صلاة النافلة وقت إقامة الصلاة المكتوبة

ما معني قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا صَلاَةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةُ»؟ وهل إذا أقيمت الصلاة الفرض والرجل يصلي السنة أو تحية المسجد يجب أن يقطع الصلاة ليدخل في الجماعة؟

فرض الله الصلوات الخمس وفضلها على غيرها من النوافل والسنن التي من جنسها، بل وفضلها على سائر العبادات، وجعلها عماد الدين؛ يروي البيهقي في "الشُّعَبِ" عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الصَّلَاةُ عِمَادُ الدِّينِ»، وأفضل ما يتقرب العبد به إلى الله الفريضة ثم النافلة؛ يروي البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في الحديث القدسي عن رب العزة: «مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتي يَبْطُشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ».

ولأهميتها، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي يرويه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا صَلاَةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةُ»، فإذا أقيمت الصلاة فيكره له أن يَشْرَعَ في صلاة نافلة؛ لما ورد أيضًا من حديثٍ رواه البخاري ومسلم واللفظ له من حديث عبد الله بن مالك ابن بُحَيْنَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِرَجُلٍ يُصَلِّي، وَقَدْ أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ، فَكَلَّمَهُ بِشَيْءٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ، فَلَمَّا انْصَرَفْنَا أَحَطْنَا نَقُولُ: مَاذَا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: قَالَ لِي: «يُوشِكُ أَنْ يُصَلِّيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ أَرْبَعًا».

وروى ابن حِبَّان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ، فَقُمْتُ لِأُصَلِّيَ الرَّكْعَتَيْنِ، فَأَخَذَ بِيَدِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلٍهٍ وَسَلَّمَ وَقَالَ: «أَتُصَلِّي الصُّبْحَ أَرْبَعًا!».

وروى مسلم من حديث عبد اللّه بن سرجس رضي الله عنه قال: دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم فِي صَلاَةِ الْغَدَاةِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم، فَلَمَّا سَلَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «يَا فُلَانُ، بِأَيِّ الصَّلَاتَيْنِ اعْتَدَدْتَ؟ أَبِصَلَاتِكَ وَحْدَكَ أَمْ بِصَلَاتِكَ مَعَنَا؟».

فكل هذه الأحاديث تدل على كراهية الشروع في النافلة إذا أقيمت الصلاة.

قال الإمام البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (1/ 459، ط. دار الكتب العلمية): [وإذا أقيمت -أي شرع المؤذن في إقامة الصلاة؛ لرواية ابن حبان بلفظ: «إِذَا أَخَذَ المُؤَذِّنُ فِي الإِقَامَةِ» -أي التي يريد الصلاة مع إمامها- فلا صلاة إلا المكتوبة، فلا يشرع في نفل مطلق، ولا راتبة من سنة فجر أو غيرها في المسجد] اهـ.

وقال الإمام ابن قدامة في "المغني" (1/ 272، ط. دار إحياء التراث العربي): [وإذا أقيمت الصلاة، لم يشتغل عنها بنافلة، سواء خشي فوات الركعة الأولى أم لم يخشَ...؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةُ» رواه مسلم؛ ولأن ما يفوته مع الإمام أفضل مما يأتي به، فلم يشتغل به] اهـ.

وقال الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب" (3/ 550، ط. المطبعة المنيرية): [إذا أقيمت الصلاة كُرِهَ أن يشتغل بنافلة، سواء تحية المسجد وسنة الصبح وغيرها] اهـ.

أما إذا شرع في النافلة ثم أقيمت الصلاة، فإنه إذا خشي فوات الجماعة، فإنه يقطع الصلاة، ويلحق بالجماعة؛ لأن تحصيل الفرض أعظم، وتحصيل الجماعة أكثر ثوابًا من المنفرد، يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث القدسي عن رب العزة: «مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ»، ويقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي يرويه البخاري واللفظ له ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً»، وفي رواية: «خَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً».

