09 يناير 2018 م

حيثيات تفضيل العالِم على العابد

حيثيات تفضيل العالِم على العابد

 قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ» رواه أبو داود.
يقول الإمام أبو طالبٍ المكي: [وروينا في لفظ أبلغ من هذا: «كَفَضْلِي عَلَى أُمَّتِي»] اهـ، وفي روايةٍ: «كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ» رواه الترمذي.
وهنا تثور عدة أسئلة:
السؤال الأول: هل يقصد بالعالِم هنا في الحديث أو العابِد خلوَّ أحدهما عن الآخر، بحيث إن التفضيل بين عالِمٍ مجرَّدٍ لم يعمل شيئًا، وعابدٍ مجرَّدٍ لا يعلم شيئًا؟
يجيب على ذلك الإمام المناوي في "فيض القدير" بقوله: [ولا نظن أن العالِم المفضل عارٍ عن العَمل، ولا العابدَ عن العِلمِ، بل إن عِلْمَ ذلك غالبٌ على عمَلِهِ، وعَمَلَ هذا غالبٌ على عِلْمِهِ] اهـ.
ويكمل الإمام المناوي -نقلًا عن الإمام الطيبي- توضيح ملاحظته في موضعٍ آخر بقوله: [وَهَذَا التَّشْبِيهُ يُنَبِّهُ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْعَالِمِ مِنْ الْعِبَادَةِ وَلِلْعَابِدِ مِنْ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ تَشْبِيهَهَا بِالْمُصْطَفَى وَبِالْعِلْمِ يَسْتَدْعِي الْمُشَارَكَةَ فِيمَا فُضِّلُوا بِهِ مِنْ الْعِلْمِ، وَالْعَمَلِ. كَيْفَ لَا؟، وَالْعِلْمُ مُقَدِّمَةٌ لِلْعَمَلِ وَصِحَّةُ الْعَمَلِ مُتَوَفِّقَةٌ عَلَى الْعِلْمِ] اهـ.
السؤال الثاني: ما المقصود بتفضيل العلم على العمل؟ أو بمعنىً آخر: ما هي الحيثية التي من طريقها فُضِّلَ العلمُ على العملِ؟
يجيب على ذلك الإمام الغزالي بقوله: [أحدها: أنه بالعلم يَزْكُو الْعَمَلُ الْقَلِيلُ، والثاني: عموم النفع لتعدى فائدته والعمل لا تتعدى فائدته] اهـ.
وهو ما يعبر عنه الإمام البيضاوي بقوله: [العبادة كمال ونور لازم ذات العابد لا يتخطاه فشابه نور الكواكب والعلم كمال يوجب للعالم في نفسه شرفًا وفضلًا ويتعدى منه إلى غيره فيستفيض نوره وكماله ويكمل بواسطته] اهـ.
فهذا هو سرُّ تشبيه العالِم بالقمر، والعابدِ بالكوكب، ولا ينسى هنا الإمام البيضاوي أن يكمل صورة التشبيه، فالقمر وإن كان يُنِيرُ لغيره، لكنه مُنَارٌ هو الآخر بغيره، يقول عن نور العالِم: [لكنه كمال ليس للعالم في ذاته بل نوره يتلقاه من المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فلذلك شبه بالقمر] اهـ.
ويُكمِلُ الإمام الغزالي حديثه فيقول: [والثالث: أن يراد به العلم بالله وصفاته وأفعاله فذلك أفضل من كلِّ عملٍ، بل مقصودُ الأعمالِ صرفُ القلوبِ عن الخَلقِ إلى الخالق؛ لتنبعث بعد الانصراف إليه لمعرفته ومحبَّته؛ فالعمل وعلم العمل مرادان لهذا العلم وهذا العلم غاية المريدين والعمل كالشرط له وإليه الإشارة بقوله تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ [فاطر: 10]، فالكلمُ الطَّيبُ هو هذا العلم والعمل كالحمال الرافع له إلى مقصده فيكون المرفوع أفضل من الرَّافع] اهـ.
الوجه الرابع: هو ما يبين الأثر الناجع والفائق بالنسبة للعلم على العبادة فيما يتعلق بالابتداع في الدين، ومعلومٌ الأثر السيء التي تحدثه البدعة في الدين؛ فيشير إلى ذلك صاحب "بريقة محمودية" بقوله: [(عِلَّةُ ذَلِكَ الْفَضْلِ: لِأَنَّ الشَّيْطَانَ يَبْتَدِعُ) يُحَسِّنُ (الْبِدْعَةَ لِلنَّاسِ) وَيُزَيِّنُهَا (فَيُبْصِرُهَا الْعَالِمُ) بِنُورِ عِلْمِهِ (فَيَنْهَى عَنْهَا) فَيَنْزَجِرُ (وَالْعَابِدُ مُقْبِلٌ عَلَى عِبَادَةِ رَبِّهِ لَا يَتَوَجَّهُ إلَيْهَا) لِعَدَمِ عِلْمِهِ أَوْ لِكَمَالِ تَوَجُّهِهِ لِعِبَادَتِهِ] اهـ.
وبطبيعة الأمر سيأتي السؤال الثالث: وما هو المآل العملي لهذا الفضل عند الله سبحانه وتعالى؟
يجيب على ذلك الإمام المناوي بقوله: [المراد بـ"الفضل": كثرة ثواب ما يعطيه الله للعبد في الآخرة من درجات الجنة، ولذَّاتها ومأكَلها ومشرَبها ونعيمها الجسماني، أو ما يمنح من مقاماتِ القربِ ولذَّةِ النَّظر إليه وسماع كلامه ولذَّة المعارف الإلهيَّة الحاصلة عند كشف الغطاء ونحو ذلك] اهـ.
من أجل هذا كان قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللهُ تَعَالَى بِهِ طَرِيقًا إلَى الْجَنَّةِ» رواه الترمذي.
يقول صاحب "بريقة محمودية": [لِلتَّسَبُّبِ بِهَا (بالجنة) وَقُوَّةِ إيصَالِهِ لِوُفُورِ الْأَجْرِ] اهـ.
المصادر:
- "فيض القدير" للمناوي.
- "قوت القلوب" لأبي طالب المكي.
- "بريقة محمودية" لأبي سعيدٍ الخادمي.
- "إحياء علوم الدين" لأبي حامد الغزالي.

عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرفوعًا أنه قال: "كُلُوا جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، فَإِنَّ الْبَرَكَةَ مَعَ الْجَمَاعَةِ" أخرجه الإمام ابن ماجه في "سننه". وعن وحشي بن حرب عن أبيه عن جده وحشي رضي الله عنه، أن أصحابَ النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قالوا: يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع، قال: «فَلَعَلَّكُمْ تَأْكُلُونَ مُتَفَرِّقِينَ؟»، قالوا: نعم، قال: «فَاجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ، يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ» أخرجه الإمامان أبوداود وابن ماجه في "سننهما".


عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» متفق عليه.


عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ» متفق عليه، واللفظ لمسلم.


جاء عن جابرٍ -واللفظ له- ومثله عن عثمان وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «رَحِمَ اللهُ عَبْدًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ سَمْحًا إِذَا اشْتَرَى سَمْحًا إِذَا اقْتَضَى»، وفي روايةٍ «وَإِذَا قَضَى» رواه البخاري. والسَّماحة: هي السُّهولة واليُسر، وبحسب موقع الشَّخص تكون تفاصيلُ صفةِ التَّسامح فيه، ويشير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث إلى أربع حالاتٍ من حالات المطالبة بالمسامحة؛ نظرًا لعِظم المسامحة وأجرِها فيها،


قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ذلك: «مَا مَلأ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرٌّا مِنْ بَطْنٍ، حَسْبُ الآدَمِيِّ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ غَلَبَتِ الآدَمِيَّ نَفْسُهُ؛ فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ، وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ، وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ» رواه أحمد في "مسنده". لا يوجد حديث يحكم أمر الطعام ومقدار الأخذ منه كما يرشد إليه هذا الحديث الشريف؛ فيُطلِقُ الحديث شرَّ الامتلاء في وعاء من الأوعية على البطن، فالبطن شرُّ وعاءٍ يُمْلَأ.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 02 أغسطس 2025 م
الفجر
4 :37
الشروق
6 :14
الظهر
1 : 1
العصر
4:38
المغرب
7 : 48
العشاء
9 :14