الهندسة الوراثية واستخدامها في مجال العلاج - الفتاوى - دار الإفتاء المصرية - دار الإفتاء

الهندسة الوراثية واستخدامها في مجال العلاج

هل يجوز إدخال أو استخدام الهندسة الوراثية في مجال العلاج والدواء؟

إن الإسلام قد حثَّ على التَّداوي، ووردت السنة بذلك في عدة أحاديث، منها: «تَدَاوَوْا؛ فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً» أخرجه أبو داود عن أسامة بن شَريك رضي الله عنه، وبيَّنت السنة أن المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف؛ كما في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.
فالأصل في التداوي الإباحة، إلا إذا تعارضت هذه الإباحة مع ما لا تجوِّزه الشريعة، كترتب مفسدة أعظم مثلًا، فحينئذٍ لا يجوز التداوي.
وقد ظهر حديثًا ما يعرف بالهندسة الوراثية واستخدام ذلك في علاج بعض الأمراض، وهنا يأتي التساؤل عن حكم استعمال هذا المحدث الجديد في التداوي.
وابتداء نُعرِّف الهندسة الوراثية، فمصطلح الهندسة الوراثية يتكون من كلمتين: "الهندسة": وهي تعني هنا التحكم في وضع الموروثات "الجينات"، وترتيب صيغها الكيميائية فكًّا -أي بقطع الجينات عن بعضها البعض- ووصلًا -أي بوصل المادة الوراثية المضيفة بالجينات المتبرع بها- باستخدام الطرق المعملية.
الكلمة الثانية: الوراثية: وهي مادة الاستخدام في العملية الهندسية، وهي عبارة عن الجينات والصيغ الكيميائية التي يتكوّن منها الكائن الحي، و"الجينات" -كما ذكرناها-: هي دلائل صفات التكوين والسلوك لدى الكائن الحي. ينظر: "الكائنات وهندسة الموروثات" للدكتور صالح عبد العزيز (1/ 111، ندوة الوراثة والهندسة الوراثية).
إن الإنجازات العلمية التي توصل إليها العلماء لا شك أن قسمًا منها فيه مصلحة للإنسان، كما أن فيه محافظة على صحته، مثل غرس جين ذي وظيفة معينة في كائن من جنس ليؤدي الوظيفة نفسها، كما هو معلوم من زرع جين الإنسان الذي يسبب إفراز الإنسولين في نوع من البكتيريا وتركه يتكاثر فينتج كميات كبيرة من الإنسولين البشري، الذي يفوق بكثير "الإنسولين" ذا الأصل الحيواني في علاج مرض السكر، أو الحصول على هرمون النمو من الجين الذي يفرزه لعلاج الأطفال ذوي قصور النمو الذي يؤدي إلى قصر القامة، أو تحضير المادة المفقودة في مرض "الهموفيليا"، الذي يعوق تجلط الدم فيؤدي إلى النزيف، أو مادة "الإنترفيرون" التي تستعمل في علاج بعض السرطانات، وكذلك التطبيقات في عالم الزراعة أو تربية الحيوان.
وهذا القسم من الهندسة الوراثية الأصل فيه أنه محمود، بل هو من قبيل البحث والنظر الذي دعا إليه الإسلام ورغب فيه؛ قال تعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [العنكبوت: 20]، وقوله تعالى: ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ [الذاريات: 21]، إلى غير ذلك من الآيات التي تحث على النظر والمشاهدة، فالمشاهدة العلمية أصل من الأصول التي يعول عليها العلماء، والآيات التي تأمر بالمشاهدة واستعمال السمع والبصر والعقل كثيرة في القرآن؛ قال سبحانه: ﴿وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [النحل: 78]. ينظر: "نظرات فقهية في الجينوم البشري" للدكتور عبد الله محمد عبد الله، (ندوة الوراثة والهندسة الوراثية، 2/ 738).
ومعظم الأمراض الوراثية سببها جينات منتجة، والأغلبية منها ترجع إلى طفرة تعطل جينًا ينتج -طبيعيًّا- بروتينًا مهمًّا، والمعالجة بالجينات أسلوب جديد يعتمد على إنتاج جزيئات علاجية ترتبط بتقنية دقيقة، والمعالجات السريرية للمرضى والأبحاث التجريبية عليهم يدلان على أن تطبيقات مستقبلية تنتظر هذا النوع من المعالجة.
ويقرر الأطباء والعلماء أن تطبيقات مثل تلك الأبحاث التجريبية والمعالجات السريرية ستكون لأمراض واسعة الانتشار تطال الملايين من مرضى العالم؛ مثل: السرطانات، والتهاب الكبد الفيروسي، والإيدز، وأمراض قلبية وعائية؛ مثل: فرط الكوليسترول العائل، وتصلب الشرايين، وأمراض عصبية؛ مثل: داء باركنسون، ومرض الزهايمر. ينظر: "الكائنات وهندسة المورثات" للدكتور صالح عبد العزيز (ندوة الوراثة والهندسة الوراثية).