قال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (1/ 272، ط. دار إحياء التراث العربي): [فأما إن أقيمت الصلاة وهو في النافلة، ولم يخشَ فوات الجماعة، أتمها، ولم يقطعها؛ لقول الله تعالى: ﴿وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد: 33]، وإن خشي فوات الجماعة، فعلى روايتين؛ إحداهما: يتمها؛ لذلك، والثانية: يقطعها؛ لأن ما يدركه من الجماعة أعظم أجرًا وأكثر ثوابًا مما يفوته بقطع النافلة، لأن صلاة الجماعة تزيد على صلاة الرجل وحده سبعًا وعشرين درجة] اهـ.

قال الإمام الشيرازي في "المهذب" (4/ 103، ط. المطبعة المنيرية): [وإن دخل في صلاة نافلة ثم أقيمت الجماعة فإن لم يخشَ فوات الجماعة أتم النافلة ثم دخل في الجماعة، وإن خَشِيَ فوات الجماعة قطع النافلة؛ لأن الجماعة أفضل] اهـ.

وبناءً على ما سبق: فإنه يُكره الشروع في النافلة إذا أقيمت الصلاة المكتوبة؛ للحديث المذكور الوارد في ذلك، وإذا أقيمت الصلاة بعد أن شرع فيها: فإنه إن خشي فوات الجماعة يقطع النافلة ويلحق بالجماعة، وإن لم يَخْشَ فوات الجماعة فإنه يتمها ويلحق بالجماعة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

التفاصيل ....

فرض الله الصلوات الخمس وفضلها على غيرها من النوافل والسنن التي من جنسها، بل وفضلها على سائر العبادات، وجعلها عماد الدين؛ يروي البيهقي في "الشُّعَبِ" عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الصَّلَاةُ عِمَادُ الدِّينِ»، وأفضل ما يتقرب العبد به إلى الله الفريضة ثم النافلة؛ يروي البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في الحديث القدسي عن رب العزة: «مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتي يَبْطُشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ».

ولأهميتها، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي يرويه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا صَلاَةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةُ»، فإذا أقيمت الصلاة فيكره له أن يَشْرَعَ في صلاة نافلة؛ لما ورد أيضًا من حديثٍ رواه البخاري ومسلم واللفظ له من حديث عبد الله بن مالك ابن بُحَيْنَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِرَجُلٍ يُصَلِّي، وَقَدْ أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ، فَكَلَّمَهُ بِشَيْءٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ، فَلَمَّا انْصَرَفْنَا أَحَطْنَا نَقُولُ: مَاذَا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: قَالَ لِي: «يُوشِكُ أَنْ يُصَلِّيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ أَرْبَعًا».

وروى ابن حِبَّان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ، فَقُمْتُ لِأُصَلِّيَ الرَّكْعَتَيْنِ، فَأَخَذَ بِيَدِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلٍهٍ وَسَلَّمَ وَقَالَ: «أَتُصَلِّي الصُّبْحَ أَرْبَعًا!».

وروى مسلم من حديث عبد اللّه بن سرجس رضي الله عنه قال: دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم فِي صَلاَةِ الْغَدَاةِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم، فَلَمَّا سَلَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «يَا فُلَانُ، بِأَيِّ الصَّلَاتَيْنِ اعْتَدَدْتَ؟ أَبِصَلَاتِكَ وَحْدَكَ أَمْ بِصَلَاتِكَ مَعَنَا؟».

فكل هذه الأحاديث تدل على كراهية الشروع في النافلة إذا أقيمت الصلاة.

قال الإمام البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (1/ 459، ط. دار الكتب العلمية): [وإذا أقيمت -أي شرع المؤذن في إقامة الصلاة؛ لرواية ابن حبان بلفظ: «إِذَا أَخَذَ المُؤَذِّنُ فِي الإِقَامَةِ» -أي التي يريد الصلاة مع إمامها- فلا صلاة إلا المكتوبة، فلا يشرع في نفل مطلق، ولا راتبة من سنة فجر أو غيرها في المسجد] اهـ.

وقال الإمام ابن قدامة في "المغني" (1/ 272، ط. دار إحياء التراث العربي): [وإذا أقيمت الصلاة، لم يشتغل عنها بنافلة، سواء خشي فوات الركعة الأولى أم لم يخشَ...؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةُ» رواه مسلم؛ ولأن ما يفوته مع الإمام أفضل مما يأتي به، فلم يشتغل به] اهـ.

