احتكار الوكيل لعقود التوريد

هل يجوز لصاحب التوكيل أن يلزم الشركة الموردة بعدم البيع إلا له، وعدم شراء المستهلك إلا منه؟ أليس هذا من الاحتكار المحرَّم؟

التوكيل من الوكالة بفتح الواو أو كسرها وهي: الحفظ، ومنه الوكيل، في أسماء الله تعالى بمعنى الحافظ، ومنه التوكل، يقال: على الله توكلنا، أي فوضنا أمورنا، والتوكيل: تفويض التصرف إلى غيره، وسمِّي الوكيل وكيلًا؛ لأن موكِّله قد فوِّض إليه القيام بأمره فهو مَوْكُول إليه الأمر. انظر: "لسان العرب" (11/ 736، مادة: و ك ل، ط. دار صادر).

وشرعًا: إقامة الغير مقام نفسه ترفُّهًا أو عجزًا في تصرف جائز معلوم. انظر: "حاشية ابن عابدين" (4/ 400، ط. دار إحياء التراث).

والمقصود بصاحب التَّوكيل: من وَكَّلته شركة في بيع سلعتها في بلد معين بثمن يدفعه الموكَّل ليبيع هذه السلعة بثمن أعلى في هذه البلد ويأخذ الزيادة في الثمن على ألا يجوز له أن يغير في سلعتها أو يقلدها، وإذا ما خالف يفسخ العقد معه بغرامة قد اتفق عليها الطرفان. فهي على هذا الأساس عقد وكالة يُلزَم الموكَّلُ فيه بأشياء هي حق للموكِّل.

أو أن المقصود بصاحب التوكيل: هو من يشتري سلعة من شركة ليبيعها في بلد معيَّن على أن يلزم الشركة بألا تبيع لغيره في هذا البلد وتلزمه الشركة بألَّا يغير في سلعتها بإفساد أو تقليد حتى لا تسوء سمعة الشركة الأم. فهي على هذا الأساس عقد بيع من الشركة الأم بشروط اتفق عليها الطرفان، فهي ملزمة لهما وليس هذا عقد وكالة، ففي الصورة الأولى تكيَّف الشركة على أنها عقد وكالة.

والوكالة جائزة بالكتاب والسنة والإجماع.
فمن الكتاب: يقول الله سبحانه: ﴿فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا﴾ [الكهف: 19]، وذاك كان توكيلًا، وقد قصَّه الله تعالى عن أصحاب الكهف بلا نكير.

ومن السنة: ما أخرجه البخاري في "صحيحه" عَنْ عُرْوَةَ بن أبي الجعدِ البارِقي رضي الله عنه: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ دِينَارًا يَشْتَرِي لَهُ بِهِ شَاةً، فَاشْتَرَى لَهُ بِهِ شَاتَيْنِ، فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ، وَجَاءَهُ بِدِينَارٍ وَشَاةٍ، فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ، وَكَانَ لَوِ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبِحَ فِيهِ". فهذا الحديث يدل على مشروعية الوكالة في البيع والشراء.

وأخرج أبو داود في "سننه" عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَهُ يُحَدِّثُ قَالَ: أَرَدْتُ الْخُرُوجَ إِلَى خَيْبَرَ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، وَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي أَرَدْتُ الْخُرُوجَ إِلَى خَيْبَرَ فَقَالَ: «إِذَا أَتَيْتَ وَكِيلِي فَخُذْ مِنْهُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَسْقًا، فَإِنِ ابْتَغَى مِنْكَ آيَةً، فَضَعْ يَدَكَ عَلَى تَرْقُوَتِهِ». فهذا الحديث يدل على مشروعية الوكالة.

وأجمع الفقهاء على جواز الوكالة ومشروعيتها.
وأما شراء الوكيل الوكالة فهي شراء لمال متقوَّم، وهي العلامة التجارية التي لها رواج في الأسواق، فشراء هذه العلامات جائز، وأما الشرط في عقد الوكالة من الوكيل بألَّا يوكِّل غيره في هذا البلد، ويشترط عليه الموكِّل ألا يغير في سلعته بإفساد أو تقليد، فهذه الشروط من الشروط الجائزة في عقد الوكالة التي لا تتنافى مع مقتضى العقد.

