الإثنين 15 ديسمبر 2025م – 24 جُمادى الآخرة 1447 هـ
01 يناير 2017 م

منهج الحضارة الإسلامية في بناء الإنسان

منهج الحضارة الإسلامية في بناء الإنسان

الإنسان هو محور هذا الكون، وهو معجزة الله العظمى في هذا النظام المتقن الفسيح، خلقه الله تعالى على هيئة تختلف كليةً عن سائر المخلوقات، وخصه الله سبحانه بالنعمة العظمى؛ ألا وهي نعمة العقل الذي به يكون الإنسان مؤهلًا للخطاب الإلهي، ومستعدًّا للفهم والتدبر والتأمل في مفردات ومقاصد هذا الخطاب، وقادرًا على النظر في الكون من حوله واستكشاف أسراره الكامنة في قوانينه وسنن الله الإلهية التي أودعها فيه، وكل هذه المجالات المعرفية تصلح أن تكون درجًا في سلم الوصول إلى الله تعالى خالق الإنسان في أحسن تكوين، وحتى تكون أدلة معرفة للإنسان على ربه سبحانه وتعالى، ومن ثم فإن القرآن الكريم أسس لبناء الإنسان بناءً روحيًّا خاصًّا لا يحصره في أدران الشهوة ورغبات الجسد ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: 85]، وبناءً عقليًّا محكمًا متقنًا لا يقبل شيئًا في عقيدته إلا بالحجة والدليل والبرهان الناصع ﴿أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [النمل: 64] وبناء جسديًّا يعتبر مكونات الجسد أمانة تعينه على مواصلة السير إلى الله تعالى ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء: 36]. لقد وردت لفظة إنسان في القرآن الكريم مفردة في أربعة وستين موضعًا من القرآن الكريم، ومجموعة مائة واثنتين وسبعين مرة، شملت هذه المواضع القرآنية كافة جوانب حياة الإنسان الروحية والأخلاقية والاجتماعية والعقدية والتشريعية، بيد أن الركيزة الأخلاقية والسلوكية قد احتلت المكان الأكبر من بين هذه المواضع، ففي قضية البناء الأخلاقي جعل الله تعالى رسوله الأعظم صلى الله عليه وسلم هو النموذج الذي يحتذى به في هذا الجانب، فخاطبه قائلًا: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم: 4]، وروى الإمام أحمد بسندٍ صحيح عن أبِي هُريرة، قال: قال رسُولُ الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: «إِنَّما بُعِثتُ لِأُتمِّم صالِح الأخلاقِ» وفي رواية «مكارم الأخلاق»، وروى الترمذي بسند حسن عن عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو قال: قال رسُولُ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّم: خِيارُكُم أحاسِنُكُم أخلاقًا، ولم يكُنِ النَّبِيُّ صلَّى الله عليهِ وسلَّم فاحِشًا ولا مُتفحِّشًا. وروى الترمذي من حديث عنْ جابِرٍ، أنَّ رسُول اللهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّم قال: «إِنَّ مِنْ أحبِّكُمْ إِليَّ وأقْربِكُمْ مِنِّي مجْلِسًا يوْم القِيامةِ أحاسِنكُمْ أخْلاقًا، وإِنَّ أبْغضكُمْ إِليَّ وأبْعدكُمْ مِنِّي مجْلِسًا يوْم القِيامةِ الثَّرْثارُون والمُتشدِّقُون والمُتفيْهِقُون»، قالُوا: يا رسُول اللهِ، قدْ علِمْنا الثَّرْثارُون والمُتشدِّقُون، فما الْمُتفيْهِقُون؟ قال: «الْمُتكبِّرُون».

