الإثنين 15 ديسمبر 2025م – 24 جُمادى الآخرة 1447 هـ
01 يناير 2017 م

الوقف في الحضارة الإسلامية

الوقف في الحضارة الإسلامية

يقول الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ [آل عمران: 92]، وروى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ».

وروى البخاري ومسلم، واللفظ للبخاري، عن أنس بن مالك قال: كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة نخلًا وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب فلما نزلت: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ [آل عمران: 92]، قام أبو طلحة فقال يا رسول الله إن الله يقول: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾، وإن أحب أموالي إليَّ بيرحاء وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بَخٍ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ». فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ.

الصدقة الجارية هي ما عرف اصطلاحًا في كتب أهل العلم بالوقف، وهو من مفاخر الحضارة الإسلامية، ومظهر من مظاهر التكافل الاجتماعي الذي عرف منذ عهد النبوة، فقد كان أول وقف في الإسلام هو المسجد الذي بناه النبي صلى الله عليه وسلم بقباء في مسيرة هجرته من مكة إلى المدينة ثم المسجد النبوي الشريف الذي بناه صلى الله عليه وسلم عند وصوله إلى المدينة المنورة، ومن العجيب أن من أوائل الأوقاف الخيرية في الإسلام وقف حبر يهودي اسمه مخيريق قاتل مع النبي صلى الله عليه وسلم في أحد، وعهِد إِلى من وراءهُ مِن قومِهِ: إِن قُتِلتُ هذا اليوم فمالِي لِمُحمَّد، يصنعُ فِيهِ ما أراهُ الله، وكان رسُولُ الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يقُولُ: «مُخيرِيقٌ خيرُ يهُود». وقبض رسُولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أموالهُ، فعامَّةُ صدقاتِ رسُولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بِالمدِينةِ مِنها، رواه أبو نعيم في "الدلائل" والأزدي في "تركة النبي صلى الله عليه وسلم" من طريق محمد بن إسحاق. وتطورت مؤسسة الوقف وتشعبت مواردها ووظائفها بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت الأوقاف في عصر الخلافة الراشدة وما بعدها تبنى منها المساجد، والأربطة، والمدارس، والمكتبات الكبيرة، وكان ينفق منها على المجاهدين، والعلماء، والخطباء، وأهل الحسبة، وسائر أنشطة المجتمع التي تعود بالنفع العام على أفراد الأمة وتسهم في حضارتها ورقيها، وكان للأوقاف أيضًا أثر حميد في النهوض بعلوم الطب وتحسين الصحة والعلاج، فمثلًا أمر هارون الرشيد ببناء أول مستشفًى كبير في تاريخ الحضارة الإسلامية هو "البيمارستان" الذي كان في بغداد. ثم توالى بناء المستشفيات حسب نظام الوقف حتى أصبح ببغداد وحدها في مطلع القرن الرابع الهجري خمسة مستشفيات. وقال ابن جبير في رحلته أنه وجد ببغداد حيًّا كاملًا من أحيائها يشبه المدينة الصغيرة، كان يسمى بسوق المارستان، يتوسطه قصر فخم جميل وتحيط به الغياض والرياض والمقاصير والبيوت المتعددة، وكلها أوقاف وقفت على المرضى، وكان يؤمه الأطباء والصيادلة وطلبة الطب، إذ كانت النفقات جارية عليهم من الأموال الوقفية المنتشرة ببغداد.

الوقف أسلوب ابتكره المسلمون لدعم كافة أنشطة المجتمع التي يصعب على الأفراد أن يقوموا بمثلها دون هدف تجاري أو ربحي، ونستطيع أن نقول إن فكرة منظمات وجمعيات العمل الخيري والمدني الحديثة تكاد تكون مستوحاة من فكرة الوقف عند المسلمين، ويحتاج نشاط الوقف حاليًّا إلى الإحياء والتطوير والتفعيل بعدما عزف عنه كثير من الناس وتعطلت مع توقفه أنشطة خيرية كبيرة، كما يحتاج إلى الاستفادة من العلوم الحديثة في إحياء وتطوير نشاط الأوقاف حتى تعود مرة أخرى مسهمة في خدمة الناس أجمعين.

 

عرفت الحضارة الإسلامية القضاء منذ ظهور الإسلام؛ فلقد حكم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وخلفاؤه الراشدون بين الناس، وبعث النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم عليًّا رضي الله عنه إلى اليمن للقضاء بين الناس، وبعث كذلك معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى اليمن، وبعث الخليفةُ الصدِّيقُ أبو بكر رضي الله عنه أنسَ بن مالك إلى البحرين ليقضي بين الناس، وبعث الفاروقُ عمر رضي الله عنه أبا موسى الأشعري إلى البصرة قاضيًا، وبعث عبدَ الله بن مسعود إلى الكوفة قاضيًا.


كان نشرُ العلم أحدَ القواعد الأساسيَّة التي قامت عليها الحضارة الإسلامية؛ فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معلِّمًا وداعيًا، يهديِ به اللهُ من يشاءُ إلى صراطٍ مستقيمٍ، فقد خاطبه الله تعالى قائلًا له: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ۞ وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا﴾ [الأحزاب: 45-46].


اعتنى الإسلام بأمر الصحة بعامة، وأرشدنا الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام إلى جملة من الآداب التي ارتقى بعضها إلى عبادات واجبة؛ ليكون المجتمع الإسلامي مجتمعًا صحيًّا آمنًا بنسبة كبيرة من الأمراض والأوبئة، وتقليص فرص ظهورها قدر الإمكان، مما ينعكس بشكل إيجابي على كفاءة أفراد المجتمع وطاقته الإنتاجية وقوته وفتوَّته.


لا يقوم النظر الإسلامي على العزلة والانفراد، بل على التعاون والاجتماع، فالإسلام يقدِّر أن هناك أممًا أخرى وأفكارًا مختلفة تنتشر بين البشر، وهو إزاءها لا يقف موقف الخصومة والعداء بشكل مبدئي، ولكنه يسعى لقطع مادة النزاع والتمكين لترسيخ أرضية مشتركة بينه وبين غيره من الأفكار والديانات تسمح بالتعامل السلمي والإفادة المتبادلة، وهو في ظل هذه النظرة الرحيمة لا يغفل عن إمكانية رفض غيره لها وقيام صراع بينه وبينها، فشرع الجهاد صدًّا للعدوان وحماية للدين، كما شرع الدعوة لنشر الإسلام وإقناع العالمين به بالحكمة والموعظة الحسنة.


علم الجرح والتعديل أو علم الرجال، هو أحد العلوم التي تميَّزَ بها المسلمون عن سائر الأمم، وقد كان الهدف منه التثبت من نقل الأخبار والأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتوقف على هذا العلم الحكم بصحة الخبر أو الحديث أو ضعفه أو كذبه، وهو توجيه إلهي حث الله سبحانه عليه المؤمنين حيث قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [الحجرات: 6].


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 15 ديسمبر 2025 م
الفجر
5 :11
الشروق
6 :43
الظهر
11 : 50
العصر
2:38
المغرب
4 : 57
العشاء
6 :20