قال العلامة الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (6/ 27، ط. دار الكتب العلمية): [والتوكيل بالبيع إن كان مقيدًا يراعى فيه القيد بالإجماع، حتى إنه إذا خالف قيده لا ينفُذُ على الموكِّل ولكن يتوقف على إجازته إلا أن يكون خلافه إلى خير؛ لأن الوكيل يتصرف بولاية مستفادة من قِبَل الموكِّل، فيَلِي من التصرف قدر ما ولَّاه، وإن كان الخلاف إلى خير فإنما نفذ؛ لأنه إن كان خلافًا صورة فهو وفاق معنى؛ لأنه آمر به دلالةً، فكان متصرفًا بتولية الموكِّل] اهـ.

وشرط عدم توكيل آخر في هذا البلد المعين ليس من قبيل الاحتكار المحرم؛ لأن الاحتكار: رصد الأسواق انتظارًا لارتفاع الأثمان، وللتضييق على الناس وإلحاق الضرر بهم، وهذه الصورة ليست منه.

وأما في الصورة الثانية؛ فإن هذا العقد عقد بيع وشرط، وهذا العقد جائز ما دام الشرط صحيحًا لا ينافي مقتضى العقد ولا يُخل به أو بالثمن ولا ينافي الشرع؛ فهذه الصورة جائزة، يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1]، وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 29]، وما أخرجه الترمذي في "سننه" عن عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيُّ قال: قَالَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا وَأَحَلَّ حَرَامًا».

وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ، فَهُوَ بَاطِلٌ»؛ أي: ليس فيما كتبه الله وأوجبه في شريعته التي شرَّعها.

وأما حديث الطبراني في "المعجم الأوسط" عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع وشرط"، فيُحمل على الشرط الذي ينافي مقتضى العقد أو الشروط المحظورة، لا حق لأحد من المتعاقدين في اشتراطها في عقودهما؛ لأنها تناقض المقصود، أو تخالف القواعد العامة الشرعية، أو تصادم مقصدًا من مقاصد الشريعة، وأما الشروط الأخرى فهي مباحة للمتعاقدين، يتخيرون منها ما يشاؤون للالتزام بها في عقودهما.

وقال العلامة الحصكفي في "الدر المختار" (4/ 121، ط. إحياء التراث): [ومن البيوع الفاسدة البيع بشرط، لا يقتضيه العقد ولا يلائمه وفيه نفع لأحدهما، ولم يجر العرف به ولم يرد الشرع بجوازه، أما لو جرى العرف به كبيع نعل مع شرط تشريكه، أو ورد الشرع به كخيار شرط فلا فساد كشرط أن يقطعه البائع ويخيطه قباء أو يستخدمه شهرًا] اهـ.

قال العلامة الخرشي المالكي في "شرح مختصر خليل" (5/ 80، ط. دار صادر): [ومن البيع الفاسد بيع وشرط، فقد (نهى صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع وشرط)، وحمل أهل المذهب النَّهي على شرط يناقض، أو يخل بالثّمن] اهـ.

وشرط ألَّا يبيع لأحد غيره في هذا البلد ليس من باب الاحتكار المحرم؛ لأن الاحتكار المحرم فيه حبس للسلعة ورصد الأسواق انتظارًا لارتفاع الأثمان للتضييق على الناس وغلاء الأسعار حتى لا يكون في البلد من لا يبيع هذه السلعة بكل أصنافها وأنواعها إلا هو، أما هذه العلامة التجارية فهي لنوع من أنواع السلعة، فهو يأخذ توكيلًا لبيع عربة معيَّنة بنوع معين مثلًا، يقصد بشرائها ما لها من جودة وسمعة في الأسواق أفضل وأحسن من غيرها من باقي العلامات التجارية؛ ليَتكسَّب أكثر، وهذا من المباح وهو من باب السعي في جمع الرزق الحلال.

يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا﴾ [البقرة: 168]، ويقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما أخرجه مسلم في "صحيحه" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ [المؤمنون: 51] وَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ [البقرة: 172]».

ومن يريد شراء عربة مثلًا فعليه بشراء نوع آخر من العربات مثلًا، وعلى هذا يجري باقي السلع.

وإذا جرى هذا العقد في سلعة ضرورية واحتكرت كل أنواعها؛ ففي هذه الحالة لا بد من تدخل الإمام حتى لا يضيّق على الناس، فإما أن يلزمه بالبيع بأسعار السوق العادية، أو يسعّر عليه.

وبناءً عليه: فإن هذا العقد لا يُعَدّ من قبيل الاحتكار المُحرَّم، وهو عقد جائز لا شيء فيه، إلا إذا جرى في سلعة ضرورية، أو كان يدخل على الناس الضيق والحرج بعد تعدد جهات توزيعها وبيعها.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

التفاصيل ....

