21 أكتوبر 2018 م

احترام الخصوصية

احترام الخصوصية

 تُعتبر قضايا الخصوصيَّة من القضايا الـملحَّة في العصر الحديث؛ بسبب التقدم التِّقَني والوسائل المستحدثة التي تعتمد على اختراق خصوصيَّة الإنسان بشكلٍ غيرِ مسبوق، للحَدِّ الذي أصبح فيه الإنسانُ في العصر الحديث كائنًا معلوماتيًّا، يتكوَّن من معلوماتٍ شتَّى تحصُل عليها وتستخدمها أطراف عديدة؛ كشركات التَّسويقِ والبنوك والاتصالات ومواقع التَّواصُلِ الاجتماعي على شبكة الإنترنت، وهو دائمًا مرصودٌ من آلاتِ تصويرٍ مثبَّتةٍ في الشوارع والميادين والمتاجر والمؤسَّسَات وغيرها، بل وصلت الأمورُ حدًّا جعل العميلَ مع مثل هذه الشركات والمستخدمَ لتلك المواقع شريكًا في كشف خصوصيَّةِ نفسه وأيضًا انتهاك خصوصيَّة الآخرين.
فبمجرد التعامل مع البنك أو الشِّراء من بعض المتاجر بواسطة بطاقات الائتمان أو تسجيل بعض البيانات الشَّخصيَّةِ على أحد المواقع؛ لاستخدامها وإتاحة حقِّ الحصول على بعض المعلومات الشخصيَّة الأخرى الموجودة على الأجهزة الخاصة بالإنسان، مثل أرقام الهواتف وعناوين البريد الإلكتروني للأصدقاء والأشخاص الذين يتعامل معهم، بمجرَّدِ حصول الشركات والمواقع على هذه المعلومات يتم تخزينها تلقائيًّا وتحليلها وتصنيفها من أجل الاستفادة بها وأحيانًا لبيعها، فيُفاجأ المرء برسائل على هاتفه أو بريده الإلكتروني من جهاتٍ مجهولةٍ لا صلة بينه وبينها تعرض عليه مواد أو ترسل إليه إعلانات لم يطلبْها، أو اقتراحاتٍ بإقامة صِلاتٍ مع أشخاصٍ معيَّنين، أو عرضِ إعلاناتٍ عن أشياء سبق البحثُ عنها، وكلُّ ذلك بسبب احتفاظ هذه الجهات التي سبق التعامل معها مباشرة أو بواسطة لكَمٍّ كبيرٍ من المعلوماتِ وتتبع سلوك الإنسان في شرائه واهتماماته؛ لاستغلاله في تنمية إيرادات البنوك والشركات وتزيين احتياجه لأشياء غير ضرورية بالنسبة له غالبًا.
إن إنسان العصر يعيش في واقعٍ له سماتٌ جديدةٌ؛ من أهمِّهَا: انتهاكُ الخصوصيَّة، سواءٌ بحقٍّ أو بغير حقٍّ؛ فربما كان مقبولًا التعدي على بعض الخصوصيَّةِ من أجل توفير قدرٍ من الأمانِ للمجتمع؛ كمراقبة بعض الأماكن المهمة، أو للحفاظ على ممتلكات ثمينة، وهي أمور تحتاج إلى ضوابط من أجل التقليص من أضرارها، ولكن الأمر لا يقف عند هذا الحد، بل يصل إلى حدِّ المتاجرة بمعلوماتِه الخاصَّةِ واستخدامِها من أجل تغيير طبيعة وأنماط علاقات الإنسان بأفراد آخرين في المجتمع، وإعادة هيكَلَةِ سلوك المجتمع وتغيير أولويات أفراده واهتماماتهم.
والإسلام –كعادته في مختلَف القضايا- يقدِّم رؤيةً متوازنةً لا إفراط فيها ولا تفريط؛ فنجد أنَّ الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم ينهانا عن التجسُّسِ والغيبَة: ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾ [الحجرات: 12]؛ فنهى الله تعالى عن تَتَبُّعِ البعضِ عورةَ غَيرِه، والبحث عن سرائِره، وأنَّ علينا أن نَقْنَعَ بما ظهر لنا من أمور النَّاسِ، وبناءً على ما يظهر منهم يكون الحُكم عليهم، ولكن التجسُّسَ يكون جائزًا على الأعداء في الحروب؛ فقد كان الرسول صلى الله عليه آله وسلم يرسل عيونَه للتعرُّفِ على الأعداء وتحركاتهم في الحروب التي كانت تجري بينهم وبين المسلمين.
