إقامة العقوبة في السرقة بين الأقارب

هل تؤثِّر قرابة السارق للمسروق على العقوبة المقررة في السرقة؟


الأصل في الشريعة الإسلامية أن أخذ مال الغير بدون حق محرمٌ شرعًا، فلا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» متفق عليه، والسرقة نوع من أنواع الأخذ بدون حق، وقد ورد النهي عنها في أحاديث كثيرة منها: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَعَنَ الله السَّارِقَ؛ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ» متفق عليه، وذكر الله سبحانه عقوبتها في كتابه المجيد، وهو قطع اليد في قوله تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ [المائدة: 38].

وأدلة تحريم السرقة ووجوب العقوبة للسارق مع ما فيها من عموم؛ بحيث تشمل السرقة من الأقارب ومن غيرهم، لكن للفقهاء تفصيل في أثر القرابة على العقوبة المقررة للسرقة، وذلك يختلف باختلاف كون السارق أصلًا للمسروق منه بأن يكون أبًا أو جدًّا مثلًا، أو فرعًا منه كأن يكون ولده، أو يكون بين السارق والمسروق منه رحمٌ أو زوجية.

فإذا كان السارق أصلًا للمسروق منه؛ كالأب وإن علا، والأم وإن علت، وكان الأخذ على صورة السرقة المحرَّمة بحيث توافرت فيه شروط السرقة؛ من كونها خفية، وبلغ المسروق نصابًا، ومن حرزِ مثله، فجمهور الفقهاء على أنه لا يقام عليه الحد؛ سواء كان أخذه في حدود النفقة الواجبة أو لا، إلا أنه يأثم إن أخذ من مال ولده من غير حاجة، وكذا إن كان السارق فرعًا للمسروق منه بأن كان ابنًا أو بنتًا فلا يقام عليه الحد، خلافًا للمالكية في الثاني فإنهم لا يرون في علاقة الابن بأبيه شبهةً تدرأ عن الابن حدَّ السرقة، ولذلك يوجبون إقامة الحد في سرقة الفروع من الأصول.

واستدل الجمهور على ذلك أولًا بالأدلة التي تثبت أن للأب التصرف في مال ولده، وأن للأب الأخذ من مال فرعه كَمَالِ نفسِه، ومن هذه الأدلة، قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ، وَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ» رواه النسائي، وفي رواية: «فَكُلُوا مِنْ كَسْبِ أَوْلَادِكُمْ» رواه أبو داود والنسائي.

كما أن قرابة الأب عادة ما تكون فيها المباسطة في المال والإذن في الدخول في الحرز، حتى صار كل واحد منهم بمنزلة الآخر، ولذلك منعت شهادة بعضهم لبعض. راجع: "بدائع الصنائع" (7/ 71، ط. دار الكتب العلمية)، و"فتح القدير" (5/ 380-381، ط. دار الفكر)، و"شرح الخرشي على خليل" (8/ 96، ط. دار الفكر)، و"منح الجليل" (5/ 419، ط. دار الفكر)، و"حاشية الدسوقي على الشرح الكبير" (4/ 337، ط. دار الفكر)، و"تحفة المحتاج" (9/ 130، ط. دار إحياء التراث العربي)، و"مغني المحتاج" (5/ 471، دار الكتب العلمية)، و"المغني" (9/ 115، ط. دار الفكر)، و"الإنصاف" (10/ 278، ط. دار إحياء التراث العربي).

واستدلوا ثانيًا بقوله صلى الله عليه وآله وسلم لهند بنت عتبة رضي الله عنها: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري.

فظاهرُ قوله: «خُذِي» الإباحةُ في حدود المعروف لا سيما في حال امتناع الأصل عن الإنفاق أو التقتير فيه؛ لأنه ظالم لمنعه حقًّا واجبًا شرعًا وهو النفقة الكافية لتغطية الضروريات والاحتياجات. كما أن النفقة تقاس على الدَّين في أن كلًّا منهما حق واجب الأداء، ويجوز لصاحب الدين أن يأخذ قدر حقه عند الامتناع عن الأداء، فكذا النفقة، ولا يعد ذلك جريمة لأنه أخذ حقه.