وأما العلاج الجيني ويقصد منه علاج الأمراض على ضوء ما توصل إليه العلماء، وما يسعون إلى الحصول عليه من معلومات بشأن الجينوم البشري -وهو خريطة جسم الإنسان- وتحديد موقع كل جين على أي كروموزوم لفك الشفرة الخاصة بكل جين، ومعرفة علاقة كل جين بالذي يسبقه والذي يليه لمعرفة أسباب الأمراض الوراثية، ومعرفة التركيب الوراثي لأي إنسان بما فيه القابلية لحدوث أمراض معينة؛ كضغط الدم، والنوبات القلبية، والسرطان وغيرها والعلاج الجيني للأمراض الوراثية، وإنتاج مواد بيولوجية وهرمونات يحتاجها جسم الإنسان للنمو، فإن الإسلام يحرص أشد الحرص على السلامة من الأمراض والوقاية منها، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى التداوي، والتحذير من العدوى؛ كما جاء الأمر بعزل المرضى عن الأصحاء من أجل المحافظة على الصحة. ينظر: بحث "حيثيات الأحكام الشرعية لبعض المسائل الطبية" للدكتور علي جمعة.
وقد صدر قرار من المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الخامسة عشرة تضمّن مجموعة من الأحكام والضوابط؛ حيث نصّ على أن:
مجلس المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي في دورته الخامسة عشرة، المنعقدة في مكة المكرمة، التي بدأت (11 رجب 1419هـ الموافق 31 أكتوبر 1998م)، قد نظر في موضوع استفادة المسلمين من علم الهندسة الوراثية التي تحتل اليوم مكانة مهمة في مجال العلوم، وتُثار حول استخدامها أسئلة كثيرة. وقد تبين للمجلس أن محور علم الهندسة الوراثية هو التعرف على الجينات "المورثات" وعلى تركيبها، والتحكم فيها من خلال حذف بعضها -لمرض أو لغيره- أو إضافتها أو دمجها بعضها مع بعض؛ لتغيير الصفات الوراثية الخلقية.
وبعد النظر والتدارس والمناقشة فيما كتب حولها، وفي بعض القرارات والتوصيات التي تمخضت عنها المؤتمرات والندوات العلمية. يقرر المجلس ما يلي:
أولًا: تأكيد القرار الصادر عن مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بشأن الاستنساخ، برقم: 100/ 2/ د/ 10 في الدورة العاشرة المنعقدة بجدة، في الفترة من 23-28 صفر 1418هـ.
ثانيًا: الاستفادة من علم الهندسة الوراثية في الوقاية من المرض أو علاجه، أو تخفيف ضرره، بشرط ألا يترتب على ذلك ضرر أكبر.
ثالثًا: لا يجوز استخدام أي من أدوات علم الهندسة الوراثية ووسائله في الأغراض الشريرة وفي كل ما يحرم شرعًا.
رابعًا: لا يجوز استخدام أي من أدوات علم الهندسة الوراثية ووسائله للعبث بشخصية الإنسان ومسؤوليته الفردية، أو للتدخل في بنية المورثات "الجينات" بدعوى تحسين السلالة البشرية.
خامسًا: لا يجوز إجراء أي بحث، أو القيام بأية معالجة، أو تشخيص يتعلق بمورثات إنسان ما إلّا بعد إجراء تقويم دقيق وسابق للأخطار والفوائد المحتملة المرتبطة بهذه الأنشطة، وبعد الحصول على الموافقة المقبولة شرعًا مع الحفاظ على السرية الكاملة للنتائج، ورعاية أحكام الشريعة الإسلامية الغراء القاضية باحترام حقوق الإنسان وكرامته.
سادسًا: يجوز استخدام أدوات علم الهندسة الوراثية ووسائله في حقل الزراعة وتربية الحيوان، شريطة الأخذ بكل الاحتياطات لمنع حدوث أي ضرر -ولو على المدى البعيد- بالإنسان، أو بالحيوان، أو بالبيئة.
سابعًا: يدعو المجلس الشركات والمصانع المنتجة للمواد الغذائية والطبية وغيرهما من المواد المستفادة من علم الهندسة الوراثية إلى البيان عن تركيب هذه المواد؛ ليتم التعامل والاستعمال عن بينة؛ حذرًا مما يضرُّ أو يحرم شرعًا.
ثامنًا: يوصي المجلس الأطباء وأصحاب المعامل والمختبرات بتقوى الله تعالى واستشعار رقابته والبعد عن الإضرار بالفرد والمجتمع والبيئة. راجع: "العلاج الجيني من منظور الفقه الإسلامي" للدكتور علي محيي الدين القره داغي.
