05 ديسمبر 2017 م

"الأوقات الميسَّرة التي حضَّ رسول الله ﷺ عموم الخلق على الاستعانة بها في طريق عبادة الله سبحانه وتعالى"

"الأوقات الميسَّرة التي حضَّ رسول الله ﷺ عموم الخلق على الاستعانة بها في طريق عبادة الله سبحانه وتعالى"

 عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ» متفق عليه.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "الفتح": [والمعنى: لا يتعمق أحدٌ في الأعمال الدينيَّة، ويترك الرِّفق إلا عجز وانقطع، فَيُغْلَب.. ثُمَّ قال:.. قال ابن المنير: في هذا الحديث علم من أعلام النبوة؛ فقد رأينا ورأى النَّاس قبلنا أن كل متنطِّعٍ في الدين ينقطع، وليس المراد منع طلب الأكمل في العبادة، فإنه من الأمور المحمودة، بل منع الإفراد المؤدي إلى الملال، أو المبالغة في التطوع المفضي إلى ترك الأفضل، أو إخراج الفرض عن وقته، كمن بات يصلي الليل كله ويغالب النوم، إلى أن غلبته عيناه في آخر الليل، فنام عن صلاة في الجماعة، أو إلى أن خرج الوقت المختار، أو إلى أن طلعت الشمس، فخرج وقت الفريضة، وفي حديث محجن بن الأدرع رضي الله عنه عند أحمد: لن تنالوا هذا الأمر بالمبالغة، وخير دينكم أيسره، وقد يستفاد من هذا الإشارة إلى الأخذ بالرخصة الشرعية؛ فإن الأخذ بالعزيمة في موضع الرخصة تنطُّع، كمن يترك التيمُّم عند العجز عن استعمال الماء، فيفضي استعماله إلى حصول الضرر. انتهى]. اهـ.
وقال الإمام ابن رجب الحنبلي: [والتسديد: العمل بالسداد، وهو القصد والتوسط في العبادة، فلا يقصِّر فيما أمر به، ولا يتحمل منها ما لا يطيقه]. اهـ.
وقد وضح الإمام النووي معنى التسديد والمقاربة توضيحًا جامعًا؛ فقال: [«فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا»: اطلبوا السَّداد، واعملوا به، وإن عجزتم عنه فقاربوه؛ أي: اقتربوا منه، والسَّداد: الصواب، وهو بين الإفراط والتفريط، فلا تغلوا ولا تقصروا]. اهـ.
وفي زماننا هذا الذي نعيشه لطالما تعلَّل المتعلِّلون في التفريط والتقصير في جناب الله والقيام بحقِّ الله سبحانه وتعالى فيما افترضه على العباد وفيما حثَّ عليه من المندوبات والمستحبات ونوافل العبادات، بالانشغال بطلب المعيشة والبحث عن الرزق والقيام بشئون الأولاد والعيال.
ولا شكَّ أن السعي من أجل كفاية الأهل والعيال من الأعمال الجليلة الصالحة التي لها ثوابها العظيم، ولكن يمكن لهؤلاء الذين انشغلوا بتلك المهمة أن يستعينوا بهدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونصحه لعموم المسلمين بالاستعانة بتلك الأوقات الثلاثة في عبادته سبحانه وتعالى، فهي أوقات ثلاثة محددة لا تضر بطلب الأرزاق وليس فيها مشقة تؤدي إلى العسر ومنافاة اليسر، وبالإضافة إلى ذلك يقول عنها الدهلوي: [هَذِه الْأَوْقَات أَوْقَات نزُول الرَّحْمَة وصفاء لوح الْقلب من أَحَادِيث النَّفس] اهـ.
والأوقات الثلاثة كما حددها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هي:
- الغدوة: أول النهار قبل شروق الشمس.
- الروحة: آخر النهار قبل غروب الشمس.
- شيء من الدُّلجة: ولو ركعتان في الثلث الأخير من الليل.
والإنسان في استعماله لهذه الأوقات الثلاثة وصولًا إلى الآخرة يكون كالمسافر الذي يقطع الطريق غالبًا في هذه الأوقات وصولًا إلى النهاية المنشودة؛ يقول ابن هبيرة: [فقد جعل صلى الله عليه وآله وسلم الآخرة غاية، والأعمار طرقًا تسلك إلى الغاية، فكأنه قال: استعينوا على قطع هذا الطريق بالغدوة والروحة، إذ كلُّ مسافرٍ على المعهود إنما يقطع سفره بغدوة وروحة، فأراد صلى الله عليه وآله وسلم: كونوا في سيركم إلى الآخرة بقطع الأعمار على المعهود من سير جماهير المسافرين] اهـ.
المصادر
- "فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن حجر العسقلاني.
- "فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن رجب الحنبلي.
- "شرح النووي على مسلم".
- "حُجَّةُ اللهِ البالغة" للدَّهلوي.
- "الإفصاح عن معاني الصحاح" لابن هبيرة.