يقول الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (12/ 7، ط. دار إحياء التراث العربي): [يؤخذ من حديث هند رضي الله عنها أن مَن له عند غيره حق وهو عاجز عن استيفائه يجوز له الأخذ من ماله إن قدر بغير إذنه، وهذا مذهبنا] اهـ.

والمعنى في عدم ثبوت جريمة السرقة بأوصافها التامة في حالة أخذ الأصل من الفرع، والفرع من الأصل تمكن الشبهة، والحدود تدرأ بالشبهات.

أما إذا كان بين السارق والمسروق قرابة، فجمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة يرون أن سرقة الأقارب بعضهم من بعض ليست شبهة تدرأ الحد عن السارق، سواء في ذلك المحارم أو لا، ولهذا أوجبوا القطع على من سرق من مال أخيه أو أخته أو عمه أو عمته أو خاله أو خالته، أو ابن أو بنت أحدهم، أو أمه أو أخته من الرضاعة، أو امرأة أبيه أو زوج أمه، أو ابن امرأته أو بنتها أو أمها، وعللوا ذلك بأنه لا يباح الاطلاع على الـحِرز في مثل هذه الحالات مما يدل على أنه لا مباسطة بين السارق وبين مَن ذُكِر، كما أنه لا ترد شهادة بعض هؤلاء للبعض الآخر، فلا أثر لهذه القرابة في جريمة السرقة.

وخالف في ذلك الحنفية فقالوا: لا قطع على مَن سرق من ذي رحم محرم؛ لأن دخول بعضهم على بعض دون إذنٍ عادة يعتبر شبهة تسقط الحد.

أما من سرق من ذي رحم غير محرم فيقام عليه حد السرقة؛ لأنهم لا يدخل بعضهم على بعض عادة، فالحرز كامل في حقهم، واختلفت كلمة الحنفية في سرقة المحارم غير ذوي الرحم بعضهم من بعض كالأم والأخت من الرضاعة، فذهب أبو حنيفة ومحمد إلى إقامة الحد على السارق خلافًا لأبي يوسف. راجع: "بدائع الصنائع" (7/ 75)، و"فتح القدير" (5/ 380-381).

وأما إذا كانت الزوجية قائمة بين السارق والمسروق منه:
فإن أخذت الزوجة من مال زوجها على صورة السرقة المحرمة في حدود النفقة الواجبة فلا يعد ذلك سرقة محرمة بالاتفاق، ودليله نص حديث هند بنت عتبة رضي الله عنها: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» رواه البخاري.

أما إذا أخذت الزوجة قدرًا زائدًا على النفقة، وكان المأخوذ من حرز أو في مكان لم يشتركا فيه بحيث منع أحدهما الآخر من الدخول فيه، فيرى الحنفية أنه لا قطع على واحد منهما، وهو المذهب عند الحنابلة؛ وذلك لما بين الزوجين من الانبساط في الأموال عادة، وقياسًا على أخذ الأصول من الفروع والعكس، كما أن بين الزوجين سببًا يوجب التوارث من غير حجب.

ويرى المالكية وهو الأظهر عند الشافعية وجوب الحد؛ لعموم آية السرقة، ولأن الحرز هنا تام، فانتفت الشبهة. راجع: "فتح القدير" (5/ 382)، و"شرح الزرقاني على خليل" (8/ 100، ط. دار الفكر)، و"مغني المحتاج" (5/ 473)، و"الإنصاف" (10/ 280)، و"كشاف القناع" (6/ 142، ط. دار الفكر).

وعليه: فإن قرابة الأصول والفروع تكون مؤثرة في عدم القطع، مع حصول الإثم، وكذلك الزوجية مؤثرة أيضًا، وأما غير هذه القرابة فلا تؤثر في إقامة العقوبة المقررة في السرقة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

التفاصيل ....