ومما سبق وفي واقعة السؤال: فإن ما كان من الهندسة الوراثية يحقق المصلحة العامة للبشرية -من علاج ونحوه- هو أمر جائز شرعًا، وما كان غير ذلك مما يُعرض الإنسان لخطر أو ضرر ونحو ذلك فهو غير جائز.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

التفاصيل ....

إن الإسلام قد حثَّ على التَّداوي، ووردت السنة بذلك في عدة أحاديث، منها: «تَدَاوَوْا؛ فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً» أخرجه أبو داود عن أسامة بن شَريك رضي الله عنه، وبيَّنت السنة أن المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف؛ كما في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.
فالأصل في التداوي الإباحة، إلا إذا تعارضت هذه الإباحة مع ما لا تجوِّزه الشريعة، كترتب مفسدة أعظم مثلًا، فحينئذٍ لا يجوز التداوي.
وقد ظهر حديثًا ما يعرف بالهندسة الوراثية واستخدام ذلك في علاج بعض الأمراض، وهنا يأتي التساؤل عن حكم استعمال هذا المحدث الجديد في التداوي.
وابتداء نُعرِّف الهندسة الوراثية، فمصطلح الهندسة الوراثية يتكون من كلمتين: "الهندسة": وهي تعني هنا التحكم في وضع الموروثات "الجينات"، وترتيب صيغها الكيميائية فكًّا -أي بقطع الجينات عن بعضها البعض- ووصلًا -أي بوصل المادة الوراثية المضيفة بالجينات المتبرع بها- باستخدام الطرق المعملية.
الكلمة الثانية: الوراثية: وهي مادة الاستخدام في العملية الهندسية، وهي عبارة عن الجينات والصيغ الكيميائية التي يتكوّن منها الكائن الحي، و"الجينات" -كما ذكرناها-: هي دلائل صفات التكوين والسلوك لدى الكائن الحي. ينظر: "الكائنات وهندسة الموروثات" للدكتور صالح عبد العزيز (1/ 111، ندوة الوراثة والهندسة الوراثية).
إن الإنجازات العلمية التي توصل إليها العلماء لا شك أن قسمًا منها فيه مصلحة للإنسان، كما أن فيه محافظة على صحته، مثل غرس جين ذي وظيفة معينة في كائن من جنس ليؤدي الوظيفة نفسها، كما هو معلوم من زرع جين الإنسان الذي يسبب إفراز الإنسولين في نوع من البكتيريا وتركه يتكاثر فينتج كميات كبيرة من الإنسولين البشري، الذي يفوق بكثير "الإنسولين" ذا الأصل الحيواني في علاج مرض السكر، أو الحصول على هرمون النمو من الجين الذي يفرزه لعلاج الأطفال ذوي قصور النمو الذي يؤدي إلى قصر القامة، أو تحضير المادة المفقودة في مرض "الهموفيليا"، الذي يعوق تجلط الدم فيؤدي إلى النزيف، أو مادة "الإنترفيرون" التي تستعمل في علاج بعض السرطانات، وكذلك التطبيقات في عالم الزراعة أو تربية الحيوان.
وهذا القسم من الهندسة الوراثية الأصل فيه أنه محمود، بل هو من قبيل البحث والنظر الذي دعا إليه الإسلام ورغب فيه؛ قال تعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [العنكبوت: 20]، وقوله تعالى: ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ [الذاريات: 21]، إلى غير ذلك من الآيات التي تحث على النظر والمشاهدة، فالمشاهدة العلمية أصل من الأصول التي يعول عليها العلماء، والآيات التي تأمر بالمشاهدة واستعمال السمع والبصر والعقل كثيرة في القرآن؛ قال سبحانه: ﴿وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [النحل: 78]. ينظر: "نظرات فقهية في الجينوم البشري" للدكتور عبد الله محمد عبد الله، (ندوة الوراثة والهندسة الوراثية، 2/ 738).
ومعظم الأمراض الوراثية سببها جينات منتجة، والأغلبية منها ترجع إلى طفرة تعطل جينًا ينتج -طبيعيًّا- بروتينًا مهمًّا، والمعالجة بالجينات أسلوب جديد يعتمد على إنتاج جزيئات علاجية ترتبط بتقنية دقيقة، والمعالجات السريرية للمرضى والأبحاث التجريبية عليهم يدلان على أن تطبيقات مستقبلية تنتظر هذا النوع من المعالجة.
ويقرر الأطباء والعلماء أن تطبيقات مثل تلك الأبحاث التجريبية والمعالجات السريرية ستكون لأمراض واسعة الانتشار تطال الملايين من مرضى العالم؛ مثل: السرطانات، والتهاب الكبد الفيروسي، والإيدز، وأمراض قلبية وعائية؛ مثل: فرط الكوليسترول العائل، وتصلب الشرايين، وأمراض عصبية؛ مثل: داء باركنسون، ومرض الزهايمر. ينظر: "الكائنات وهندسة المورثات" للدكتور صالح عبد العزيز (ندوة الوراثة والهندسة الوراثية).
