13 سبتمبر 2017 م

"وَقْعُ المعصيَة عَلى المُؤمن وعلى الفَاجر"

"وَقْعُ المعصيَة عَلى المُؤمن وعلى الفَاجر"

عَنِ الحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه حَدِيثَيْنِ: أَحَدُهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، وَالآخَرُ عَنْ نَفْسِهِ، قَالَ: «إِنَّ المُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ» فَقَالَ بِهِ هَكَذَا، قَالَ أَبُو شِهَابٍ رضي الله عنه: بِيَدِهِ فَوْقَ أَنْفِهِ.
في هذه الموعظة الواردة عن سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يُبَيِّنُ وَقْع المعصية على كلٍّ من المؤمن والفاجر؛ فهي ثقيلةٌ على المؤمن ثقل الجبل الذي يخشى من ثقله إذا وقع، وهي خفيفة على الفاجر خفَّة ذبابٍ يقع على الأنف وسرعان ما يغادرها.
- والسؤال الآن: لماذا كانت المعصية بهذا الثِّقل والاهتمام باجتنابها عند المؤمن في حين هي بهذه الخفَّة والاستهتار عند الفاجر؟
ويجيب على هذا السؤال الإمام ابن أبي جمرةَ -شارح صحيح البخاري- بقوله: [السبب في ذلك أن قلب المؤمن منوَّرٌ فإذا رأى من نفسه ما يخالف ما يُنوِّرُ به قلبَه عظُم الأمر عليه.
والحكمة في التَّمثيل بالجبل أنَّ غيره من المهلكات قد يحصل التسبب إلى النَّجاة منه، بخلاف الجبل إذا سقط على الشخص لا ينجو منه عادةً.
وحاصله: أنَّ المؤمن يغلب عليه الخوف لقوَّةِ ما عنده من الإيمان، فلا يأمن العقوبة بسببها، وهذا شأن المسلم أنه دائمُ الخوف والمراقبة، يستصغر عمله الصَّالح ويخشى من صغير عمله السَّيِّءِ] اهـ.
أما بالنسبة للفاجر [فـالسبب في ذلك أن قلب الفاجر مظلمٌ فوقوع الذنب خفيفٌ عنده، ولهذا تجد من يقع في المعصية إذا وُعظ يقول هذا سهلٌ] اهـ.
ويجيب عليه أيضًا العلَّامة المحبُّ الطَّبَريُّ بقوله: [إنما كانت هذه صفة المؤمن لشدَّةِ خوفه من الله ومن عقوبته؛ لأنه على يقينٍ من الذَّنب، وليس على يقينٍ من المغفرة، والفاجرُ قليلُ المعرفة بالله؛ فلذلك قلَّ خَوفه، واستهان بالمعصية] اهـ.
وفي المقابل فإنَّ من مقتضيات تلك الصفات عند المؤمن والفاجر أن قلَّة خوفِ المؤمن ذنوبه وخفته عليه يدل على فجوره.
- والسؤال التالي: إذا كان الأمر كذلك فما الموقف السليم للمؤمن تجاه ما يمكن أن يقع فيه من المعاصي؟
ويجيب على هذا السؤال الإمام ابن بطال -شارح البخاري- بقوله: [يؤخذ منه أنه ينبغي أن يكون المؤمن عظيم الخوف من الله تعالى من كل ذنبٍ صغيرًا كان أو كبيرًا؛ لأن الله تعالى قد يعذب على القليل؛ فإنه لا يسأل عما يفعل سبحانه وتعالى] اهـ.
وقد جاءت روايات تحذِّر من الاستهتار بالمعصية؛ حتى ولو كانت صغيرة؛ فقد روى أحمد وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول: «يَا عَائِشَةُ، إِيَّاكِ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّ لَـهَا مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ طَالِبًا» وعن ابن مسعود مرفوعًا: «إياكم ومُحَقَّراتَ الذنوب، فإنهن يجتَمعْن على الرجل حتى يُهْلِكْنَه» رواه أحمد.
وقال أنسٌ رضي الله عنه: "وَاللهِ، إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالًا هِيَ أَدَقُّ فِي أَعْيُنِكُمْ مِنَ الشَّعَرِ، كُنَّا نَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ مِنَ الْمُوبِقَاتِ" رواه البخاري وأحمد.
وكان الإمام أحمد بن حنبل يمشي في الوَحلِ ويتوقَّى، فغاصَت رجله فخاض، وقال لأصحابه: "هكذا العبدُ لا يزال يتوقَّى الذُّنوبَ فإذا واقعها خاضها". ذكره ابن عقيل وغيره.
ولا يخلو الحديث من فوائد في الرَّدِّ على بعض الشُّبه عند بعض الفِرق؛ فالحديث فيه دليلٌ لأهل السُّنة؛ لأنهم لا يكفِّرون بالذُّنوب، وردٌّ على الخوارج وغيرهم ممن يكفِّرُ بالذُّنوب.
المصادر
- "فتح الباري شرح صحيح البخاري".
- "شرح ابن أبي جمرة على صحيح البخاري".
- "شرح ابن بطال على صحيح البخاري".
- "الآداب الشرعية والمنح المرعية" لابن مفلح الحنبلي.
 

عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ السُّوَائِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ لَا يُطِيلُ الْمَوْعِظَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إِنَّمَا هُنَّ كَلِمَاتٌ يَسِيرَاتٌ". إن القصد في الكلام من الأدب الإسلامي الرفيع، وسمة الشخصية المعتدلة التي يتخلق صاحبها بالخلق الإسلامي النبيل، فيبدو رزينًا في مجلسه هادئًا في تصرفاته يكسوه الوقار وتعلوه الهيبة، فلا ينطلق لسانه بالقول في كلِّ مجال، ولا يقحم نفسه في أحاديث الناس حتى لا يقع في الموبقات.


عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ رضي الله عنه، قَالَ: لَمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، قَسَمَ فِي النَّاسِ فِي المُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا، فَكَأَنَّهُمْ وَجَدُوا إِذْ لَمْ يُصِبْهُمْ مَا أَصَابَ النَّاسَ، فَخَطَبَهُمْ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللهُ بِي، وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمُ اللهُ بِي، وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللهُ بِي» كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ، قَالَ: «مَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تُجِيبُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ». قَالَ: كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا، قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ، قَالَ: «لَوْ شِئْتُمْ


جاء عن حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو رِفَاعَةَ: "انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، رَجُلٌ غَرِيبٌ، جَاءَ يَسْأَلُ عَنْ دِينِهِ، لَا يَدْرِي مَا دِينُهُ، قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَتَرَكَ خُطْبَتَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَيَّ، فَأُتِيَ بِكُرْسِيٍّ، حَسِبْتُ قَوَائِمَهُ حَدِيدًا، قَالَ: فَقَعَدَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَجَعَلَ يُعَلِّمُنِي مِمَّا عَلَّمَهُ اللهُ، ثُمَّ أَتَى خُطْبَتَهُ، فَأَتَمَّ آخِرَهَا". رواه مسلم. يحمل هذا الحديث رافدًا جديدًا من روافد التعامل مع المواقف وفق منهج الحكمة والموعظة الحسنة؛ فها هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقطع خطبته لأمرٍ من المؤكد أنه من الأمور الهامة، وإلا لما قطع خطبته.


عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَشْكُرُ اللهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ» رواه أبوداود في "سننه". جاء في سبب ورود هذا الحديث ما أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (41/ 147)، عن مالك بن أنس عن الزهري عن أبي حدرد أو ابن أبي حدرد الأسلمي رضي الله عنهم قال: تذاكرنا يومًا في مسيرنا الشكر والمعروف، فقال محمد بن مسلمة رضي الله عنه: كنا يومًا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال لحسان بن ثابت رضي الله عنه: «أَنْشِدْنِي قَصِيدَةً مِنْ شِعْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ وَضَعَ عَنْكَ آثَامَهَا فِي شِعْرِهَا وَرِوَايَتِهَا»، فَأَنْشَدَهُ قَصِيدَةً هَجَا بِهَا الأَعْشَى عَلْقَمَةَ بْنَ عُلاثَةَ: عَلْقَمُ مَا أَنْتَ إِلَى عَامِرِ ... النَّاقِضِ الأَوْتَارَ وَالْوَاتِرَ


قال تعالى: ﴿اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي ۝ اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى ۝ فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى ۝ قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى ۝ قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى﴾ [طه: 42-46].


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 31 يوليو 2025 م
الفجر
4 :35
الشروق
6 :13
الظهر
1 : 1
العصر
4:38
المغرب
7 : 49
العشاء
9 :16