01 يناير 2017 م

الإدارة في الإسلام

الإدارة في الإسلام


بالتأمل في الغاية التي خلق الله سبحانه وتعالى من أجلها الإنسان نجد أنه يمكن تلخيصها في أمرين اثنين:
- الأمر الأول: العبادة؛ قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]، والعبادة يأتي في المقدمة منها الشعائر التي يؤديها العبد؛ من صلاة وصيام وزكاة وحج وغير ذلك من شعائر العبادات.

- أما الأمر الثاني فهو: عمارة الأرض؛ قال تعالى: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ [هود: 61]، فتعمير الأرض من الأمور التي كلفنا الله بها، وهو يشمل كل عمل مفيد يؤدي إلى التعمير، والاستجابة لمقتضيات التطور الحضاري، فسعي الإنسان في عمارة الأرض تحقيق لمراد الله من خلقه بعد القيام بكلفة العبادة، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يوصينا بهذا حتى في أصعب اللحظات، فعنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنْ قَامَتْ عَلَى أَحَدِكُمُ الْقِيَامَةُ وَفِي يَدِهِ فَسِيلَةٌ فَلْيَغْرِسْهَا» رواه أحمد، وهل هناك أصعب من قيام القيامة.

ولا ينبغي للإنسان أن يعتقد أن الأمر بالعمل وتعمير الأرض يقف عند حد القيام بعمل ما أيًّا كانت صورته أو جدواه، فإن من مقتضيات أن يكون العمل مُعَمِّرًا ومفيدًا أن يكون مخطَّطًا له وأن يستوفي كل مقومات نجاحه وتحقيقه للفائدة، ومن هنا تأتي أهمية الإدارة.

وكعادة الإسلام في الأمور الاجتماعية، فإنه لم يحدد نمطًا معينًا للإدارة؛ لأنها تتفاوت من شخص إلى آخر، ومن جماعة لغيرها، ومن بيئة معينة لبيئة أخرى تتمايز عنها، ومن إدارة عمل ما إلى إدارة عمل يختلف عنه، لكنه أعطى توجيهات عامة تشير إلى عدد من القيم التي يجب أن تتوافر في الإدارة.
ومن هذه القيم التي يوليها الإسلام اهتماما ويؤكد عليها:

• الأمانة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ»، قال: كيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال: «إِذَا أُسْنِدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ» رواه البخاري.

فهذا الحديث يدل على أهمية الأمانة في أداء الأعمال.

ومن أسس تحقيق الأمانة:
- اختيار المسؤول الأنسب لشغل موقعٍ ما؛ فالتهاون في هذا الاختيار يُعَدُّ من باب تضييع الأمانة في كيفية الإدارة، ولقد كان هذا الاختيار المبني على وجود الأمانة واضحًا في رؤية ابنة سيدنا شعيب عليه السلام لنبي الله موسى عليه السلام، وهي التي تَرَبَّتْ تربية نبوية على يد أبيها شعيب عليه السلام، حين قالت له -كما يَقُصُّ القرآن الكريم-: ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ [القصص: 26].

- ومن هذه القيم أيضًا: حفظ الحقوق، والذي يعد من مقومات الإدارة الناجحة في الإسلام، سواء كانت حفظًا لحقوق المتعاملين أو حقوق العمَّال؛ ففي الحديث القدسي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «قَالَ اللهُ: ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ» رواه البخاري، ومن حقوق العمال أيضًا عدم تكليفهم بما لا يُطيقون؛ فلقد بَيَّنَ الله سبحانه وتعالى أنه لا يفعل ذلك مع عباده عندما قال عز من قائل: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286]، فكيف يتسنَّى لمخلوق أن يكلف غيره بما لا يُطيق استغلالًا لحاجته وضعفه؟

• ومن مقومات الإدارة الناجحة أيضًا التي اهتم الإسلام ببيانها: المشاورة وعدم الانفراد بالرأي؛ قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ [آل عمران: 159]، واختار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نقباء يمثلون بطون المدينة المنورة قبل الهجرة ليكونوا عونًا له صلى الله عليه وآله وسلم يستشيرهم وينظر معهم في إدارة شؤون المجتمع، وعن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "الرأي الفرد كالخيط السَّحيل، والرأيان كالخيطين المبرمين، والثلاثة مرار لا يكاد ينتقض"، فكلما كثُرت المشاورة وأُخِذ الرأي من الخبراء المختصين كلما كان العمل أقرب إلى الصواب وأبعد عن الخطأ، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم الصحابة من بعده قدوة في الاستشارة وعدم الانفراد بالرأي والاستبداد به، والقدوة الحسنة في الإدارة عامل مهم من عوامل نجاحها وفاعليتها.