التوكيل من الوكالة بفتح الواو أو كسرها وهي: الحفظ، ومنه الوكيل، في أسماء الله تعالى بمعنى الحافظ، ومنه التوكل، يقال: على الله توكلنا، أي فوضنا أمورنا، والتوكيل: تفويض التصرف إلى غيره، وسمِّي الوكيل وكيلًا؛ لأن موكِّله قد فوِّض إليه القيام بأمره فهو مَوْكُول إليه الأمر. انظر: "لسان العرب" (11/ 736، مادة: و ك ل، ط. دار صادر).

وشرعًا: إقامة الغير مقام نفسه ترفُّهًا أو عجزًا في تصرف جائز معلوم. انظر: "حاشية ابن عابدين" (4/ 400، ط. دار إحياء التراث).

والمقصود بصاحب التَّوكيل: من وَكَّلته شركة في بيع سلعتها في بلد معين بثمن يدفعه الموكَّل ليبيع هذه السلعة بثمن أعلى في هذه البلد ويأخذ الزيادة في الثمن على ألا يجوز له أن يغير في سلعتها أو يقلدها، وإذا ما خالف يفسخ العقد معه بغرامة قد اتفق عليها الطرفان. فهي على هذا الأساس عقد وكالة يُلزَم الموكَّلُ فيه بأشياء هي حق للموكِّل.

أو أن المقصود بصاحب التوكيل: هو من يشتري سلعة من شركة ليبيعها في بلد معيَّن على أن يلزم الشركة بألا تبيع لغيره في هذا البلد وتلزمه الشركة بألَّا يغير في سلعتها بإفساد أو تقليد حتى لا تسوء سمعة الشركة الأم. فهي على هذا الأساس عقد بيع من الشركة الأم بشروط اتفق عليها الطرفان، فهي ملزمة لهما وليس هذا عقد وكالة، ففي الصورة الأولى تكيَّف الشركة على أنها عقد وكالة.

والوكالة جائزة بالكتاب والسنة والإجماع.
فمن الكتاب: يقول الله سبحانه: ﴿فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا﴾ [الكهف: 19]، وذاك كان توكيلًا، وقد قصَّه الله تعالى عن أصحاب الكهف بلا نكير.

ومن السنة: ما أخرجه البخاري في "صحيحه" عَنْ عُرْوَةَ بن أبي الجعدِ البارِقي رضي الله عنه: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ دِينَارًا يَشْتَرِي لَهُ بِهِ شَاةً، فَاشْتَرَى لَهُ بِهِ شَاتَيْنِ، فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ، وَجَاءَهُ بِدِينَارٍ وَشَاةٍ، فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ، وَكَانَ لَوِ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبِحَ فِيهِ". فهذا الحديث يدل على مشروعية الوكالة في البيع والشراء.

وأخرج أبو داود في "سننه" عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَهُ يُحَدِّثُ قَالَ: أَرَدْتُ الْخُرُوجَ إِلَى خَيْبَرَ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، وَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي أَرَدْتُ الْخُرُوجَ إِلَى خَيْبَرَ فَقَالَ: «إِذَا أَتَيْتَ وَكِيلِي فَخُذْ مِنْهُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَسْقًا، فَإِنِ ابْتَغَى مِنْكَ آيَةً، فَضَعْ يَدَكَ عَلَى تَرْقُوَتِهِ». فهذا الحديث يدل على مشروعية الوكالة.

وأجمع الفقهاء على جواز الوكالة ومشروعيتها.
وأما شراء الوكيل الوكالة فهي شراء لمال متقوَّم، وهي العلامة التجارية التي لها رواج في الأسواق، فشراء هذه العلامات جائز، وأما الشرط في عقد الوكالة من الوكيل بألَّا يوكِّل غيره في هذا البلد، ويشترط عليه الموكِّل ألا يغير في سلعته بإفساد أو تقليد، فهذه الشروط من الشروط الجائزة في عقد الوكالة التي لا تتنافى مع مقتضى العقد.

