تلازم الحرمة والإثم - الفتاوى - دار الإفتاء المصرية - دار الإفتاء

تلازم الحرمة والإثم

أليس فعل الأشياء المحرمة يستلزم حصول الإثم لفاعلها، وكذلك كل ما يترتب على فعله الإثم يكون حرامًا؟ فإنه بالرغم من هذا رأيت بعضهم يقول بأن هذا ليس على إطلاقه وإنما هناك مستثنيات، وينقل عن أحد العلماء الكبار -وهو الإمام الزركشي- عبارة مفادها أن: "الحرمة ليست ملازمة للذم والإثم"، فما معنى هذا؟

العبارة المذكورة صحيحة من حيث نسبتها إلى الإمام بدر الدين الزركشي الشافعي رحمه الله تعالى؛ حيث قال في كتابه "البحر المحيط في أصول الفقه" (1/ 337، ط. دار الكتبي): [الحرمة ليست ملازمة للذم والإثم لا طردًا ولا عكسًا؛ فقد يأثم الإنسان على ما ليس بحرام؛ كما إذا قدم على زوجه يظنها أجنبية، وقد يحرم ما ليس فيه إثم؛ كما إذا قدم على أجنبية يظنها زوجته] اهـ.

وحاصل هذا الكلام: أن الإنسان قد يأثم على فعل ما ليس محرمًا عليه في الواقع ونفس الأمر؛ كما لو شرب كأسًا من الماء يظنه خمرًا؛ فشُرب الماء لا إثم فيه ولا حرمة، وإنما ترتب الإثم في هذه الصورة على تناوله ما يظنه حرامًا وإن لم يكن حرامًا في نفس الأمر، وبالعكس فقد ينفك الإثم عن تناول المحرم؛ كما لو شرب كأسًا من الخمر يحسبها ماء؛ فالمشروب حرام تناوله، ولكن لا إثم على الشارب هنا؛ لجهله بحقيقة الأمر، وقد رُفع الإثم عن المخطئ والناسي والمُكرَه؛ لما رواه ابن ماجه في "سننه" عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ قَدْ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ».

يقول الإمام الزركشي في "البحر المحيط" (1/ 337): [الإثم يتوقف على العلم، فإذا قدم العبد على فعل يعتقده حلالًا وهو حرام لا إثم عليه؛ تخفيفًا على العبد، وإذا أقدم على فعل يظنه حرامًا وهو حلال عاقبه على الجرأة] اهـ. ثم فسر معنى الحرام والحلال بقوله: [فمعنى قولنا: هذا الفعل حرام؛ أن الشارع له تشوف إلى تركه، ومعنى قولنا: حلال؛ خلاف ذلك] اهـ.

فالفعل المحرم: هو ما قصد الشرع منع العباد عن فعله؛ سواء علموا بذلك أم لم يعلموا، فإن علموا كان الفعل حرامًا يقتضي الإثم، وإن لم يعلموا وفعلوا كان الفعل حرامًا أيضًا لكن رُفع إثمه فضلًا وكرمًا من الله تعالى؛ قال عز وجل: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء: 15]، أي فيبلغ الناس بالحلال والحرام والواجب عقيدة وعملًا وخُلُقًا؛ ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ [النساء: 165].

ويقول الإمام الزركشي في ذلك في كتابه "البحر المحيط" (1/ 338): [وما ذكرناه ليس ذهابًا إلى موافقة من يقول: الحل والحرمة يوصف بهما الذواتُ بل هو توسط، وتحقيقه: أن الحل والحرمة يوصف بهما ذوات الأفعال طابقت الاعتقاد أم لا، وهذا إذا تبين لك في الحرام نقلته إلى بقية الأحكام الخمسة، وانظر قول البيضاوي: قال الفقهاء: يجب الصوم على الحائض، والمريض، والمسافر، فرب واجب يأثم الإنسان بتركه باعتبار ظنه، ويكون في نفس الأمر حرامًا، وبالعكس. قال الشيخ أبو حامد في من صلى وهو يظن أنه متطهر: لقي الله وعليه تلك الصلاة غير أنه لا يعاقبه، فهذا ترك الواجب ولا عقاب عليه؛ لأنه ترك الواجب باعتبار الوجوب بمعنى تشوف الشارع، ولم يتركه بمعنى التكليف] اهـ.