وقال الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب" (3/ 550، ط. المطبعة المنيرية): [إذا أقيمت الصلاة كُرِهَ أن يشتغل بنافلة، سواء تحية المسجد وسنة الصبح وغيرها] اهـ.

أما إذا شرع في النافلة ثم أقيمت الصلاة، فإنه إذا خشي فوات الجماعة، فإنه يقطع الصلاة، ويلحق بالجماعة؛ لأن تحصيل الفرض أعظم، وتحصيل الجماعة أكثر ثوابًا من المنفرد، يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث القدسي عن رب العزة: «مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ»، ويقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي يرويه البخاري واللفظ له ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً»، وفي رواية: «خَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً».

قال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (1/ 272، ط. دار إحياء التراث العربي): [فأما إن أقيمت الصلاة وهو في النافلة، ولم يخشَ فوات الجماعة، أتمها، ولم يقطعها؛ لقول الله تعالى: ﴿وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد: 33]، وإن خشي فوات الجماعة، فعلى روايتين؛ إحداهما: يتمها؛ لذلك، والثانية: يقطعها؛ لأن ما يدركه من الجماعة أعظم أجرًا وأكثر ثوابًا مما يفوته بقطع النافلة، لأن صلاة الجماعة تزيد على صلاة الرجل وحده سبعًا وعشرين درجة] اهـ.

قال الإمام الشيرازي في "المهذب" (4/ 103، ط. المطبعة المنيرية): [وإن دخل في صلاة نافلة ثم أقيمت الجماعة فإن لم يخشَ فوات الجماعة أتم النافلة ثم دخل في الجماعة، وإن خَشِيَ فوات الجماعة قطع النافلة؛ لأن الجماعة أفضل] اهـ.

وبناءً على ما سبق: فإنه يُكره الشروع في النافلة إذا أقيمت الصلاة المكتوبة؛ للحديث المذكور الوارد في ذلك، وإذا أقيمت الصلاة بعد أن شرع فيها: فإنه إن خشي فوات الجماعة يقطع النافلة ويلحق بالجماعة، وإن لم يَخْشَ فوات الجماعة فإنه يتمها ويلحق بالجماعة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا

صلاة النافلة وقت إقامة الصلاة المكتوبة

ما معني قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا صَلاَةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةُ»؟ وهل إذا أقيمت الصلاة الفرض والرجل يصلي السنة أو تحية المسجد يجب أن يقطع الصلاة ليدخل في الجماعة؟

فرض الله الصلوات الخمس وفضلها على غيرها من النوافل والسنن التي من جنسها، بل وفضلها على سائر العبادات، وجعلها عماد الدين؛ يروي البيهقي في "الشُّعَبِ" عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الصَّلَاةُ عِمَادُ الدِّينِ»، وأفضل ما يتقرب العبد به إلى الله الفريضة ثم النافلة؛ يروي البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في الحديث القدسي عن رب العزة: «مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتي يَبْطُشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ».

ولأهميتها، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي يرويه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا صَلاَةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةُ»، فإذا أقيمت الصلاة فيكره له أن يَشْرَعَ في صلاة نافلة؛ لما ورد أيضًا من حديثٍ رواه البخاري ومسلم واللفظ له من حديث عبد الله بن مالك ابن بُحَيْنَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِرَجُلٍ يُصَلِّي، وَقَدْ أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ، فَكَلَّمَهُ بِشَيْءٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ، فَلَمَّا انْصَرَفْنَا أَحَطْنَا نَقُولُ: مَاذَا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: قَالَ لِي: «يُوشِكُ أَنْ يُصَلِّيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ أَرْبَعًا».

وروى ابن حِبَّان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ، فَقُمْتُ لِأُصَلِّيَ الرَّكْعَتَيْنِ، فَأَخَذَ بِيَدِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلٍهٍ وَسَلَّمَ وَقَالَ: «أَتُصَلِّي الصُّبْحَ أَرْبَعًا!».

وروى مسلم من حديث عبد اللّه بن سرجس رضي الله عنه قال: دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم فِي صَلاَةِ الْغَدَاةِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم، فَلَمَّا سَلَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «يَا فُلَانُ، بِأَيِّ الصَّلَاتَيْنِ اعْتَدَدْتَ؟ أَبِصَلَاتِكَ وَحْدَكَ أَمْ بِصَلَاتِكَ مَعَنَا؟».