• وإذا كان نمط الإدارة الحديث يؤكد على أهمية الرقابة والمتابعة، فإن الإسلام بلغَ أبعدَ من ذلك حين قرَّرَ أن تكون رقابة المسلم من نفسه على عمله؛ لأن عمله يُعرض على الله عز وجل وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك على المؤمنين، وسيُحاسَبُ الإنسانُ على كل ما اقترفت يداه في الآخرة؛ قال تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [التوبة: 105]، ولا مانع بعد ذلك من وضع نظم للمراقبة والمتابعة من الإنسان لأخيه الإنسان، فليس كل الناس على درجة واحدة من مراقبة الله عز وجل، فهناك الضعفاء الذين يتحتم في حقهم الرقابة الإنسانية، والمؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف.

إن مطالعة آثار التوجيهات الإسلامية في الإدارة يؤدي إلى إدراك ومعرفة تصور الإسلام لهذا الباب الذي هو مفتاح نجاح الأعمال وتحقيق نتائجها المرجُوَّة، وأن الإسلام لم يُفَرِّط في النص على عناصر الإدارة، وإنما كعادته في الشؤون التي تتعلق باجتماع الناس وتختلف باختلاف عاداتهم وطباعهم وتخصصاتهم يضع لها الأطر العامة والقواعد الضابطة، ثم يدع التفصيلات الصغيرة في كيفية التخطيط والتنظيم ووضع آليات الرقابة والمتابعة والمسائلة لحاجة كل عمل ومجموعة ومهمة وما تقتضيه الظروف والإمكانات في كل حالة.

جاء ذكر المعادن وتصنيعها في القرآن الكريم بصورة إيجابية؛ فقد كان العمل بها صناعة بعض الأنبياء مثل سيدنا داود عليه السلام؛ قال تعالى: ﴿وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ﴾ [الأنبياء: 80]، واللبوس: هو السلاح كله؛ أي السيف والرمح والدرع وغيره، وقال تعالى عنه وعن سيدنا سليمان عليهما السلام، ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ ۞ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ۞ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ ۞ يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ: 10-13]،


من أبرز العلوم التجريبية التي أسهمت فيها الحضارة الإسلامية بالنصيب الأوفر هو علم الطب، ذلك العلم الذي يهتم بصحة الإنسان ويضع له طرق الوقاية والعلاج من الأمراض، ولم يقتصر إسهام الحضارة الإسلامية في مجال العلوم الطبية على اكتشاف الأمراض المختلفة، ووصف الأدوية المناسبة لعلاج هذه الأمراض، بل اتسع وامتد إسهام المسلمين في الحضارة الطبية حتى بلغ مرحلة التأسيس لمنهج تجريبي دقيق يتفوق ويسمو على مناهج المدارس الطبية التقليدية التي كانت سائدة قبل الإسلام، كالصينية والهندية والبابلية والمصرية واليونانية والرومانية بل والمدرسة العربية قبل الإسلام، فعلى الرغم مما وصلت إليه


كان نشرُ العلم أحدَ القواعد الأساسيَّة التي قامت عليها الحضارة الإسلامية؛ فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معلِّمًا وداعيًا، يهديِ به اللهُ من يشاءُ إلى صراطٍ مستقيمٍ، فقد خاطبه الله تعالى قائلًا له: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ۞ وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا﴾ [الأحزاب: 45-46].


يُعَدُّ "الإسناد" إحدى خصائص الأمة الإسلامية؛ ذلك أن حضارتنا الإسلامية تتميز بسمة المشافهة، أي: انتقال العلم فيها بالتلقي الشفوي، وهذا النوع أضبط الطرق لتوثيق العلم؛ فالكتابة بمفردها لا توفر الثقة الكاملة بما تفيده؛ لأن كثيرًا من الإشكالات تتعلق بضبط المكتوب، فتم الجمع بين التلقي الشفوي والتوثيق بالكتابة، وهذا أمر تتفرد به الأمة الإسلامية وحضارتها، قال الإمام محمد بن حاتم: "إن الله أكرم هذه الأمة وشرفها وفضلها بالإسناد، وليس لأحد من الأمم كلها -قديمهم وحديثهم- إسناد".


انتشر صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع الفتوحات في الآفاق، وصحبهم كبار التابعين في فتوحاتهم، وتصدّر أهلُ العلم منهم للإفتاء؛ حيث اشتدت الحاجة إليهم؛ لحداثة عهد أهل البلاد المفتوحة بالإسلام.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 01 مايو 2025 م
الفجر
4 :37
الشروق
6 :12
الظهر
12 : 52
العصر
4:29
المغرب
7 : 33
العشاء
8 :57