ويوضح العلامة جمال الدين الإسنوي أن الفعل المحرم إذا انتفى عن مقترفه الإثم بنحو سهو وخطأ ونسيان، ففي وصفه بالحل أو الحرمة ثلاثة أوجه:
أولها: أنه حلال، وثانيها: أنه حرام، وبه قال جماعة كثيرة من الشافعية، وثالثها: أنه لا يوصف بحل ولا حرمة، وبه أجاب الإمام النووي في "فتاويه"، ورجحه العلامة الإسنوي؛ فقال في "التمهيد" (ص: 49، ط. مؤسسة الرسالة): [إذا وطئ أجنبية على ظن أنها زوجته مثلًا هل يوصف وطؤه بالحل أو الحرمة وإن انتفى عنه الإثم؟ أو لا يوصف بشيء منها؟ فيه ثلاثة أوجه؛ أصحها الثالث، وبه أجاب النووي في كتاب النكاح من "فتاويه"؛ لأن الحل والحرمة من الأحكام الشرعية والحكم الشرعي هو الخطاب المتعلق بأفعال المكلفين، والساهي والمخطئ ونحوهما ليسوا مكلفين، وجزم في المهذب بالحرمة، وقال به جماعة كثيرة من أصحابنا، والخلاف يجري في قتل الخطأ وفي أكل المضطر للميتة] اهـ.

ويبين الإمام الزركشي أن الخلاف في هذه المسألة يؤول لخلاف اصطلاحي: لإطلاق الوصف بالحل والحرمة تارة باعتبار الإثم وعدمه؛ وهو اصطلاح الأصوليين، وتارة باعتبار تشوف الشرع لترك الفعل أو عدم ذلك؛ وهو اصطلاح أكثر الفقهاء؛ فيقول رحمه الله في "البحر المحيط" (1/ 338): [والحل والحرمة يطلقان تارة على ما فيه إثم وما ليس فيه، وهو مراد الأصوليين بقولهم: الحرام ما يذم عليه، وتارة على ما للشارع فيه تشوف إلى تركه، ومنه قول أكثر الفقهاء: وطء الشبهة -أعني شبهة المحل– حرام. مع القطع بأنه لا إثم فيه، ومنه قول الشيخ أبي حامد: أجمعوا على أن قتل الخطأ حرام، وكذلك أكل الميتة في حال الاضطرار على رأي، وهذا يمكن رد كلام الأصوليين إليه في حد الحرام بأنه ما يذم فاعله، بأن يكون المراد يذم بالقوة، أو يكون المراد، يذم بشرط العلم بحاله، وإن استنكرت إطلاق الحرمة على كل من المعنيين، فانظر إلى قول الأصوليين: لو اشتبهت المنكوحة بأجنبية حرمتا على معنى أنه يجب الكف عنهما، وقوله: إذا قال: إحداكما طالق حرمتا تغليبًا للحرمة، فإحدى المرأتين في الفرعين حرام باعتبار الإثم على الجرأة، وهي التي في علم الله أنها الزوجة في الأولى، والتي سيعينها في الثانية، والأخرى حرام باعتبار أنها أجنبية، فقولهم: حرمتا على معنى أنه يأثم بالإقدام على كل منهما، وقولهم: تغليبًا للحرمة على المعنى الآخر، فتأمل كيف أثبتوا التَّحَرُّم للزوجة بالاعتبار الأول، وصرفوه عنها بالاعتبار الثاني] اهـ.


وذكر العلامة علاء الدين البخاري الحنفي ثمرة الخلاف في وصف الفعل بالحرمة مع ارتفاع الإثم أو وصفه بالإباحة؛ فيقول في كتابه "كشف الأسرار شرح أصول البزدوي" (2/ 322، ط. دار الكتاب الإسلامي): [واعلم أن العلماء اختلفوا في حكم الميتة والخمر والخنزير ونحوها في حالة الاضطرار أنها تصير مباحة أو تبقى على الحرمة ويرتفع الإثم؛ فذهب بعضهم إلى أنها لا تحل، ولكن يرخص الفعل في حالة الاضطرار إبقاء للمهجة؛ كما في الإكراه على الكفر، وأكل مال الغير، وهو رواية عن أبي يوسف، وأحد قولي الشافعي، وذهب أكثر أصحابنا إلى أن الحرمة ترتفع في هذه الحالة، وفائدة الاختلاف تظهر فيما إذا صبر حتى مات لا يكون آثما عند الفريق الأول، ويكون آثما عندنا، وفيما إذا حلف لا يأكل حرامًا فتناول هذه المحرمات في حالة الاضطرار يحنث عندهم، ولا يحنث عندنا] اهـ.