وأما العلاج الجيني ويقصد منه علاج الأمراض على ضوء ما توصل إليه العلماء، وما يسعون إلى الحصول عليه من معلومات بشأن الجينوم البشري -وهو خريطة جسم الإنسان- وتحديد موقع كل جين على أي كروموزوم لفك الشفرة الخاصة بكل جين، ومعرفة علاقة كل جين بالذي يسبقه والذي يليه لمعرفة أسباب الأمراض الوراثية، ومعرفة التركيب الوراثي لأي إنسان بما فيه القابلية لحدوث أمراض معينة؛ كضغط الدم، والنوبات القلبية، والسرطان وغيرها والعلاج الجيني للأمراض الوراثية، وإنتاج مواد بيولوجية وهرمونات يحتاجها جسم الإنسان للنمو، فإن الإسلام يحرص أشد الحرص على السلامة من الأمراض والوقاية منها، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى التداوي، والتحذير من العدوى؛ كما جاء الأمر بعزل المرضى عن الأصحاء من أجل المحافظة على الصحة. ينظر: بحث "حيثيات الأحكام الشرعية لبعض المسائل الطبية" للدكتور علي جمعة.
وقد صدر قرار من المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الخامسة عشرة تضمّن مجموعة من الأحكام والضوابط؛ حيث نصّ على أن:
مجلس المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي في دورته الخامسة عشرة، المنعقدة في مكة المكرمة، التي بدأت (11 رجب 1419هـ الموافق 31 أكتوبر 1998م)، قد نظر في موضوع استفادة المسلمين من علم الهندسة الوراثية التي تحتل اليوم مكانة مهمة في مجال العلوم، وتُثار حول استخدامها أسئلة كثيرة. وقد تبين للمجلس أن محور علم الهندسة الوراثية هو التعرف على الجينات "المورثات" وعلى تركيبها، والتحكم فيها من خلال حذف بعضها -لمرض أو لغيره- أو إضافتها أو دمجها بعضها مع بعض؛ لتغيير الصفات الوراثية الخلقية.
وبعد النظر والتدارس والمناقشة فيما كتب حولها، وفي بعض القرارات والتوصيات التي تمخضت عنها المؤتمرات والندوات العلمية. يقرر المجلس ما يلي:
أولًا: تأكيد القرار الصادر عن مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بشأن الاستنساخ، برقم: 100/ 2/ د/ 10 في الدورة العاشرة المنعقدة بجدة، في الفترة من 23-28 صفر 1418هـ.
ثانيًا: الاستفادة من علم الهندسة الوراثية في الوقاية من المرض أو علاجه، أو تخفيف ضرره، بشرط ألا يترتب على ذلك ضرر أكبر.
ثالثًا: لا يجوز استخدام أي من أدوات علم الهندسة الوراثية ووسائله في الأغراض الشريرة وفي كل ما يحرم شرعًا.
رابعًا: لا يجوز استخدام أي من أدوات علم الهندسة الوراثية ووسائله للعبث بشخصية الإنسان ومسؤوليته الفردية، أو للتدخل في بنية المورثات "الجينات" بدعوى تحسين السلالة البشرية.
خامسًا: لا يجوز إجراء أي بحث، أو القيام بأية معالجة، أو تشخيص يتعلق بمورثات إنسان ما إلّا بعد إجراء تقويم دقيق وسابق للأخطار والفوائد المحتملة المرتبطة بهذه الأنشطة، وبعد الحصول على الموافقة المقبولة شرعًا مع الحفاظ على السرية الكاملة للنتائج، ورعاية أحكام الشريعة الإسلامية الغراء القاضية باحترام حقوق الإنسان وكرامته.
سادسًا: يجوز استخدام أدوات علم الهندسة الوراثية ووسائله في حقل الزراعة وتربية الحيوان، شريطة الأخذ بكل الاحتياطات لمنع حدوث أي ضرر -ولو على المدى البعيد- بالإنسان، أو بالحيوان، أو بالبيئة.
سابعًا: يدعو المجلس الشركات والمصانع المنتجة للمواد الغذائية والطبية وغيرهما من المواد المستفادة من علم الهندسة الوراثية إلى البيان عن تركيب هذه المواد؛ ليتم التعامل والاستعمال عن بينة؛ حذرًا مما يضرُّ أو يحرم شرعًا.
ثامنًا: يوصي المجلس الأطباء وأصحاب المعامل والمختبرات بتقوى الله تعالى واستشعار رقابته والبعد عن الإضرار بالفرد والمجتمع والبيئة. راجع: "العلاج الجيني من منظور الفقه الإسلامي" للدكتور علي محيي الدين القره داغي.
