الثلاثاء 16 ديسمبر 2025م – 25 جُمادى الآخرة 1447 هـ
01 يناير 2017 م

الإتقان

الإتقان


الإتقان من الأخلاق والصفات التي وصف الله تعالى بها صُنعَه؛ فقال جل شأنه: ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ﴾ [النمل: 88]، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ» رواه الطبراني في "الأوسط"، قال عقبة: [لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ هِشَامٍ إِلَّا مُصْعَبٌ، تَفَرَّدَ بِهِ: بِشْرٌ] اهـ.

والإتقان يعني: إجادة الشيء، والمهارة فيه، وإصلاح الخَلل، والمسلم يجب أن يكون مُتقِنًا، فيُتقن في عمله وسعيه وسائر شؤون حياته، والله سبحانه وتعالى بيَّن لنا وجوه الإتقان في خَلْقِهِ، حتى يكون ذلك مرشدًا لنا نهتدي به في أعمالنا؛ فيقول جل شأنه: ﴿صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [النمل: 88]، وقال أيضًا: ﴿مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ﴾ [الملك: 2]، فإذا علم الإنسانُ أن الكون الذي يعيش فيه مخلوقٌ على هذه الهيئة من الدِّقةِ والإتقانِ، علم أنه ليس له أن يعمل شيئًا اعتباطًا، عشوائيًّا، دون نظامٍ أو تخطيطٍ أو إتقان.

كذلك كانت توجيهاتُ المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم مؤكِّدةً على هذا الخُلق الرفيع، والقيمة السامية؛ فوجَّه صلى الله عليه وآله وسلم بالإتقان في كلِّ عملٍ وإحسانٍ صنعه، حتى إنه وجَّه بذلك في ذبحِ البهائم؛ فقال: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» رواه مسلم.

وفي جنازةٍ قال صلى الله عليه وآله وسلم: «سَوُّوا لَحْدَ هَذَا»، ثم قال: «أَمَا إِنَّ هَذَا لَا يَنْفَعُ الْمَيِّتَ وَلَا يَضُرُّهُ، وَلَكِنَّ اللهَ يُحِبُّ مِنَ الْعَامِلِ إِذَا عَمِلَ أَنْ يُحْسِنَ» رواه البيهقي في "شعب الإيمان".

والنبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث حين أمر بتسوية اللَّحد الذي سيدخل فيه الميت ثم يُهال عليه التراب، وأكد أن هذا لن ينفع الميت، فإنه صلى الله عليه وآله وسلم يستنكر –في ذات الوقت- أن يكون عدم انتفاع الميت بهذه التسوية سببًا في إهمال حفر اللَّحد، فأكَّد على هذا المعنى بوضوحٍ شديدٍ؛ ليدُل على وجوب ترسيخ معنى الإتقان والإحسان في نفس المؤمن؛ حتى ينال رضا الله سبحانه وتعالى ومحبته.

وترشد هذه الأحاديث إلى أن الإتقان يجب ألَّا يكون من أخلاق المسلم فحسب، بل من طباعه التي يقوم بها على سجيته لتأصُّلِها فيه وتحقُّقها في سلوكه.

إن إتقان العمل وتجويده وتحسينه، لا ينبغي أن يُعامَلَ ذلك معاملة الرفاهية التي يمكن الاستغناء عنها، بل ينبغي أن ينال نصيبه من العناية، ووضعه موضع التنفيذ المستمر في سائر الأعمال، فتكون أعمال المسلم منظمة مرتبة مجوَّدة متقنة، لا في عملٍ دون آخر، بل في سائر الأعمال؛ فالله كتب الإحسان على كل شيءٍ؛ قال تعالى: ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: 195]، والإحسان في كل شيء بحسبه، فكما يكون في الأمور الواجبة؛ كالصلاة والزكاة والصوم والحج والصدق والأمانة والسعي على الرزق.. وغيرها بأدائها على أكمل وجهٍ ممكن، فإن الإحسان في المحرَّمات يكون باجتنابها وعدم إتيانها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب.
- "الإتقان" للدكتور رمضان بسطاويسي ضمن "موسوعة الأخلاق" (ط. المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية).
- "الفروق اللغوية" لأبي هلال العسكري.

