13 نوفمبر 2017 م

الإصلاح بين الناس

الإصلاح بين الناس

 من الطبيعي أن يثور الغضب بين الناس لتجاوزٍ وَقَعَ من أحدهم، أو لسوءِ فهمٍ وقع من آخر، أو لعدمِ ارتياحٍ نشأ عند التعامل... إلخ، وفي كثيرٍ من الأحيان يقع الخصام ويشتعل النزاع بين الناس بسبب هذا الغضب، وقد أرشدنا الله تعالى ونبيُّه سيدنا محمدٌ صلى الله عليه وآله وسلم إلى خُلُقٍ عظيم، يجدر بكلِّ مسلمٍ أن يتخلَّق به، ويمارسه في حياته، وهو خُلُقُ "الإصلاح بين الناس" حيث يسعى المرء إلى الإصلاح بين المتخاصمين، والغاضبين من إخوانهم، بإزالة سوء الفهم، والتخفيف من حدَّة الغضب، والنصح للمتجاوز في حقِّ غيره بالتَّراجُعِ عن هذا التَّجاوُز، وردِّ الحقوق لأصحابها أو العفوِ عنها من أصحابها... إلخ.
لقد وصف الله تعالى الذين يتحدثون عن الإصلاح بين النَّاس بالخيرية، ووعدهم بالثَّواب والأجر العظيم إذا فعلوه ابتغاءَ مرضاةِ الله؛ قال تعالى: ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 114]، وقال أيضًا: ﴿فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾ [الأنفال: 1]، وقال في شأن الإصلاح بين الزوجين؛ حفاظًا على الأسرة واستمرارًا للعشرة والمودَّةِ بين الزوجين: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾ [النساء: 35]، وأباح الله سبحانه وتعالى للمرأة -إن شاءتْ- أن تسلك سبيل الصلح مع زوجها بالتَّنازل له عن بعض حقوقها؛ استرضاءً له حتى تستمر العلاقة بينهما؛ فقال جلَّ شأنه: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) [النساء: 128].
وقد كان السعي بين المتخاصمين بالصُّلح من هَديِ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فحين عَلِمَ أنَّ أهلَ "قُباء" اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة، قال لأصحابه: «اذْهَبُوا بِنَا نُصْلِحُ بَيْنَهُمْ» رواه البخاري، وسأل أصحابه مرَّةً، فقال لهم: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ» قالوا: "بلى"، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «صَلَاحُ ذَاتِ البَيْنِ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ البَيْنِ هِيَ الحَالِقَةُ» ورُوي عنه أنه قال: «هِيَ الحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ» رواه الترمذي؛ ففساد ذاتِ البَيْنِ مَهْلَكَةٌ للمجتمع تستأصل منه الدِّينَ، وإصلاح ذات البَيْنِ فيه قوة المجتمع واتحاده وعدم تفرُّقه، وهو المأمور به من الله سبحانه وتعالى في قوله: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ [آل عمران: 103].
وبيَّنَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن الكذب مباح للإصلاح بين الناس؛ فقال: «لَيْسَ الكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، فَيَنْمِي خَيْرًا، أَوْ يَقُولُ خَيْرًا» رواه البخاري، فيكذب المرء من أجل أن يزيل الشحناء والبغضاء من قلوب المتخاصمين، ويجمع بينهم في الخيرِ والمودَّةِ والتَّعاون.
وقد كان هذا الخُلُقُ دأبَ الصحابة رضوان الله عليهم؛ حيث كانوا يعملون على تأليف القلوب وإصلاح ذات البَيْنِ، وفي أقسى الأزمات التي وقعت بعد عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين المسلمين ما حدث بنهاية خلافة سيدنا عثمان وخلافة سيدنا علي رضي الله عنهما من خلافٍ بين المسلمين بلغ حدَّ الاقتتال في بعض الأحيان، في هذه الأحداث يمكننا أن نرى العديد من صور التدخل من الصحابة رضي الله عنهم للإصلاح بين الفِرق المختلفة والتأليف بين قلوبهم، واعتزال كثيرٍ منهم للقتال حتى يتمكَّنوا من السَّعي بينهم بالصلح، وبالرغم من صعوبة هذا المشهد إلا أنَّ هذه الجهود أسفرت في التخفيف من حدَّة الاقتتال، وإيقافه فترات طويلة، واتِّبَاعِ سُبُلِ الحوار والمفاوضة، حتى أثمرت حلًّا للأزمة وإيقافًا للقتال، وإعادةَ اتِّحادِ الأمة واجتماعها على كلمةٍ سواء.
المصادر:
- "تفسير الطبري".
- "شرح النووي على مسلم".
- "تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي" للمباركفوري.
- "الصلح بين الناس" للدكتور إبراهيم عبد الشافي إبراهيم، ضمن "موسوعة الأخلاق" (ط. المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية).