ومما سبق: يتبين أن مقولة: "الحرمة ليست ملازمة للذم والإثم"، عبارة صحيحة النسبة إلى الإمام الزركشي، كما أنها صحيحة المعنى باعتبار أن الفعل يوصف بأنه حرام من حيث القوة ونفس الأمر وتشوف الشارع لتركه وإن لم يعلم المكلف فعليًّا بذلك في الحال، فيوصف بأنه ارتكب حرامًا لا إثم فيه، وإنما يترتب الإثم على علمه بحرمته لا على مجرد الحرمة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

التفاصيل ....

العبارة المذكورة صحيحة من حيث نسبتها إلى الإمام بدر الدين الزركشي الشافعي رحمه الله تعالى؛ حيث قال في كتابه "البحر المحيط في أصول الفقه" (1/ 337، ط. دار الكتبي): [الحرمة ليست ملازمة للذم والإثم لا طردًا ولا عكسًا؛ فقد يأثم الإنسان على ما ليس بحرام؛ كما إذا قدم على زوجه يظنها أجنبية، وقد يحرم ما ليس فيه إثم؛ كما إذا قدم على أجنبية يظنها زوجته] اهـ.

وحاصل هذا الكلام: أن الإنسان قد يأثم على فعل ما ليس محرمًا عليه في الواقع ونفس الأمر؛ كما لو شرب كأسًا من الماء يظنه خمرًا؛ فشُرب الماء لا إثم فيه ولا حرمة، وإنما ترتب الإثم في هذه الصورة على تناوله ما يظنه حرامًا وإن لم يكن حرامًا في نفس الأمر، وبالعكس فقد ينفك الإثم عن تناول المحرم؛ كما لو شرب كأسًا من الخمر يحسبها ماء؛ فالمشروب حرام تناوله، ولكن لا إثم على الشارب هنا؛ لجهله بحقيقة الأمر، وقد رُفع الإثم عن المخطئ والناسي والمُكرَه؛ لما رواه ابن ماجه في "سننه" عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ قَدْ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ».

يقول الإمام الزركشي في "البحر المحيط" (1/ 337): [الإثم يتوقف على العلم، فإذا قدم العبد على فعل يعتقده حلالًا وهو حرام لا إثم عليه؛ تخفيفًا على العبد، وإذا أقدم على فعل يظنه حرامًا وهو حلال عاقبه على الجرأة] اهـ. ثم فسر معنى الحرام والحلال بقوله: [فمعنى قولنا: هذا الفعل حرام؛ أن الشارع له تشوف إلى تركه، ومعنى قولنا: حلال؛ خلاف ذلك] اهـ.

فالفعل المحرم: هو ما قصد الشرع منع العباد عن فعله؛ سواء علموا بذلك أم لم يعلموا، فإن علموا كان الفعل حرامًا يقتضي الإثم، وإن لم يعلموا وفعلوا كان الفعل حرامًا أيضًا لكن رُفع إثمه فضلًا وكرمًا من الله تعالى؛ قال عز وجل: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء: 15]، أي فيبلغ الناس بالحلال والحرام والواجب عقيدة وعملًا وخُلُقًا؛ ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ [النساء: 165].

ويقول الإمام الزركشي في ذلك في كتابه "البحر المحيط" (1/ 338): [وما ذكرناه ليس ذهابًا إلى موافقة من يقول: الحل والحرمة يوصف بهما الذواتُ بل هو توسط، وتحقيقه: أن الحل والحرمة يوصف بهما ذوات الأفعال طابقت الاعتقاد أم لا، وهذا إذا تبين لك في الحرام نقلته إلى بقية الأحكام الخمسة، وانظر قول البيضاوي: قال الفقهاء: يجب الصوم على الحائض، والمريض، والمسافر، فرب واجب يأثم الإنسان بتركه باعتبار ظنه، ويكون في نفس الأمر حرامًا، وبالعكس. قال الشيخ أبو حامد في من صلى وهو يظن أنه متطهر: لقي الله وعليه تلك الصلاة غير أنه لا يعاقبه، فهذا ترك الواجب ولا عقاب عليه؛ لأنه ترك الواجب باعتبار الوجوب بمعنى تشوف الشارع، ولم يتركه بمعنى التكليف] اهـ.