قال العلامة الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (6/ 27، ط. دار الكتب العلمية): [والتوكيل بالبيع إن كان مقيدًا يراعى فيه القيد بالإجماع، حتى إنه إذا خالف قيده لا ينفُذُ على الموكِّل ولكن يتوقف على إجازته إلا أن يكون خلافه إلى خير؛ لأن الوكيل يتصرف بولاية مستفادة من قِبَل الموكِّل، فيَلِي من التصرف قدر ما ولَّاه، وإن كان الخلاف إلى خير فإنما نفذ؛ لأنه إن كان خلافًا صورة فهو وفاق معنى؛ لأنه آمر به دلالةً، فكان متصرفًا بتولية الموكِّل] اهـ.

وشرط عدم توكيل آخر في هذا البلد المعين ليس من قبيل الاحتكار المحرم؛ لأن الاحتكار: رصد الأسواق انتظارًا لارتفاع الأثمان، وللتضييق على الناس وإلحاق الضرر بهم، وهذه الصورة ليست منه.

وأما في الصورة الثانية؛ فإن هذا العقد عقد بيع وشرط، وهذا العقد جائز ما دام الشرط صحيحًا لا ينافي مقتضى العقد ولا يُخل به أو بالثمن ولا ينافي الشرع؛ فهذه الصورة جائزة، يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1]، وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 29]، وما أخرجه الترمذي في "سننه" عن عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيُّ قال: قَالَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا وَأَحَلَّ حَرَامًا».

وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ، فَهُوَ بَاطِلٌ»؛ أي: ليس فيما كتبه الله وأوجبه في شريعته التي شرَّعها.

وأما حديث الطبراني في "المعجم الأوسط" عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع وشرط"، فيُحمل على الشرط الذي ينافي مقتضى العقد أو الشروط المحظورة، لا حق لأحد من المتعاقدين في اشتراطها في عقودهما؛ لأنها تناقض المقصود، أو تخالف القواعد العامة الشرعية، أو تصادم مقصدًا من مقاصد الشريعة، وأما الشروط الأخرى فهي مباحة للمتعاقدين، يتخيرون منها ما يشاؤون للالتزام بها في عقودهما.

وقال العلامة الحصكفي في "الدر المختار" (4/ 121، ط. إحياء التراث): [ومن البيوع الفاسدة البيع بشرط، لا يقتضيه العقد ولا يلائمه وفيه نفع لأحدهما، ولم يجر العرف به ولم يرد الشرع بجوازه، أما لو جرى العرف به كبيع نعل مع شرط تشريكه، أو ورد الشرع به كخيار شرط فلا فساد كشرط أن يقطعه البائع ويخيطه قباء أو يستخدمه شهرًا] اهـ.

قال العلامة الخرشي المالكي في "شرح مختصر خليل" (5/ 80، ط. دار صادر): [ومن البيع الفاسد بيع وشرط، فقد (نهى صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع وشرط)، وحمل أهل المذهب النَّهي على شرط يناقض، أو يخل بالثّمن] اهـ.

وشرط ألَّا يبيع لأحد غيره في هذا البلد ليس من باب الاحتكار المحرم؛ لأن الاحتكار المحرم فيه حبس للسلعة ورصد الأسواق انتظارًا لارتفاع الأثمان للتضييق على الناس وغلاء الأسعار حتى لا يكون في البلد من لا يبيع هذه السلعة بكل أصنافها وأنواعها إلا هو، أما هذه العلامة التجارية فهي لنوع من أنواع السلعة، فهو يأخذ توكيلًا لبيع عربة معيَّنة بنوع معين مثلًا، يقصد بشرائها ما لها من جودة وسمعة في الأسواق أفضل وأحسن من غيرها من باقي العلامات التجارية؛ ليَتكسَّب أكثر، وهذا من المباح وهو من باب السعي في جمع الرزق الحلال.

يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا﴾ [البقرة: 168]، ويقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما أخرجه مسلم في "صحيحه" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ [المؤمنون: 51] وَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ [البقرة: 172]».

ومن يريد شراء عربة مثلًا فعليه بشراء نوع آخر من العربات مثلًا، وعلى هذا يجري باقي السلع.

وإذا جرى هذا العقد في سلعة ضرورية واحتكرت كل أنواعها؛ ففي هذه الحالة لا بد من تدخل الإمام حتى لا يضيّق على الناس، فإما أن يلزمه بالبيع بأسعار السوق العادية، أو يسعّر عليه.

