وقف الودائع وتسبيل عوائدها

كثر السؤال عن حكم وقف مبلغ من المال وديعةً، على أن يتمَّ الإنفاق من ريعه على وجوه البر. فما حكم هذا الوقف؟

يجيز المالكية في كتبهم وقف الدراهم والدنانير؛ فيقول العلامة الخرشي في "شرح مختصر خليل" (7/ 80): [إن المذهب جواز وقف ما لا يعرف بعينه كالطعام والدنانير والدراهم كما يفيده كلام الشامل؛ فإنه بعدما حكى القول بالجواز حكى القول بالكراهة بـ"قيل"، والقول بالمنع أضعف الأقوال، ويدل للصحة قول المؤلف في (باب الزكاة): "وَزُكِّيَتْ عين وُقِفَتْ للسلف"] اهـ.

وقال الشيخ علي بن أحمد الصعيدي العدوي في "حاشيته على هذا الشرح" (7/ 80، ط. دار الفكر، بيروت): [الدنانير والدراهم يجوز وقفهما للسلف قطعًا] اهـ.

وأمثال هذا النقل موجود في "التاج والإكليل لمختصر خليل"، وفي "حاشية الدسوقي على الشرح الكبير"، وفي غيرهما.

ومن المعلوم أن غرض الشرع الشريف في الوقف هو عدم التصرف في محلّ الوقف- أي العين الموقوفة- وديمومة الانتفاع به لأطول مدة ممكنة، ولمَّـا وجد المالكية نفعًا من الدراهم والدنانير لا يذهب عينهما إلا في الصورة فقط، أجازوا الوقف فيهما في السلف؛ لأنهما بالسلف يبقيان حكمًا وإن ذهبت أعينهما.

نقل الشيخ الصعيدي العدوي في "حاشيته على الخرشي" (2/ 205) عن اللقاني قال: [الوقف ما ينتفع به مع بقاء عينه حقيقة أو حكمًا؛ كالدراهم والدنانير] اهـ.

وقال العلامة الدسوقي في "حاشيته على الشرح الكبير" (4/ 77، ط. دار الفكر): [وَيُنَزَّلُ رَدُّ بدله منزلة بقاء عينه] اهـ.

وإذا نظر الفقيه الآن في مسألة حبس المال وتسبيل عوائده يرى تحقق العلّة التي من أجلها أباح المالكية حبس الدراهم والدنانير مع الكراهة، وهم إنما كرهوا ذلك- والمكروه جائز بالمعنى الأعم- لاحتمال ضياعها، غير أنَّا نجد باستقراء الأحوال المصرفية المستقرة المقننة المعمول بها والمتداولة حاليًا أن مثل هذه الودائع تبقى مدة قد تصل إلى خمسين عامًا أو يزيد، فتحقق لها بذلك البقاء النسبي المطلوب للشرع الشريف من عقد الوقف، وهو ما يجعلنا نقول بجواز حبس الودائع المالية ووقفها وتسبيل عوائدها الذي هو محلّ سؤال السائل واستفتائه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

التفاصيل ....

يجيز المالكية في كتبهم وقف الدراهم والدنانير؛ فيقول العلامة الخرشي في "شرح مختصر خليل" (7/ 80): [إن المذهب جواز وقف ما لا يعرف بعينه كالطعام والدنانير والدراهم كما يفيده كلام الشامل؛ فإنه بعدما حكى القول بالجواز حكى القول بالكراهة بـ"قيل"، والقول بالمنع أضعف الأقوال، ويدل للصحة قول المؤلف في (باب الزكاة): "وَزُكِّيَتْ عين وُقِفَتْ للسلف"] اهـ.

وقال الشيخ علي بن أحمد الصعيدي العدوي في "حاشيته على هذا الشرح" (7/ 80، ط. دار الفكر، بيروت): [الدنانير والدراهم يجوز وقفهما للسلف قطعًا] اهـ.

