14 مايو 2019 م

ذات الله تعالى وصفاته

ذات الله تعالى وصفاته

 إن العبد عبدٌ لا يتجاوز نقص العبودية، والرب ربٌ لا ينقص عن كمال الألوهية، وهناك فارق بين المخلوق والخالق، وحيث ثبت أن الله تعالى هو رب العالمين وأنه خالق كل شيء فلا سبيل إلى التعرف على ذاته وصفاته إلا بما أخبرنا به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما نزل عليه من كلام الله تعالى وهو القرآن وما أوحي إليه من السنة المشرفة.
وإن غاية ما تصل إليه العقول في معرفة الله تعالى أن يعرف بصفاته التي تبرهن عليها آثار خلقه وشواهد مصنوعاته، أما حقيقة الذات فلا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى؛ ولقد قطع القرآن كل سبيل إلى التفكر في حقيقتها؛ فقال تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: 11]، فتضمنت هذه الآية نفي أن يكون شيء من الموجودات مماثلًا لله تعالى في ذاته أو صفاته أو أفعاله؛ وأن ذات الله تعالى لا يماثلها ذوات المخلوقات، فكل ما ثبت للمخلوقات في ذواتها فهو منتف عن ذات الله تعالى.
فالتفكر في الذات لا يصل بالإنسان إلا لطريق مسدود؛ لأن كل ما يخطر ببال الإنسان ما هو إلا الصور التي سجلها العقل عبر الحياة طالت أو قصرت، وما هذه الصور مهما كثرت إلا صور لمخلوقات هي خلق الله تعالى، يَسْري عليها ما يسري على الإنسان من نقص وضعف وافتقار، فالواجب على العبد أن ينزه الله تعالى فلا يُشَبِّهُهُ بخلقه؛ ومن ثم قال أهل الحق: "كل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك".
وأما صفات الله تعالى فقد ذُكر منها في القرآن والسنة ما يكفي لتصور عظمة الله سبحانه وتعالى وجلاله وجماله وكماله، وإن المقرر في عقيدتنا أن كمالات الله تعالى لا تتناهي وأن صفاته الكمالية لا حصر لها، فنؤمن بذلك إجمالًا، ونؤمن بما ورد به النص وقرره العقل من الصفات تفصيلًا، مع اليقين التام بأنه لا يشارك الله تعالى في هذه الصفات أحد، فهو الواحد في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله.
لما حدثت المناظرة بين نبي الله موسى عليه السلام وبين فرعون، وخاطبه هو وأخوه هارون عليه السلام بقولهما: ﴿إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ﴾ [طه: 47]، سألهما فرعون عن ذات الله سبحانه وتعالى: ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشعراء: 23]، والسؤال بـ(ما) سؤال عن حقيقة الذات، فكأنه قال: وأي شيء رب العالمين؟ وقد كان موسى عليه السلام -بوصفه نبيًا- عارفًا بربه عالِمًا بأحكام الألوهية وعالِمًا أنه لا يصح السؤال عن الله تعالى بـ(ما) بحثًا عن ماهية أو حقيقة، فأجاب سيدنا موسى بما حكاه القرآن: ﴿قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ﴾، ﴿قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ﴾ ﴿قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [الشعراء: 24، 26، 28].
وفي واقعة أخرى أجاب موسى بقوله: ﴿قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾، ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى﴾ [طه: 50، 53].
وهو جواب يفيد أنّ السبيل إلى معرفة الله عز وجل -وهو الكافي في ذلك- أن نعرف الله تعالى بصفاته، وأن نستدل بأفعاله وآثاره على ذلك.
وأمّا التفتيش عن حقيقته الخاصة التي هي فوق فطر العقول، فتفتيش عما لا سبيل إليه، والسائل عنه متعنت غير طالب للحق.
المراجع:
- "تفسير الطبري".
- "تفسير الكشاف" للزمخشري.
- "تفسير التحرير والتنوير" لابن عاشور.
- "شرح الخريدة البهية" لسيدي أحمد الدردير.

إذا تأمل الإنسان في أطوار حياته عبر العصور، وما صاحب التقدم الزماني من عوامل تغير شملت مناحي حياة الإنسان، فإنه سيلاحظ أن ما يسخر له في الكون في كل مرحلة إنما يلائم احتياجات عصره ويوافقها، وسيعلم أن كل شيء بقدر، وإلا فلينظر إلى منتجات هذا العصر، ويبحث عنها نفسها في القرون الماضية، ويقارن مدى احتياج الناس إليها في كل زمان؛ ليعلم أنها لم تظهر إلا عندما احتيج إليها.


اتفق العقلاء على وجود الله سبحانه وتعالى، وقالوا: إن هذا العالم المعجز في صنعته لا يمكن أن يصدر عن نفسه، ولا يمكن أن يكون للصدفة عمل فيه، ولا فيما هو دونه، وإنما العالم صنعة إله قادر خارج عن هذا العالم، وليس جزءًا منه، ولا فردًا من أفراده، ولا تسري عليه أحکامه، وإنما هو إله حكيم ذو علم غير محصور وإرادة تامة وقدرة مطلقة يفعل ما يشاء ويترك ما يشاء.


تساءل الفيزيائي السويسري الشهير تشارلز يوجين جاي (1866-1942م): هل من الممكن أن تصنع الصدفةُ الكائنات الحية؟ وما نسبة الخطأ في احتمالات هذه العملية الكبيرة؟


البقاء من صفات الجلال والعظمة التي يجب على المسلم أن يعتقد اتصاف الله تعالى بها، ومعنى البقاء في حق الله تعالى أنه لا آخر لوجودِه ولا نهاية ولا اختتام، فلا يتصور في جانب المولى عز وجل انتهاء أو فناء أو انقطاع عن الوجود، بل هو سبحانه باقٍ بقاءً لا يلحقه عدم.


إن كل شيء في الكون يهدي إلى الله تعالى، ولو أن الإنسان تُرك وفطرته التي يولد بها لاهتدى إلى الحق من أقرب طريق. وقد ميز الله تعالى النوع الإنساني بالعقل المفكر والنفس الملهمة التي هي الفطرة السليمة. وإن العقل الواعي مع الفطرة السليمة عند عدم العوائق لديهما القدرة على الوصول إلى الله تعالى والتسليم له والإيمان به.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 16 يونيو 2025 م
الفجر
4 :7
الشروق
5 :53
الظهر
12 : 56
العصر
4:31
المغرب
7 : 58
العشاء
9 :32