وبناءً عليه: فإن هذا العقد لا يُعَدّ من قبيل الاحتكار المُحرَّم، وهو عقد جائز لا شيء فيه، إلا إذا جرى في سلعة ضرورية، أو كان يدخل على الناس الضيق والحرج بعد تعدد جهات توزيعها وبيعها.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا

احتكار الوكيل لعقود التوريد

هل يجوز لصاحب التوكيل أن يلزم الشركة الموردة بعدم البيع إلا له، وعدم شراء المستهلك إلا منه؟ أليس هذا من الاحتكار المحرَّم؟

التوكيل من الوكالة بفتح الواو أو كسرها وهي: الحفظ، ومنه الوكيل، في أسماء الله تعالى بمعنى الحافظ، ومنه التوكل، يقال: على الله توكلنا، أي فوضنا أمورنا، والتوكيل: تفويض التصرف إلى غيره، وسمِّي الوكيل وكيلًا؛ لأن موكِّله قد فوِّض إليه القيام بأمره فهو مَوْكُول إليه الأمر. انظر: "لسان العرب" (11/ 736، مادة: و ك ل، ط. دار صادر).

وشرعًا: إقامة الغير مقام نفسه ترفُّهًا أو عجزًا في تصرف جائز معلوم. انظر: "حاشية ابن عابدين" (4/ 400، ط. دار إحياء التراث).

والمقصود بصاحب التَّوكيل: من وَكَّلته شركة في بيع سلعتها في بلد معين بثمن يدفعه الموكَّل ليبيع هذه السلعة بثمن أعلى في هذه البلد ويأخذ الزيادة في الثمن على ألا يجوز له أن يغير في سلعتها أو يقلدها، وإذا ما خالف يفسخ العقد معه بغرامة قد اتفق عليها الطرفان. فهي على هذا الأساس عقد وكالة يُلزَم الموكَّلُ فيه بأشياء هي حق للموكِّل.

أو أن المقصود بصاحب التوكيل: هو من يشتري سلعة من شركة ليبيعها في بلد معيَّن على أن يلزم الشركة بألا تبيع لغيره في هذا البلد وتلزمه الشركة بألَّا يغير في سلعتها بإفساد أو تقليد حتى لا تسوء سمعة الشركة الأم. فهي على هذا الأساس عقد بيع من الشركة الأم بشروط اتفق عليها الطرفان، فهي ملزمة لهما وليس هذا عقد وكالة، ففي الصورة الأولى تكيَّف الشركة على أنها عقد وكالة.

والوكالة جائزة بالكتاب والسنة والإجماع.
فمن الكتاب: يقول الله سبحانه: ﴿فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا﴾ [الكهف: 19]، وذاك كان توكيلًا، وقد قصَّه الله تعالى عن أصحاب الكهف بلا نكير.

ومن السنة: ما أخرجه البخاري في "صحيحه" عَنْ عُرْوَةَ بن أبي الجعدِ البارِقي رضي الله عنه: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ دِينَارًا يَشْتَرِي لَهُ بِهِ شَاةً، فَاشْتَرَى لَهُ بِهِ شَاتَيْنِ، فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ، وَجَاءَهُ بِدِينَارٍ وَشَاةٍ، فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ، وَكَانَ لَوِ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبِحَ فِيهِ". فهذا الحديث يدل على مشروعية الوكالة في البيع والشراء.

وأخرج أبو داود في "سننه" عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَهُ يُحَدِّثُ قَالَ: أَرَدْتُ الْخُرُوجَ إِلَى خَيْبَرَ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، وَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي أَرَدْتُ الْخُرُوجَ إِلَى خَيْبَرَ فَقَالَ: «إِذَا أَتَيْتَ وَكِيلِي فَخُذْ مِنْهُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَسْقًا، فَإِنِ ابْتَغَى مِنْكَ آيَةً، فَضَعْ يَدَكَ عَلَى تَرْقُوَتِهِ». فهذا الحديث يدل على مشروعية الوكالة.

وأجمع الفقهاء على جواز الوكالة ومشروعيتها.
وأما شراء الوكيل الوكالة فهي شراء لمال متقوَّم، وهي العلامة التجارية التي لها رواج في الأسواق، فشراء هذه العلامات جائز، وأما الشرط في عقد الوكالة من الوكيل بألَّا يوكِّل غيره في هذا البلد، ويشترط عليه الموكِّل ألا يغير في سلعته بإفساد أو تقليد، فهذه الشروط من الشروط الجائزة في عقد الوكالة التي لا تتنافى مع مقتضى العقد.

