26 يوليو 2017 م

«وَأيْمُ اللهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا»

«وَأيْمُ اللهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا»

 أخرج البخاريُّ ومسلمٌ وغيرهما عَنْ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالت: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وآله وسَلمَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمِ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمِ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَد، وَأيْمُ اللهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا».
- حكاية الحديث وسببه:
عَنْ السيدة عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ المَرْأَةِ المَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وآله وسَلمَ؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلاَّ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسُولِ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وآله وسَلمَ، فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وآله وسَلمَ: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ» ؟!، ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَأيْمُ اللهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا». أخرجه مسلم والنسائي.
قال الإمام ابن دقيق العيد: [فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى امْتِنَاعِ الشَّفَاعَةِ فِي الْحَدِّ بَعْدَ بُلُوغِهِ السُّلْطَانَ، وَفِيهِ تَعْظِيمُ أَمْرِ الْمُحَابَاةِ لِلْأَشْرَافِ فِي حُقُوقِ اللهِ تَعَالَى.
وَلَفْظَةُ: "إنَّمَا" هَهُنَا دَالَّةٌ عَلَى الْحَصْرِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْحَصْرِ الْمُطْلَقِ مَعَ احْتِمَالِ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ كَانَتْ فِيهِمْ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ تَقْتَضِي الْإِهْلَاكَ، فَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى حَصْرٍ مَخْصُوصٍ؛ وَهُوَ الْإِهْلَاكُ بِسَبَبِ الْمُحَابَاةِ فِي حُدُودِ الله، فَلَا يَنْحَصِرُ ذَلِكَ فِي هَذَا الْحَدِّ الْمَخْصُوصِ، وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «وَأيْمُ الله لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا»، عَلَى أَنَّ مَا خَرَجَ هَذَا الْمَخْرَجَ مِنْ الْكَلَامِ الَّذِي يَقْتَضِي تَعْلِيقَ الْقَوْلِ بِتَقْدِيرِ أَمْرٍ آخَرَ لَا يَمْنَعُ، وَقَدْ شَدَّدَ جَمَاعَةٌ فِي مِثْلِ هَذَا.
وَمَرَاتِبُهُ فِي الْقُبْحِ مُخْتَلِفَةٌ] اهـ.
- أما عن زمن هذه الحادثة:
فهو في غَزْوَةِ الْفَتْحِ -كما في "سنن النسائي".
- وأما من هي المرأة:
فهي فاطمة بنت أبي الأسد، بنت أُخَي أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد الذي كان زوج أم سلمة رضي الله عنها قبل وفاته وزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بها؛ قاله عبد الغنى بن سعيد، والحافظ ابن حجر.
وقال ابن سعد: وفي رواية أهل المدينة وغيرهم من أهل مكة -أن التي سرقت فقطع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم يدها أم عمرو بنت سفيان بن عبد الأسد.
- ونوع السرقة:
حُلِيٌّ كانت تستعيره –تستلفه- من النساء، ثم تنكر أنها أخذته.
قال الحافظ ابن حجر: [أخبرنا ابن نمير، عن الأجلح، عن حبيب بن أبي ثابت -يرفع الحديث- أنَّ فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد سرقت على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حُلِيًّا، فاستشفعوا على النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بغير واحدٍ، وكلَّموا أسامة بن زيد ليكلِّم رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، -وكان يُشَفِّعَه-، فلما أقبل أسامة، ورآه النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلَّم قال: «لا تكلّمني يا أسامة، فإنّ الحدود إذا انتهت إليَّ فليس لها مَتْرَكٌ، ولو كانت بنت محمّدٍ فاطمة لقطعتها»، وفى رواية أخرى -أخرجها الحاكم: عَنْ مَسْعُودٍ بن الأسود قَالَ: لَمَّا سَرَقَتْ تِلْكَ الْمَرْأَةُ الْقَطِيفَةَ مِنْ بَيْتِ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ أَعْظَمْنَا ذَلِكَ، وَكَانَتِ امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ، فَجِئْنَا رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، فَكَلَّمْنَاهُ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، نَحْنُ نَفْدِيهَا بِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً. قَالَ: «تَطَّهَّرُ خَيْرٌ لَهَا»، فَلَمَّا سَمِعْنَا مِنْ قَوْلِ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ أَتَيْنَا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَقُلْنَا: اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فِي شَأْنِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ نَحْنُ نَفْدِيهَا بِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ جِدَّ النَّاسِ فِي ذَلِكَ قَامَ خَطِيبًا، فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، مَا إِكْثَارُكُمْ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ الله وَقَعَ عَلَى أَمَةٍ مِنْ إِمَاءِ الله؟! وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ نَزَلَتْ بِالَّذِي بِهِ هَذِهِ الْمَرْأَةُ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا»، قَالَ: فَأَيِسَ النَّاسُ، وَقَطَعَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ يَدَهَا، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ الله بْنُ أَبِي بَكْر رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ يَرْحَمُهَا وَيَصِلُهَا. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ بِهَذِهِ السِّيَاقَةِ] اهـ.
وأخرج أبو عوانة في "مستخرجه" عن عَائِشَة رضي الله عنها قالت: "فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا وَتَزَوَّجَتْ، فَكَانَتْ تَأْتِينِي بَعْدَ ذَلِكَ فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ".

المصادر:
"إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" (2/ 248).
"الغوامض والمبهمات" (ص: 104).
"الإصابة في تمييز الصحابة" (8/ 269)
"الإصابة في تمييز الصحابة" (8/ 270)
"المستدرك" (4/ 421)
"مستخرج أبي عوانة" (4/ 117)

مبدأ إنزال الناس منازلهم يحتوي على أقصى درجات الحكمة في التعامل مع الناس، وهو طريق إلى كسبهم في صف الحقِّ والحقيقة، وكما يكون تحقيق هذا المبدأ بالكلام يكون تحقيقه بالفعل، وإليك هذا الشاهد النبوي العظيم في إنزال الناس منازلهم قولًا وفعلًا، والذي كان سببًا في إسلام عدي بن حاتم. قال ابن هشام رحمه الله: قال عدي بن حاتم: [فخرجت حتى أقدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة، فدخلت عليه وهو في مسجده فسلمت عليه، فقال: «مَنِ الرجل؟» فقلت: عدي بن حاتم، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فانطلق بي إلى بيته، فوالله إنه لعامدٌ بي إليه إذ لقيَته امرأة


قال تعالى: ﴿اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي ۝ اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى ۝ فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى ۝ قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى ۝ قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى﴾ [طه: 42-46].


عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْـحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، وَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلاَ يَأْخُذْ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ».


عن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ قَالَ: «مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا» رواه البخاري.


تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، لقد تحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا عن الفتن، حفظ من حفظ ونسي من نسي


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 15 يونيو 2025 م
الفجر
4 :7
الشروق
5 :53
الظهر
12 : 55
العصر
4:31
المغرب
7 : 58
العشاء
9 :31