روى البخاري في "صحيحه" عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: بعث علي رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذُهَيْبَة فقسمها بين الأربعة: الأقرع بن حابس الحنظلي ثم المجاشعي، وعيينة بن بدر الفزاري، وزيد الطائي ثم أحد بني نبهان، وعلقمة بن علاثة العامري ثم أحد بني كلاب، فغضبت قريشٌ والأنصار، قالوا: يعطي صناديد أهل نجد ويدعنا قال: «إِنَّمَا أَتَأَلَّفُهُمْ»، فأقبل رجل غائر العينين مشرف الوجنتين ناتئ الجبين كثّ اللَّحية محلوق، فقال: اتق الله يا محمد، فقال: «مَنْ يُطِعْ اللهَ إِذَا عَصَيْتُ، أَيَأْمَنُنِي اللهُ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَلَا تَأْمَنُونِي»، فسأله رجلٌ قتْلَه -أحسَبُه خالد بن الوليد رضي الله عنه-، فَمَنَعَهُ، فلما ولّى قال: «إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا -أَوْ فِي عَقِبِ هَذَا- قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ، لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ قَتَلْتُهُمْ قَتْلَ عَادٍ» متَّفق عليه.


عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ هَذَا الدُّعَاءَ كَمَا يُعَلِّمُهُمُ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ؛ يَقُولُ: «قُولُوا: اللهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ» رواه مسلم.


عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: «يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ، فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ» متفق عليه. من الذنوب ما ضررُه عظيمٌ، وسوءُ أثره في المجتمع كبير؛ كالقتل والزِّنى وشرب الخمر والسرقة وشهادة الزور وقطيعة الرحم وأكل مال اليتيم. وهذا النوع يسمى بالكبائر لكبر المفسدة فيه، وللوعيد الشديد عليه، ولهذا النوع درجات بحسب الضَّرر الذي فيه، فكلما كانت دائرته أوسع كان في الكبر أدخل.


عن عبادة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ العَمَلِ» رواه البخاري.


يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لاَ تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا» رواه أحمد. حرص الإسلام على دفع الإنسان دفعًا متواصلًا وحثيثًا لتحقيق عمارة الأرض التي استُخْلِفَ فيها، والاستفادة مما سخَّره الله فيها لينفع نفسه وغيره في تحقيق حاجاته وإشباعها؛ قال تعالى: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾ [هود: 61]، فــقوله: ﴿اسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ أي: جعلكم عُمَّارها وسكَّانها؛ قال الإمام الضحاك: [أمركم بعمارة ما تحتاجون إليه فيها من بناء مساكن وغرس أشجار] اهـ، وقال الإمام ابن العربي: [قال بعض علماء الشافعية: الاستعمار طلب العمارة، والطلب المطلق من الله تعالى على الوجوب] اهـ. فالآية تؤكد وجوب عمارة الأرض.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 02 مايو 2025 م
الفجر
4 :36
الشروق
6 :11
الظهر
12 : 52
العصر
4:29
المغرب
7 : 33
العشاء
8 :58