01 يناير 2017 م

منهج الحضارة الإسلامية في بناء الإنسان

منهج الحضارة الإسلامية في بناء الإنسان

الإنسان هو محور هذا الكون، وهو معجزة الله العظمى في هذا النظام المتقن الفسيح، خلقه الله تعالى على هيئة تختلف كليةً عن سائر المخلوقات، وخصه الله سبحانه بالنعمة العظمى؛ ألا وهي نعمة العقل الذي به يكون الإنسان مؤهلًا للخطاب الإلهي، ومستعدًّا للفهم والتدبر والتأمل في مفردات ومقاصد هذا الخطاب، وقادرًا على النظر في الكون من حوله واستكشاف أسراره الكامنة في قوانينه وسنن الله الإلهية التي أودعها فيه، وكل هذه المجالات المعرفية تصلح أن تكون درجًا في سلم الوصول إلى الله تعالى خالق الإنسان في أحسن تكوين، وحتى تكون أدلة معرفة للإنسان على ربه سبحانه وتعالى، ومن ثم فإن القرآن الكريم أسس لبناء الإنسان بناءً روحيًّا خاصًّا لا يحصره في أدران الشهوة ورغبات الجسد ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: 85]، وبناءً عقليًّا محكمًا متقنًا لا يقبل شيئًا في عقيدته إلا بالحجة والدليل والبرهان الناصع ﴿أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [النمل: 64] وبناء جسديًّا يعتبر مكونات الجسد أمانة تعينه على مواصلة السير إلى الله تعالى ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء: 36]. لقد وردت لفظة إنسان في القرآن الكريم مفردة في أربعة وستين موضعًا من القرآن الكريم، ومجموعة مائة واثنتين وسبعين مرة، شملت هذه المواضع القرآنية كافة جوانب حياة الإنسان الروحية والأخلاقية والاجتماعية والعقدية والتشريعية، بيد أن الركيزة الأخلاقية والسلوكية قد احتلت المكان الأكبر من بين هذه المواضع، ففي قضية البناء الأخلاقي جعل الله تعالى رسوله الأعظم صلى الله عليه وسلم هو النموذج الذي يحتذى به في هذا الجانب، فخاطبه قائلًا: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم: 4]، وروى الإمام أحمد بسندٍ صحيح عن أبِي هُريرة، قال: قال رسُولُ الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: «إِنَّما بُعِثتُ لِأُتمِّم صالِح الأخلاقِ» وفي رواية «مكارم الأخلاق»، وروى الترمذي بسند حسن عن عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو قال: قال رسُولُ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّم: خِيارُكُم أحاسِنُكُم أخلاقًا، ولم يكُنِ النَّبِيُّ صلَّى الله عليهِ وسلَّم فاحِشًا ولا مُتفحِّشًا. وروى الترمذي من حديث عنْ جابِرٍ، أنَّ رسُول اللهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّم قال: «إِنَّ مِنْ أحبِّكُمْ إِليَّ وأقْربِكُمْ مِنِّي مجْلِسًا يوْم القِيامةِ أحاسِنكُمْ أخْلاقًا، وإِنَّ أبْغضكُمْ إِليَّ وأبْعدكُمْ مِنِّي مجْلِسًا يوْم القِيامةِ الثَّرْثارُون والمُتشدِّقُون والمُتفيْهِقُون»، قالُوا: يا رسُول اللهِ، قدْ علِمْنا الثَّرْثارُون والمُتشدِّقُون، فما الْمُتفيْهِقُون؟ قال: «الْمُتكبِّرُون».