إن القاعدة الكبرى التي ينطلق منها الإنسان المسلم في تعامله مع غيره هي قاعدة حسن الخلق، ولين القول، وإرادة الخير، والتسامح، والرفق، والشفقة، والرحمة، وغير ذلك من الصفات الخلقية الحادية به أن يأخذ بأيديهم إلى طريق الله عز وجل، وإلى صلاح الإنسانية بنبذ الشر والتقاتل والتنازع، فالمسلم للبشرية كالغيث المتدفق من مزن الرحمة والمحبة، فينزل على قلوب الخلق بالسعادة والمحبة سواء أوافقوه واتبعوه أو نبذوا دعوته وخالفوه، فمكارم الأخلاق تعلمنا أيضًا قيمة التعايش مع اختلاف الدين أو العرق أو اللون ... إلخ، لقد تعايش النبي صلى الله عليه وسلم مع أهل مكة وهم يحاربونه على الدين، وتعايش النبي صلى الله عليه وسلم مع غير المسلمين في المدينة المنورة، وقد كانت تعج بالثقافات والأديان المختلفة، لكن لا بديل عن التعامل والتعايش فأبرم النبي صلى الله عليه وسلم العهود والمواثيق مع اليهود في المدينة، وباع واشترى، ورهن وأكل وشرب، وعاد مرضاهم، ووقف هيبة لموت أحدهم، وآخى بين الأوس والخزرج، وأنهى الصراعات والحروب وقضى عليها تمامًا، وبنى الإنسان في المدينة على هذا الأساس الأخلاقي والروحي والسلوكي، الذي كان له أكبر الأثر من بعد ذلك في تسارع الخلق جميعًا للدخول في هذا الدين العظيم دين الإسلام دين الأخلاق.
 

تُعَدُّ المذاهبُ الفقهيَّةُ من أعظم المنجزات التي تتميز بها الحضارة الإسلامية، ذلك أنها صاغت عددًا من المناهج الفكرية في طرق التعامل مع النصوص الدينية وتطبيقها على الواقع، يُعَدُّ المذهبُ مدرسةً فكريَّةً بكل ما تعنيه الكلمة من معنًى، حيث يُقدم المذهب منظورًا للتعامل مع النصوص المختلفة، ويحدد طريقًا واضحًا لاستنباط الأحكام باستخدام عدد من الوسائل والأدوات، كالإجماع والقياس والاستحسان والمصالح المرسلة وغيرها.


كان للزراعةِ شأن كبير في الحضارة الإسلامية، وهو الأمر الذي حافظ على الدولة الإسلامية وتماسكها قرونًا طويلة نظرًا لاكتفائها الذاتي من الغذاء في مختلف البقاع التي كانت تبسط عليها سلطانها، وقد كان لعناية المسلمين بالزراعة أصل قرآني كريم،


لا تنفصل الأخلاق في الإسلام عن أي منحىً من مناحي الحياة، فلا يوجد في حياة المسلم أي فعل أو سلوك يمكن أن يقوم به وهو غير متقيد بالمنظومة الأخلاقية التي أقرَّها الإسلام، وإذا كانت السلوكيات الاقتصادية الماديَّة في العصر الحديث وفق الثقافات الغربية منبتَّة الصلة بالأخلاق إلا على سبيل الاستحباب، وأحيانًا الحرمة، فإنها في المنظور الإسلامي لا تقوم إلا على أساس متين من الأخلاق السامية والقيم النبيلة.


حرص الإسلام منذ ظهوره على إقامة مجتمع ذي طابع خاص، تكتنفه الأخلاق الكريمة، وتحكمه المبادئ العليا والقيم السامية، وحرص كذلك على أن يشتمل المجتمع على العوامل التي تدعم استقراره وتعمل على شيوع الفضائل بين أهله وتنبذ كل خلق معوج وانحراف في القول أو العمل؛


من إبداعات الحضارة الإسلامية التي نشأت تلبية لنداء الشريعة بضرورة الحفاظ على النظام الاجتماعي وشيوع العدل والفضيلة في كافة مناحي الحياة (علم الاحتساب). وقد ذكرنا في مقال سابق أن أمر الحسبة خطير، وأنها أحد وجوه التطبيق العملي لمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنها إن لم تنضبط بميزان الشرع فقد تأتي بنتائج سلبية تكر على المقصود منها بالبطلان، وبدلًا من أن تؤدي إلى استقرار المجتمعات تؤدي إلى اضطرابها. وآية ذلك ما نرى من بعض المتشددين الذين لم ينالوا من العلم والدين القدر الكافي، ويسعون في الأرض بغير هدى ولا علم؛ ظانين أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 15 ديسمبر 2025 م
الفجر
5 :11
الشروق
6 :43
الظهر
11 : 50
العصر
2:38
المغرب
4 : 57
العشاء
6 :20