فكل هذه الأحاديث تدل على كراهية الشروع في النافلة إذا أقيمت الصلاة.

قال الإمام البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (1/ 459، ط. دار الكتب العلمية): [وإذا أقيمت -أي شرع المؤذن في إقامة الصلاة؛ لرواية ابن حبان بلفظ: «إِذَا أَخَذَ المُؤَذِّنُ فِي الإِقَامَةِ» -أي التي يريد الصلاة مع إمامها- فلا صلاة إلا المكتوبة، فلا يشرع في نفل مطلق، ولا راتبة من سنة فجر أو غيرها في المسجد] اهـ.

وقال الإمام ابن قدامة في "المغني" (1/ 272، ط. دار إحياء التراث العربي): [وإذا أقيمت الصلاة، لم يشتغل عنها بنافلة، سواء خشي فوات الركعة الأولى أم لم يخشَ...؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةُ» رواه مسلم؛ ولأن ما يفوته مع الإمام أفضل مما يأتي به، فلم يشتغل به] اهـ.

وقال الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب" (3/ 550، ط. المطبعة المنيرية): [إذا أقيمت الصلاة كُرِهَ أن يشتغل بنافلة، سواء تحية المسجد وسنة الصبح وغيرها] اهـ.

أما إذا شرع في النافلة ثم أقيمت الصلاة، فإنه إذا خشي فوات الجماعة، فإنه يقطع الصلاة، ويلحق بالجماعة؛ لأن تحصيل الفرض أعظم، وتحصيل الجماعة أكثر ثوابًا من المنفرد، يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث القدسي عن رب العزة: «مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ»، ويقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي يرويه البخاري واللفظ له ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً»، وفي رواية: «خَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً».

قال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (1/ 272، ط. دار إحياء التراث العربي): [فأما إن أقيمت الصلاة وهو في النافلة، ولم يخشَ فوات الجماعة، أتمها، ولم يقطعها؛ لقول الله تعالى: ﴿وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد: 33]، وإن خشي فوات الجماعة، فعلى روايتين؛ إحداهما: يتمها؛ لذلك، والثانية: يقطعها؛ لأن ما يدركه من الجماعة أعظم أجرًا وأكثر ثوابًا مما يفوته بقطع النافلة، لأن صلاة الجماعة تزيد على صلاة الرجل وحده سبعًا وعشرين درجة] اهـ.

قال الإمام الشيرازي في "المهذب" (4/ 103، ط. المطبعة المنيرية): [وإن دخل في صلاة نافلة ثم أقيمت الجماعة فإن لم يخشَ فوات الجماعة أتم النافلة ثم دخل في الجماعة، وإن خَشِيَ فوات الجماعة قطع النافلة؛ لأن الجماعة أفضل] اهـ.

وبناءً على ما سبق: فإنه يُكره الشروع في النافلة إذا أقيمت الصلاة المكتوبة؛ للحديث المذكور الوارد في ذلك، وإذا أقيمت الصلاة بعد أن شرع فيها: فإنه إن خشي فوات الجماعة يقطع النافلة ويلحق بالجماعة، وإن لم يَخْشَ فوات الجماعة فإنه يتمها ويلحق بالجماعة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

التفاصيل ....

فرض الله الصلوات الخمس وفضلها على غيرها من النوافل والسنن التي من جنسها، بل وفضلها على سائر العبادات، وجعلها عماد الدين؛ يروي البيهقي في "الشُّعَبِ" عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الصَّلَاةُ عِمَادُ الدِّينِ»، وأفضل ما يتقرب العبد به إلى الله الفريضة ثم النافلة؛ يروي البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في الحديث القدسي عن رب العزة: «مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتي يَبْطُشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ».

ولأهميتها، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي يرويه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا صَلاَةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةُ»، فإذا أقيمت الصلاة فيكره له أن يَشْرَعَ في صلاة نافلة؛ لما ورد أيضًا من حديثٍ رواه البخاري ومسلم واللفظ له من حديث عبد الله بن مالك ابن بُحَيْنَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِرَجُلٍ يُصَلِّي، وَقَدْ أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ، فَكَلَّمَهُ بِشَيْءٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ، فَلَمَّا انْصَرَفْنَا أَحَطْنَا نَقُولُ: مَاذَا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: قَالَ لِي: «يُوشِكُ أَنْ يُصَلِّيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ أَرْبَعًا».