ومما سبق وفي واقعة السؤال: فإن ما كان من الهندسة الوراثية يحقق المصلحة العامة للبشرية -من علاج ونحوه- هو أمر جائز شرعًا، وما كان غير ذلك مما يُعرض الإنسان لخطر أو ضرر ونحو ذلك فهو غير جائز.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا

الهندسة الوراثية واستخدامها في مجال العلاج

هل يجوز إدخال أو استخدام الهندسة الوراثية في مجال العلاج والدواء؟

إن الإسلام قد حثَّ على التَّداوي، ووردت السنة بذلك في عدة أحاديث، منها: «تَدَاوَوْا؛ فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً» أخرجه أبو داود عن أسامة بن شَريك رضي الله عنه، وبيَّنت السنة أن المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف؛ كما في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.
فالأصل في التداوي الإباحة، إلا إذا تعارضت هذه الإباحة مع ما لا تجوِّزه الشريعة، كترتب مفسدة أعظم مثلًا، فحينئذٍ لا يجوز التداوي.
وقد ظهر حديثًا ما يعرف بالهندسة الوراثية واستخدام ذلك في علاج بعض الأمراض، وهنا يأتي التساؤل عن حكم استعمال هذا المحدث الجديد في التداوي.
وابتداء نُعرِّف الهندسة الوراثية، فمصطلح الهندسة الوراثية يتكون من كلمتين: "الهندسة": وهي تعني هنا التحكم في وضع الموروثات "الجينات"، وترتيب صيغها الكيميائية فكًّا -أي بقطع الجينات عن بعضها البعض- ووصلًا -أي بوصل المادة الوراثية المضيفة بالجينات المتبرع بها- باستخدام الطرق المعملية.
الكلمة الثانية: الوراثية: وهي مادة الاستخدام في العملية الهندسية، وهي عبارة عن الجينات والصيغ الكيميائية التي يتكوّن منها الكائن الحي، و"الجينات" -كما ذكرناها-: هي دلائل صفات التكوين والسلوك لدى الكائن الحي. ينظر: "الكائنات وهندسة الموروثات" للدكتور صالح عبد العزيز (1/ 111، ندوة الوراثة والهندسة الوراثية).
إن الإنجازات العلمية التي توصل إليها العلماء لا شك أن قسمًا منها فيه مصلحة للإنسان، كما أن فيه محافظة على صحته، مثل غرس جين ذي وظيفة معينة في كائن من جنس ليؤدي الوظيفة نفسها، كما هو معلوم من زرع جين الإنسان الذي يسبب إفراز الإنسولين في نوع من البكتيريا وتركه يتكاثر فينتج كميات كبيرة من الإنسولين البشري، الذي يفوق بكثير "الإنسولين" ذا الأصل الحيواني في علاج مرض السكر، أو الحصول على هرمون النمو من الجين الذي يفرزه لعلاج الأطفال ذوي قصور النمو الذي يؤدي إلى قصر القامة، أو تحضير المادة المفقودة في مرض "الهموفيليا"، الذي يعوق تجلط الدم فيؤدي إلى النزيف، أو مادة "الإنترفيرون" التي تستعمل في علاج بعض السرطانات، وكذلك التطبيقات في عالم الزراعة أو تربية الحيوان.
وهذا القسم من الهندسة الوراثية الأصل فيه أنه محمود، بل هو من قبيل البحث والنظر الذي دعا إليه الإسلام ورغب فيه؛ قال تعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [العنكبوت: 20]، وقوله تعالى: ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ [الذاريات: 21]، إلى غير ذلك من الآيات التي تحث على النظر والمشاهدة، فالمشاهدة العلمية أصل من الأصول التي يعول عليها العلماء، والآيات التي تأمر بالمشاهدة واستعمال السمع والبصر والعقل كثيرة في القرآن؛ قال سبحانه: ﴿وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [النحل: 78]. ينظر: "نظرات فقهية في الجينوم البشري" للدكتور عبد الله محمد عبد الله، (ندوة الوراثة والهندسة الوراثية، 2/ 738).
ومعظم الأمراض الوراثية سببها جينات منتجة، والأغلبية منها ترجع إلى طفرة تعطل جينًا ينتج -طبيعيًّا- بروتينًا مهمًّا، والمعالجة بالجينات أسلوب جديد يعتمد على إنتاج جزيئات علاجية ترتبط بتقنية دقيقة، والمعالجات السريرية للمرضى والأبحاث التجريبية عليهم يدلان على أن تطبيقات مستقبلية تنتظر هذا النوع من المعالجة.
ويقرر الأطباء والعلماء أن تطبيقات مثل تلك الأبحاث التجريبية والمعالجات السريرية ستكون لأمراض واسعة الانتشار تطال الملايين من مرضى العالم؛ مثل: السرطانات، والتهاب الكبد الفيروسي، والإيدز، وأمراض قلبية وعائية؛ مثل: فرط الكوليسترول العائل، وتصلب الشرايين، وأمراض عصبية؛ مثل: داء باركنسون، ومرض الزهايمر. ينظر: "الكائنات وهندسة المورثات" للدكتور صالح عبد العزيز (ندوة الوراثة والهندسة الوراثية).