قال العلامة الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (6/ 27، ط. دار الكتب العلمية): [والتوكيل بالبيع إن كان مقيدًا يراعى فيه القيد بالإجماع، حتى إنه إذا خالف قيده لا ينفُذُ على الموكِّل ولكن يتوقف على إجازته إلا أن يكون خلافه إلى خير؛ لأن الوكيل يتصرف بولاية مستفادة من قِبَل الموكِّل، فيَلِي من التصرف قدر ما ولَّاه، وإن كان الخلاف إلى خير فإنما نفذ؛ لأنه إن كان خلافًا صورة فهو وفاق معنى؛ لأنه آمر به دلالةً، فكان متصرفًا بتولية الموكِّل] اهـ.

وشرط عدم توكيل آخر في هذا البلد المعين ليس من قبيل الاحتكار المحرم؛ لأن الاحتكار: رصد الأسواق انتظارًا لارتفاع الأثمان، وللتضييق على الناس وإلحاق الضرر بهم، وهذه الصورة ليست منه.

وأما في الصورة الثانية؛ فإن هذا العقد عقد بيع وشرط، وهذا العقد جائز ما دام الشرط صحيحًا لا ينافي مقتضى العقد ولا يُخل به أو بالثمن ولا ينافي الشرع؛ فهذه الصورة جائزة، يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1]، وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 29]، وما أخرجه الترمذي في "سننه" عن عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيُّ قال: قَالَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا وَأَحَلَّ حَرَامًا».

وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ، فَهُوَ بَاطِلٌ»؛ أي: ليس فيما كتبه الله وأوجبه في شريعته التي شرَّعها.

وأما حديث الطبراني في "المعجم الأوسط" عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع وشرط"، فيُحمل على الشرط الذي ينافي مقتضى العقد أو الشروط المحظورة، لا حق لأحد من المتعاقدين في اشتراطها في عقودهما؛ لأنها تناقض المقصود، أو تخالف القواعد العامة الشرعية، أو تصادم مقصدًا من مقاصد الشريعة، وأما الشروط الأخرى فهي مباحة للمتعاقدين، يتخيرون منها ما يشاؤون للالتزام بها في عقودهما.

وقال العلامة الحصكفي في "الدر المختار" (4/ 121، ط. إحياء التراث): [ومن البيوع الفاسدة البيع بشرط، لا يقتضيه العقد ولا يلائمه وفيه نفع لأحدهما، ولم يجر العرف به ولم يرد الشرع بجوازه، أما لو جرى العرف به كبيع نعل مع شرط تشريكه، أو ورد الشرع به كخيار شرط فلا فساد كشرط أن يقطعه البائع ويخيطه قباء أو يستخدمه شهرًا] اهـ.

قال العلامة الخرشي المالكي في "شرح مختصر خليل" (5/ 80، ط. دار صادر): [ومن البيع الفاسد بيع وشرط، فقد (نهى صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع وشرط)، وحمل أهل المذهب النَّهي على شرط يناقض، أو يخل بالثّمن] اهـ.

وشرط ألَّا يبيع لأحد غيره في هذا البلد ليس من باب الاحتكار المحرم؛ لأن الاحتكار المحرم فيه حبس للسلعة ورصد الأسواق انتظارًا لارتفاع الأثمان للتضييق على الناس وغلاء الأسعار حتى لا يكون في البلد من لا يبيع هذه السلعة بكل أصنافها وأنواعها إلا هو، أما هذه العلامة التجارية فهي لنوع من أنواع السلعة، فهو يأخذ توكيلًا لبيع عربة معيَّنة بنوع معين مثلًا، يقصد بشرائها ما لها من جودة وسمعة في الأسواق أفضل وأحسن من غيرها من باقي العلامات التجارية؛ ليَتكسَّب أكثر، وهذا من المباح وهو من باب السعي في جمع الرزق الحلال.

يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا﴾ [البقرة: 168]، ويقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما أخرجه مسلم في "صحيحه" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ [المؤمنون: 51] وَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ [البقرة: 172]».

ومن يريد شراء عربة مثلًا فعليه بشراء نوع آخر من العربات مثلًا، وعلى هذا يجري باقي السلع.

وإذا جرى هذا العقد في سلعة ضرورية واحتكرت كل أنواعها؛ ففي هذه الحالة لا بد من تدخل الإمام حتى لا يضيّق على الناس، فإما أن يلزمه بالبيع بأسعار السوق العادية، أو يسعّر عليه.

وبناءً عليه: فإن هذا العقد لا يُعَدّ من قبيل الاحتكار المُحرَّم، وهو عقد جائز لا شيء فيه، إلا إذا جرى في سلعة ضرورية، أو كان يدخل على الناس الضيق والحرج بعد تعدد جهات توزيعها وبيعها.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

التفاصيل ....