الأصل في الشريعة الإسلامية أن أخذ مال الغير بدون حق محرمٌ شرعًا، فلا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» متفق عليه، والسرقة نوع من أنواع الأخذ بدون حق، وقد ورد النهي عنها في أحاديث كثيرة منها: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَعَنَ الله السَّارِقَ؛ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ» متفق عليه، وذكر الله سبحانه عقوبتها في كتابه المجيد، وهو قطع اليد في قوله تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ [المائدة: 38].

وأدلة تحريم السرقة ووجوب العقوبة للسارق مع ما فيها من عموم؛ بحيث تشمل السرقة من الأقارب ومن غيرهم، لكن للفقهاء تفصيل في أثر القرابة على العقوبة المقررة للسرقة، وذلك يختلف باختلاف كون السارق أصلًا للمسروق منه بأن يكون أبًا أو جدًّا مثلًا، أو فرعًا منه كأن يكون ولده، أو يكون بين السارق والمسروق منه رحمٌ أو زوجية.

فإذا كان السارق أصلًا للمسروق منه؛ كالأب وإن علا، والأم وإن علت، وكان الأخذ على صورة السرقة المحرَّمة بحيث توافرت فيه شروط السرقة؛ من كونها خفية، وبلغ المسروق نصابًا، ومن حرزِ مثله، فجمهور الفقهاء على أنه لا يقام عليه الحد؛ سواء كان أخذه في حدود النفقة الواجبة أو لا، إلا أنه يأثم إن أخذ من مال ولده من غير حاجة، وكذا إن كان السارق فرعًا للمسروق منه بأن كان ابنًا أو بنتًا فلا يقام عليه الحد، خلافًا للمالكية في الثاني فإنهم لا يرون في علاقة الابن بأبيه شبهةً تدرأ عن الابن حدَّ السرقة، ولذلك يوجبون إقامة الحد في سرقة الفروع من الأصول.

واستدل الجمهور على ذلك أولًا بالأدلة التي تثبت أن للأب التصرف في مال ولده، وأن للأب الأخذ من مال فرعه كَمَالِ نفسِه، ومن هذه الأدلة، قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ، وَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ» رواه النسائي، وفي رواية: «فَكُلُوا مِنْ كَسْبِ أَوْلَادِكُمْ» رواه أبو داود والنسائي.

كما أن قرابة الأب عادة ما تكون فيها المباسطة في المال والإذن في الدخول في الحرز، حتى صار كل واحد منهم بمنزلة الآخر، ولذلك منعت شهادة بعضهم لبعض. راجع: "بدائع الصنائع" (7/ 71، ط. دار الكتب العلمية)، و"فتح القدير" (5/ 380-381، ط. دار الفكر)، و"شرح الخرشي على خليل" (8/ 96، ط. دار الفكر)، و"منح الجليل" (5/ 419، ط. دار الفكر)، و"حاشية الدسوقي على الشرح الكبير" (4/ 337، ط. دار الفكر)، و"تحفة المحتاج" (9/ 130، ط. دار إحياء التراث العربي)، و"مغني المحتاج" (5/ 471، دار الكتب العلمية)، و"المغني" (9/ 115، ط. دار الفكر)، و"الإنصاف" (10/ 278، ط. دار إحياء التراث العربي).

واستدلوا ثانيًا بقوله صلى الله عليه وآله وسلم لهند بنت عتبة رضي الله عنها: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري.

فظاهرُ قوله: «خُذِي» الإباحةُ في حدود المعروف لا سيما في حال امتناع الأصل عن الإنفاق أو التقتير فيه؛ لأنه ظالم لمنعه حقًّا واجبًا شرعًا وهو النفقة الكافية لتغطية الضروريات والاحتياجات. كما أن النفقة تقاس على الدَّين في أن كلًّا منهما حق واجب الأداء، ويجوز لصاحب الدين أن يأخذ قدر حقه عند الامتناع عن الأداء، فكذا النفقة، ولا يعد ذلك جريمة لأنه أخذ حقه.

