14 مايو 2017 م

الإنصاف

الإنصاف

الإنصاف خلق كريم، يُقرِّر حق كل شخص تجاه نفسه وتجاه غيره، فهو تطبيق لقيمة العدل، الذي هو أصل منظور الإسلام للكون والحياة، الذي تقوم عليه فلسفة الإسلام ومنهجه، وهذا الخلق الراقي يقتضي أن ينظر الإنسان إلى نفسه وغيره نظرًا موضوعيًّا متوازنًا، فيعرف حق نفسه عليه، فيما ينبغي أن يوفره لها من علم وقرب إلى الله وسياسة جسده حتى يقوى على تحمل ما يلزمه من واجبات وما يتطلع إلى تحقيقه من طموحات وتقدير ما يمكنه القيام به وما لا يمكنه، فلا يحمل نفسه فوق طاقتها، ولا ينكص بها عن أداء ما يمكنها القيام به؛ قال تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: 195]، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ» رواه البخاري.
وكما يعرف الإنسان حقَّ نفسه عليه، يعرف أيضًا حق غيره عليه، عدوًّا كان أم صديقًا، خصمًا أم حليفًا، يعرف ما له وما عليه، فلا تدفعه العداوة لتحصيل حق لا يثبت له، ولا تدفعه ثقة غيره فيه لنيل ما لا ينبغي له.
لقد أرشدنا الله تعالى لهذا الخلق الكريم؛ فقال جل شأنه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لله شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا الله إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [المائدة: 8]، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يُسْلِمُهُ» رواه البخاري ومسلم.
وهذا الخلق يصعب على الإنسان أن يتخلَّق به، خاصة في حال وجود عداوة أو خصومة مع أحد، لكن الإنسان المسلم الملتزم بأخلاق الإسلام والمتقيد بحدوده لا يمكن أن يستأثر بشيء ليس بحق له مبررًا ذلك بعداوة مع أحد أو ظلم منه، ولذلك قالوا: "الإنصاف عزيز"؛ لأن النفس الإنسانية تحب الأثرة والاستحواذ والتنعُّم واستيفاء ما لها، والإنصاف يقتضي منها أن تتنازل عن شيء في متناولها ويمكنها تحصيله؛ فيجد المرء صعوبة في تحقيق الإنصاف إلا لمن روَّضَ نفسه على إعطاء كل ذي حق حقه.
ويقع كثيرًا في الخلافات بين المتخاصمين أن يُحمِّل المرء لخصمه كل منقصة ويغمط له كل مكرمة، لكن الإنصاف يقتضي منا عند الخلاف أن نذكر وجه الاعتراض بموضوعية وألا نهوِّل في العيوب أو نقلب الفضيلة إلى رذيلة كما يقع كثيرًا من بعض الناس عند اشتعال الخلاف.
إن التمسك بخلق الإنصاف ليفضي إلى التسامح والتواد ونزع بذور الشقاق، فحين يرى المرء أخاه يختلف معه ولكن ذلك لا يدفعه إلى ظلمه أو الإساءة إليه أو التركيز على أخطائه وإغفال فضائله، فإن ذلك أدعى إلى إصلاح ذات البين وتقليل حدة الخلاف وحجز النفس عن الكره البالغ بسبب الاندفاع العاطفي؛ فيستقيم أمر المجتمع ويعتدل حاله ويحقق رجاءه.
 

من أخلاق المسلم التي ينبغي أن يتحلى بها بشاشة الوجه وانبساطه وطلاقته عند لقاء الناس، وأن يكون لينًا مع خلق الله أجمعين، وهذا من المعروف الذي ذكره سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ» رواه مسلم. وقد كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع أصحابه رضوان الله تعالى عليهم على هذا


الله سبحانه وتعالى رفيقٌ بعباده؛ يحب منهم الطاعة التي أوجب عليهم، ويكره لهم المعصية التي حرَّم عليهم، يحب لهم النَّعيم الذي وعد به الصالحين، ويكره لهم النار التي توعَّد بها المفسدين، والله تعالى يَغَار، وغيرتُه تعالى أن ينتَهِكَ العبدُ ما حرَّم الله عليه.


الحِلم من الأخلاق الفاضلة الراقية التي حثَّ عليها الإسلام، ورغَّب فيها؛ ذلك أنه من بواعث انتشار المحبة والودِّ والتراحم بين الناس، ومنع أسباب النزاع والخصام بينهم؛ قال تعالى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ [الفرقان: 63]. وجعل الله الجنة جزاءً لهذا الخلق الرفيع؛ قال تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ۞ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: 133-134].


لا ينجح في هذه الحياة من لا يعيش بالأمل، ولا يُقَدِّمُ شيئًا نافعًا لنفسه أو لمجتمعه -فضلًا عن العالم الذي يعيش فيه- من يتملَّكُه اليأس، ومن هنا كان حرص الإسلام على توجيه أتباعه إلى ضرورة التحلِّي بالأمل الإيجابي ونبذ اليأس السلبي، وفي الوقت ذاته كان حرص الإسلام بنفس الدرجة على رفض الأمل الزائف غير الواقعي الذي يجعل الإنسان هائمًا في خيالات لا تَمُتُّ للواقع بصلة؛ فالإسلام يحض المسلمين على إدراك واقعهم والتفاعل معه وإصلاحه ونفع العالمين.


التسامح من السمات الأخلاقية المهمة للإسلام، فقد حرَص الإسلام على توجيه أتباعه للتخلُّق بخلق التسامح، وحثهم على اللين والرفق والعفو، سواء فيما بين المسلمين أم مع غيرهم؛ قال تعالى عن أتباع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ [الفتح: 29]، وقال تعالى: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ۞ فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [الشعراء: 215-216]


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 01 مايو 2025 م
الفجر
4 :37
الشروق
6 :12
الظهر
12 : 52
العصر
4:29
المغرب
7 : 33
العشاء
8 :57