ويوضح العلامة جمال الدين الإسنوي أن الفعل المحرم إذا انتفى عن مقترفه الإثم بنحو سهو وخطأ ونسيان، ففي وصفه بالحل أو الحرمة ثلاثة أوجه:
أولها: أنه حلال، وثانيها: أنه حرام، وبه قال جماعة كثيرة من الشافعية، وثالثها: أنه لا يوصف بحل ولا حرمة، وبه أجاب الإمام النووي في "فتاويه"، ورجحه العلامة الإسنوي؛ فقال في "التمهيد" (ص: 49، ط. مؤسسة الرسالة): [إذا وطئ أجنبية على ظن أنها زوجته مثلًا هل يوصف وطؤه بالحل أو الحرمة وإن انتفى عنه الإثم؟ أو لا يوصف بشيء منها؟ فيه ثلاثة أوجه؛ أصحها الثالث، وبه أجاب النووي في كتاب النكاح من "فتاويه"؛ لأن الحل والحرمة من الأحكام الشرعية والحكم الشرعي هو الخطاب المتعلق بأفعال المكلفين، والساهي والمخطئ ونحوهما ليسوا مكلفين، وجزم في المهذب بالحرمة، وقال به جماعة كثيرة من أصحابنا، والخلاف يجري في قتل الخطأ وفي أكل المضطر للميتة] اهـ.

ويبين الإمام الزركشي أن الخلاف في هذه المسألة يؤول لخلاف اصطلاحي: لإطلاق الوصف بالحل والحرمة تارة باعتبار الإثم وعدمه؛ وهو اصطلاح الأصوليين، وتارة باعتبار تشوف الشرع لترك الفعل أو عدم ذلك؛ وهو اصطلاح أكثر الفقهاء؛ فيقول رحمه الله في "البحر المحيط" (1/ 338): [والحل والحرمة يطلقان تارة على ما فيه إثم وما ليس فيه، وهو مراد الأصوليين بقولهم: الحرام ما يذم عليه، وتارة على ما للشارع فيه تشوف إلى تركه، ومنه قول أكثر الفقهاء: وطء الشبهة -أعني شبهة المحل– حرام. مع القطع بأنه لا إثم فيه، ومنه قول الشيخ أبي حامد: أجمعوا على أن قتل الخطأ حرام، وكذلك أكل الميتة في حال الاضطرار على رأي، وهذا يمكن رد كلام الأصوليين إليه في حد الحرام بأنه ما يذم فاعله، بأن يكون المراد يذم بالقوة، أو يكون المراد، يذم بشرط العلم بحاله، وإن استنكرت إطلاق الحرمة على كل من المعنيين، فانظر إلى قول الأصوليين: لو اشتبهت المنكوحة بأجنبية حرمتا على معنى أنه يجب الكف عنهما، وقوله: إذا قال: إحداكما طالق حرمتا تغليبًا للحرمة، فإحدى المرأتين في الفرعين حرام باعتبار الإثم على الجرأة، وهي التي في علم الله أنها الزوجة في الأولى، والتي سيعينها في الثانية، والأخرى حرام باعتبار أنها أجنبية، فقولهم: حرمتا على معنى أنه يأثم بالإقدام على كل منهما، وقولهم: تغليبًا للحرمة على المعنى الآخر، فتأمل كيف أثبتوا التَّحَرُّم للزوجة بالاعتبار الأول، وصرفوه عنها بالاعتبار الثاني] اهـ.


وذكر العلامة علاء الدين البخاري الحنفي ثمرة الخلاف في وصف الفعل بالحرمة مع ارتفاع الإثم أو وصفه بالإباحة؛ فيقول في كتابه "كشف الأسرار شرح أصول البزدوي" (2/ 322، ط. دار الكتاب الإسلامي): [واعلم أن العلماء اختلفوا في حكم الميتة والخمر والخنزير ونحوها في حالة الاضطرار أنها تصير مباحة أو تبقى على الحرمة ويرتفع الإثم؛ فذهب بعضهم إلى أنها لا تحل، ولكن يرخص الفعل في حالة الاضطرار إبقاء للمهجة؛ كما في الإكراه على الكفر، وأكل مال الغير، وهو رواية عن أبي يوسف، وأحد قولي الشافعي، وذهب أكثر أصحابنا إلى أن الحرمة ترتفع في هذه الحالة، وفائدة الاختلاف تظهر فيما إذا صبر حتى مات لا يكون آثما عند الفريق الأول، ويكون آثما عندنا، وفيما إذا حلف لا يأكل حرامًا فتناول هذه المحرمات في حالة الاضطرار يحنث عندهم، ولا يحنث عندنا] اهـ.

