الثلاثاء 02 ديسمبر 2025م – 11 جُمادى الآخرة 1447 هـ
06 مايو 2019 م

حب الخير للغير

حب الخير للغير

  الإسلام دين الحب، والحب منبع الرحمة، والرحمة مفتاح كل خلق محمود عرفته الإنسانية، وقد تكرر ذكر لفظ الحب ومشتقاته في القرآن الكريم فيما يزيد على ثمانين موضعًا جاء في أكثرها مسندًا إلى الله عز وجل نفيًا وإثباتًا.
ولقد دعانا الإسلام إلى الحب، دعوة تضمنتها تعاليمه الداعية إلى الإخاء والوفاء والبذل والإيثار وكف الأذى عن المخلوقات، وإن من أجَلِّ ثمرات الحب وأكمل مظاهره أن يحب الإنسانُ حصول الخير ووجوه المصالح والمنافع لأخيه الإنسان كما يحب حصول ذلك لنفسه، ومن ثم جعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من علامات كمال الإيمان وتمامه، وذلك فيما رواه سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» رواه البخاري.
ومعنى الحديث أن العبد الذي حصل له أصل الإيمان لا يؤمن الإيمان التام ولا يبلغ كمال الإيمان إلا بأن يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير، ويلزم عنه ضرورة أن يبغض المسلم لأخيه ما يبغض لنفسه من الشر والأذى، وإن التكليف بحب الخير للغير هو تكليف بمظاهر الحب وعلاماته مما هو مقدور للإنسان، وهو يتضمن النهي عن كل ما ينافي الحب ويضاده.
ولقد نهى الإسلام في سبيل تحقيق ذلك الخُلُق وتمكينه من النفوس عن كل ما ينطوي على إيثار النفس وكراهية الخير للآخرين كالحقد والحسد.
وانطوى تشريع المعاملات في الإسلام على تأكيد ذلك الخلق ونبذ ما يضاده من التصرفات بما يضمن استقرار المجتمع وشيوع المحبة بين أفراده؛ فعلى سبيل المثال: لما كان في خطبة المسلم امرأة مخطوبة لآخر إهدار للمشاعر الإنسانية وتقطيع لأواصر الأخوة مع إيثار النفس على الغير شدد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في النهي عن أن يخطب المسلم على خطبة أخيه، وتعددت الروايات الظاهرة في التحريم، حتى أجمع أهل العلم على تحريم الخطبة على الخطبة إذا كان قد صُرِّح للخاطب الأول بالموافقة ولم يَأذن ولم يترك خطبة تلك المرأة، فلو خطب آخر على خطبته وتزوج كان عاصيًا لله عز وجل، ولمبلغ الحرمة في هذا السلوك اختلف أهل العلم في صحة هذا الزواج، حتى شدد كثير من السادة المالكية في هذه الحالة وقالوا بفسخ عقد زواج ذلك الخاطب ما لم يدخل بتلك المرأة. مما يكشف عن كراهية الإسلام لإيثار النفس والتعدي على الغير.
وهذا المعنى نفسه نلحظه في نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يبيع المسلم على بيع أخيه، كأن يعلم أن شخصًا اشترى سلعة وله حق الرجوع فيها فيقول له: رُدَّها للبائع وأنا أبيع لك مثلها أو خيرًا منها بثمن أنقص، ويتعاقد معه على ذلك.
ومثل البيع على البيع في الحرمة الشراء على الشراء، وذلك بأن يطمع المسلم في شيء اشتراه غيره وعقد عليه بالفعل، فيعرض على البائع أن يفسخ العقد مع المشتري الأول ليشتريها هو منه؛ بل إن الإسلام حرم على المسلم أن يحاول أخذ الصفقة لنفسه في حالة ما إذا علم أن البائع والمشتري اتفقا على الثمن واطمأن كل منهما لإتمام البيع ولم يتم التعاقد بعد.
ولا يخفى ما في ذلك كله من إيثار النفس وإهدار المشاعر؛ ومن ثم اتفق أهل العلم على تحريمه، واختلفوا في صحة التعاقد مع هذا الذي آثر نفسه وتعدى على غيره مع الاتفاق على عصيانه.
وإن النهي عن هذه السلوكيات ليعكس حرص الإسلام على أن يحب المسلم لأخيه ما يحب لنفسه من المنافع، وأن يكره أن يفعل هو أو غيره بأخيه ما يجلب له الضرر كما يكره هذا لنفسه، وفي هذا ما لا يخفى من ترسيخ دعائم الأمان النفسي والحفاظ على الاستقرار المجتمعي.
المراجع:
- "حاشية الصاوي" على "الشرح الصغير" للإمام الدردير.
- "شرح الإمام النووي" على "صحيح الإمام مسلم".
- "فتح الباري بشرح صحيح البخاري" للحافظ بن حجر العسقلاني.
- "المعجم المفهرس لألفاظ القرآن" لمحمد فؤاد عبد الباقي.