الإنصاف خلق كريم، يُقرِّر حق كل شخص تجاه نفسه وتجاه غيره، فهو تطبيق لقيمة العدل، الذي هو أصل منظور الإسلام للكون والحياة، الذي تقوم عليه فلسفة الإسلام ومنهجه، وهذا الخلق الراقي يقتضي أن ينظر الإنسان إلى نفسه وغيره نظرًا موضوعيًّا متوازنًا، فيعرف حق نفسه عليه، فيما ينبغي أن يوفره لها من علم وقرب إلى الله وسياسة جسده حتى يقوى على تحمل ما يلزمه من واجبات وما يتطلع إلى تحقيقه من طموحات وتقدير ما يمكنه القيام به وما لا يمكنه


مَنَحَ الله الإنسانَ نعمًا شتى لا تحصى، ومِنْ شُكْرِ الله على نِعَمِه استخدامها فيما أمر به، وإمساكها عن ما نهى عنه، واللسان من هذه النعم العظيمة، التي يعبر بها الإنسان عن نفسه وأفكاره وأحواله المختلفة، فبه ينطق بكلمة الإيمان


يعد الاختلاف من سنن الله تعالى في الكون، فكل مظاهر الكون والحياة تُعبِّر عن هذه الحقيقة، فالكون كله في تنوع واختلاف وتباين، سماء وأرض ونجوم وكواكب وجبال وسهول وصحاري ووديان وبحار وأنهار وأنواع لا تعد ولا تُحصى من الأشجار والنباتات والثمار والكائنات الحية على اليابسة أو في المياه، والإنسان كذلك مختلفة أجناسه وأعراقه وألوانه ولغاته، وهو ذكر وأنثى، وينتقل في أطوار مختلفة، من الطفولة إلى المراهقة، إلى الشباب والفتوة، إلى الكهولة إلى الشيخوخة، وعلى مستوى التفكير والإدراك يشعر الإنسان في خاصة نفسه بتغير أطوار فكره ومعرفته وإدراكه لحقائق الأمور وتباين وجهة نظره إزاءها حينًا بعد آخر.


الكرب بفتح الكاف وسكون الراء هو ما يُحزِنُ المرء، ويجعله في غم وهم، ومعنى تفريج الكربات: رفع الضر وإذهاب ما يدهم الإنسان ويأخذ بنفسه فيغمه ويحزنه. وقد كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو المثل الأعلى في القدوة والتأسى به، فقد ورد عن أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله تعالى في وصفها لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، عند بدء نزول الوحي، قالت: "وَاللهِ مَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا، إِنكَ لَتَصِلُ الرحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَل، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ،


ما يظن الإنسان أنه يملكه، لا يملكه في الحقيقة، وإنما هو مستخلف في إدارته والتعامل به، وهو تارك لكل ما يملك عند الموت، ومحاسب من الله عز وجل على كيفية إدارته له وتعامله به. إن إدراك الإنسان لهذه الحقيقة هو الطريق الأساسي للتحلي بفضيلة الزهد، التي تجعل الإنسان متصلًا بالله


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 16 سبتمبر 2025 م
الفجر
5 :12
الشروق
6 :40
الظهر
12 : 50
العصر
4:19
المغرب
6 : 59
العشاء
8 :17