وعَلَّمَنا رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم أن «مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» رواه الترمذي، وقال لخالد بن الوليد رضي الله عنه حين أراد أن يضرب عنقَ رجلٍ تطاولَ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فنهاهُ النَّبيُّ وقال له: «لَا، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي»، فقال خالد: "وكم من مُصَلٍّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه"، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَلَا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ» متَّفق عليه.
وقال أيضًا: «مَنْ سَتَرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ فِي الدُّنْيَا سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» رواه النسائي، وقال: «لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ» رواه الترمذي، وقال: «مَنْ نَظَرَ فِي كِتَابِ أَخِيهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَإِنَّمَا يَنْظُرُ فِي النَّارِ» رواه أبو داود.
واجتهد الفقهاء -استنباطًا من هذه الأدلة وغيرها- على حقِّ الشخص في حرمة مسكنِه والعيش فيه آمنًا من تطفُّل الآخرين، والنهي عن اختلاس البصرِ واستراقِ السَّمعِ لبيوت الناس، وبالتالي فإنَّ حقَّ الإنسانِ في حماية حياته الخاصة ومعلوماته الشَّخصيَّة مكفولٌ في الإسلام، إلا إذا كانت هذه الحماية سيترتب عليها ضرر أكبر؛ كوقوعِ مفسدةٍ كبرى أو ضياع أموال وحقوق لآخرين، أو تدليس على الناس ومثل ذلك، فحينئذٍ يجب بيان الحقيقة حتى إذا كانت ستنتهك حقَّهُ في حماية حقِّه في الحفاظ على المعلومات الشخصية؛ لأن وصول الحقوق إلى مستحقِّيها وحمايةَ الأمة من الشرور والبلايا أولى بالاعتبارِ، ومن هنا كان من واجب الشهود الإدلاءُ بشهادتِهم بكلِّ صدقٍ وإخلاص؛ قال تعالى: ﴿وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾ [البقرة: 283]، وقال جلَّ شأنه: ﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ [البقرة: 282].
لذا يجب على الإنسان أن يحتاط في حياته من آثار هذه السِّمات الجديدة للعصر الذي نعيش فيه، والذي أصبح انتهاكُ الخصوصيَّةِ أحدَ أبرز سِماته، بحيث يُقلِّلُ قدر الإمكان من آثارها السلبية عليه وعلى المجتمع، صحيحٌ أنه لن يستطيع التخلُّصَ منها بالكليَّة، ولكن على الأقل يحاول تقليل آثارها بمختلف الوسائل التي تُعينه على ذلك؛ من أجل ألَّا تكون حياتنا وسلوكياتنا وتفصيلاتنا مشاعًا بين الخلق وبأيدي جهاتٍ تحاول استغلالها أو التحكم فيها أو تغييرها بما يحقِّقُ مصالِحها هي بِغَضِّ النَّظرِ عن مدى مصلحَتِنا في هذا التَّغَيُّر من عدمه.
المصادر:
- "تفسير الإمام القرطبي".
- "عون المعبود شرح سنن أبي داود" للإمام المباركفوري.
- "الحماية القانونية للحياة الخاصة في النظم المعاصرة" للدكتور حسن عمر سراج الدين عمر، رسالة دكتوراه، كلية الشريعة والقانون، جامعة أم درمان الإسلامية، السودان، سنة 2016م.
- "الثورة الرابعة.. كيف يعيد الغلاف المعلوماتي تشكيل الواقع الإنساني" تأليف: لوتشيانو فلوريدي، ترجمة: لؤي عبد المجيد السيد (بحث ضمن سلسلة "عالم المعرفة" بدولة الكويت، عدد 452، سبتمبر 2017م، ط. المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب).

