الثلاثاء 02 ديسمبر 2025م – 11 جُمادى الآخرة 1447 هـ
30 مايو 2017 م

البِر

البِر

البِرُّ كلمةٌ جامعةٌ لخصال الخير، أقوالًا كانت أم أعمالًا؛ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ» رواه مسلم، ويقول الله تعالى في القرآن الكريم: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [البقرة: 177]، يقول المفسرون: إنَّ المقصود بتولية الوجه شرقًا وغربًا الصلاةُ، أي ليس البرَّ أن تصلُّوا فقط ثم لا تعملوا، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ [العنكبوت: 45]، أو أن المقصود بها الأمم الأخرى الذين يتبعون عقائد تخالف عقيدة الإسلام، وفي هذا حرصٌ وتوجيهٌ ليحافظ المسلمون على التصورات العقائدية والتشريعات التي أنزلها الله تعالى إليهم، فبيَّن الله حقيقةَ البِرِّ بأنه يتضمن الإيمان بالله والملائكة والرسل والكتب المنزلة، والكرم والتصدق والعطف على المحتاجين، وتحرير العبيد، والالتزام بالفروض والواجبات، والوفاء بالعهود، والصبر في البأساء والضراء... إلخ، وهنا يبين الله تعالى أن رؤية المسلم متوازنةٌ ومكوَّنَةٌ من عدة عناصر تجتمع مع بعضها حتى تقدم صورةً متكاملةً للنمط الذي ينبغي أن يتمثَّله المسلم في سعيه في هذه الحياة الدنيا، فلا يركن إلى جانبٍ واحدٍ، ويعتقد أن فيه خلاصه ونجاته، بل عليه أن يصيب من وجوه الخير المختلفة بنصيب مناسب لإمكاناته التي وهبه الله إياها، وأن يوفِّي الحدَّ الأدنى الذي افترضه الله عليه فيها على الأقل، ثم يزيد بعد ذلك رغبة في نيْل رضا الله وعفوه.
إنَّ تحقُّقَ المسلمِ بهذه الصفات الرَّاقية تجعل منه نموذجًا يُحتذى، ويكون عنوانًا على الإسلام وتوجيهاته، فينال بذلك حسن الثواب في الدنيا والآخرة؛ ولذا ختم الله تعالى الآية التي تتحدَّث عن البرِّ بقوله: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾، وقال عن الأبرار وعاقبتهم في أكثر من موضع في القرآن الكريم: ﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ۞ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ ۞ كِتَابٌ مَرْقُومٌ ۞ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ۞ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ ۞ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ ۞ يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ ۞ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ [المطففين: 18-26]، وأيضًا: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا﴾ [الإنسان: 5].
وأعظم البِرِّ بِرُّ الوالدين، الذي قَرَنَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم بالصلاة والجهاد؛ فعن ابن مسعود رضي الله عنهما أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أي الأعمال أفضل؟ فقال: «الصَّلاَةُ لِوَقْتِهَا، وَبِرُّ الوَالِدَيْنِ، ثُمَّ الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ» رواه البخاري.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الأبرار الذين ذكرهم في كتابه، وأن يرزقنا ثوابهم ويحشرنا معهم يوم أن نلقاه.
المصادر:
- "تفسير الطبري" (3/ 336) وما بعدها.
- "البر" للدكتور رمضان بسطاويسي محمد، ضمن "موسوعة الأخلاق" (ص: 175، ط. المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية).
 

لا ينجح في هذه الحياة من لا يعيش بالأمل، ولا يُقَدِّمُ شيئًا نافعًا لنفسه أو لمجتمعه -فضلًا عن العالم الذي يعيش فيه- من يتملَّكُه اليأس، ومن هنا كان حرص الإسلام على توجيه أتباعه إلى ضرورة التحلِّي بالأمل الإيجابي ونبذ اليأس السلبي، وفي الوقت ذاته كان حرص الإسلام بنفس الدرجة على رفض الأمل الزائف غير الواقعي الذي يجعل الإنسان هائمًا في خيالات لا تَمُتُّ للواقع بصلة؛ فالإسلام يحض المسلمين على إدراك واقعهم والتفاعل معه وإصلاحه ونفع العالمين.


يقدِّرُ الإسلام نوازع النفس البشرية التوَّاقة إلى تحصيل الخير والمحتاجة إلى تقويم الانحراف في آنٍ واحد، لذا فإن الإسلام يقدِّر أهمية الجزاء أو المكافأة على العمل، ويوليها ما تستحق من اهتمام؛ تحفيزًا للنفس البشرية على فعل الخيرات واجتناب المنكرات.


الإسلام دين المثالية والنزاهة والكمال الإنساني، يأخذ بيد الإنسان لتحصيل الفضائل والوقوف على منطقة الكمال من قواه الإنسانية -العقلية والشهوية والغضبية- فيكون محصلًا لأسمى مكارم الأخلاق، وقد قيل إنه ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من قوله تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: 199]، لأن الأمر بالعرف غاية الحكمة التي هي منطقة الكمال في القوة العقلية، والإعراض عن الجاهلين غاية الشجاعة التي هي منطقة الكمال في القوة الغضبية، وأخذ العفو غاية العفة التي هي منطقة الكمال في القوة الشهوية، فالجامع بين أمهات كمالات الإنسان الثلاث: الحكمة والشجاعة والعفة.


الوفاء ضد الغدر، وله أنواع: وفاء بالعهود، ووفاء بالعقود، ووفاء بالوعود. أما عن الوفاء بالعهود، فيقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ [البقرة: 40]، أما عن الوفاء بالعقود، فيقول الله سبحانه وتعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1]. أما عن الوفاء بالوعود فيقول الله سبحانه: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا﴾ [مريم:54]. وفى السنة النبوية المطهرة حث من النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم على الوفاء، وأن من حافظ على ذلك فإن الجنة موعده، فعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ


أظهرت شمائل هذا الدين الحنيف عجبًا في موقفها من العالمين، فما إن امتد شعاع الدعوة في عتمة الجاهلية ومست أنوار النبوة تلك القلوب المظلمة إلا وتحولت هذه القلوب بقوالبها إلى طاقة إيجابية تتعامل بالحب والرفق مع جميع المخلوقات على السواء.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 02 ديسمبر 2025 م
الفجر
5 :2
الشروق
6 :34
الظهر
11 : 44
العصر
2:35
المغرب
4 : 55
العشاء
6 :17