ومما سبق: يتبين أن مقولة: "الحرمة ليست ملازمة للذم والإثم"، عبارة صحيحة النسبة إلى الإمام الزركشي، كما أنها صحيحة المعنى باعتبار أن الفعل يوصف بأنه حرام من حيث القوة ونفس الأمر وتشوف الشارع لتركه وإن لم يعلم المكلف فعليًّا بذلك في الحال، فيوصف بأنه ارتكب حرامًا لا إثم فيه، وإنما يترتب الإثم على علمه بحرمته لا على مجرد الحرمة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا

تلازم الحرمة والإثم

أليس فعل الأشياء المحرمة يستلزم حصول الإثم لفاعلها، وكذلك كل ما يترتب على فعله الإثم يكون حرامًا؟ فإنه بالرغم من هذا رأيت بعضهم يقول بأن هذا ليس على إطلاقه وإنما هناك مستثنيات، وينقل عن أحد العلماء الكبار -وهو الإمام الزركشي- عبارة مفادها أن: "الحرمة ليست ملازمة للذم والإثم"، فما معنى هذا؟

العبارة المذكورة صحيحة من حيث نسبتها إلى الإمام بدر الدين الزركشي الشافعي رحمه الله تعالى؛ حيث قال في كتابه "البحر المحيط في أصول الفقه" (1/ 337، ط. دار الكتبي): [الحرمة ليست ملازمة للذم والإثم لا طردًا ولا عكسًا؛ فقد يأثم الإنسان على ما ليس بحرام؛ كما إذا قدم على زوجه يظنها أجنبية، وقد يحرم ما ليس فيه إثم؛ كما إذا قدم على أجنبية يظنها زوجته] اهـ.

وحاصل هذا الكلام: أن الإنسان قد يأثم على فعل ما ليس محرمًا عليه في الواقع ونفس الأمر؛ كما لو شرب كأسًا من الماء يظنه خمرًا؛ فشُرب الماء لا إثم فيه ولا حرمة، وإنما ترتب الإثم في هذه الصورة على تناوله ما يظنه حرامًا وإن لم يكن حرامًا في نفس الأمر، وبالعكس فقد ينفك الإثم عن تناول المحرم؛ كما لو شرب كأسًا من الخمر يحسبها ماء؛ فالمشروب حرام تناوله، ولكن لا إثم على الشارب هنا؛ لجهله بحقيقة الأمر، وقد رُفع الإثم عن المخطئ والناسي والمُكرَه؛ لما رواه ابن ماجه في "سننه" عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ قَدْ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ».

يقول الإمام الزركشي في "البحر المحيط" (1/ 337): [الإثم يتوقف على العلم، فإذا قدم العبد على فعل يعتقده حلالًا وهو حرام لا إثم عليه؛ تخفيفًا على العبد، وإذا أقدم على فعل يظنه حرامًا وهو حلال عاقبه على الجرأة] اهـ. ثم فسر معنى الحرام والحلال بقوله: [فمعنى قولنا: هذا الفعل حرام؛ أن الشارع له تشوف إلى تركه، ومعنى قولنا: حلال؛ خلاف ذلك] اهـ.

فالفعل المحرم: هو ما قصد الشرع منع العباد عن فعله؛ سواء علموا بذلك أم لم يعلموا، فإن علموا كان الفعل حرامًا يقتضي الإثم، وإن لم يعلموا وفعلوا كان الفعل حرامًا أيضًا لكن رُفع إثمه فضلًا وكرمًا من الله تعالى؛ قال عز وجل: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء: 15]، أي فيبلغ الناس بالحلال والحرام والواجب عقيدة وعملًا وخُلُقًا؛ ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ [النساء: 165].

ويقول الإمام الزركشي في ذلك في كتابه "البحر المحيط" (1/ 338): [وما ذكرناه ليس ذهابًا إلى موافقة من يقول: الحل والحرمة يوصف بهما الذواتُ بل هو توسط، وتحقيقه: أن الحل والحرمة يوصف بهما ذوات الأفعال طابقت الاعتقاد أم لا، وهذا إذا تبين لك في الحرام نقلته إلى بقية الأحكام الخمسة، وانظر قول البيضاوي: قال الفقهاء: يجب الصوم على الحائض، والمريض، والمسافر، فرب واجب يأثم الإنسان بتركه باعتبار ظنه، ويكون في نفس الأمر حرامًا، وبالعكس. قال الشيخ أبو حامد في من صلى وهو يظن أنه متطهر: لقي الله وعليه تلك الصلاة غير أنه لا يعاقبه، فهذا ترك الواجب ولا عقاب عليه؛ لأنه ترك الواجب باعتبار الوجوب بمعنى تشوف الشارع، ولم يتركه بمعنى التكليف] اهـ.