وأما العلاج الجيني ويقصد منه علاج الأمراض على ضوء ما توصل إليه العلماء، وما يسعون إلى الحصول عليه من معلومات بشأن الجينوم البشري -وهو خريطة جسم الإنسان- وتحديد موقع كل جين على أي كروموزوم لفك الشفرة الخاصة بكل جين، ومعرفة علاقة كل جين بالذي يسبقه والذي يليه لمعرفة أسباب الأمراض الوراثية، ومعرفة التركيب الوراثي لأي إنسان بما فيه القابلية لحدوث أمراض معينة؛ كضغط الدم، والنوبات القلبية، والسرطان وغيرها والعلاج الجيني للأمراض الوراثية، وإنتاج مواد بيولوجية وهرمونات يحتاجها جسم الإنسان للنمو، فإن الإسلام يحرص أشد الحرص على السلامة من الأمراض والوقاية منها، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى التداوي، والتحذير من العدوى؛ كما جاء الأمر بعزل المرضى عن الأصحاء من أجل المحافظة على الصحة. ينظر: بحث "حيثيات الأحكام الشرعية لبعض المسائل الطبية" للدكتور علي جمعة.
وقد صدر قرار من المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الخامسة عشرة تضمّن مجموعة من الأحكام والضوابط؛ حيث نصّ على أن:
مجلس المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي في دورته الخامسة عشرة، المنعقدة في مكة المكرمة، التي بدأت (11 رجب 1419هـ الموافق 31 أكتوبر 1998م)، قد نظر في موضوع استفادة المسلمين من علم الهندسة الوراثية التي تحتل اليوم مكانة مهمة في مجال العلوم، وتُثار حول استخدامها أسئلة كثيرة. وقد تبين للمجلس أن محور علم الهندسة الوراثية هو التعرف على الجينات "المورثات" وعلى تركيبها، والتحكم فيها من خلال حذف بعضها -لمرض أو لغيره- أو إضافتها أو دمجها بعضها مع بعض؛ لتغيير الصفات الوراثية الخلقية.
وبعد النظر والتدارس والمناقشة فيما كتب حولها، وفي بعض القرارات والتوصيات التي تمخضت عنها المؤتمرات والندوات العلمية. يقرر المجلس ما يلي:
أولًا: تأكيد القرار الصادر عن مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بشأن الاستنساخ، برقم: 100/ 2/ د/ 10 في الدورة العاشرة المنعقدة بجدة، في الفترة من 23-28 صفر 1418هـ.
ثانيًا: الاستفادة من علم الهندسة الوراثية في الوقاية من المرض أو علاجه، أو تخفيف ضرره، بشرط ألا يترتب على ذلك ضرر أكبر.
ثالثًا: لا يجوز استخدام أي من أدوات علم الهندسة الوراثية ووسائله في الأغراض الشريرة وفي كل ما يحرم شرعًا.
رابعًا: لا يجوز استخدام أي من أدوات علم الهندسة الوراثية ووسائله للعبث بشخصية الإنسان ومسؤوليته الفردية، أو للتدخل في بنية المورثات "الجينات" بدعوى تحسين السلالة البشرية.
خامسًا: لا يجوز إجراء أي بحث، أو القيام بأية معالجة، أو تشخيص يتعلق بمورثات إنسان ما إلّا بعد إجراء تقويم دقيق وسابق للأخطار والفوائد المحتملة المرتبطة بهذه الأنشطة، وبعد الحصول على الموافقة المقبولة شرعًا مع الحفاظ على السرية الكاملة للنتائج، ورعاية أحكام الشريعة الإسلامية الغراء القاضية باحترام حقوق الإنسان وكرامته.
سادسًا: يجوز استخدام أدوات علم الهندسة الوراثية ووسائله في حقل الزراعة وتربية الحيوان، شريطة الأخذ بكل الاحتياطات لمنع حدوث أي ضرر -ولو على المدى البعيد- بالإنسان، أو بالحيوان، أو بالبيئة.
سابعًا: يدعو المجلس الشركات والمصانع المنتجة للمواد الغذائية والطبية وغيرهما من المواد المستفادة من علم الهندسة الوراثية إلى البيان عن تركيب هذه المواد؛ ليتم التعامل والاستعمال عن بينة؛ حذرًا مما يضرُّ أو يحرم شرعًا.
ثامنًا: يوصي المجلس الأطباء وأصحاب المعامل والمختبرات بتقوى الله تعالى واستشعار رقابته والبعد عن الإضرار بالفرد والمجتمع والبيئة. راجع: "العلاج الجيني من منظور الفقه الإسلامي" للدكتور علي محيي الدين القره داغي.
ومما سبق وفي واقعة السؤال: فإن ما كان من الهندسة الوراثية يحقق المصلحة العامة للبشرية -من علاج ونحوه- هو أمر جائز شرعًا، وما كان غير ذلك مما يُعرض الإنسان لخطر أو ضرر ونحو ذلك فهو غير جائز.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

التفاصيل ....