إن القاعدة الكبرى التي ينطلق منها الإنسان المسلم في تعامله مع غيره هي قاعدة حسن الخلق، ولين القول، وإرادة الخير، والتسامح، والرفق، والشفقة، والرحمة، وغير ذلك من الصفات الخلقية الحادية به أن يأخذ بأيديهم إلى طريق الله عز وجل، وإلى صلاح الإنسانية بنبذ الشر والتقاتل والتنازع، فالمسلم للبشرية كالغيث المتدفق من مزن الرحمة والمحبة، فينزل على قلوب الخلق بالسعادة والمحبة سواء أوافقوه واتبعوه أو نبذوا دعوته وخالفوه، فمكارم الأخلاق تعلمنا أيضًا قيمة التعايش مع اختلاف الدين أو العرق أو اللون ... إلخ، لقد تعايش النبي صلى الله عليه وسلم مع أهل مكة وهم يحاربونه على الدين، وتعايش النبي صلى الله عليه وسلم مع غير المسلمين في المدينة المنورة، وقد كانت تعج بالثقافات والأديان المختلفة، لكن لا بديل عن التعامل والتعايش فأبرم النبي صلى الله عليه وسلم العهود والمواثيق مع اليهود في المدينة، وباع واشترى، ورهن وأكل وشرب، وعاد مرضاهم، ووقف هيبة لموت أحدهم، وآخى بين الأوس والخزرج، وأنهى الصراعات والحروب وقضى عليها تمامًا، وبنى الإنسان في المدينة على هذا الأساس الأخلاقي والروحي والسلوكي، الذي كان له أكبر الأثر من بعد ذلك في تسارع الخلق جميعًا للدخول في هذا الدين العظيم دين الإسلام دين الأخلاق.
 

دعا الإسلام للتعارف والحوار، وحثَّ المسلمين على ذلك، لأهمية الحوار في نزع فتيل الأزمات، ويمنع من تفاقمها، ويوضح ما خفي، ويبين ما اسْتُبْهِمْ


لم تكن الرِّسالةُ الإِسلاميَّة داعيةً للانغلاق والانكفاء على الذَّات، بل إنَّ هذا الانغلاقَ والانكفاءَ يتناقضُ مع كونها دعوةً للعالمين، تخاطب كافَّة الأجناس وتتواصل مع مختلف الثَّقافات، وهذا التَّواصل مُنبنٍ على أساسٍ راسخٍ من رؤية نقيَّةٍ للكون والحياة والوجود، ثم بعد ذلك يمكن أن يتم تطعيم أدوات هذه الرؤية ووسائلها بما توصَّلت إليه من أدوات ووسائل تنفع ولا تخالف هذه الرؤية الذَّاتيَّة الإسلاميَّة.


كان للزراعةِ شأن كبير في الحضارة الإسلامية، وهو الأمر الذي حافظ على الدولة الإسلامية وتماسكها قرونًا طويلة نظرًا لاكتفائها الذاتي من الغذاء في مختلف البقاع التي كانت تبسط عليها سلطانها، وقد كان لعناية المسلمين بالزراعة أصل قرآني كريم،


بالتأمل في الغاية التي خلق الله سبحانه وتعالى من أجلها الإنسان نجد أنه يمكن تلخيصها في أمرين اثنين: -الأمر الأول: العبادة؛ قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]، والعبادة يأتي في المقدمة منها الشعائر التي يؤديها العبد؛ من صلاة وصيام وزكاة وحج وغير ذلك من شعائر العبادات. -أما الأمر الثاني فهو: عمارة الأرض؛ قال تعالى: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ [هود: 61]، فتعمير الأرض من الأمور التي كلفنا الله بها، وهو يشمل كل عمل مفيد يؤدي إلى التعمير،


بُعث رسول صلى الله عليه وسلم رحمةً للعالمين، وليس من المتصور عقلًا أن يدخل الناس جميعًا في الإسلام، بل جرت سنة الله في خلقه أن يكون فيهم المؤمن والكافر، والمسلِّمُ والناقد، والباحث عن الحق بجدٍّ وإخلاص، والباحث المغرض من أجل الطعن والتشكيك... إلى غير ذلك من أنواع المدارك والأفكار والفلسفات الإنسانية التي يجزم فيها كل معتقد أنه على الحق وغيره على الباطل، لكنَّ هذا كله لا يخرجهم عن إطار الرحمة المحمدية التي هي للناس عامة،


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 31 أكتوبر 2025 م
الفجر
4 :40
الشروق
6 :8
الظهر
11 : 39
العصر
2:45
المغرب
5 : 9
العشاء
6 :27