التوكيل من الوكالة بفتح الواو أو كسرها وهي: الحفظ، ومنه الوكيل، في أسماء الله تعالى بمعنى الحافظ، ومنه التوكل، يقال: على الله توكلنا، أي فوضنا أمورنا، والتوكيل: تفويض التصرف إلى غيره، وسمِّي الوكيل وكيلًا؛ لأن موكِّله قد فوِّض إليه القيام بأمره فهو مَوْكُول إليه الأمر. انظر: "لسان العرب" (11/ 736، مادة: و ك ل، ط. دار صادر).

وشرعًا: إقامة الغير مقام نفسه ترفُّهًا أو عجزًا في تصرف جائز معلوم. انظر: "حاشية ابن عابدين" (4/ 400، ط. دار إحياء التراث).

والمقصود بصاحب التَّوكيل: من وَكَّلته شركة في بيع سلعتها في بلد معين بثمن يدفعه الموكَّل ليبيع هذه السلعة بثمن أعلى في هذه البلد ويأخذ الزيادة في الثمن على ألا يجوز له أن يغير في سلعتها أو يقلدها، وإذا ما خالف يفسخ العقد معه بغرامة قد اتفق عليها الطرفان. فهي على هذا الأساس عقد وكالة يُلزَم الموكَّلُ فيه بأشياء هي حق للموكِّل.

أو أن المقصود بصاحب التوكيل: هو من يشتري سلعة من شركة ليبيعها في بلد معيَّن على أن يلزم الشركة بألا تبيع لغيره في هذا البلد وتلزمه الشركة بألَّا يغير في سلعتها بإفساد أو تقليد حتى لا تسوء سمعة الشركة الأم. فهي على هذا الأساس عقد بيع من الشركة الأم بشروط اتفق عليها الطرفان، فهي ملزمة لهما وليس هذا عقد وكالة، ففي الصورة الأولى تكيَّف الشركة على أنها عقد وكالة.

والوكالة جائزة بالكتاب والسنة والإجماع.
فمن الكتاب: يقول الله سبحانه: ﴿فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا﴾ [الكهف: 19]، وذاك كان توكيلًا، وقد قصَّه الله تعالى عن أصحاب الكهف بلا نكير.

ومن السنة: ما أخرجه البخاري في "صحيحه" عَنْ عُرْوَةَ بن أبي الجعدِ البارِقي رضي الله عنه: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ دِينَارًا يَشْتَرِي لَهُ بِهِ شَاةً، فَاشْتَرَى لَهُ بِهِ شَاتَيْنِ، فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ، وَجَاءَهُ بِدِينَارٍ وَشَاةٍ، فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ، وَكَانَ لَوِ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبِحَ فِيهِ". فهذا الحديث يدل على مشروعية الوكالة في البيع والشراء.

وأخرج أبو داود في "سننه" عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَهُ يُحَدِّثُ قَالَ: أَرَدْتُ الْخُرُوجَ إِلَى خَيْبَرَ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، وَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي أَرَدْتُ الْخُرُوجَ إِلَى خَيْبَرَ فَقَالَ: «إِذَا أَتَيْتَ وَكِيلِي فَخُذْ مِنْهُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَسْقًا، فَإِنِ ابْتَغَى مِنْكَ آيَةً، فَضَعْ يَدَكَ عَلَى تَرْقُوَتِهِ». فهذا الحديث يدل على مشروعية الوكالة.

وأجمع الفقهاء على جواز الوكالة ومشروعيتها.
وأما شراء الوكيل الوكالة فهي شراء لمال متقوَّم، وهي العلامة التجارية التي لها رواج في الأسواق، فشراء هذه العلامات جائز، وأما الشرط في عقد الوكالة من الوكيل بألَّا يوكِّل غيره في هذا البلد، ويشترط عليه الموكِّل ألا يغير في سلعته بإفساد أو تقليد، فهذه الشروط من الشروط الجائزة في عقد الوكالة التي لا تتنافى مع مقتضى العقد.