إن الإسلام قد حثَّ على التَّداوي، ووردت السنة بذلك في عدة أحاديث، منها: «تَدَاوَوْا؛ فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً» أخرجه أبو داود عن أسامة بن شَريك رضي الله عنه، وبيَّنت السنة أن المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف؛ كما في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.
فالأصل في التداوي الإباحة، إلا إذا تعارضت هذه الإباحة مع ما لا تجوِّزه الشريعة، كترتب مفسدة أعظم مثلًا، فحينئذٍ لا يجوز التداوي.
وقد ظهر حديثًا ما يعرف بالهندسة الوراثية واستخدام ذلك في علاج بعض الأمراض، وهنا يأتي التساؤل عن حكم استعمال هذا المحدث الجديد في التداوي.
وابتداء نُعرِّف الهندسة الوراثية، فمصطلح الهندسة الوراثية يتكون من كلمتين: "الهندسة": وهي تعني هنا التحكم في وضع الموروثات "الجينات"، وترتيب صيغها الكيميائية فكًّا -أي بقطع الجينات عن بعضها البعض- ووصلًا -أي بوصل المادة الوراثية المضيفة بالجينات المتبرع بها- باستخدام الطرق المعملية.
الكلمة الثانية: الوراثية: وهي مادة الاستخدام في العملية الهندسية، وهي عبارة عن الجينات والصيغ الكيميائية التي يتكوّن منها الكائن الحي، و"الجينات" -كما ذكرناها-: هي دلائل صفات التكوين والسلوك لدى الكائن الحي. ينظر: "الكائنات وهندسة الموروثات" للدكتور صالح عبد العزيز (1/ 111، ندوة الوراثة والهندسة الوراثية).
إن الإنجازات العلمية التي توصل إليها العلماء لا شك أن قسمًا منها فيه مصلحة للإنسان، كما أن فيه محافظة على صحته، مثل غرس جين ذي وظيفة معينة في كائن من جنس ليؤدي الوظيفة نفسها، كما هو معلوم من زرع جين الإنسان الذي يسبب إفراز الإنسولين في نوع من البكتيريا وتركه يتكاثر فينتج كميات كبيرة من الإنسولين البشري، الذي يفوق بكثير "الإنسولين" ذا الأصل الحيواني في علاج مرض السكر، أو الحصول على هرمون النمو من الجين الذي يفرزه لعلاج الأطفال ذوي قصور النمو الذي يؤدي إلى قصر القامة، أو تحضير المادة المفقودة في مرض "الهموفيليا"، الذي يعوق تجلط الدم فيؤدي إلى النزيف، أو مادة "الإنترفيرون" التي تستعمل في علاج بعض السرطانات، وكذلك التطبيقات في عالم الزراعة أو تربية الحيوان.
وهذا القسم من الهندسة الوراثية الأصل فيه أنه محمود، بل هو من قبيل البحث والنظر الذي دعا إليه الإسلام ورغب فيه؛ قال تعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [العنكبوت: 20]، وقوله تعالى: ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ [الذاريات: 21]، إلى غير ذلك من الآيات التي تحث على النظر والمشاهدة، فالمشاهدة العلمية أصل من الأصول التي يعول عليها العلماء، والآيات التي تأمر بالمشاهدة واستعمال السمع والبصر والعقل كثيرة في القرآن؛ قال سبحانه: ﴿وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [النحل: 78]. ينظر: "نظرات فقهية في الجينوم البشري" للدكتور عبد الله محمد عبد الله، (ندوة الوراثة والهندسة الوراثية، 2/ 738).
ومعظم الأمراض الوراثية سببها جينات منتجة، والأغلبية منها ترجع إلى طفرة تعطل جينًا ينتج -طبيعيًّا- بروتينًا مهمًّا، والمعالجة بالجينات أسلوب جديد يعتمد على إنتاج جزيئات علاجية ترتبط بتقنية دقيقة، والمعالجات السريرية للمرضى والأبحاث التجريبية عليهم يدلان على أن تطبيقات مستقبلية تنتظر هذا النوع من المعالجة.
ويقرر الأطباء والعلماء أن تطبيقات مثل تلك الأبحاث التجريبية والمعالجات السريرية ستكون لأمراض واسعة الانتشار تطال الملايين من مرضى العالم؛ مثل: السرطانات، والتهاب الكبد الفيروسي، والإيدز، وأمراض قلبية وعائية؛ مثل: فرط الكوليسترول العائل، وتصلب الشرايين، وأمراض عصبية؛ مثل: داء باركنسون، ومرض الزهايمر. ينظر: "الكائنات وهندسة المورثات" للدكتور صالح عبد العزيز (ندوة الوراثة والهندسة الوراثية).