وأمثال هذا النقل موجود في "التاج والإكليل لمختصر خليل"، وفي "حاشية الدسوقي على الشرح الكبير"، وفي غيرهما.

ومن المعلوم أن غرض الشرع الشريف في الوقف هو عدم التصرف في محلّ الوقف- أي العين الموقوفة- وديمومة الانتفاع به لأطول مدة ممكنة، ولمَّـا وجد المالكية نفعًا من الدراهم والدنانير لا يذهب عينهما إلا في الصورة فقط، أجازوا الوقف فيهما في السلف؛ لأنهما بالسلف يبقيان حكمًا وإن ذهبت أعينهما.

نقل الشيخ الصعيدي العدوي في "حاشيته على الخرشي" (2/ 205) عن اللقاني قال: [الوقف ما ينتفع به مع بقاء عينه حقيقة أو حكمًا؛ كالدراهم والدنانير] اهـ.

وقال العلامة الدسوقي في "حاشيته على الشرح الكبير" (4/ 77، ط. دار الفكر): [وَيُنَزَّلُ رَدُّ بدله منزلة بقاء عينه] اهـ.

وإذا نظر الفقيه الآن في مسألة حبس المال وتسبيل عوائده يرى تحقق العلّة التي من أجلها أباح المالكية حبس الدراهم والدنانير مع الكراهة، وهم إنما كرهوا ذلك- والمكروه جائز بالمعنى الأعم- لاحتمال ضياعها، غير أنَّا نجد باستقراء الأحوال المصرفية المستقرة المقننة المعمول بها والمتداولة حاليًا أن مثل هذه الودائع تبقى مدة قد تصل إلى خمسين عامًا أو يزيد، فتحقق لها بذلك البقاء النسبي المطلوب للشرع الشريف من عقد الوقف، وهو ما يجعلنا نقول بجواز حبس الودائع المالية ووقفها وتسبيل عوائدها الذي هو محلّ سؤال السائل واستفتائه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا

وقف الودائع وتسبيل عوائدها

كثر السؤال عن حكم وقف مبلغ من المال وديعةً، على أن يتمَّ الإنفاق من ريعه على وجوه البر. فما حكم هذا الوقف؟

يجيز المالكية في كتبهم وقف الدراهم والدنانير؛ فيقول العلامة الخرشي في "شرح مختصر خليل" (7/ 80): [إن المذهب جواز وقف ما لا يعرف بعينه كالطعام والدنانير والدراهم كما يفيده كلام الشامل؛ فإنه بعدما حكى القول بالجواز حكى القول بالكراهة بـ"قيل"، والقول بالمنع أضعف الأقوال، ويدل للصحة قول المؤلف في (باب الزكاة): "وَزُكِّيَتْ عين وُقِفَتْ للسلف"] اهـ.

وقال الشيخ علي بن أحمد الصعيدي العدوي في "حاشيته على هذا الشرح" (7/ 80، ط. دار الفكر، بيروت): [الدنانير والدراهم يجوز وقفهما للسلف قطعًا] اهـ.

وأمثال هذا النقل موجود في "التاج والإكليل لمختصر خليل"، وفي "حاشية الدسوقي على الشرح الكبير"، وفي غيرهما.

ومن المعلوم أن غرض الشرع الشريف في الوقف هو عدم التصرف في محلّ الوقف- أي العين الموقوفة- وديمومة الانتفاع به لأطول مدة ممكنة، ولمَّـا وجد المالكية نفعًا من الدراهم والدنانير لا يذهب عينهما إلا في الصورة فقط، أجازوا الوقف فيهما في السلف؛ لأنهما بالسلف يبقيان حكمًا وإن ذهبت أعينهما.

نقل الشيخ الصعيدي العدوي في "حاشيته على الخرشي" (2/ 205) عن اللقاني قال: [الوقف ما ينتفع به مع بقاء عينه حقيقة أو حكمًا؛ كالدراهم والدنانير] اهـ.