الرفق خلق جميل حثَّ عليه الإسلام ورغَّبَ فيه أتباعه ودعاهم للتمسك به، وهو خلق ينشر بين الناس المحبة، ويوثق بينهم الأواصر والروابط. ومن حكمة الله البالغة أن جعل الرفق قرينًا للتشريعات والعبادات، وهو ما جعل الفقهاء يقررون قاعدة "المشقة تجلب التيسير"، ونضرب مثلًا على ذلك بقوله تعالى في أحكام القصاص في القتل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [البقرة: 178]، فبالرغم من بشاعة الجريمة وعِظَمِ وقعها على نفس أهل القتيل، فإنَّ الله تعالى بعد أن قرَّرَ عقوبة القصاص، سمح بالعفو عنه، ووجَّه إلى اتِّباعه.


الصبر من الأخلاق المهمة التي يجب على المسلم أن يتحلَّى بها، وأن يُدَرِّبَ نفسه عليها. ولقد عرَّف بعض العلماء الصبر في أحد تعريفاته: بـ «تجرع المرارة مع السكون». وحياة المؤمن كلها ينبغي أن يكون الصبر محورها، فهو يصبر على طاعة الله تعالى ويصبر أيضًا عن معصيته، كما يصبر على ما يصيبه من ضراء في الحياة الدنيا تبعًا لأقدار الله بحلوها ومرها، لا يجزع ولا ييأس من رحمة الله، ولا يغترَّ بما فيه من نِعم؛ فيزلَّ خائبًا يخسر دنياه وآخرته.


تعد صلة الأرحام من مظاهر عناية الإسلام بتقوية أواصر الصِّلات داخل المجتمع، ونشر المحبة والسلام بين أفراده؛ حيث وجَّه الإسلامُ عنايةَ أتباعه إلى التَّواصُل والتَّقارب بشكلٍ خاص بين الأهل والأقارب؛ فالإسلام لا يقرُّ هذه النظرة الفردية التي تجعل الإنسان مهتمًّا بذاته فقط، أو على الأكثر بأسرته الصغيرة، بل يدفع الإسلام أتباعه إلى ترسيخ قيمة التَّواصل الفعَّال بين الأقارب؛ كحلقةٍ أساسيةٍ من حلقات الترابط في المجتمع؛ ولتشعب العلاقات والمصاهرة بين النَّاس؛ فإنَّ دائرةَ صلةَ الرَّحم قادرةٌ على الامتداد لتشمل المجتمع كله بطريقةٍ غير مباشرة.


الإنصاف خلق كريم، يُقرِّر حق كل شخص تجاه نفسه وتجاه غيره، فهو تطبيق لقيمة العدل، الذي هو أصل منظور الإسلام للكون والحياة، الذي تقوم عليه فلسفة الإسلام ومنهجه، وهذا الخلق الراقي يقتضي أن ينظر الإنسان إلى نفسه وغيره نظرًا موضوعيًّا متوازنًا، فيعرف حق نفسه عليه، فيما ينبغي أن يوفره لها من علم وقرب إلى الله وسياسة جسده حتى يقوى على تحمل ما يلزمه من واجبات وما يتطلع إلى تحقيقه من طموحات وتقدير ما يمكنه القيام به وما لا يمكنه


أظهرت شمائل هذا الدين الحنيف عجبًا في موقفها من العالمين، فما إن امتد شعاع الدعوة في عتمة الجاهلية ومست أنوار النبوة تلك القلوب المظلمة إلا وتحولت هذه القلوب بقوالبها إلى طاقة إيجابية تتعامل بالحب والرفق مع جميع المخلوقات على السواء.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 01 مايو 2025 م
الفجر
4 :37
الشروق
6 :12
الظهر
12 : 52
العصر
4:29
المغرب
7 : 33
العشاء
8 :57