01 يناير 2017 م

لا تكذب

لا تكذب


الكذب من الأخلاق الذميمة التي يقع فيها كثير من الناس للأسف الشديد، وهو خُلُقٌ يجعل صاحبه يقول الشيء على غير حقيقته، ويخالف الواقع الذي هو من خلق الله سبحانه وتعالى.

والكذب من صفات المنافقين، يقول تعالى: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ [المنافقون: 1]، وفي الحديث الشريف: «آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ» رواه البخاري، فالمؤمن ينقص إيمانه بالكذب وخلف الوعد وخيانة الأمانة.

والكذب له صور متعددة قد يغفل عنها كثير من الناس ويقعون فيها دون تقدير من جانبهم لمدى خطورة ما يفعلون، فهناك من يظهر للناس بمظهر المؤمن التقي الورع، وهو في حقيقة الأمر من أهل الشر والفجور والطغيان والبغي، وكذلك كذب التاجر ليروج سلعته، ويقسم بأغلظ الأيمان أن ثمنها كذا، على غير الحقيقة، أو أنها تمتاز بصفات ليست فيها ليرغِّبَ الناس في شرائها، فذلك كاذب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ثَلاثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ» وذكر منهم: «رَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى وَهُوَ كَاذِبٌ» رواه البخاري، وهناك كذب الوصوليين الذين ينافقون أصحاب المال والنفوذ ويبالغون في مدحهم والثناء عليهم بما ليس فيهم؛ طمعًا منهم في منفعة يحصلونها بسبب هذا المديح الكاذب، وهناك الكذب في شهادة الزور؛ للحصول على شيء غير مستحق.

ويتهاون الناس كثيرًا للأسف الشديد في الكذب لإضحاك غيرهم والسخرية والاستهزاء، قال صلى الله عليه وسلم: «لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ الْإِيمَانَ كُلَّهُ حَتَّى يَتْرُكَ الْكَذِبَ فِي الْمُزَاحَةِ» رواه الطبراني، وكذلك الكذب على الأولاد، وهو سلوك سيئ في التربية وله آثار شديدة الخطورة على أخلاقيات أطفالنا.

ومما يجدر التنبيه عليه مسألة (المعاريض) التي يقولها الإنسان ليوهم من يحدثه بشيء لم يقله أو يفعله، حتى لا يقع في خطيئة الكذب، وهو أمر نُقِلَ عن السلف الصالح جوازه وأن فيها ما يكفي الرجل عن الكذب، ورُوي ذلك عن ابن عباس وغيره، ولكن ينبغي التنبه إلى أن هذا في حال ما إذا كانت هناك حاجة لهذا الأمر، فإذا لم تكن هناك حاجة فلا يجوز التعريض ولا التصريح بالكذب، فالمعاريض تُباح لغرض خفيف كتطييب قلب الغير بالمزاح والملاطفة.

ومن الكذب الذي لا يوجب الوقوع في المعصية ما جرت به العادة في المبالغة كقول الإنسان لآخر: اتصلت بك مائة مرة، فإنه يُقْصَد بها المبالغة لا تحديد عدد المرات، فإن لم يكن اتصل به إلا مرة واحدة كان كاذبًا.

واستثناءً من ذلك هناك ثلاثة مواضع يُبَاح فيها الكذب، ففي الحديث الذي رواه الإمام مسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَيَقُولُ خَيْرًا وَيَنْمِي خَيْرًا» قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: "وَلَمْ أَسْمَعْ يُرَخَّصُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ كَذِبٌ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ: الْحَرْبُ، وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَحَدِيثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا".