وقال العلامة الدسوقي في "حاشيته على الشرح الكبير" (4/ 77، ط. دار الفكر): [وَيُنَزَّلُ رَدُّ بدله منزلة بقاء عينه] اهـ.

وإذا نظر الفقيه الآن في مسألة حبس المال وتسبيل عوائده يرى تحقق العلّة التي من أجلها أباح المالكية حبس الدراهم والدنانير مع الكراهة، وهم إنما كرهوا ذلك- والمكروه جائز بالمعنى الأعم- لاحتمال ضياعها، غير أنَّا نجد باستقراء الأحوال المصرفية المستقرة المقننة المعمول بها والمتداولة حاليًا أن مثل هذه الودائع تبقى مدة قد تصل إلى خمسين عامًا أو يزيد، فتحقق لها بذلك البقاء النسبي المطلوب للشرع الشريف من عقد الوقف، وهو ما يجعلنا نقول بجواز حبس الودائع المالية ووقفها وتسبيل عوائدها الذي هو محلّ سؤال السائل واستفتائه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

التفاصيل ....

يجيز المالكية في كتبهم وقف الدراهم والدنانير؛ فيقول العلامة الخرشي في "شرح مختصر خليل" (7/ 80): [إن المذهب جواز وقف ما لا يعرف بعينه كالطعام والدنانير والدراهم كما يفيده كلام الشامل؛ فإنه بعدما حكى القول بالجواز حكى القول بالكراهة بـ"قيل"، والقول بالمنع أضعف الأقوال، ويدل للصحة قول المؤلف في (باب الزكاة): "وَزُكِّيَتْ عين وُقِفَتْ للسلف"] اهـ.

وقال الشيخ علي بن أحمد الصعيدي العدوي في "حاشيته على هذا الشرح" (7/ 80، ط. دار الفكر، بيروت): [الدنانير والدراهم يجوز وقفهما للسلف قطعًا] اهـ.

وأمثال هذا النقل موجود في "التاج والإكليل لمختصر خليل"، وفي "حاشية الدسوقي على الشرح الكبير"، وفي غيرهما.

ومن المعلوم أن غرض الشرع الشريف في الوقف هو عدم التصرف في محلّ الوقف- أي العين الموقوفة- وديمومة الانتفاع به لأطول مدة ممكنة، ولمَّـا وجد المالكية نفعًا من الدراهم والدنانير لا يذهب عينهما إلا في الصورة فقط، أجازوا الوقف فيهما في السلف؛ لأنهما بالسلف يبقيان حكمًا وإن ذهبت أعينهما.

نقل الشيخ الصعيدي العدوي في "حاشيته على الخرشي" (2/ 205) عن اللقاني قال: [الوقف ما ينتفع به مع بقاء عينه حقيقة أو حكمًا؛ كالدراهم والدنانير] اهـ.

وقال العلامة الدسوقي في "حاشيته على الشرح الكبير" (4/ 77، ط. دار الفكر): [وَيُنَزَّلُ رَدُّ بدله منزلة بقاء عينه] اهـ.

وإذا نظر الفقيه الآن في مسألة حبس المال وتسبيل عوائده يرى تحقق العلّة التي من أجلها أباح المالكية حبس الدراهم والدنانير مع الكراهة، وهم إنما كرهوا ذلك- والمكروه جائز بالمعنى الأعم- لاحتمال ضياعها، غير أنَّا نجد باستقراء الأحوال المصرفية المستقرة المقننة المعمول بها والمتداولة حاليًا أن مثل هذه الودائع تبقى مدة قد تصل إلى خمسين عامًا أو يزيد، فتحقق لها بذلك البقاء النسبي المطلوب للشرع الشريف من عقد الوقف، وهو ما يجعلنا نقول بجواز حبس الودائع المالية ووقفها وتسبيل عوائدها الذي هو محلّ سؤال السائل واستفتائه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا
;