يقول الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (12/ 7، ط. دار إحياء التراث العربي): [يؤخذ من حديث هند رضي الله عنها أن مَن له عند غيره حق وهو عاجز عن استيفائه يجوز له الأخذ من ماله إن قدر بغير إذنه، وهذا مذهبنا] اهـ.

والمعنى في عدم ثبوت جريمة السرقة بأوصافها التامة في حالة أخذ الأصل من الفرع، والفرع من الأصل تمكن الشبهة، والحدود تدرأ بالشبهات.

أما إذا كان بين السارق والمسروق قرابة، فجمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة يرون أن سرقة الأقارب بعضهم من بعض ليست شبهة تدرأ الحد عن السارق، سواء في ذلك المحارم أو لا، ولهذا أوجبوا القطع على من سرق من مال أخيه أو أخته أو عمه أو عمته أو خاله أو خالته، أو ابن أو بنت أحدهم، أو أمه أو أخته من الرضاعة، أو امرأة أبيه أو زوج أمه، أو ابن امرأته أو بنتها أو أمها، وعللوا ذلك بأنه لا يباح الاطلاع على الـحِرز في مثل هذه الحالات مما يدل على أنه لا مباسطة بين السارق وبين مَن ذُكِر، كما أنه لا ترد شهادة بعض هؤلاء للبعض الآخر، فلا أثر لهذه القرابة في جريمة السرقة.

وخالف في ذلك الحنفية فقالوا: لا قطع على مَن سرق من ذي رحم محرم؛ لأن دخول بعضهم على بعض دون إذنٍ عادة يعتبر شبهة تسقط الحد.

أما من سرق من ذي رحم غير محرم فيقام عليه حد السرقة؛ لأنهم لا يدخل بعضهم على بعض عادة، فالحرز كامل في حقهم، واختلفت كلمة الحنفية في سرقة المحارم غير ذوي الرحم بعضهم من بعض كالأم والأخت من الرضاعة، فذهب أبو حنيفة ومحمد إلى إقامة الحد على السارق خلافًا لأبي يوسف. راجع: "بدائع الصنائع" (7/ 75)، و"فتح القدير" (5/ 380-381).

وأما إذا كانت الزوجية قائمة بين السارق والمسروق منه:
فإن أخذت الزوجة من مال زوجها على صورة السرقة المحرمة في حدود النفقة الواجبة فلا يعد ذلك سرقة محرمة بالاتفاق، ودليله نص حديث هند بنت عتبة رضي الله عنها: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» رواه البخاري.

أما إذا أخذت الزوجة قدرًا زائدًا على النفقة، وكان المأخوذ من حرز أو في مكان لم يشتركا فيه بحيث منع أحدهما الآخر من الدخول فيه، فيرى الحنفية أنه لا قطع على واحد منهما، وهو المذهب عند الحنابلة؛ وذلك لما بين الزوجين من الانبساط في الأموال عادة، وقياسًا على أخذ الأصول من الفروع والعكس، كما أن بين الزوجين سببًا يوجب التوارث من غير حجب.

ويرى المالكية وهو الأظهر عند الشافعية وجوب الحد؛ لعموم آية السرقة، ولأن الحرز هنا تام، فانتفت الشبهة. راجع: "فتح القدير" (5/ 382)، و"شرح الزرقاني على خليل" (8/ 100، ط. دار الفكر)، و"مغني المحتاج" (5/ 473)، و"الإنصاف" (10/ 280)، و"كشاف القناع" (6/ 142، ط. دار الفكر).