ويوضح العلامة جمال الدين الإسنوي أن الفعل المحرم إذا انتفى عن مقترفه الإثم بنحو سهو وخطأ ونسيان، ففي وصفه بالحل أو الحرمة ثلاثة أوجه:
أولها: أنه حلال، وثانيها: أنه حرام، وبه قال جماعة كثيرة من الشافعية، وثالثها: أنه لا يوصف بحل ولا حرمة، وبه أجاب الإمام النووي في "فتاويه"، ورجحه العلامة الإسنوي؛ فقال في "التمهيد" (ص: 49، ط. مؤسسة الرسالة): [إذا وطئ أجنبية على ظن أنها زوجته مثلًا هل يوصف وطؤه بالحل أو الحرمة وإن انتفى عنه الإثم؟ أو لا يوصف بشيء منها؟ فيه ثلاثة أوجه؛ أصحها الثالث، وبه أجاب النووي في كتاب النكاح من "فتاويه"؛ لأن الحل والحرمة من الأحكام الشرعية والحكم الشرعي هو الخطاب المتعلق بأفعال المكلفين، والساهي والمخطئ ونحوهما ليسوا مكلفين، وجزم في المهذب بالحرمة، وقال به جماعة كثيرة من أصحابنا، والخلاف يجري في قتل الخطأ وفي أكل المضطر للميتة] اهـ.

ويبين الإمام الزركشي أن الخلاف في هذه المسألة يؤول لخلاف اصطلاحي: لإطلاق الوصف بالحل والحرمة تارة باعتبار الإثم وعدمه؛ وهو اصطلاح الأصوليين، وتارة باعتبار تشوف الشرع لترك الفعل أو عدم ذلك؛ وهو اصطلاح أكثر الفقهاء؛ فيقول رحمه الله في "البحر المحيط" (1/ 338): [والحل والحرمة يطلقان تارة على ما فيه إثم وما ليس فيه، وهو مراد الأصوليين بقولهم: الحرام ما يذم عليه، وتارة على ما للشارع فيه تشوف إلى تركه، ومنه قول أكثر الفقهاء: وطء الشبهة -أعني شبهة المحل– حرام. مع القطع بأنه لا إثم فيه، ومنه قول الشيخ أبي حامد: أجمعوا على أن قتل الخطأ حرام، وكذلك أكل الميتة في حال الاضطرار على رأي، وهذا يمكن رد كلام الأصوليين إليه في حد الحرام بأنه ما يذم فاعله، بأن يكون المراد يذم بالقوة، أو يكون المراد، يذم بشرط العلم بحاله، وإن استنكرت إطلاق الحرمة على كل من المعنيين، فانظر إلى قول الأصوليين: لو اشتبهت المنكوحة بأجنبية حرمتا على معنى أنه يجب الكف عنهما، وقوله: إذا قال: إحداكما طالق حرمتا تغليبًا للحرمة، فإحدى المرأتين في الفرعين حرام باعتبار الإثم على الجرأة، وهي التي في علم الله أنها الزوجة في الأولى، والتي سيعينها في الثانية، والأخرى حرام باعتبار أنها أجنبية، فقولهم: حرمتا على معنى أنه يأثم بالإقدام على كل منهما، وقولهم: تغليبًا للحرمة على المعنى الآخر، فتأمل كيف أثبتوا التَّحَرُّم للزوجة بالاعتبار الأول، وصرفوه عنها بالاعتبار الثاني] اهـ.


وذكر العلامة علاء الدين البخاري الحنفي ثمرة الخلاف في وصف الفعل بالحرمة مع ارتفاع الإثم أو وصفه بالإباحة؛ فيقول في كتابه "كشف الأسرار شرح أصول البزدوي" (2/ 322، ط. دار الكتاب الإسلامي): [واعلم أن العلماء اختلفوا في حكم الميتة والخمر والخنزير ونحوها في حالة الاضطرار أنها تصير مباحة أو تبقى على الحرمة ويرتفع الإثم؛ فذهب بعضهم إلى أنها لا تحل، ولكن يرخص الفعل في حالة الاضطرار إبقاء للمهجة؛ كما في الإكراه على الكفر، وأكل مال الغير، وهو رواية عن أبي يوسف، وأحد قولي الشافعي، وذهب أكثر أصحابنا إلى أن الحرمة ترتفع في هذه الحالة، وفائدة الاختلاف تظهر فيما إذا صبر حتى مات لا يكون آثما عند الفريق الأول، ويكون آثما عندنا، وفيما إذا حلف لا يأكل حرامًا فتناول هذه المحرمات في حالة الاضطرار يحنث عندهم، ولا يحنث عندنا] اهـ.