وأما العلاج الجيني ويقصد منه علاج الأمراض على ضوء ما توصل إليه العلماء، وما يسعون إلى الحصول عليه من معلومات بشأن الجينوم البشري -وهو خريطة جسم الإنسان- وتحديد موقع كل جين على أي كروموزوم لفك الشفرة الخاصة بكل جين، ومعرفة علاقة كل جين بالذي يسبقه والذي يليه لمعرفة أسباب الأمراض الوراثية، ومعرفة التركيب الوراثي لأي إنسان بما فيه القابلية لحدوث أمراض معينة؛ كضغط الدم، والنوبات القلبية، والسرطان وغيرها والعلاج الجيني للأمراض الوراثية، وإنتاج مواد بيولوجية وهرمونات يحتاجها جسم الإنسان للنمو، فإن الإسلام يحرص أشد الحرص على السلامة من الأمراض والوقاية منها، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى التداوي، والتحذير من العدوى؛ كما جاء الأمر بعزل المرضى عن الأصحاء من أجل المحافظة على الصحة. ينظر: بحث "حيثيات الأحكام الشرعية لبعض المسائل الطبية" للدكتور علي جمعة.
وقد صدر قرار من المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الخامسة عشرة تضمّن مجموعة من الأحكام والضوابط؛ حيث نصّ على أن:
مجلس المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي في دورته الخامسة عشرة، المنعقدة في مكة المكرمة، التي بدأت (11 رجب 1419هـ الموافق 31 أكتوبر 1998م)، قد نظر في موضوع استفادة المسلمين من علم الهندسة الوراثية التي تحتل اليوم مكانة مهمة في مجال العلوم، وتُثار حول استخدامها أسئلة كثيرة. وقد تبين للمجلس أن محور علم الهندسة الوراثية هو التعرف على الجينات "المورثات" وعلى تركيبها، والتحكم فيها من خلال حذف بعضها -لمرض أو لغيره- أو إضافتها أو دمجها بعضها مع بعض؛ لتغيير الصفات الوراثية الخلقية.
وبعد النظر والتدارس والمناقشة فيما كتب حولها، وفي بعض القرارات والتوصيات التي تمخضت عنها المؤتمرات والندوات العلمية. يقرر المجلس ما يلي:
أولًا: تأكيد القرار الصادر عن مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بشأن الاستنساخ، برقم: 100/ 2/ د/ 10 في الدورة العاشرة المنعقدة بجدة، في الفترة من 23-28 صفر 1418هـ.
ثانيًا: الاستفادة من علم الهندسة الوراثية في الوقاية من المرض أو علاجه، أو تخفيف ضرره، بشرط ألا يترتب على ذلك ضرر أكبر.
ثالثًا: لا يجوز استخدام أي من أدوات علم الهندسة الوراثية ووسائله في الأغراض الشريرة وفي كل ما يحرم شرعًا.
رابعًا: لا يجوز استخدام أي من أدوات علم الهندسة الوراثية ووسائله للعبث بشخصية الإنسان ومسؤوليته الفردية، أو للتدخل في بنية المورثات "الجينات" بدعوى تحسين السلالة البشرية.
خامسًا: لا يجوز إجراء أي بحث، أو القيام بأية معالجة، أو تشخيص يتعلق بمورثات إنسان ما إلّا بعد إجراء تقويم دقيق وسابق للأخطار والفوائد المحتملة المرتبطة بهذه الأنشطة، وبعد الحصول على الموافقة المقبولة شرعًا مع الحفاظ على السرية الكاملة للنتائج، ورعاية أحكام الشريعة الإسلامية الغراء القاضية باحترام حقوق الإنسان وكرامته.
سادسًا: يجوز استخدام أدوات علم الهندسة الوراثية ووسائله في حقل الزراعة وتربية الحيوان، شريطة الأخذ بكل الاحتياطات لمنع حدوث أي ضرر -ولو على المدى البعيد- بالإنسان، أو بالحيوان، أو بالبيئة.
سابعًا: يدعو المجلس الشركات والمصانع المنتجة للمواد الغذائية والطبية وغيرهما من المواد المستفادة من علم الهندسة الوراثية إلى البيان عن تركيب هذه المواد؛ ليتم التعامل والاستعمال عن بينة؛ حذرًا مما يضرُّ أو يحرم شرعًا.
ثامنًا: يوصي المجلس الأطباء وأصحاب المعامل والمختبرات بتقوى الله تعالى واستشعار رقابته والبعد عن الإضرار بالفرد والمجتمع والبيئة. راجع: "العلاج الجيني من منظور الفقه الإسلامي" للدكتور علي محيي الدين القره داغي.
ومما سبق وفي واقعة السؤال: فإن ما كان من الهندسة الوراثية يحقق المصلحة العامة للبشرية -من علاج ونحوه- هو أمر جائز شرعًا، وما كان غير ذلك مما يُعرض الإنسان لخطر أو ضرر ونحو ذلك فهو غير جائز.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا
;