وعليه: فإن قرابة الأصول والفروع تكون مؤثرة في عدم القطع، مع حصول الإثم، وكذلك الزوجية مؤثرة أيضًا، وأما غير هذه القرابة فلا تؤثر في إقامة العقوبة المقررة في السرقة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا

إقامة العقوبة في السرقة بين الأقارب

هل تؤثِّر قرابة السارق للمسروق على العقوبة المقررة في السرقة؟


الأصل في الشريعة الإسلامية أن أخذ مال الغير بدون حق محرمٌ شرعًا، فلا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» متفق عليه، والسرقة نوع من أنواع الأخذ بدون حق، وقد ورد النهي عنها في أحاديث كثيرة منها: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَعَنَ الله السَّارِقَ؛ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ» متفق عليه، وذكر الله سبحانه عقوبتها في كتابه المجيد، وهو قطع اليد في قوله تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ [المائدة: 38].

وأدلة تحريم السرقة ووجوب العقوبة للسارق مع ما فيها من عموم؛ بحيث تشمل السرقة من الأقارب ومن غيرهم، لكن للفقهاء تفصيل في أثر القرابة على العقوبة المقررة للسرقة، وذلك يختلف باختلاف كون السارق أصلًا للمسروق منه بأن يكون أبًا أو جدًّا مثلًا، أو فرعًا منه كأن يكون ولده، أو يكون بين السارق والمسروق منه رحمٌ أو زوجية.

فإذا كان السارق أصلًا للمسروق منه؛ كالأب وإن علا، والأم وإن علت، وكان الأخذ على صورة السرقة المحرَّمة بحيث توافرت فيه شروط السرقة؛ من كونها خفية، وبلغ المسروق نصابًا، ومن حرزِ مثله، فجمهور الفقهاء على أنه لا يقام عليه الحد؛ سواء كان أخذه في حدود النفقة الواجبة أو لا، إلا أنه يأثم إن أخذ من مال ولده من غير حاجة، وكذا إن كان السارق فرعًا للمسروق منه بأن كان ابنًا أو بنتًا فلا يقام عليه الحد، خلافًا للمالكية في الثاني فإنهم لا يرون في علاقة الابن بأبيه شبهةً تدرأ عن الابن حدَّ السرقة، ولذلك يوجبون إقامة الحد في سرقة الفروع من الأصول.

واستدل الجمهور على ذلك أولًا بالأدلة التي تثبت أن للأب التصرف في مال ولده، وأن للأب الأخذ من مال فرعه كَمَالِ نفسِه، ومن هذه الأدلة، قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ، وَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ» رواه النسائي، وفي رواية: «فَكُلُوا مِنْ كَسْبِ أَوْلَادِكُمْ» رواه أبو داود والنسائي.

كما أن قرابة الأب عادة ما تكون فيها المباسطة في المال والإذن في الدخول في الحرز، حتى صار كل واحد منهم بمنزلة الآخر، ولذلك منعت شهادة بعضهم لبعض. راجع: "بدائع الصنائع" (7/ 71، ط. دار الكتب العلمية)، و"فتح القدير" (5/ 380-381، ط. دار الفكر)، و"شرح الخرشي على خليل" (8/ 96، ط. دار الفكر)، و"منح الجليل" (5/ 419، ط. دار الفكر)، و"حاشية الدسوقي على الشرح الكبير" (4/ 337، ط. دار الفكر)، و"تحفة المحتاج" (9/ 130، ط. دار إحياء التراث العربي)، و"مغني المحتاج" (5/ 471، دار الكتب العلمية)، و"المغني" (9/ 115، ط. دار الفكر)، و"الإنصاف" (10/ 278، ط. دار إحياء التراث العربي).

واستدلوا ثانيًا بقوله صلى الله عليه وآله وسلم لهند بنت عتبة رضي الله عنها: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري.

فظاهرُ قوله: «خُذِي» الإباحةُ في حدود المعروف لا سيما في حال امتناع الأصل عن الإنفاق أو التقتير فيه؛ لأنه ظالم لمنعه حقًّا واجبًا شرعًا وهو النفقة الكافية لتغطية الضروريات والاحتياجات. كما أن النفقة تقاس على الدَّين في أن كلًّا منهما حق واجب الأداء، ويجوز لصاحب الدين أن يأخذ قدر حقه عند الامتناع عن الأداء، فكذا النفقة، ولا يعد ذلك جريمة لأنه أخذ حقه.