ومما سبق: يتبين أن مقولة: "الحرمة ليست ملازمة للذم والإثم"، عبارة صحيحة النسبة إلى الإمام الزركشي، كما أنها صحيحة المعنى باعتبار أن الفعل يوصف بأنه حرام من حيث القوة ونفس الأمر وتشوف الشارع لتركه وإن لم يعلم المكلف فعليًّا بذلك في الحال، فيوصف بأنه ارتكب حرامًا لا إثم فيه، وإنما يترتب الإثم على علمه بحرمته لا على مجرد الحرمة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

التفاصيل ....

العبارة المذكورة صحيحة من حيث نسبتها إلى الإمام بدر الدين الزركشي الشافعي رحمه الله تعالى؛ حيث قال في كتابه "البحر المحيط في أصول الفقه" (1/ 337، ط. دار الكتبي): [الحرمة ليست ملازمة للذم والإثم لا طردًا ولا عكسًا؛ فقد يأثم الإنسان على ما ليس بحرام؛ كما إذا قدم على زوجه يظنها أجنبية، وقد يحرم ما ليس فيه إثم؛ كما إذا قدم على أجنبية يظنها زوجته] اهـ.

وحاصل هذا الكلام: أن الإنسان قد يأثم على فعل ما ليس محرمًا عليه في الواقع ونفس الأمر؛ كما لو شرب كأسًا من الماء يظنه خمرًا؛ فشُرب الماء لا إثم فيه ولا حرمة، وإنما ترتب الإثم في هذه الصورة على تناوله ما يظنه حرامًا وإن لم يكن حرامًا في نفس الأمر، وبالعكس فقد ينفك الإثم عن تناول المحرم؛ كما لو شرب كأسًا من الخمر يحسبها ماء؛ فالمشروب حرام تناوله، ولكن لا إثم على الشارب هنا؛ لجهله بحقيقة الأمر، وقد رُفع الإثم عن المخطئ والناسي والمُكرَه؛ لما رواه ابن ماجه في "سننه" عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ قَدْ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ».

يقول الإمام الزركشي في "البحر المحيط" (1/ 337): [الإثم يتوقف على العلم، فإذا قدم العبد على فعل يعتقده حلالًا وهو حرام لا إثم عليه؛ تخفيفًا على العبد، وإذا أقدم على فعل يظنه حرامًا وهو حلال عاقبه على الجرأة] اهـ. ثم فسر معنى الحرام والحلال بقوله: [فمعنى قولنا: هذا الفعل حرام؛ أن الشارع له تشوف إلى تركه، ومعنى قولنا: حلال؛ خلاف ذلك] اهـ.

فالفعل المحرم: هو ما قصد الشرع منع العباد عن فعله؛ سواء علموا بذلك أم لم يعلموا، فإن علموا كان الفعل حرامًا يقتضي الإثم، وإن لم يعلموا وفعلوا كان الفعل حرامًا أيضًا لكن رُفع إثمه فضلًا وكرمًا من الله تعالى؛ قال عز وجل: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء: 15]، أي فيبلغ الناس بالحلال والحرام والواجب عقيدة وعملًا وخُلُقًا؛ ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ [النساء: 165].

ويقول الإمام الزركشي في ذلك في كتابه "البحر المحيط" (1/ 338): [وما ذكرناه ليس ذهابًا إلى موافقة من يقول: الحل والحرمة يوصف بهما الذواتُ بل هو توسط، وتحقيقه: أن الحل والحرمة يوصف بهما ذوات الأفعال طابقت الاعتقاد أم لا، وهذا إذا تبين لك في الحرام نقلته إلى بقية الأحكام الخمسة، وانظر قول البيضاوي: قال الفقهاء: يجب الصوم على الحائض، والمريض، والمسافر، فرب واجب يأثم الإنسان بتركه باعتبار ظنه، ويكون في نفس الأمر حرامًا، وبالعكس. قال الشيخ أبو حامد في من صلى وهو يظن أنه متطهر: لقي الله وعليه تلك الصلاة غير أنه لا يعاقبه، فهذا ترك الواجب ولا عقاب عليه؛ لأنه ترك الواجب باعتبار الوجوب بمعنى تشوف الشارع، ولم يتركه بمعنى التكليف] اهـ.