قال الإمام النووي: "قالوا: ولا خلاف أنه لو قصد ظالم قَتْلَ رجلٍ هو عنده مختفٍ وَجَبَ عليه الكذب في أنه لا يعلم أين هو، وقال آخرون، منهم الطبري: لا يجوز الكذب في شيء أصلًا، قالوا: وما جاء من الإباحة في هذا؛ المراد به التورية واستعمال المعاريض لا صريح الكذب؛ مثل أن يَعِدَ زوجته أن يحسن إليها ويكسوها كذا وينوي إن قدر الله ذلك، وحاصله أن يأتي بكلمات محتملة يفهم المخاطب منها ما يطيب قلبه، وإذا سعى في الإصلاح نقل عن هؤلاء إلى هؤلاء كلامًا جميلًا ومن هؤلاء إلى هؤلاء كذلك وورَّى، وكذا في الحرب بأن يقول لعدوه: مات إمامكم الأعظم وينوي إمامهم في الأزمان الماضية، أو غدًا يأتينا مدد؛ أي طعام ونحوه، هذا من المعاريض المباحة فكل هذا جائز، وتأوَّلوا قصة إبراهيم ويوسف وما جاء من هذا على المعاريض، والله أعلم. وأما كذبه لزوجته وكذبها له فالمراد به في إظهار الود والوعد بما لا يلزم ونحو ذلك، فأما المخادعة في منع ما عليه أو عليها أو أخذ ما ليس له أو لها فهو حرام بإجماع المسلمين، والله أعلم".

المصادر:
- إحياء علوم الدين للغزالي.
- شرح صحيح البخاري لابن بطال.
- فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر.
- شرح النووي على مسلم.

من الأخلاق الفاضلة التي جاء بها الإسلام، خفض الصوت؛ ومعناه ألَّا يرفع الإنسان صوته عن القدر المعتاد خاصَّة في حضور من هو أعلى منه مكانة. وقد ورد في وصايا لقمان الحكيم ما سجَّله القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ [لقمان: 19]. ومن صفاته صلى الله عليه وآله وسلم أنه ليس بالذي يرفع صوته في الأسواق من أجل بيع أو شراء؛


يعد الكرم من الأخلاق الحميدة التي تؤلف بين القلوب، وتوثق عُرَى المجتمع، وتخلصه من الضغائن والأحقاد، ولقد حث الإسلام على هذا الخلق العظيم، وضرب المسلمون عبر العصور أمثلة رائعة في تطبيق هذا الخلق السامي.


تفرض الأخوَّة في الدين أن يبذل المرء ما يحب من أجل إسعاد غيره، فيزداد الحب بين أفراد المجتمع، ويترابط أفراده بعُرىً وثقى، فيصير المجتمع قويًّا عفيًّا متوادًّا متعاونًا، وذلك هو خلق الإيثار الذي هو أحد أخلاق المسلمين وصفة من صفاتهم السلوكية؛ يقول تعالى: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر: 9]


الرفق خلق جميل حثَّ عليه الإسلام ورغَّبَ فيه أتباعه ودعاهم للتمسك به، وهو خلق ينشر بين الناس المحبة، ويوثق بينهم الأواصر والروابط. ومن حكمة الله البالغة أن جعل الرفق قرينًا للتشريعات والعبادات، وهو ما جعل الفقهاء يقررون قاعدة "المشقة تجلب التيسير"، ونضرب مثلًا على ذلك بقوله تعالى في أحكام القصاص في القتل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [البقرة: 178]، فبالرغم من بشاعة الجريمة وعِظَمِ وقعها على نفس أهل القتيل، فإنَّ الله تعالى بعد أن قرَّرَ عقوبة القصاص، سمح بالعفو عنه، ووجَّه إلى اتِّباعه.


لا ينبغي للمسلم أن يكون جُلَّ همِّه أن يسعى لتحصيل لذائذ الدنيا والتَّمتُّع بما فيها من شهوات، بل عليه أن يكتفيَ من المتع التي أحلَّها الله له بالقدر المعقول والمشروع الذي به يتحقَّقُ ما يحتاجه من الضرورات


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 02 مايو 2025 م
الفجر
4 :36
الشروق
6 :11
الظهر
12 : 52
العصر
4:29
المغرب
7 : 33
العشاء
8 :58