الله سبحانه وتعالى رفيقٌ بعباده؛ يحب منهم الطاعة التي أوجب عليهم، ويكره لهم المعصية التي حرَّم عليهم، يحب لهم النَّعيم الذي وعد به الصالحين، ويكره لهم النار التي توعَّد بها المفسدين، والله تعالى يَغَار، وغيرتُه تعالى أن ينتَهِكَ العبدُ ما حرَّم الله عليه.


أظهرت شمائل هذا الدين الحنيف عجبًا في موقفها من العالمين، فما إن امتد شعاع الدعوة في عتمة الجاهلية ومست أنوار النبوة تلك القلوب المظلمة إلا وتحولت هذه القلوب بقوالبها إلى طاقة إيجابية تتعامل بالحب والرفق مع جميع المخلوقات على السواء.


الإتقان من الأخلاق والصفات التي وصف الله تعالى بها صُنعَه؛ فقال جل شأنه: ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ﴾ [النمل: 88]، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ» رواه الطبراني في "الأوسط"، قال عقبة: [لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ هِشَامٍ إِلَّا مُصْعَبٌ، تَفَرَّدَ بِهِ: بِشْرٌ] اهـ. والإتقان يعني: إجادة الشيء، والمهارة فيه، وإصلاح الخَلل، والمسلم يجب أن يكون مُتقِنًا، فيُتقن في عمله وسعيه وسائر شؤون حياته، والله سبحانه وتعالى بيَّن لنا وجوه الإتقان في خَلْقِهِ، حتى يكون ذلك مرشدًا


الكذب من الأخلاق الذميمة التي يقع فيها كثير من الناس للأسف الشديد، وهو خُلُقٌ يجعل صاحبه يقول الشيء على غير حقيقته، ويخالف الواقع الذي هو من خلق الله سبحانه وتعالى. والكذب من صفات المنافقين، يقول تعالى: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ [المنافقون: 1]، وفي الحديث الشريف: «آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ» رواه البخاري، فالمؤمن ينقص إيمانه بالكذب


الإسلام دين المثالية والنزاهة والكمال الإنساني، يأخذ بيد الإنسان لتحصيل الفضائل والوقوف على منطقة الكمال من قواه الإنسانية -العقلية والشهوية والغضبية- فيكون محصلًا لأسمى مكارم الأخلاق، وقد قيل إنه ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من قوله تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: 199]، لأن الأمر بالعرف غاية الحكمة التي هي منطقة الكمال في القوة العقلية، والإعراض عن الجاهلين غاية الشجاعة التي هي منطقة الكمال في القوة الغضبية، وأخذ العفو غاية العفة التي هي منطقة الكمال في القوة الشهوية، فالجامع بين أمهات كمالات الإنسان الثلاث: الحكمة والشجاعة والعفة.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 02 ديسمبر 2025 م
الفجر
5 :2
الشروق
6 :34
الظهر
11 : 44
العصر
2:35
المغرب
4 : 55
العشاء
6 :17