ويوضح العلامة جمال الدين الإسنوي أن الفعل المحرم إذا انتفى عن مقترفه الإثم بنحو سهو وخطأ ونسيان، ففي وصفه بالحل أو الحرمة ثلاثة أوجه:
أولها: أنه حلال، وثانيها: أنه حرام، وبه قال جماعة كثيرة من الشافعية، وثالثها: أنه لا يوصف بحل ولا حرمة، وبه أجاب الإمام النووي في "فتاويه"، ورجحه العلامة الإسنوي؛ فقال في "التمهيد" (ص: 49، ط. مؤسسة الرسالة): [إذا وطئ أجنبية على ظن أنها زوجته مثلًا هل يوصف وطؤه بالحل أو الحرمة وإن انتفى عنه الإثم؟ أو لا يوصف بشيء منها؟ فيه ثلاثة أوجه؛ أصحها الثالث، وبه أجاب النووي في كتاب النكاح من "فتاويه"؛ لأن الحل والحرمة من الأحكام الشرعية والحكم الشرعي هو الخطاب المتعلق بأفعال المكلفين، والساهي والمخطئ ونحوهما ليسوا مكلفين، وجزم في المهذب بالحرمة، وقال به جماعة كثيرة من أصحابنا، والخلاف يجري في قتل الخطأ وفي أكل المضطر للميتة] اهـ.

ويبين الإمام الزركشي أن الخلاف في هذه المسألة يؤول لخلاف اصطلاحي: لإطلاق الوصف بالحل والحرمة تارة باعتبار الإثم وعدمه؛ وهو اصطلاح الأصوليين، وتارة باعتبار تشوف الشرع لترك الفعل أو عدم ذلك؛ وهو اصطلاح أكثر الفقهاء؛ فيقول رحمه الله في "البحر المحيط" (1/ 338): [والحل والحرمة يطلقان تارة على ما فيه إثم وما ليس فيه، وهو مراد الأصوليين بقولهم: الحرام ما يذم عليه، وتارة على ما للشارع فيه تشوف إلى تركه، ومنه قول أكثر الفقهاء: وطء الشبهة -أعني شبهة المحل– حرام. مع القطع بأنه لا إثم فيه، ومنه قول الشيخ أبي حامد: أجمعوا على أن قتل الخطأ حرام، وكذلك أكل الميتة في حال الاضطرار على رأي، وهذا يمكن رد كلام الأصوليين إليه في حد الحرام بأنه ما يذم فاعله، بأن يكون المراد يذم بالقوة، أو يكون المراد، يذم بشرط العلم بحاله، وإن استنكرت إطلاق الحرمة على كل من المعنيين، فانظر إلى قول الأصوليين: لو اشتبهت المنكوحة بأجنبية حرمتا على معنى أنه يجب الكف عنهما، وقوله: إذا قال: إحداكما طالق حرمتا تغليبًا للحرمة، فإحدى المرأتين في الفرعين حرام باعتبار الإثم على الجرأة، وهي التي في علم الله أنها الزوجة في الأولى، والتي سيعينها في الثانية، والأخرى حرام باعتبار أنها أجنبية، فقولهم: حرمتا على معنى أنه يأثم بالإقدام على كل منهما، وقولهم: تغليبًا للحرمة على المعنى الآخر، فتأمل كيف أثبتوا التَّحَرُّم للزوجة بالاعتبار الأول، وصرفوه عنها بالاعتبار الثاني] اهـ.


وذكر العلامة علاء الدين البخاري الحنفي ثمرة الخلاف في وصف الفعل بالحرمة مع ارتفاع الإثم أو وصفه بالإباحة؛ فيقول في كتابه "كشف الأسرار شرح أصول البزدوي" (2/ 322، ط. دار الكتاب الإسلامي): [واعلم أن العلماء اختلفوا في حكم الميتة والخمر والخنزير ونحوها في حالة الاضطرار أنها تصير مباحة أو تبقى على الحرمة ويرتفع الإثم؛ فذهب بعضهم إلى أنها لا تحل، ولكن يرخص الفعل في حالة الاضطرار إبقاء للمهجة؛ كما في الإكراه على الكفر، وأكل مال الغير، وهو رواية عن أبي يوسف، وأحد قولي الشافعي، وذهب أكثر أصحابنا إلى أن الحرمة ترتفع في هذه الحالة، وفائدة الاختلاف تظهر فيما إذا صبر حتى مات لا يكون آثما عند الفريق الأول، ويكون آثما عندنا، وفيما إذا حلف لا يأكل حرامًا فتناول هذه المحرمات في حالة الاضطرار يحنث عندهم، ولا يحنث عندنا] اهـ.

ومما سبق: يتبين أن مقولة: "الحرمة ليست ملازمة للذم والإثم"، عبارة صحيحة النسبة إلى الإمام الزركشي، كما أنها صحيحة المعنى باعتبار أن الفعل يوصف بأنه حرام من حيث القوة ونفس الأمر وتشوف الشارع لتركه وإن لم يعلم المكلف فعليًّا بذلك في الحال، فيوصف بأنه ارتكب حرامًا لا إثم فيه، وإنما يترتب الإثم على علمه بحرمته لا على مجرد الحرمة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا
;