي (3/ 154، ط. دار البشائر، بيروت)، و"فتح القدير" (6/ 398).

أما أصحاب الرأي الثاني فاستدلوا بما يلي:
أولًا: بالنصوص الناهية عن الغش والغرر والتدليس، كحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا»، وعنه أيضًا: "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ" رواهما مسلم، ولا شك أن البيع بشرط البراءة من العيوب لا يخلو من غرر وغش لا يغتفر مثله، لكن محل ذلك فيما أخفاه البائع من عيوب، وإلا فلا غرر فيما أَوقَف عليه المشتري.

ثانيًا: روى عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: قال: «لَا يَحِلُّ لاِمْرِئٍ يَبِيعُ سِلْعَةً يَعْلَمُ أَنَّ بِهَا دَاءً إِلَّا أَخْبَرَهُ» رواه أحمد وابن ماجه والحاكم، وذكره البخاري موقوفًا.

لكن يَرِدُ على ذلك أن وجوب الإعلام بالعيب لا ينافي الاشتراط، فمن الممكن إعلام المشتري بالعيب مع اشتراط البراءة.

ووجه تخصيص الحيوان أن الحيوان يأكل في حالتي الصحة والمرض فيصعب اكتشاف ما به من داء، كما أنه تتحول طبائعه وقلما يبرأ من عيب يظهر أم يخفى، فيحتاج البائع إلى شرط البراءة؛ ليثق بلزوم البيع وعدم الرد، وإنما خص الإمام الشافعي العيب بالباطن؛ لأن الظاهر يندر خفاؤه فلا يبرأ به.

والذي يترجَّح في هذه المسألة من الناحية الفقهية مذهب الحنفية لا سيما وأن اشتراط البائع على المشتري البراءة يجعل المشتري ينصح لنفسه ويفحص المبيع قبل قبوله، فليس فيه غرر أو خديعة، والمشتري أمين لنفسه إن شاء أخذ وإن شاء ترك.

ولكن مع ذلك فإن القانون المدني المصري توسَّط بين القولين: فأخذ بالرأي الأول في شقٍّ، وبالرأي الثاني في شقٍّ آخر؛ حيث نصت المادة (447) من القانون المدني المصري على ما يلي:

أ- يكون البائع ملزمًا بالضمان إذا لم يتوافر في المبيع وقت التسليم الصفات التي كفل للمشتري وجودها فيه، أو إذا كان بالمبيع عيب ينقص من قيمته أو نفعه بحسب الغاية المقصودة مستفادة مما هو مبين في العقد، أو مما هو ظاهر من طبيعة الشيء، أو الغرض الذي أعد له، ويضمن البائع هذا العيب ولو لم يكن عالمًا بوجوده.

ب- ومع ذلك لا يضمن البائع العيوب التي كان المشتري يعرفها وقت البيع، أو كان يستطيع أن يتبينها بنفسه لو أنه فحص المبيع بعناية الرجل العادي، إلا إذا أثبت المشتري أن البائع قد أكد له خلو المبيع من هذا العيب، أو أثبت أن البائع قد تعمد إخفاء العيب غشًّا منه.

ونصت المادة (453) من نفس القانون على أنه يجوز للمتعاقدين باتفاق خاص أن يزيدا في الضمان أو أن ينقصا منه أو أن يسقطا هذا الضمان، على أن كل شرط يسقط الضمان، أو ينقصه يقع باطلًا إذا كان البائع قد تعمد إخفاء العيب في المبيع غشًّا منه.

فالمستفاد من المادة الثانية أنه يجوز للمتبايعين الاتفاق على إسقاط الضمان، وهو مآل الإبراء، وهذا ما يفيده الرأي الأول، كما يستفاد من المادة ذاتها أن هذا الجواز مقيَّد بما إذا لم يعلم البائع عيبًا معينًا أخفاه على سبيل الغش، وهذا ما يفيده الرأي الثاني. والمستفاد من المادة الأولى عدم ضمان البائع للعيوب التي يعرفها المشتري سواء اطلع عليها بنفسه أو أوقفه البائع عليها، وهذا مفاد الرأي الثاني أيضًا، وهو تلفيقٌ حسن.
وبناءً على ما سبق: فالرأي الشرعي والقانوني المختار للفتوى أنه يجوز إبراء المشتري البائعَ من عيوب المبيع، شريطة عدم إخفاء البائع لعيبٍ غشًّا منه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا
;