05 فبراير 2019 م

الله ربُّ العالمين خالق كل شيء

الله ربُّ العالمين خالق كل شيء

الاسم الجليل (اللهُ) علمٌ على الذات المقدسة للإله العظيم جل شأنه المستحق لجميع المحامد والثناءات، الذي ليس كذاته ذات، ولا كصفاته صفات، ولا لغيره على الحقيقة فعل أو تأثير.
وهو (ربُّ) العالمين؛ أي خالقهم من العدم، ومانحهم الوجود، وواهبهم النعم، ومالكهم وما يملكون، فالله سبحانه وتعالى إله العالمين المنعم عليهم بالإيجاد، ورب العالمين المنعم عليهم بالإحسان والإمداد، فلا يوجد شيء في الكون يستغني لحظة عن الله.
وعقيدتنا التي يهدي إليها الوحي ويسلم لها العقل أن الذي خلق هذا العالم البديع بكل ما فيه، وسلكه في أحسن نظام وأبدعه، وأخرجه من دائرة العدم إلى دائرة الوجود الله رب العالمين، فهو الذي مد بساط الوجود على ممكنات لا تعد ولا تحصى، وأفاض نور فيضه على كائنات لا تُستقصى، ووضع على ذلك كله موائد جوده وكرمه التي لا تتناهى.
وكون الله خالق كل شيء عقيدة يخضع لها القلب مُسَلِّمًا مصدقًا، ويقف أمامها العقل شاهدًا مُذْعِنًا؛ فإن الإنسان -وهو الْمُمَيَّزُ بالعقل والفكر دون غيره من العوالم- حينما ينظر لنفسه -وهو فرد من أفراد هذا العالم- وينظر لِمَن حوله من الكائنات، يعلم أن السمة الغالبة فيه وفي غيره هي العجز والافتقار؛ فلا يملك شيءٌ في هذا الكون لنفسه -فضلًا عن غيره- وجودًا ولا عدمًا ولا حياةً ولا موتًا.
والنظر في ملكوت السماوات والأرض هو بداية المعرفة الصحيحة بهذا العالم المحيط بنا، ومن ثم الخروج بعد ذلك بالنتيجة الحتمية، وهي أن العالم صنعة خالق حكيم.
إن الإنسان لم يخلق نفسه، ولم يخلق شيئًا من العالم، وإذا أعمل الإنسان عقله سيجد أنه كل موجود في هذا العالم يطرأ عليه العدم كما يطرأ له الوجود، فالكل يستوي في حقه الوجود والعدم، فالتغير والتحول من حالٍ إلى حالٍ هو سمة الإنسان وسمة جميع الموجودات حوله؛ فمِن عدم إلى وجود، ومن وجود إلى عدم، ومن حياة إلى موت، ومن موت إلى حياة، ومن حركة إلى سكون، ومن سكون إلى حركة، ومن ليل إلى نهار، ومن نهار إلى ليل. فلا يرجح واحد من الوجود والعدم على الآخر إلا بمن هو خارج عن دائرة العالم ومخالف لكل ما فيه ذاتًا وصفاتًا، وهو الله -سبحانه وتعالى- الذي اختصت قدرته بالخلق بالإيجاد؛ لأن الذي يقبل العدم لا يمكنه أن يُوجِد شيئًا أو يُعدِم آخر، فهو عاجز فيما يتعلق بشئون نفسه، ومن باب أولى عاجز فيما يتعلق بشئون غيره؛ لأنه دومًا مفتقِرٌ إلى غيره.
كما أن الإنسان إذا نظر في هذ العالم سيجد ترابطًا وتوافقًا وتناسقًا ونظامًا شاملًا وعنايةً بكل صغيرةٍ وكبيرةٍ، وسيجد أن كثيرًا من الأشياء قد وجهت لخير الإنسان ومنفعته؛ الليل والنهار، الشمس والقمر، الحر والبرد، الحيوان والنبات. كل شيءٍ يبدو وكأنه خلق من أجل الإنسان، ولا يكون ذلك إلا بإرادة من له القوة والتدبير؛ الله رب العالمين.
وقد تفضل الله تعالى على العباد بإرسال الرُّسل ليعرفوا الجاهل وينبهوا الغافل بأن الذي خلقهم ورزقهم وأمدهم بما لا يحصى من النعم هو الله تعالى، وحوى القرآنُ الكريمُ -الذي هو كتاب الله للعالمين- آياتٍ كثيرةً تنبه الثقلين جميعا بأن الصانع الحكيم الذي خلق كل شيء هو الله ربُّ العالمين سبحانه وتعالى؛ فقال الله عز وجل: ﴿اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الرعد: 16]، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ [فاطر: 3]، وقال تعالى: ﴿اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ ۞ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۞ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ [إبراهيم: 32-34].

المراجع:
 تفسير الإمام الرازي "مفاتيح الغيب".
 "الخريدة البهية وشرحها" لسيدي أحمد الدردير رحمه الله تعالى مع "حاشية الصاوي".
 "البراهين العقلية والنقلية على العقائد الإيمانية" لشيخنا د/ عبد العزيز سيف النصر.
 تفسير أبي السعود "إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم".
 

إن كل شيء في الكون يهدي إلى الله تعالى، ولو أن الإنسان تُرك وفطرته التي يولد بها لاهتدى إلى الحق من أقرب طريق. وقد ميز الله تعالى النوع الإنساني بالعقل المفكر والنفس الملهمة التي هي الفطرة السليمة. وإن العقل الواعي مع الفطرة السليمة عند عدم العوائق لديهما القدرة على الوصول إلى الله تعالى والتسليم له والإيمان به.


الإنسان العاقل توقن نفسه بأنه صنعة الله تعالى الذي خلقه بقدرته، ووهبه الحياة وأسبابها، وهيأ له سبل العيش في هذا الكون الفسيح، وتوقن نفسه أيضًا بأن كل شيء في الكون من سماء وأرض ونجوم وأفلاك وبحار وأنهار وكائنات لا تحصى مفتقرة محتاجة في وجودها إلى الله تعالى الذي أوجدها من العدم.


إذا تأمل الإنسان في أطوار حياته عبر العصور، وما صاحب التقدم الزماني من عوامل تغير شملت مناحي حياة الإنسان، فإنه سيلاحظ أن ما يسخر له في الكون في كل مرحلة إنما يلائم احتياجات عصره ويوافقها، وسيعلم أن كل شيء بقدر، وإلا فلينظر إلى منتجات هذا العصر، ويبحث عنها نفسها في القرون الماضية، ويقارن مدى احتياج الناس إليها في كل زمان؛ ليعلم أنها لم تظهر إلا عندما احتيج إليها.


الإيمان في عقيدتنا واجب على كل إنسان بالغ عاقل، ذكرًا كان أو أنثى، عربيًّا أو غير عربي، مادام قد عرف دعوة الإسلام معرفة صحيحة من أي طريق.


كلما تقدم الزمان بالإنسان واتسعت إمكاناته البحثية وقدراته الاستكشافية وقف على ما لا يحصى من العجائب في نفسه وفي العالم من حوله، وليس ازدياد المراكز البحثية والمختبرات الكشفية والتخصصات العلمية والأجهزة التقنية والتنافس الدولي في هذا كله إلا دليلًا على إعجاز خارق في تكوين كل فرد من أفراد هذا العالم.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 02 مايو 2025 م
الفجر
4 :36
الشروق
6 :11
الظهر
12 : 52
العصر
4:29
المغرب
7 : 33
العشاء
8 :58