قال العلامة الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (6/ 27، ط. دار الكتب العلمية): [والتوكيل بالبيع إن كان مقيدًا يراعى فيه القيد بالإجماع، حتى إنه إذا خالف قيده لا ينفُذُ على الموكِّل ولكن يتوقف على إجازته إلا أن يكون خلافه إلى خير؛ لأن الوكيل يتصرف بولاية مستفادة من قِبَل الموكِّل، فيَلِي من التصرف قدر ما ولَّاه، وإن كان الخلاف إلى خير فإنما نفذ؛ لأنه إن كان خلافًا صورة فهو وفاق معنى؛ لأنه آمر به دلالةً، فكان متصرفًا بتولية الموكِّل] اهـ.

وشرط عدم توكيل آخر في هذا البلد المعين ليس من قبيل الاحتكار المحرم؛ لأن الاحتكار: رصد الأسواق انتظارًا لارتفاع الأثمان، وللتضييق على الناس وإلحاق الضرر بهم، وهذه الصورة ليست منه.

وأما في الصورة الثانية؛ فإن هذا العقد عقد بيع وشرط، وهذا العقد جائز ما دام الشرط صحيحًا لا ينافي مقتضى العقد ولا يُخل به أو بالثمن ولا ينافي الشرع؛ فهذه الصورة جائزة، يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1]، وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 29]، وما أخرجه الترمذي في "سننه" عن عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيُّ قال: قَالَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا وَأَحَلَّ حَرَامًا».

وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ، فَهُوَ بَاطِلٌ»؛ أي: ليس فيما كتبه الله وأوجبه في شريعته التي شرَّعها.

وأما حديث الطبراني في "المعجم الأوسط" عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع وشرط"، فيُحمل على الشرط الذي ينافي مقتضى العقد أو الشروط المحظورة، لا حق لأحد من المتعاقدين في اشتراطها في عقودهما؛ لأنها تناقض المقصود، أو تخالف القواعد العامة الشرعية، أو تصادم مقصدًا من مقاصد الشريعة، وأما الشروط الأخرى فهي مباحة للمتعاقدين، يتخيرون منها ما يشاؤون للالتزام بها في عقودهما.

وقال العلامة الحصكفي في "الدر المختار" (4/ 121، ط. إحياء التراث): [ومن البيوع الفاسدة البيع بشرط، لا يقتضيه العقد ولا يلائمه وفيه نفع لأحدهما، ولم يجر العرف به ولم يرد الشرع بجوازه، أما لو جرى العرف به كبيع نعل مع شرط تشريكه، أو ورد الشرع به كخيار شرط فلا فساد كشرط أن يقطعه البائع ويخيطه قباء أو يستخدمه شهرًا] اهـ.

قال العلامة الخرشي المالكي في "شرح مختصر خليل" (5/ 80، ط. دار صادر): [ومن البيع الفاسد بيع وشرط، فقد (نهى صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع وشرط)، وحمل أهل المذهب النَّهي على شرط يناقض، أو يخل بالثّمن] اهـ.

وشرط ألَّا يبيع لأحد غيره في هذا البلد ليس من باب الاحتكار المحرم؛ لأن الاحتكار المحرم فيه حبس للسلعة ورصد الأسواق انتظارًا لارتفاع الأثمان للتضييق على الناس وغلاء الأسعار حتى لا يكون في البلد من لا يبيع هذه السلعة بكل أصنافها وأنواعها إلا هو، أما هذه العلامة التجارية فهي لنوع من أنواع السلعة، فهو يأخذ توكيلًا لبيع عربة معيَّنة بنوع معين مثلًا، يقصد بشرائها ما لها من جودة وسمعة في الأسواق أفضل وأحسن من غيرها من باقي العلامات التجارية؛ ليَتكسَّب أكثر، وهذا من المباح وهو من باب السعي في جمع الرزق الحلال.

يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا﴾ [البقرة: 168]، ويقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما أخرجه مسلم في "صحيحه" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ [المؤمنون: 51] وَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ [البقرة: 172]».

ومن يريد شراء عربة مثلًا فعليه بشراء نوع آخر من العربات مثلًا، وعلى هذا يجري باقي السلع.

وإذا جرى هذا العقد في سلعة ضرورية واحتكرت كل أنواعها؛ ففي هذه الحالة لا بد من تدخل الإمام حتى لا يضيّق على الناس، فإما أن يلزمه بالبيع بأسعار السوق العادية، أو يسعّر عليه.

وبناءً عليه: فإن هذا العقد لا يُعَدّ من قبيل الاحتكار المُحرَّم، وهو عقد جائز لا شيء فيه، إلا إذا جرى في سلعة ضرورية، أو كان يدخل على الناس الضيق والحرج بعد تعدد جهات توزيعها وبيعها.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا
;