08 مايو 2017 م

قابلية البشر للوقوع في المعصية ودواؤها بالاستغفار

قابلية البشر للوقوع في المعصية ودواؤها بالاستغفار


عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ».

ويبين لنا هذا الحديث النبوي الشريف حقيقتين اثنين:
الحقيقة الأولى: هي قابلية البشر للوقوع في المعصية؛ فمنطوق الحديث يدل على كثرة وقوع الذنوب من بني آدم، وأن من حاول أن لا يقع منه ذنب البتَّة، فقد حاول ما لا يكون؛ لأن هذا -أعني وقوع الذنب من هذا النوع الإنساني- هو الذي جبلوا عليه، وقد خلقهم الله تعالى وأمرهم بالخير والكفِّ عن الشر، ولكن ما في جبلَّتهم يأبى أن لا يقع منهم ذنب؛ لأن العصمة لا تكون إلا لمن أُعطِي النبوة من بني آدم؛ فلو أرادوا أنهم لا يذنبون أصلًا راموا ما ليس لهم.

وقد يتساءل السائل عن الحكمة في ذلك، ويجيب عن ذلك الإمام المناوي؛ فيقول: لما في إيقاع العباد في الذنوب أحيانًا من الفوائد التي منها اعتراف المذنب بذنبه، وتنكيس رأسه عن العجب، وحصول العفو من الله، والله يحب أن يعفو، فالقصد من زلل المؤمن ندمه، ومن تفريطه أسفه، ومن اعوجاجه تقويمه، ومن تأخيره تقديمه .. ثم يضيف: والخبر مسوق لبيان أن الله خلق ابن آدم وفيه شموخ وعلو وترفع، وهو ينظر إلى نفسه أبدًا، وخلق العبد المؤمن لنفسه، وأحب منه نظره له دون غيره؛ ليرجع إلى مراقبة خالقه بالخدمة له، وأقام له معقبات، وكفاه كل مؤونة، وعلم أنه مع ذلك كله ينظر لنفسه إعجابًا بها؛ فكتب عليه ما يصرفه إليه؛ فقدر له ما يوقظه به إذا شغل عنه، وهو الشر والمعاصي ليتوب ويرجع إلى الله: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور: 31].

ومما هو جديرٌ بالذِّكر والبيان هنا أن هذا الحديث لا يدعو إلى الوقوع في الذنب؛ فالوقوع في المعصية نزول عن كمال درجات أهل الإيمان.

الحقيقة الثانية: أن دواء الذنب الاستغفار، وأن الله يغفر لمن تاب وعاد إليه سبحانه وتعالى؛ يقول الحافظ ابن رجب الحنبلي: [إن حصول المغفرة والعفو من الله لعبده؛ فإن الله يحب أن يعفو ويغفر، ومن أسمائه الغفَّار والعفوُّ والتَّواب؛ فلو عصم الخلق فلمن كان العفو والمغفرة] اهـ.

ويقول أبو طالب المكي: [إن وصفه سبحانه وتعالى المغفرة والرحمة، فلابد أن يخلق مقتضى وصفه حتى يحقَّ وصفه عليه هذا؛ كما يقول في علم المعرفة: إن له سبحانه وتعالى من كل اسم وصفًا ومن كل وصف فعل ... وحكي لنا معناه عن إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه قال: خلا لي الطواف ذات ليلة، وكانت ليلة مطيرة مظلمة فوقفت في الملتزم عند الباب فقلت: يارب، اعصمني حتى لا أعصيك أبدًا، فهتف بي هاتف من البيت: يا إبراهيم، أنت تسألني العصمة وكل عبادي المؤمنين يطلبون ذلك، فإذا عصمتهم فعلى من أتفضل، ولمن أغفر؟ وكان الحسن البصري رضي الله عنه يقول: لو لم يذنب المؤمن لكان يطير طيرًا، ولكن الله تعالى قمعه بالذنوب] اهـ.

ولقد أرشدنا الله في كتابه العزيز وفي سنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم إلى الاستغفار والتَّرغيب فيه، وأنه رافع للذنوب دافع للمأثم؛ فقال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: 110]، وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ﴾ [آل عمران: 135]، وقال تعالى ﴿وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال: 33]، ويقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ، لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ، وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً» رواه الترمذي، ويقول عليه أفضل الصلاة والتسليم: «للهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلاَةٍ» رواه البخاري.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
- "فيض القدير" للمناوي.
- "لطائف المعارف" لابن رجب الحنبلي.
- "قوت القلوب" لأبي طالب المكي.
- "تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين" للشوكاني.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ قَالَ: «أَلَا أُعَلِّمُكَ -أَوْ قَالَ: أَلَا أَدُلُّكَ- عَلَى كَلِمَةٍ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ مِنْ كَنْزِ الْجَنَّةِ؟ تَقُولُ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَسْلَمَ عَبْدِي وَاسْتَسْلَمَ».


عَن أنسٍ رَضِي الله عَنهُما قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَآله وسلم: «لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ» رواه أحمد.


فأما البر: فهي اللفظة الجامعة التي ينطوي تحتها كل أفعال الخير وخصاله، وجاء تفسيره في الحديث بأنه حسن الخلق، وعُبَّر عنه في حديث آخر لوابصةَ بأنه ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، وهذا الاختلاف في تفسيره لبيان أنواعه. فالبرُّ مع الخَلْق إنما يكون بالإحسان في معاملتهم، وذلك قوله: «البرُّ حسن الخلق»، وحسن الخلق هو بذل الندى، وكفُّ الأذى، والعفو عن المسيء، والتواصل معهم بالمعروف، كما قال ابن عمر رضي الله عنه: "البرُّ شيء هيِّن: وجه طليق، وكلام ليِّن".


عَنِ العَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُهُ الله عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: «سَلِ اللهَ العَافِيَةَ»، فَمَكَثْتُ أَيَّامًا، ثُمَّ جِئْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُهُ اللهَ، فَقَالَ لِي: «يَا عَبَّاسُ، يَا عَمَّ رَسُولِ اللهِ، سَلِ اللهَ العَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ» رواه الترمذي، وقال: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ".


جاء عن جابرٍ -واللفظ له- ومثله عن عثمان وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «رَحِمَ اللهُ عَبْدًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ سَمْحًا إِذَا اشْتَرَى سَمْحًا إِذَا اقْتَضَى»، وفي روايةٍ «وَإِذَا قَضَى» رواه البخاري. والسَّماحة: هي السُّهولة واليُسر، وبحسب موقع الشَّخص تكون تفاصيلُ صفةِ التَّسامح فيه، ويشير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث إلى أربع حالاتٍ من حالات المطالبة بالمسامحة؛ نظرًا لعِظم المسامحة وأجرِها فيها،


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 03 أغسطس 2025 م
الفجر
4 :37
الشروق
6 :15
الظهر
1 : 1
العصر
4:38
المغرب
7 : 47
العشاء
9 :13