يقول الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (12/ 7، ط. دار إحياء التراث العربي): [يؤخذ من حديث هند رضي الله عنها أن مَن له عند غيره حق وهو عاجز عن استيفائه يجوز له الأخذ من ماله إن قدر بغير إذنه، وهذا مذهبنا] اهـ.

والمعنى في عدم ثبوت جريمة السرقة بأوصافها التامة في حالة أخذ الأصل من الفرع، والفرع من الأصل تمكن الشبهة، والحدود تدرأ بالشبهات.

أما إذا كان بين السارق والمسروق قرابة، فجمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة يرون أن سرقة الأقارب بعضهم من بعض ليست شبهة تدرأ الحد عن السارق، سواء في ذلك المحارم أو لا، ولهذا أوجبوا القطع على من سرق من مال أخيه أو أخته أو عمه أو عمته أو خاله أو خالته، أو ابن أو بنت أحدهم، أو أمه أو أخته من الرضاعة، أو امرأة أبيه أو زوج أمه، أو ابن امرأته أو بنتها أو أمها، وعللوا ذلك بأنه لا يباح الاطلاع على الـحِرز في مثل هذه الحالات مما يدل على أنه لا مباسطة بين السارق وبين مَن ذُكِر، كما أنه لا ترد شهادة بعض هؤلاء للبعض الآخر، فلا أثر لهذه القرابة في جريمة السرقة.

وخالف في ذلك الحنفية فقالوا: لا قطع على مَن سرق من ذي رحم محرم؛ لأن دخول بعضهم على بعض دون إذنٍ عادة يعتبر شبهة تسقط الحد.

أما من سرق من ذي رحم غير محرم فيقام عليه حد السرقة؛ لأنهم لا يدخل بعضهم على بعض عادة، فالحرز كامل في حقهم، واختلفت كلمة الحنفية في سرقة المحارم غير ذوي الرحم بعضهم من بعض كالأم والأخت من الرضاعة، فذهب أبو حنيفة ومحمد إلى إقامة الحد على السارق خلافًا لأبي يوسف. راجع: "بدائع الصنائع" (7/ 75)، و"فتح القدير" (5/ 380-381).

وأما إذا كانت الزوجية قائمة بين السارق والمسروق منه:
فإن أخذت الزوجة من مال زوجها على صورة السرقة المحرمة في حدود النفقة الواجبة فلا يعد ذلك سرقة محرمة بالاتفاق، ودليله نص حديث هند بنت عتبة رضي الله عنها: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» رواه البخاري.

أما إذا أخذت الزوجة قدرًا زائدًا على النفقة، وكان المأخوذ من حرز أو في مكان لم يشتركا فيه بحيث منع أحدهما الآخر من الدخول فيه، فيرى الحنفية أنه لا قطع على واحد منهما، وهو المذهب عند الحنابلة؛ وذلك لما بين الزوجين من الانبساط في الأموال عادة، وقياسًا على أخذ الأصول من الفروع والعكس، كما أن بين الزوجين سببًا يوجب التوارث من غير حجب.

ويرى المالكية وهو الأظهر عند الشافعية وجوب الحد؛ لعموم آية السرقة، ولأن الحرز هنا تام، فانتفت الشبهة. راجع: "فتح القدير" (5/ 382)، و"شرح الزرقاني على خليل" (8/ 100، ط. دار الفكر)، و"مغني المحتاج" (5/ 473)، و"الإنصاف" (10/ 280)، و"كشاف القناع" (6/ 142، ط. دار الفكر).

وعليه: فإن قرابة الأصول والفروع تكون مؤثرة في عدم القطع، مع حصول الإثم، وكذلك الزوجية مؤثرة أيضًا، وأما غير هذه القرابة فلا تؤثر في إقامة العقوبة المقررة في السرقة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

التفاصيل ....