وروى ابن حِبَّان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ، فَقُمْتُ لِأُصَلِّيَ الرَّكْعَتَيْنِ، فَأَخَذَ بِيَدِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلٍهٍ وَسَلَّمَ وَقَالَ: «أَتُصَلِّي الصُّبْحَ أَرْبَعًا!».

وروى مسلم من حديث عبد اللّه بن سرجس رضي الله عنه قال: دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم فِي صَلاَةِ الْغَدَاةِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم، فَلَمَّا سَلَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «يَا فُلَانُ، بِأَيِّ الصَّلَاتَيْنِ اعْتَدَدْتَ؟ أَبِصَلَاتِكَ وَحْدَكَ أَمْ بِصَلَاتِكَ مَعَنَا؟».

فكل هذه الأحاديث تدل على كراهية الشروع في النافلة إذا أقيمت الصلاة.

قال الإمام البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (1/ 459، ط. دار الكتب العلمية): [وإذا أقيمت -أي شرع المؤذن في إقامة الصلاة؛ لرواية ابن حبان بلفظ: «إِذَا أَخَذَ المُؤَذِّنُ فِي الإِقَامَةِ» -أي التي يريد الصلاة مع إمامها- فلا صلاة إلا المكتوبة، فلا يشرع في نفل مطلق، ولا راتبة من سنة فجر أو غيرها في المسجد] اهـ.

وقال الإمام ابن قدامة في "المغني" (1/ 272، ط. دار إحياء التراث العربي): [وإذا أقيمت الصلاة، لم يشتغل عنها بنافلة، سواء خشي فوات الركعة الأولى أم لم يخشَ...؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةُ» رواه مسلم؛ ولأن ما يفوته مع الإمام أفضل مما يأتي به، فلم يشتغل به] اهـ.

وقال الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب" (3/ 550، ط. المطبعة المنيرية): [إذا أقيمت الصلاة كُرِهَ أن يشتغل بنافلة، سواء تحية المسجد وسنة الصبح وغيرها] اهـ.

أما إذا شرع في النافلة ثم أقيمت الصلاة، فإنه إذا خشي فوات الجماعة، فإنه يقطع الصلاة، ويلحق بالجماعة؛ لأن تحصيل الفرض أعظم، وتحصيل الجماعة أكثر ثوابًا من المنفرد، يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث القدسي عن رب العزة: «مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ»، ويقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي يرويه البخاري واللفظ له ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً»، وفي رواية: «خَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً».

قال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (1/ 272، ط. دار إحياء التراث العربي): [فأما إن أقيمت الصلاة وهو في النافلة، ولم يخشَ فوات الجماعة، أتمها، ولم يقطعها؛ لقول الله تعالى: ﴿وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد: 33]، وإن خشي فوات الجماعة، فعلى روايتين؛ إحداهما: يتمها؛ لذلك، والثانية: يقطعها؛ لأن ما يدركه من الجماعة أعظم أجرًا وأكثر ثوابًا مما يفوته بقطع النافلة، لأن صلاة الجماعة تزيد على صلاة الرجل وحده سبعًا وعشرين درجة] اهـ.

قال الإمام الشيرازي في "المهذب" (4/ 103، ط. المطبعة المنيرية): [وإن دخل في صلاة نافلة ثم أقيمت الجماعة فإن لم يخشَ فوات الجماعة أتم النافلة ثم دخل في الجماعة، وإن خَشِيَ فوات الجماعة قطع النافلة؛ لأن الجماعة أفضل] اهـ.

وبناءً على ما سبق: فإنه يُكره الشروع في النافلة إذا أقيمت الصلاة المكتوبة؛ للحديث المذكور الوارد في ذلك، وإذا أقيمت الصلاة بعد أن شرع فيها: فإنه إن خشي فوات الجماعة يقطع النافلة ويلحق بالجماعة، وإن لم يَخْشَ فوات الجماعة فإنه يتمها ويلحق بالجماعة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا
;