من الطبيعي أن يثور الغضب بين الناس لتجاوزٍ وَقَعَ من أحدهم، أو لسوءِ فهمٍ وقع من آخر، أو لعدمِ ارتياحٍ نشأ عند التعامل... إلخ، وفي كثيرٍ من الأحيان يقع الخصام ويشتعل النزاع بين الناس بسبب هذا الغضب، وقد أرشدنا الله تعالى ونبيُّه سيدنا محمدٌ صلى الله عليه وآله وسلم إلى خُلُقٍ عظيم، يجدر بكلِّ مسلمٍ أن يتخلَّق به، ويمارسه في حياته، وهو خُلُقُ "الإصلاح بين الناس" حيث يسعى المرء إلى الإصلاح بين المتخاصمين، والغاضبين من إخوانهم، بإزالة سوء الفهم، والتخفيف من حدَّة الغضب، والنصح للمتجاوز في حقِّ غيره بالتَّراجُعِ عن هذا التَّجاوُز، وردِّ الحقوق لأصحابها أو العفوِ عنها من أصحابها... إلخ.


الإخلاص من القيم والأخلاق المهمة التي يؤدي افتقادها إلى بطلان العمل أو قلة بركته وضياع ثوابه، وفي خِضَمِّ مشاغل الحياة والرغبة في تأمين المعايش وموارد الرزق ينسى كثيرٌ من الناس صدق التوجه إلى الله، الخالق الرزاق القادر على كل شيء، فيعمل بعض الناس العمل من أجل إرضاء شخص له جاهٌ ويُنتظر منه جزاءً على العمل له، أو يلتزمون بشيء خوفًا من عقوبة تطالهم من سلطة أعلى منهم، لا خوفًا من الله ولا إخلاصًا في التوجه له وقصده بالعمل، وهذا شعور دقيق يتعلَّق بالنية، ويخفى على كثير


الغيبة من الأمور التي يقع فيها كثير من الناس دون انتباه كبير لوقوعهم فيها، ومن ثَمَّ عدم إدراك لخطورة الجزاء الإلهي على هذا الإثم العظيم، فإذا كان الناس يهتمون بعدم ارتكاب ذنوب شديدة الوضوح كالقتل والزنا والسرقة.. وغيرها، فإنهم يتساهلون في الوقوع في الغيبة، وهي كبيرة من الكبائر.


إفشاءُ الأسرارِ من السُّلوكيات الخطيرة التي تؤدي إلى فسادٍ عريضٍ في المجتمعات، حين يَأتَمن المرءُ أخاه على سرٍّ له؛ ليتبيَّنَ وجهَ الصَّوابِ في معضلةٍ تواجهُه، أو لمواجهةِ ضائِقَةٍ تمرُّ بِه، أو للتَّعامل مع أمرٍ طارئٍ تعرَّض له، فحين يتم إفشاء هذا السر قد يتعرَّض صاحبه لضررٍ أو أذى أو معاناةٍ، وقد يترتب على إفشاء الأسرار فسادُ ذاتِ البَينِ، ووقوع الشِّقاق والخلاف بين الناس وإثارةِ الأحقاد والضغائن في نفوسهم عندما يطَّلعون على سِرٍّ كان خافيًا عنهم.


تعد صلة الأرحام من مظاهر عناية الإسلام بتقوية أواصر الصِّلات داخل المجتمع، ونشر المحبة والسلام بين أفراده؛ حيث وجَّه الإسلامُ عنايةَ أتباعه إلى التَّواصُل والتَّقارب بشكلٍ خاص بين الأهل والأقارب؛ فالإسلام لا يقرُّ هذه النظرة الفردية التي تجعل الإنسان مهتمًّا بذاته فقط، أو على الأكثر بأسرته الصغيرة، بل يدفع الإسلام أتباعه إلى ترسيخ قيمة التَّواصل الفعَّال بين الأقارب؛ كحلقةٍ أساسيةٍ من حلقات الترابط في المجتمع؛ ولتشعب العلاقات والمصاهرة بين النَّاس؛ فإنَّ دائرةَ صلةَ الرَّحم قادرةٌ على الامتداد لتشمل المجتمع كله بطريقةٍ غير مباشرة.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 16 ديسمبر 2025 م
الفجر
5 :11
الشروق
6 :44
الظهر
11 : 51
العصر
2:39
المغرب
4 : 57
العشاء
6 :20