الأصل في الشريعة الإسلامية أن أخذ مال الغير بدون حق محرمٌ شرعًا، فلا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» متفق عليه، والسرقة نوع من أنواع الأخذ بدون حق، وقد ورد النهي عنها في أحاديث كثيرة منها: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَعَنَ الله السَّارِقَ؛ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ» متفق عليه، وذكر الله سبحانه عقوبتها في كتابه المجيد، وهو قطع اليد في قوله تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ [المائدة: 38].

وأدلة تحريم السرقة ووجوب العقوبة للسارق مع ما فيها من عموم؛ بحيث تشمل السرقة من الأقارب ومن غيرهم، لكن للفقهاء تفصيل في أثر القرابة على العقوبة المقررة للسرقة، وذلك يختلف باختلاف كون السارق أصلًا للمسروق منه بأن يكون أبًا أو جدًّا مثلًا، أو فرعًا منه كأن يكون ولده، أو يكون بين السارق والمسروق منه رحمٌ أو زوجية.

فإذا كان السارق أصلًا للمسروق منه؛ كالأب وإن علا، والأم وإن علت، وكان الأخذ على صورة السرقة المحرَّمة بحيث توافرت فيه شروط السرقة؛ من كونها خفية، وبلغ المسروق نصابًا، ومن حرزِ مثله، فجمهور الفقهاء على أنه لا يقام عليه الحد؛ سواء كان أخذه في حدود النفقة الواجبة أو لا، إلا أنه يأثم إن أخذ من مال ولده من غير حاجة، وكذا إن كان السارق فرعًا للمسروق منه بأن كان ابنًا أو بنتًا فلا يقام عليه الحد، خلافًا للمالكية في الثاني فإنهم لا يرون في علاقة الابن بأبيه شبهةً تدرأ عن الابن حدَّ السرقة، ولذلك يوجبون إقامة الحد في سرقة الفروع من الأصول.

واستدل الجمهور على ذلك أولًا بالأدلة التي تثبت أن للأب التصرف في مال ولده، وأن للأب الأخذ من مال فرعه كَمَالِ نفسِه، ومن هذه الأدلة، قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ، وَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ» رواه النسائي، وفي رواية: «فَكُلُوا مِنْ كَسْبِ أَوْلَادِكُمْ» رواه أبو داود والنسائي.

كما أن قرابة الأب عادة ما تكون فيها المباسطة في المال والإذن في الدخول في الحرز، حتى صار كل واحد منهم بمنزلة الآخر، ولذلك منعت شهادة بعضهم لبعض. راجع: "بدائع الصنائع" (7/ 71، ط. دار الكتب العلمية)، و"فتح القدير" (5/ 380-381، ط. دار الفكر)، و"شرح الخرشي على خليل" (8/ 96، ط. دار الفكر)، و"منح الجليل" (5/ 419، ط. دار الفكر)، و"حاشية الدسوقي على الشرح الكبير" (4/ 337، ط. دار الفكر)، و"تحفة المحتاج" (9/ 130، ط. دار إحياء التراث العربي)، و"مغني المحتاج" (5/ 471، دار الكتب العلمية)، و"المغني" (9/ 115، ط. دار الفكر)، و"الإنصاف" (10/ 278، ط. دار إحياء التراث العربي).

واستدلوا ثانيًا بقوله صلى الله عليه وآله وسلم لهند بنت عتبة رضي الله عنها: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري.

فظاهرُ قوله: «خُذِي» الإباحةُ في حدود المعروف لا سيما في حال امتناع الأصل عن الإنفاق أو التقتير فيه؛ لأنه ظالم لمنعه حقًّا واجبًا شرعًا وهو النفقة الكافية لتغطية الضروريات والاحتياجات. كما أن النفقة تقاس على الدَّين في أن كلًّا منهما حق واجب الأداء، ويجوز لصاحب الدين أن يأخذ قدر حقه عند الامتناع عن الأداء، فكذا النفقة، ولا يعد ذلك جريمة لأنه أخذ حقه.

يقول الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (12/ 7، ط. دار إحياء التراث العربي): [يؤخذ من حديث هند رضي الله عنها أن مَن له عند غيره حق وهو عاجز عن استيفائه يجوز له الأخذ من ماله إن قدر بغير إذنه، وهذا مذهبنا] اهـ.

والمعنى في عدم ثبوت جريمة السرقة بأوصافها التامة في حالة أخذ الأصل من الفرع، والفرع من الأصل تمكن الشبهة، والحدود تدرأ بالشبهات.

أما إذا كان بين السارق والمسروق قرابة، فجمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة يرون أن سرقة الأقارب بعضهم من بعض ليست شبهة تدرأ الحد عن السارق، سواء في ذلك المحارم أو لا، ولهذا أوجبوا القطع على من سرق من مال أخيه أو أخته أو عمه أو عمته أو خاله أو خالته، أو ابن أو بنت أحدهم، أو أمه أو أخته من الرضاعة، أو امرأة أبيه أو زوج أمه، أو ابن امرأته أو بنتها أو أمها، وعللوا ذلك بأنه لا يباح الاطلاع على الـحِرز في مثل هذه الحالات مما يدل على أنه لا مباسطة بين السارق وبين مَن ذُكِر، كما أنه لا ترد شهادة بعض هؤلاء للبعض الآخر، فلا أثر لهذه القرابة في جريمة السرقة.

وخالف في ذلك الحنفية فقالوا: لا قطع على مَن سرق من ذي رحم محرم؛ لأن دخول بعضهم على بعض دون إذنٍ عادة يعتبر شبهة تسقط الحد.

أما من سرق من ذي رحم غير محرم فيقام عليه حد السرقة؛ لأنهم لا يدخل بعضهم على بعض عادة، فالحرز كامل في حقهم، واختلفت كلمة الحنفية في سرقة المحارم غير ذوي الرحم بعضهم من بعض كالأم والأخت من الرضاعة، فذهب أبو حنيفة ومحمد إلى إقامة الحد على السارق خلافًا لأبي يوسف. راجع: "بدائع الصنائع" (7/ 75)، و"فتح القدير" (5/ 380-381).

وأما إذا كانت الزوجية قائمة بين السارق والمسروق منه:
فإن أخذت الزوجة من مال زوجها على صورة السرقة المحرمة في حدود النفقة الواجبة فلا يعد ذلك سرقة محرمة بالاتفاق، ودليله نص حديث هند بنت عتبة رضي الله عنها: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» رواه البخاري.

أما إذا أخذت الزوجة قدرًا زائدًا على النفقة، وكان المأخوذ من حرز أو في مكان لم يشتركا فيه بحيث منع أحدهما الآخر من الدخول فيه، فيرى الحنفية أنه لا قطع على واحد منهما، وهو المذهب عند الحنابلة؛ وذلك لما بين الزوجين من الانبساط في الأموال عادة، وقياسًا على أخذ الأصول من الفروع والعكس، كما أن بين الزوجين سببًا يوجب التوارث من غير حجب.

ويرى المالكية وهو الأظهر عند الشافعية وجوب الحد؛ لعموم آية السرقة، ولأن الحرز هنا تام، فانتفت الشبهة. راجع: "فتح القدير" (5/ 382)، و"شرح الزرقاني على خليل" (8/ 100، ط. دار الفكر)، و"مغني المحتاج" (5/ 473)، و"الإنصاف" (10/ 280)، و"كشاف القناع" (6/ 142، ط. دار الفكر).

وعليه: فإن قرابة الأصول والفروع تكون مؤثرة في عدم القطع، مع حصول الإثم، وكذلك الزوجية مؤثرة أيضًا، وأما غير هذه القرابة فلا تؤثر في إقامة العقوبة المقررة في السرقة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا
;